بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6158 - 2019 / 2 / 27 - 20:21
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (154)
الامن الخارجي وادوار الدول
بشير الوندي
------------
مدخل
------------
مما لاشك فيه ان هنالك تفاوت بين الدول بحسب قوتها وتأثيرها على المستوى الاقليمي والدولي , وبالتأكيد فإن هذا التفاوت ينتج عنه صراع للارادات مابين الكبار للسيطرة على مقدرات الدول الاخرى مما ينتج عنه مناطق نفوذ دولية وفق تفاهمات تأتي من بعد صراعات سياسية تارة ومعارك طاحنة تارة اخرى , لتنتهي بتقاسم مناطق النفوذ وتقسيم الادوار للدول المهيمن عليها.
--------------------------------
تقسيم الدول استخبارياً
--------------------------------
تنقسم الدول في العالم بحسب نظرة الاستخبارات العالمية لها من حيث استقلاليتها الى :
١ دول كبرى : وتمثل الهيمنة والتاثير والنفوذ وتوزيع الادوار والسلطة والقوة , وعادة ماتتمثل العلاقة فيما بينها بالصراع على مراكز النفوذ في العالم او التحالف على ذلك النفوذ.
٢ دول ذاتية القرار : وتعتبر دول قوية ضمن اقليمها ومحيطها ولا تنصاع للعبة الادوار وانما تتنافس مع الدول الكبرى على النفوذ وتتعامل مع الدول الكبرى بحسب مصالحها الوطنية والاقليمية.
٣ دول الوظيفة : وهي الدول التي تودي دوراً ضمن الموقع الجغرافي او الاقتصادي او السياسي , وتكون ضمن النظام السلطوي المفروض من الدول الكبرى وضمن تحالفاتها.
٤ دول هامشية : وهي عبارة عن اطر جغرافية بمجموعات سكانية , ولاتمتاز بأدوار جغرافية او امنية او اقتصادية .
فالاستخبارات العالمية للدول الكبرى تعمل بالتجسس في الدول ذاتية القرار , كما تعمل بالتخريب في دول الوظيفة , فيما تترك الدول الهامشية او غير النشطة فيها ضمن محيط الصراع الدولي , وبهذا الشكل تنتج تحالفا او تكاملا في جبهتها ونفوذها وهيمنتها على العالم.
-----------------------------
الهيمنة على المقدرات
-----------------------------
ان تقسيم مناطق النفوذ في العالم ينبع من نظرة استخبارات الدول الكبرى الى الادوار الهامة التي من الممكن ان تلعبها الدول التي ستكون ضمن حصتها وهيمنتها, وعندما يتم تحديد الدور اللازم لبلد ما لكي يلعب دوراً ما لصالح الدول المهيمنة عليه , تأتي الخطوة التالية بتنصيب حكام ينفذون السياسة العالمية المرسومة لهم سواء ابت شعوبهم ام قبلت .
وهنا تكون من مهام اجهزة الاستخبارات الدولية الحفاظ على النظام الحاكم طالما كان مطيعاً ومنع استبداله وقمع اية ثورات شعبية ضده حتى لو اقتضى الامر بالتدخل المباشر , والامثلة على ذلك كثيرة كما في الدور الامريكي في اسقاط عبد الكريم قاسم في العراق ومصدق في ايران او اسقاط حكومة تشيلي او في التدخل المباشر في بنما .
وفي ذات الوقت فان اجهزة الاستخبارات العالمية هي اول من يتخلى ويسقط الحاكم الذي يعاند او الذي تحترق ورقته او الذي يصاب بجنون العظمة او الذي يتمرد وتستبدله بحاكم بديل يكمل دور بلاده المرسوم لها .
وترى الاستخبارات الدولية بأن العالم يُحكم من قبل دول رئيسية تمتلك مقدراته , حيث تقوم الدول الكبرى بتحديد ادوار كل دولة تهيمن عليها وفق اهداف ومصالح ونقاط قوتها , ثم تغطي ذلك بقيم انسانية كالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والدين والتحرر وحقوق الطفولة وحماية البيئة والسلم العالمي وغيرها من القيم الحميدة التي تكون بمثابة السوليفان الذي تغطي به هيمنتها .
--------------------------
معايير أدوار الدول
--------------------------
يتم تحديد ادوار الدول المهيمن عليها اعتماداً على عدة عوامل تجعلها مؤهلة لتدخل ضمن الاهداف العامة الاستراتيجية للدول الكبرى , ولعل اهم تلك العوامل هي :
اولاً : الموقع الجغرافي : حيث تتميز بعض الدول بموقع جغرافي مغرٍ للدول الكبرى يسيل لها لعابها , فدولة مطلة على مضيق هام يعتبر ممر هام للقطع الحربية وناقلات البترول مثلاً تعتبر دولة هامة جغرافياً لايمكن ان تستثنى من الصراع الدولي للسيطرة عليها وتسييرها وفق اهداف عالمية ومثال ذلك اليمن وبنما , كما ان موقع دولة تقع كمصد لصراع عالمي تعد دولة هامة لابد من السيطرة عليها , فأفغانستان هي مصد بمنع الاتحاد السوفيتي من الوصول للمياه الدافئة , لذا لابد ان تتم السيطرة عليها من قبل الغرب ضمن استراتيجيات اقتصادية وامنية عالمية .
ثانياً :الثروات : هنالك دول فيها احتياطيات هائلة من البترول او المعادن النادرة كالذهب , وبالتالي فإن السيطرة عليه هي سيطرة على اقتصاديات العالم , فتعمد استخبارات عالمية للسيطرة على البلاد لضمان تدفق الطاقة او المواد الاولية .
ثالثاً : ادوار العصا الغليضة : هنالك دول لها مواقع جغرافية تجعلها بمثابة العصا الغليضة لمنطقة جغرافية هامة في العالم , ومثل تلك الدول يجري تسليحها وتنميتها ويجري اطلاق يدها لخدمة استراتيجيات عالمية ,ومثال ذلك دولة اسرائيل في المحيط العربي او دولة شاه ايران كشرطي للخليج .
فعندما تُنتقَى دولة ما للعب دور استراتيجي لصالح دولة كبرى فإنه يجري احكام السيطرة عليها بالكامل دون ترك شيء للظروف , مع وضع كافة احتمالات التدخل لحفظ السلطة في ذلك البلد وتقويتها ومنع اية محاولة لإسقاطها .
-------------------------------
النموذج لدولة الوظيفة
-------------------------------
تشكلت بعض الدول منذ تأسيسها كدول لها وظيفة معينة وادوار معينة , لكنها لن تكون دولاً موظفة على الملاك الدائم وانما بالتعاقد , فحين تكون في خضم ادوارها ووظيفتها فانها تكون في المع اطوارها , وماان تنتهي مهمتها حتى تُركن ويتم تحجيمها وقد يجري تقسيمها او تهميشها , لذا تسعى امثال انظمة تلك الدول لأن تثبت دوماً اخلاصها واهميتها وتبدي كامل استعداداتها للعب ادوار جديدة لتبقى مرضّياً عنها , فتراها لا تسمح بانتهاء وظيفتها او دورها وتضع برامج واستراتيجيات تتيح لنفسها القيام بأدوار جديدة ضمن النظام العالمي
ومثال ذلك السعودية , فمنذ تأسيسها العشائري الديني الهش كانت وظيفتها الاولى شوكة في خاصرة الدولة العثمانية , ومع انهيار الدولة العثمانية اصبح لها دور محوري يتمثل بحفظ واستمرار تدفق الطاقة كمصدر اول للنفط في العالم.
ثم جائت وظيفتها الثانية في الحرب الباردة لترفع شعار محاربة الشيوعية والتي توجتها بإنتاج الافغان العرب او المجاهدين او المقاتلين المتشددين ودعمهم ضد المد السوفيتي الشيوعي في افغانستان مع استمرارها بدور آخر هو التدخل بالمال في اي دور عربي وطني مستقل والتآمر على اي تحالف عربي , الا ان تلك الادوار بدأت بالتلاشي مع بداية القرن الحادي والعشرين .
فالغرب واوروبا واليابان والصين سوف يقلصوا الطلب على النفط بحلول ٢٠٢٥ بسبب انتقال وسائط النقل العاملة على الكهرباء بالاضافة الى البحوث الهائلة لديهم في مجال الطاقة النظيفة واكتشاف النفط الحجري في امريكا , كما ان انهيار السوفيت ادى الى انتفاء الحاجة للتشدد الديني في مواجهة الشيوعية , بل انه اصبح عبئاً عليها تزامناً مع انفلاته واحراجه للسعودية في احداث الحادي عشر من سبتمبر , فنتج عن ذلك ان الغرب لم يعد يرى في وظائف السعودية السبقة اية فوائد تستدعيه لحمايتها , لذا اخذت صيحات القوانين والعقوبات تظهر ضد السعودية بقيم حقوق الانسان المهدورة والتضييق الديني والتشدد والوهابية.
فكان على السعودية كدولة وظيفة ان تبدي امكانيتها للعب ادوار حيوية جديدة مع التضحية بجزء من التشدد الذي اعتادت عليه , فجرى انتاج وظيفتين هامتين لها كثمن لولاية عهد اميرها الشاب , والوظيفتان هما
1- التطبيع مع اسرائيل بالتمهيد لصفقة القرن.
2- مهاجمة المد والنفوذ الايراني في المنطقة.
ولاتزال السعودية تتحرك في هذين المجالين منذ ثلاث سنوات .
-----------------
انهيار الادوار
-----------------
هنالك بعض الدول تسعى بقوة حراكها الداخلي الى احداث تغييرات شعبية داخلية تنهي بذاتها ادواراً كانت مرسومة لحكوماتها السابقة وتنفصل عن تلك الادوار , كما حدث في الثورة الايرانية بعد ان كانت حكومة الشاه شرطي الخليج , او ثورة 14 تموز التي انهار معها حلف بغداد .
وفي المقابل , تسعى بعض الدول احياناً من خلال ضيق في النظرة الاستراتيجية او بدافع الخوف , الى القيام بأدوار تؤدي الى دمارها , فحين شن صدام حربه ضد ايران كان يعرف انه سيكون مدعوماً من الغرب كحامي للبوابة الشرقية !!! , الا انه ماان انتهى من دوامة الحرب حتى عرف ان دوره قد انتهى وان الوقت قد حان عالمياً لتحطيمه , فكان ان قام بالقشة التي قصمت ظهره باحتلال الكويت بدون الالتفات الى ان الحرب الباردة قد انتهت وان التوازن العالمي قد اختل لصالح امريكا فكانت نهايته بسبب تلك الحماقة .
وكذا الامر مع سوريا التي ماان دخلت القوات الامريكية الى العراق حتى اصبحت سوريا مرتعاً للارهابيين الذين اخذت الاستخبارات السورية تدربهم وترسلهم للعراق بحجة الجهاد ضد الامريكان في خطوة سعت فيها الى اغراق الامريكان في مستنقع العراق دون ان تحسب حساب انقلاب السحر على الساحر وتدمير سوريا بعد ذلك ببضغة سنوات .
كما ان بعض الدول من دول الوظيفة يضمحل صيتها الدولي بانتهاء ادوارها , فقطر كانت في الصدارة ايام الربيع العربي , الا انها الان لاتكاد تُرى الا على التيشيرت الخاص بميسى .
--------------------------------
الصراع على دور العراق
--------------------------------
عراقيا , كانت امريكا قد سعت ان يكون العراق قاعدة متقدمة وفاصلة للسيطرة على الخليج وجدار آمن لإسرائيل بشكل واحة ديموقراطية , بينما ارادت له ايران ان يكون ضمن محور المقاومة وهنا كان صراع المصالح .
فخضع العراق الى ارادات متعددة ومتضادة من طرفين او اكثر منذ عام ٢٠٠٣ بين اطراف دولية واقليميه ودول جوار لم يتعافى العراق منها لحد الان , ولم يقتصر الامر على الصراع الايراني الامريكي في العراق , فقد انابت امريكا دول اقليمية موظفة لديها لتدير الصراع بالنيابة عنها ولغاية الان , ولازال العراق يدفع ضريبة ذلك , اي ان العراق صار يخسر الامن الخارجي على حساب امنه الداخلي بشكل مباشر وواضح .
------------------------------------
الدور الاستخباري الاقليمي
------------------------------------
وفق ماذكرناه , فان على الاستخبارات الوطنية في كل بلد ان تشخص سياسة البلد وتقيم دول الجوار والجوار القريب ودول المنطقة لتقسمهم الى تقسيم اولي قابل للتغيير وغير جامد وفق الفرز التالي :
ثم تقوم الاستخبارات الوطنية بالدراسة الدقيقة لتلك الدول لتكتشف هل ان لتلك الدول وظائف محددة وفق الهيمنة العالمية , وماهي الوظيفة المناطة بهذه الدولة او تلك , ثم تبني السياسة الاستخبارية مع تلك الدول على هذا الاساس ضمن استراتيجية الدول لتقسمها الى تقسيمات الصديق او الحليف او دولة الفضاء حيوي او دولة العدو او العدو محتمل .
وبعد ذلك يتم تحديد طريقة التعامل , فقد تذهب الى التحالف او الصداقة والتعاون او الحرب الباردة او سياسه التخريب الاستخبارية او الاعلام المضاد او الحرب الخشنة او الترقب او ملاحظة بناء القوة.
وهنا تكون الاستخبارات قادرة ومن خلال مجساتها وتحليلها واستخباراتها على فهم ادوار الدول ضمن الاحلاف والنظام العالمي وتوزيع القوة , فلا يوجد عدو دائم ولا حليف دائم.
--------------
خلاصة
--------------
هنالك بلدان ترسم أدواراً البلدان أخرى , وهي غالباً ماتكون الدول الاستعمارية والقوى العالمية المتنفذة , وهنالك دول تُرسم لها اﻻدوار وهي بمثابة الموظف على الملاك المؤقت عليه ان يعي ان قيمته بدوره فإما ان يثبت للاجهزة الاستخبارية العالمية انه مهم ومطيع او ان يهمش , فهو كما يقال كراكب الدراجة الهوائية ..ماإن يقف فإنه يقع.
وهنالك دول تتمتع باستقلالية تجعلها قادرة على أن ترسم أدوارها بنفسها , وهذا النوع الثالث قد ينجح أذا ما رسم دورا يناسب قدراته , وقد يفشل اذا رسم لنفسه دورا يفوق قدراته , ولكنه في الحالتين معرض دوماً للمؤامرات , والله الموفق .
---------------------
للمزيد حول الموضوع انظر مباحثنا السابقة (مبحث ٣٦ الاستخبارات والدبلوماسية , مبحث ١٣٦ الاستخبارات وصناعة القرار, مبحث ٨٧ حماية النظام , مبحث ٤٨ الاستخبارات وبناء القوة , مبحث ٢٩ الاستخبارات والتخطيط الاستراتيجي , كتاب الامن المفقود للمؤلف.)
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟