|
وصية المرحوم
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 6164 - 2019 / 3 / 5 - 20:14
المحور:
كتابات ساخرة
قُلتُ لحمكو : أينَ كُنتَ مُختفياً البارحة ؟ قال : رافقتُ جنازة والد صديقنا المُشترَك ، حيث دفنوهُ في قريتهم ، وكما تعرف ، فأنها بعيدة وطريقها وعِر ومهجورةٌ تقريباً . وبالمُناسبة ، فأنهم سألوني عنك ، فكذبتُ كِذبةً بيضاء وقُلتُ لهم بأنك مريض ولهذا لم تستطِع المجيء ! . - ألستُ مريضاً حقاً ؟ * قالَ بسُخريةٍ لا تخلو من خباثة : لا أدري .. عندما لا تريد حضور مراسيم الدفن والتعزية ، فأنكَ تدّعي المرض ... وإلّا فأنكَ مثل الحصان ماشاء الله ! . - أيا ملعون ياحمكو . على كُل حال .. أنتَ تعرف رأيي في موضوعة التعازي والأعراس . فأنا اُشارِك فيهما في أضيَق نطاق .. نعم .. وأتهربُ قدر المُستطاع . لأن فيهما الكثير من المُبالَغة والتظاهُر والنِفاق الإجتماعي ! . * عموماً .. أنا أيضاً تعبت البارحة ، ولكن حدث أمرٌ في غاية الطرافة : كما تعرف ان الطريق الى قرية صديقنا غير مُعّبَد .. لكن المُشكلة الأكبر ، ان مقبرة القرية تقع في منطقةٍ صخرية ، والتكنولوجيا والمكننة لم تصل بعدُ إلى هناك ، ولهذا فأنهم يحفرون القبور بأدوات بسيطة . أي ان عملية تجهيز قبرٍ واحد ، قد تستغرق ساعاتٍ طويلة ، وتحتاج إلى جُهود عدة أشخاص أقوياء . ولحُسن الحَظ ، فأن هنالك مجموعة من أهالي القرية ، يقومون بحفر القبر ، في سبيل الله ، وكجُزءٍ من إلتزامهم وتكاتفهم الإجتماعي . - ولماذا لم يدفنوه هنا في المدينة حيث يسكنون الآن .. ولكانت حفارةٌ تقوم بحفر القبر خلال دقائِق ؟ ورُبما كُنتُ أنا أيضاً سأحضر على الأغلب . * لأن المرحوم كان قد أوصى أن يُدفَنَ في مقبرة القرية . علماً ان صديقنا كان مع رأي ، أن يُدفن هنا في مقبرة المدينة ، لأن ذلك أسهل وأقل مَشَقة وأقل كُلفة ولا سيما بالنسبة للأقرباء والأصدقاء .. حيث ان الطريق الى القرية ليس وعراً فقط ، بل أنهُ خَطر أيضاً ، بسبب إحتمال التعرُض لغارات الطائرات التركية . ومع كُل هذه الأسباب المُقنِعة والمنطقية ، فأن والدة صديقنا وكذلك عمّه ، أصّرا على الذهاب إلى القرية ، حسب وصية المرحوم ، ودفنه هناك . لم يكُن أمامَ صديقنا المُشترَك ، إلا الرضوخ . المُهم .. وصلنا إلى القريةِ قبيل العصر ، وقام مجموعة من الرجال بحمل النعش على أكتافهم مسافة ستين متراً تقريباً " لأنه حتى سيارة الدفع الرباعي لاتصل إلى هناك " لحين وصولهم إلى المقبرةِ العتيدة ، حيث رأينا الرجال الذين قدموا فجراً ، على وشك الإنتهاء من حفر القبر ، وقد هّدهم التعب والإرهاق . والله ياصديقي .. لا أدري ما الحكمة في إختيار ذاك المكان الوعر والصخري ليكون مقبرة القرية ؟ هل هي وسيلة لتعذيب الذين يقومون بحفر القبور ؟ أم هي تذكيرٌ بالموت ؟ على أية حال .. ما أن وضع الرجال النعش على الأرض بجانب الحفرة الجاهزة ، حتى إنبرى أحد أقرباء المرحوم ، وقال بصوتٍ جهوري : ماذا ستفعلون ؟ لن ندفنه هنا .. حيث ان المرحوم كان قد أوصى أن يُدفن تحت تلك الشجرة " وأشارَ بيدهِ إلى تلةٍ قريبة " ! . وهُنا إنفجرَ شقيق المرحوم عَم صاحبنا ، وصاحَ غاضباً : ماذا ؟ المرحوم أوصى ؟ المرحوم أكلَ تِبِن ! . إنكسرَ ظهرنا ونحن نُفتِت الصخور منذ الفجر وحتى الآن .. تعال أيها الملاّ وأكمل المراسيم . وبالفعل اُنزِلَ النعش وقُرأت الفاتحة .. وسط ضحكاتٍ مكتومة بسبب تعليق شقيق المرحوم .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أللهُ أعلَمْ !
-
أُمنِياتٌ مُؤجَلة
-
براءةٌ وحُسنُ نِيّة
-
تعبنا ومللنا من الحروب
-
أحترِمها .. لكني لَسْتُ مُقتنِعاً بها
-
هَلْ مِنْ مُجيب ؟
-
اللاجئين ... نقمةٌ أم نِعمة ؟
-
حمكو والسُعال
-
ش / ع / ن
-
ال PKK في الأقليم .. وجهة نَظَر
-
لحمٌ وبصل ... وأحكامٌ مُسبَقة
-
تحضيرٌ ... وإرتِجال
-
توقُعات حمكو
-
إنطباعات حمكو عن 2018
-
مَصالِح الأحزاب ومصالِح الشعب
-
حول زيارة ترامب إلى العراق
-
أمورهُ ماشِية
-
اليوم العالمي للتضامُن الإنساني
-
هل للعِراق سِيادة ؟
-
قَبلَ .. وبَعدَ
المزيد.....
-
وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح
...
-
مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد
...
-
أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه
...
-
وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا
...
-
عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب
...
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|