أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد السلام أديب - خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق















المزيد.....


خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 436 - 2003 / 3 / 26 - 04:00
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


 

منذ أحداث 11 شتنبر 2001 ، التي أصبحت كالهلوكوست الصهيوني والتي لن نعرف مصدرها الحقيقي والخلفيات التي وقفت ورائها إلا بعد مرور عقود طويلة، نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود حربا امبريالية أريد لها أن تكون بدون حدود وبدون تغطية منطقية إلا من خطاب عدواني معلن  ذو مفردات مطاطة يتخذ صيغة محاربة الإرهاب تارة وخوض الحروب الوقائية للمحافظة على ما تسميه بمصالحها القومية تارة أخرى.  فمنذ تربع بوش على عرش الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتخابات مشكوك في نزاهتها، كانت مظاهر الانتكاسة الاقتصادية الداخلية تتراكم يوما بعد يوم كما أن الأجواء الدولية بدأت تتلبد أكثر فأكثر نتيجة نجاح عدد من القوى اليمينية المتطرفة في الصعود إلى السلطة سواء في إسرائيل أو إسبانيا أو إيطاليا والتي تتوق إلى احتلال مكانة دولية متميزة عبر التصاقها بالمصالح الإمبريالية للوبيات الأمريكية.
السعي إلى انقاد العولمة الليبرالية من الانهيار
وقد وصلت العولمة الاقتصادية مع صعود بوش إلى الحكم إلى حدودها التاريخية نتيجة تفاقم التناقضات على مستوى المصالح الطبقية محليا ودوليا. وقد كان المستفيد الوحيد من العولمة الليبرالية خلال عقد التسعينات هي الشركات متعددة الاستيطان التابعة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والتي سجلت معدلات نمو مرتفعة بينما كانت باقي اقتصاديات العالم تعاني من أزمات متتالية. وقد كان من شأن هذا التناقض تمركز الثراء في المراكز الرأسمالية الكبرى وانتشار الفقر وعدم المساواة في الهوامش. وقد أدى هذا الواقع إلى انتشار الفوضى ومظاهر التفكك الاجتماعي وظهور اعتراضات ومقاومات جماهيرية متعددة الأشكال للعولمة الليبرالية. وقد أصبح الانهيار الذي بات يعترض مهندسو العولمة الليبرالية مزدوجا، فقد تمثل من جهة في فشل ايديولوجية العولمة الليبرالية سواء على المستوى النظري أو على مستوى الأداء  الاقتصادي، فقد تأكد للجميع أن العولمة لا تفيد سوى الأقلية الطبقية المتحكمة في عصب الاقتصاد الدولي والتي تسعى إلى المزيد من بسط هيمنتها. بينما تتمثل من جهة أخرى في نوعية ردود الفعل على هذه الهيمنة المعولمة والتي اتخذت  في بعض الأحيان عمليات إرهابية كبرى من طرف بعض التنظيمات المتطرفة.
لقد كانت الوعود الصادرة عن القوى الإمبريالية الأمريكية إبان الحرب الباردة تفيد بأن رخاء العالم وسعادته إنما تقف دونه "أنماط الإنتاج الاشتراكية والشيوعية" والتي تباشرها أنظمة "ذات توجهات غير ديموقراطية"، وأنه مع انهيار المنظومة الاشتراكية سيحقق العالم ما يصبو له من تعميم للحكم الديموقراطي والارتقاء بالسعادة الإنسانية في كل مكان. لكن الحصيلة المترتبة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي جاءت مخيبة للآمال. فرغم انتشار مقولة نهاية التاريخ التي أطلقها فوكو ياما عقب انهيار الاتحاد السوفيتي والتي ترمز إلى الهيمنة العالمية لنظام السوق على المستوى الاقتصادي إلى الانتشار الواسع للمبادئ الديموقراطية على المستوى السياسي، فإن الرخاء الاقتصادي ضل محدودا بينما تراجعت المبادئ الديموقراطية في كل مكان بشكل لم يسبق له  مثيل. فأزمة الديموقراطية تتمثل اليوم في أن المواطن سواء منح صوته لمرشحي أحزاب اليمين أو اليسار أو الوسط فإن مشاكله لا تجد حلولا لها لأن  السوق هو الذي أصبح  المتحكم الحقيقي في الأوضاع الاجتماعية المتردية باستمرار.
إن النجاح الاقتصادي الذي حققته الولايات المتحدة في إطار الاقتصاد المعولم تحت إدارة كلينتون خلال عقد التسعينات يتعارض مع ما وقع في العديد من المناطق في العالم، خصوصا منذ سنة 1997 وما يسمى ب "الأزمة الآسيوية". فأمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا وروسيا وجزء من أوروبا الوسطى والشرقية كانت عرضة لأزمات متوالية. بينما الولايات المتحدة وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي – كانت المستفيد الوحيد من العولمة الاقتصادية. "فالعولمة" الاقتصادية والمالية تبدو كعملية ذات تراتبية عميقة، حيث تهيمن على هذه التراتبية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وكمؤشر على ما سبق تجدر الإشارة إلى ، عمليات الانصهار والاندماج العابرة للحدود بين المجموعات متعددة الاستيطان والاستثمارات الأجنبية الخاصة، والتي تحققت بنسبة 70  %  فيما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. "
 فعولمة رأس المال عبارة عن علاقات لا متكافئة بين الدول وبين الطبقات ولا علاقة لها بتطوير متكافئ لدول العالم أو بتحسين ظروف عيش سكان العالم. فقد اتسعت هيمنة رأس المال بشكل مهم  منذ بداية عقد التسعينات، كما تكرست  هذه الهيمنة من خلال السياسات الليبرالية الجديدة وسياسات التقويم الهيكلي، مما أدى إلى انهيارات اقتصادية واجتماعية هائلة في العديد من الدول والمناطق. ويبقى المثال الصارخ على ذلك ما حدث للأرجنتين من انهيار اقتصادي واجتماعي رغم اعتبار هذه الدولة رابع قوة اقتصادية في الأمريكيتين اضافة إلى توفرها على موارد طبيعية هائلة. فالانهيار الذي عرفته هذه الدولة هو بمثابة حصيلة سياسة مقصودة معتمدة من طرف المؤسسات المالية الدولية ولفائدة رأس المال الريعي (عبر نزيف المديونية) والمجموعات الكبرى متعددة الاستيطان (عبر الخوصصة وتصفية المقاولات العمومية).
وبدءا من سنة 1997، وفي سياق الانهيار التام وعدم اليقين المتزايد والأزمة الاقتصادية المزمنة على المستوى العالمي، أصبحت المراكز المالية الأمريكية بمثابة "ملاجئ لرؤوس الأموال" وتمارس تأثيرا جاذبا قويا على الطبقات الريعية بحثا عن الأمان لأوراقها المالية. كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية على اعتماد سياسة نقدية موجهة بالكامل لصالح مالكي الأوراق المالية. وقد كانت السياسة النقدية سخية جدا في مجال خلق القروض، والتي استعملت لتمويل شراء الأسهم والسندات والتسبب بذلك في زيادة قوية في أسعار الصرف في أسواق البورصات. وقد ساهم كرين سبان  A. Greenspan المسؤول بالبنك المركزي الأمريكي، في "تعميق الوفرة غير العقلانية" التي أدانها مع ذلك سنة 1996.
لكن عشية  11 شتنبر 2001، كان الاقتصاد الأمريكي قد دخل في مرحلة الأزمة. فقد انقشع وهم أن الولايات المتحدة يمكنها أن تضل بشكل مستمر "خارج الأزمة". ولم تتوقف التناقضات الاقتصادية التي تجتازها عولمة رأس المال عند حدود الولايات المتحدة. فالمراكز المالية الكبرى عرفت انهيارا قويا لما تسميه بزهور الرأسمالية المالية المتفتحة (عبر انهيار قيم المؤسسات التكنولوجية الكبرى، نازداك، والانهيار القوي لوول ستريت) والتي تأسست حول مبدأ "القيمة للمساهم" والريع المنبعث من المديونية المزمنة لدول الجنوب، تم بلوغها (انرون، ورلد كوم، أول ويرنر، المكاتب الاستشارية ... الخ). وتؤكد التحليلات على أن  معدل مردودية رأس المال المستثمر في مجال الإنتاج أخذ في التراجع في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1997. إلا أن الطفرة البورصية والقروض الغزيرة المتدفقة باستمرار لدعم استهلاك الأسر، إضافة إلى غياب عواقب الأزمة "الآسيوية" لسنة 1997، والإحساس بالمناعة اتجاه الحرب المعتمدة في صربيا، استطاعت أن تخفي خلال بضعة سنوات حالة التراكم المفرط للقدرات الصناعية وتناقضات الاقتصاد الأمريكي، حيث يقوم النمو على الحجم الهائل للقروض والمديونية الداخلية والخارجية.
وفي الواقع فإن النمو الاقتصادي القوي الملاحظ منذ سنة 1993 في الولايات المتحدة يدين بالكثير للمزايا الهائلة التي يستفيد منها هذا البلد عبر وضعه المهيمن وتأكيد هذه الهيمنة عقب اختفاء الاتحاد السوفيتي. فالولايات المتحدة الأمريكية هي وحدها التي استطاعت الحفاظ منذ ثمانية عشرة سنة على ميزان السلع والخدمات في حالة العجز. إضافة إلى مديونية عمومية ضخمة والتي يتم تمويلها عبر  تدفق رؤوس الأموال من بعض الدول المتقدمة ومن بعض المشيخات النفطية بالشرق الأوسط.
ومع الأزمة التي تضرب اليوم الولايات المتحدة، يمكن اعتبار أن المرحلة التي بدأت سنة 1991 قد انتهت. فكلفة السياسات الليبرالية الجديدة وعدم قدرة رأسمالية التسعينات على تحقيق الضبط الذاتي يتم دفع كلفتها بسعر باهظ من طرف المواطنين.

وإذا كان انهيار العولمة الليبرالية من شأنه أن يتسبب في خسارات وانهيارات  عميقة في الاقتصاد الرأسمالي وضياع مصالح ضخمة للتحالف الطبقي المهيمن على المستوى العالمي، فقد أصبح من مصلحة هذه القوى للمحافظة على وجودها اعتماد استراتيجية هجومية تستهدف أولا من الناحية الاقتصادية تحقيق مستوى مرتفع من الأرباح ومن أجل ذلك  يجب فرض المزيد من السيطرة على الأسواق العالمية وعلى مواقع المصادر الأولية وعلى حركة رؤوس الأموال العالمية وعلى نمط الإنتاج المعولم ذو التكاليف منخفضة. كما تستهدف ثانيا من الناحية السياسية تكريس موقع القطب الوحيد الذي تحقق للولايات المتحدة الأمريكية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1989 والعمل على انقاد العولمة الليبرالية من الانهيار عبر عسكرتها ومواجهة مناهضيها. ثم الاستفادة من الوضع الجديد لتحطيم مختلف القوى الإقليمية التي من شأنها مزاحمة الولايات المتحدة مستقبلا في قيادة العالم.
الحرب كوسيلة لإنعاش الاقتصاد المتأزم وتحقيق أهداف استراتيجية
من أجل انقاد نمط الإنتاج الرأسمالي الأمريكي المعولم من الانهيار يتم اللجوء إلى استراتيجية اقتصادية تدمج بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي وعسكري، علما بأن الحروب كانت دائما متنفسا فعليا للنظام الرأسمالي كلما ظهر بأن النظام قد أصبح مهددا بالانهيار، ويكفي للتدليل على ذلك من العودة إلى تاريخ الحروب التي خاضتها البلاد الرأسمالية منذ سنة 1800. كما يمكن الإشارة هنا إلى ما جاء على لسان مدير صندوق النقد الدولي، السيد كوهلر، في إحدى تصريحاته حينما أعلن بأن حربا قصيرة مع العراق "يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي (على الاقتصاد العالمي) لأن ذلك سيلقي الضوء على الأوضاع الاقتصادية  الحالية". فمسؤول عن مؤسسة من المفروض أن تهتم بالمشاكل الاقتصادية نجده يعرب عن دعمه لخوض "حرب قصيرة" ونقول طويلة نظرا لتداخل المصالح فيما بين "اقتصاد السوق" والصناعات العسكرية والحرب. فالحرب ستكون إيجابية بدون شك بالنسبة لشركات البترول، وبشكل مؤكد بالنسبة لصناعة الأسلحة وبالنسبة لملاكي رأس المال المالي الذين تلجأ إليهم الدولة للحصول على عشرات الملايير من الدولارات التي ستلحقها الحرب بعجز الميزانية الأمريكية المتضخمة أصلا.
فالتسلح بدون حدود سينعش الصناعات الحربية ويطور المنتجات التكنولوجية والعلمية ويضمن تصاعد الأرباح في القطاعات الإنتاجية مما سينعكس على مختلف القطاعات الأخرى التي تعاني من الركود إيجابيا. لكن التسلح بدون حدود يقتضي تدميرا منهجيا للأسلحة المتوفرة لإعادة إنتاجها وتطوير نوعيتها. ولتحقيق هذا التدمير المنهجي لا بد من إشعال فتيل الحروب في كل مكان يمكن أن تتحقق فيها الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. لذلك فإن الحرب القادمة على العراق ليست سوى مقدمة لحرب طويلة ستطال عدة أهداف أخرى.
إن الهيمنة على العالم تقتضي احتكار مطلق لعوامل القوة. ونجد أن الولايات المتحدة تتوفر  في هذا المجال بالفعل على احتكار مطلق في مجال أسلحة التدمير الشامل النووية وغير النووية، كما تحتكر مؤسسات التمويل الكبرى ذات الفوائض المالية الهائلة، كما تتوفر على احتكار تكنولوجي مطلق نظرا لتوفرها على الإمكانيات المالية الهائلة للمحافظة على هذا الاحتكار، كما تتوفر على احتكار مطلق لوسائل الإعلام بحيث تجعل هذه الوسائل تتحدث لغة واحدة تعبر عن المصالح العليا الأمريكية. وتحتكر الولايات المتحدة الأمريكية بشكل شبه مطلق قرار استخدام الموارد الأولية ولعل أحد الأهداف الحالية من وراء السعي إلى غزو العراق هو بلوغ الهيمنة المطلقة على مصادر الطاقة. فالسيطرة على العالم اليوم تبدأ من خلال هذه الاحتكارات الخمس، كما تجعل هذه الاحتكارات المسؤول الأمريكي يشعر بنوع من التفوق المطلق تزيده عجرفة وطغيانا وخرقا لمختلف المواثيق الدولية.
أهمية الميزانيات العسكرية للاقتصاد الرأسمالي
لا أحد يجادل في أن عمليات 11 شتنبر 2001 المشكوك في مصدرها الحقيقي حسب العديد من الدراسات قد شكلت منعرجا خطيرا سواء بالنسبة لتزايد السلوك العدواني للولايات المتحدة اتجاه بقية دول العالم على مختلف المستويات التجارية أو السياسية أو البيئية أو على مستوى طبيعة العلاقات الدولية التي بدأت تحول أشخاص المنتظم الدولي من كيانات مستقلة تتخذ قراراتها بتوافق بين هذه الكيانات إلى أشخاص مسلوبة الإرادة أمام جبروت الولايات المتحدة الأمريكية. فقد كرست الولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص بشكل باهر في بعض الأحيان الاتجاه الذي انطلق منذ بداية عقد التسعينات. فقد صادق الكونغرس على زيادات ضخمة في النفقات العسكرية منذ 11 شتنبر 2001. ومن المعلوم أن ميزانيات البانتغون (التي تتضمن ميزانيات إدارة الدفاع والتجسس، والبحث التكنولوجي العسكري وبعض البرامج العسكرية الأخرى) تزايدت من 304 مليار دولار سنة 2001، إلى 351 مليار دولار سنة 2002، وبلغت سنة 2003 ما قدره 396 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 470 مليار دولار سنة 2007.
ويعتبر هذا التطور استعراضيا، حيث تضاعفت الزيادات المحسوسة للميزانية العسكرية (ب 112 مليار دولار في الفترة المتراوحة ما بين 1999 و2003). وفي الواقع، فإن الدورة الجديدة من الزيادات في النفقات العسكرية بدأت تظهر ملامحها منذ نهاية عقد التسعينات. حيث وضعت هذه الدورة حدا لانخفاض النفقات العسكرية التي تم تسجيلها مع بداية عقد التسعينات، والتي كانت تشكل استمرارا للانخفاض المسجل خلال الفترة الريغانية، حينما حفر اتساع النفقات العسكرية وحرب النجوم هوة المديونية الأمريكية بشكل عميق.
وعلى الرغم من هذه التقلبات التي طبعت ميزانيات البانتغون منذ عقدين من الزمن، إلا أن هناك بند تم الاحتفاظ به في هذه الميزانية حتى في ظل فجوة بداية عقد التسعينات. ويتعلق الأمر بالنفقات المخصصة للاختراعات التكنولوجية العسكرية. فقد ارتفعت نفقات الأبحاث العسكرية (بالدولار الثابت لسنة 1981) من 27,3 مليار دولار سنة 1980 إلى 52,4 مليار دولار سنة 1987 ثم إلى 39 مليار دولار سنة 1996 و47,5 مليار دولار سنة 2002 (وكان ذلك قبل الزيادات المقررة من طرف إدارة بوش).
وقد عرف النظام العسكري الصناعي الأمريكي، خلال عقد التسعينات، تحولات عميقة – تم تشجيعها في البداية من طرف البانتغون، حيث بلغ تمركز المجموعات الصناعية درجة مرتفعة نظرا لأن خمس مجموعات كبرى للإنتاج العسكري تتوصل ب 40 %  من طلبات هذه الإدارة. وقد تم تدبير إعادة الهيكلة الصناعية في مجال صناعة الأسلحة بمشاركة نشيطة من طرف رأس المال المالي.
فقد أرضت القرارات المتخذة من طرف إدارة كلنتون التحالف المالي الصناعي العسكري، كما أفرحته القرارات المتخذة من طرف إدارة بوش. ففي الفترة المتراوحة ما بين 11 شتنبر 2001 ونهاية غشت 2002 فقد مؤشر  S&P لوول ستريت   (الذي يقيس أداء 500 من القيم الأمريكية الكبرى) 20 %  من قيمته (وفقدت نازداك أكثر من  60 %). وفي نفس الوقت سجلت سندات مجموعات إنتاج الأسلحة الخمسة ربحا بنسبة 10 %  في المتوسط.
هناك بعض التحليلات التي تعتبر أن مرحلة جديدة من إدماج أنظمة إنتاج الأسلحة تسير في طريقها نحو التحقق مع التحضير للعدوان على العراق ترتكز على "الشبكات" (network-centric warfare) حسب التعبير المعتمد في الدوائر العسكرية الأمريكية، حيث يقوم التفوق العسكري على فعالية الاتصال، وقوة الأدوات الاعلامية، ودقة توجيه الأسلحة ... الخ. ويستدعي هذا النوع من الحروب إنتاج طائرات بدون ربابنة (drones) ستكون مهامها في المستقبل جد متعددة وأكثر تنوعا مما كان عليه الأمر خلال حرب أفغانستان. فمفهوم التفوق الإعلامي الذي طبقه الخبراء الأمريكيون في الاستراتيجية تعتبر شديدة الصلة بهذه التحولات التكنولوجية. ومن وجهة نظر تكنولوجية، فإن فعالية هذه الشبكات والتفوق الإعلامي يقوم بطبيعة الحال على استعمال جد مكثف لتكنولوجيات الإعلام والاتصال (TIC). فهذا التفوق يتيح لمجموعات التسلح الأمريكية مزايا مقارنة حقيقية في مجال تطوير التكنولوجيات المتخصصة في تحسين أمن البنيات التحتية الإعلامية وفي مجال النقل والاتصالات سواء فيما يتعلق بمكوناتها العسكرية أو المدنية، والتي أصبحت أكثر اندماجا في ما بينها.
الأمن القومي الأمريكي والحرب بدون حدود
لقد استفاد التحالف الرأسمالي العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية من اختفاء الاتحاد السوفيتي، ولكن كذلك من التهديدات التي تواجه مصالحها ومصالح البرجوازية المالية، من طرف مناهضي العولمة الليبرالية. ثم إن خبرائه حددوا "المصالح الحيوية" للولايات المتحدة، والتي تهم الأطراف التي تحتاج لتدخل عسكري إذا ما تعرضت للتهديد (الكيان الصهيوني مثلا). كما أن المصالح الحيوية التي تم تحديدها بهذا الشكل في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة لا تتضمن فقط الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة التهديد النووي أو البكتيري أو الكيميائي، ولكن تتضمن أيضا كل مساس باستقرار مرتكزات النظام الليبرالي المتوحش ذات الطبيعة الشمولية والتي تتمثل في "الشبكات التجارية والمالية والنقل والطاقة والبيئة" وذلك بحسب مصطلحات تقرير "اللجنة الوطنية حول المصالح القومية الأمريكية"، والتي يوجد من بين أعضائها السيدة كونزا ليزا رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس الأمريكي جورج ولكر بوش (وهو نفس البرنامج الذي اعتمده المسؤولون الأمريكيون في قمة الحلف الأطلسي بواشنطن سنة 1999).
 ويشير هذا الاتجاه الذي أخذ يبدو أكثر وضوحا منذ 11 شتنبر 2001 إلى محاولات تجريم الحركات الاحتجاجية العالمية سواء بالنسبة للأشخاص أو الأنظمة، فهي رسالة موجهة إلى كل من يهدد " استقرار" العولمة الليبرالية". فإذا رفضت دولة ما مثلا  الاستمرار في دفع الفوائد برسم المديونية الخارجية، والتي تشكل ريعا حقيقيا متجددا لفائدة رأس المال المالي، فإن ذلك يصبح بمثابة مساس خطير بمصالح الأموال الأمريكية الموظفة في الخارج، ومن تم يصبح ذلك مبررا لاتخاذ تدابير عقابية عسكرية. 
إن هذه الاستراتيجية سبق اعتمادها في نهاية عقد التسعينات وتجسدت في وثيقة تمت عنونتها ب "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية" لكنها لم تنشر إلا في 17 شتنبر 2002 من طرف إدارة جورج ولكر بوش، فنشر هذه الوثيقة بعد أحداث 11 شتنبر 2001 والعدوان على أفغانستان، جاء في سياق يشهد تدهورا اقتصاديا وانهيارا لقيم البورصات غير قابل للضبط، كما جاء لاستعراض نوايا واشنطن خلال السنوات المقبلة. فوثيقة شتنبر 2002 تعلن الحرب انطلاقا من ديباجتها حيث تقول بأن "الأممية الأمريكية المنتصرة بعد هزم وإدانة المنظور النضالي الطبقي، والأمة والعنصر الذي يعد بيوتوبيات وبالتحرر من الفقر " (الصفحة 1) .
وتركز الوثيقة على حق الولايات المتحدة في  اللجوء إلى خوض حروب وقائية كلما اعتبرت بأن مصالحها مهددة. "فأحسن دفاع هو الهجوم" (الصفحة 6) "وتحافظ الولايات المتحدة منذ مدة طويلة على خيار العمل الوقائي ...  من أجل احتواء أو منع أعمال عنف من طرف الأعداء، فالولايات المتحدة تتصرف، إذا كان ذلك ضروريا، بشكل وقائي" (الصفحة 13).
إلا أن التعريف المقدم حول "المصالح" الأمريكية وحول الأعمال الوقائية لا يبدو واضحا. فالأعمال الوقائية تؤدي لمواجهة التهديد الذي يشكله "الإرهاب والانهيار" (الديباجة) وتضع لها كهدف اعتماد "قيم لا تقبل التفاوض حول الكرامة الإنسانية" (الصفحة 3). وتتمثل هذه القيم في "السلام والديموقراطية وحرية الأسواق والتبادل الحر" (الديباجة). فالتبادل الحر أصبح أكثر من مجرد اختيار للسياسة الاقتصادية: "لقد تطور (التبادل الحر)كمبدأ أخلاقي قبل أن يصبح العمود الفقري للعلم الاقتصادي (الصفحة 18). إن الأمن القومي للولايات المتحدة لا يمكن ضمانه، إذا ما أعيد النظر في هذه المبادئ، بما فيها التبادل الحر، وذلك في أي منطقة من العالم (الصفحة 17).
كما تفرد الوثيقة فصلا كاملا تحت عنوان "تطوير عهد جديد من النمو الاقتصادي الكوني بفضل الأسواق والتبادل الحر"، وذلك باستقلال عن العديد من الفقرات المشار إليها في أجزاء أخرى من الوثيقة تم تخصيصها للتحديات الاقتصادية والمالية. ويستعيد البرنامج الاقتصادي المشار إليه التعبيرات الأدبية المستعملة من طرف المؤسسات الاقتصادية الدولية. كما تتم الإشارة إلى بعض الأمثلة، فالوثيقة تعالج السياسات التطبيقية المخصصة لتشجيع انشطة المقاولات، والسياسات الجبائية لتخفيض المعدلات العليا، وتطوير قوة الأسواق المالية، وخلق منطقة التبادل الحر بين الأمريكيتين، وفرض الاتفاقيات التجارية الدولية أو الثنائية والقوانين المضادة للممارسات التجارية غير العادلة (17 – 20) ، كما تدعو الوثيقة إلى تعزيز الحلف الأطلسي في أوروبا الشرقية في نفس الوقت الذي تدير فيه الحرب في صربيا، كما تدعوا  الولايات المتحدة إلى التموقع في منطقة الكوكاس عبر تدبير حرب أفغانستان والاستعداد للحرب في العراق، كما تؤكد على الأهمية المتعاظمة في قضايا الدفاع وامتداد مصالح رأس المال الأمريكي.
إن اللوبي الرأسمالي العسكري الأمني الأمريكي يعمل على تطوير أنظمة جديدة للأسلحة، والتحضير "لحرب المدن" (وهو التعبير المستعمل من طرف خبراء البانتاغون) التي ستقودها جيوش مجهزة بأسلحة جد متقدمة مدعمة بترسانة جوية، وتحتل مكانة مهمة في الميزانيات العسكرية وذلك في سياق تسرع فيه عولمة رأس المال الفوارق الاجتماعية. فالأمر يتعلق بإدارة حروب متعددة ضد احتجاجات الجماهير بالتجمعات الحضرية الكبرى لدول الجنوب، واحتمالا ضد "الطبقات الخطيرة" لمدن الشمال والتي ليست سوى الطبقات الكادحة المهمشة، وعلى العموم ضد الجماهير التي يتم تجريم مقاومتها الاجتماعية، فهذه البرامج تعد بمستقبل رائع "للوبي الرأسمالي العسكري  الأمني". فالليبرالية الجديدة في حاجة إلى دراع عسكري مسلح، كما أن عواقب العولمة الكارثية وغير المنضبطة تعزز أكثر ضرورتها.
إن الحلقة الأولى من هذه الحرب التي ستكون بدون حدود هي أفغانستان، وهي دولة ضعيفة أنهكتها الحروب الأهلية وانتشرت بها التيارات الأصولية فكانت وبالا على نفسها وعلى غيرها، الشيء الذي جعلها فريسة سهلة مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من التموقع استراتيجيا في المنطقة لجعلها قاعدة لقيادة حروبها المستقبلية والتي ستدور رحاها بدون شك في دول الخليج مما سيمكن الأمريكيين من إحكام السيطرة المطلقة على إمدادات النفط وفرض الاملاءات السياسية على بقية دول العالم.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد السلام أديب - خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق