أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد بوزيان - ‏ ‏‎ ‎حكايات الدكتور سْفَر 2‏‎ ‎















المزيد.....


‏ ‏‎ ‎حكايات الدكتور سْفَر 2‏‎ ‎


زياد بوزيان

الحوار المتمدن-العدد: 6156 - 2019 / 2 / 25 - 18:53
المحور: الادب والفن
    


‏ أصبح الدكتور سْفَر معتزا‎ ‎‏ كثيرا بجنسيته الجزائرية ، مُدركا كل ما ولج الدرس أن ‏‏"مجموعة الخلف" ليسوا بمجموعة مشاكسين و‎ ‎لا مُغفلين‎ ‎، بل هم فريق مُعارض ‏لأفكاره و طروحاته الفكرية و النقدية‎ ‎بخاصة تلك التي تخرج عن الدرس ، حتى أنه ‏أصبح يشك في أمازيغية بعض أفرادهم! ؛ فهم يطرحون عليه أسئلة فكرية عميقة‎ ‎، ‏ناهيك عن مضايقاتهم له بتصرفات محرجة كالدخول في دوامة من الضحك ‏الهيستيري.‏

هو ذا أحدهم يناديه ‏:

ــ أستاذ سْفِير لدي لك سؤال .

يغضب الأستاذ و يرد عليه بنرفزة

‏ « ــ أنا لست سفِير بل أنا اسمي سْفَر، تعلموا نطق الأسماء من فضلكم » ‏

عندها لم يتمالك أحد أفراد المجموعة نفسه لينفجر ضَاحكاﹰ فيشير له الدكتور بأصبعه ‏ناحية الباب ، ليخرج الطالب و هو مطأطأ الرأس وهو يكتم أنفاسه من انفجار آخر ‏وشيك. ‏

‏- ألم تقل لنا بنفسك أنّ اسمك الحقيقي سفِير وليس سْفَر؟

ــ بلى قلت. و لكن العبرة الآن ليس في الاسم ، زيد أم عمر، بل في تكرار مُغرض لهذا ‏الموضوع قصد السخرية و تضييع الوقت‎ ‎؛ زملائكم في الأقسام الأخرى أنهوا مقرراتهم ‏و أنتم ما زلتم في مرحلة التعارف المٌغرض ، أقسم بالله ، لو أن أحدكم جاء بنفس ‏الآية الأُرَسِبنَّهُ أو أفصله نهائياﹰ. بلا سفير بلا هَمْ ، قال سفير قال لو علمتم أني ‏أُفضّل أن أعمل طاهي لأُكلة سْفِيرية الشعبية في مسقط رأسي على أن أعمل سفيرا ‏بخاصة في الدول العربية!‏

ــ لكن ألا تفقه لغة ثانية غير العربية يا سيّدي ، تخول لك العمل سفيرا في فرنسا ‏مثلاﹰ؟

تهرّب الدكتور سْفر من الإجابة كليةﹰ و راح يعطي دروسا في الوطنية و العمل الثوري ‏و فرنسا الاستعمارية حسب تصوره الشخصي.‏


الحكاية الرابعة « أكبر استعمار و استدمار في تاريخ الإنسانية »‏


‏ يا أبنائي الطلبة أنصتوا إليَّ جيدا ، إنهم يكذبون عليكم عندما يعطونكم دروسا في ‏الوطنية، يعلِمونكم تلك الوطنية المزيّفة ، ما شأن "بيان أول نوفمبر" بالوطنية انظروا ‏حولكم انفتحوا عن غيركم ؛ حتى ال ‏Manifeste‏ اللي جابت الديمقراطية الغربية لا ‏شأن لها اطلاقا اليوم بالديمقراطية ، تدّعي الحكومة ومن يجري في فلكها أن الوطنية ‏هي الثورة ضد الاستعمار، وطنية "الشرعية الثورية" كما يحلوا للمعارضة وصفها ، ‏احذروا كي لا يغرونكم ؛ عندما يلقنُونكم تاريخاﹰ مشوب بالشكوك يدعونهُ تاريخ ثورة ‏التحرير المجيدة و المظفرة و التليدة .. وما الى ذلك من الترهات .. و ضد من؟ ضد ‏الاستعمار الفرنسي : الغاشم ، المستدمر، المجرم ، ال.. العجوز!! الذي يمدنا ليل نهار ‏بالطعام ويكسونا من فصل إلى آخر بما نلبس! على فكرة ، عبارة "فرنسا العجوز" هذه ‏كادت أن تتسبب في طرد بعثتنا للألعاب الأولمبية التي جرت في لندن عام 2012.‏

‏ ـــ "ياو فاقو" على حد تعبير الكوميدي الجزائري عثمان عريوات ، كل هذا هو تُرهات ‏أكل عليها الدهر وشرب ، إنه ذرٌ للرماد في عيون المتعلمين ، وتنويم مغناطيسي ‏للشعب الأمي و الغلبان ، باللعب على عواطفُو اتجاه تاريخ فرنسا "المسيحية" في ‏الجزائر لكي تستمر في سياستها "الشرعية الثورية" للبقاء في الحكم سياسة رجل عبيط أو ‏رجل مرض بالصرع . بينما أضعف الدول الافريقية و أفقرها اليوم تتجه إلى الديمقراطية ‏كالسينغال و مالي و تشاد وإحنا مازلنا نِصوَّر فرنسا بُعبع و راجل كافر لا زم نِحتاط ‏مِنُو حتى لا نُصاب بوساوسُو الشيطانية . و بعدين مِين هُمَّ ثوار الجزاير الأحرار، اللّي ‏هزموا فرنسا ، موش هُمَّا مجموعة شباب لا يتعدى أكبرهم سناً الثلاثين عام قاموا ‏رميين بالثورة في حضن الشعب بدل من أن يحضنوها بأنفسهم ، يعني راحوا مِتخبيِين ‏تحت الأطفال والنساء و الشيوخ مثل ما تعمل الجهاد و حماس اليوم في غزة ؛ ‏يضربُوا اليهود و يتخبَوْا في ملاجئ الأطفال ، هل هذه هي الثورة و دُول هما الثوار ‏الحقيقيين؟

كلاّ. الثائر الحقيقي يحتضن بنفسه الثورة و يبتعد قدر الإمكان عن المدنيين و ما ‏يعمِلش حساب للدين ، زي الثوار البلاشفة و اللاتينيين في أمريكا ؛ الدين ماهواش ‏فكرة تركب فجأة اذهان مجموعة تعصبت اتجاه مجموعة أخرى ، ابدا ؛ لأن قوانينو ‏عالية أوي تصدُق كمان حتى على الكولونياليين انفسهم ما هواش حكر على مجموعة ‏بتحتكروا لنفسها خالص ، و بعدين فرنسا ضلت بنفسها تقول الجزائر المسلمة الفرنسية ، ‏و تشجع الجزائريين على التمسك بعاداتهم و تقاليدهم دينية و لغوية دون أن يكون ذلك ‏سبب في تخلفهم ، ولست أدافع عن فرنسا فأجدادي "الجبليين" سقط منهم الكثيرون ‏وهمَّا موش عارفين ليه سقطوا!‏
يعني « ـــ هاك ، خُذ البندقية ، و بنعطُوك أجرتك و عايلتك في ضمانة ربِّنا ، بس ‏اللّي موش معانا هو موش في ضمانة ربنا يعني يمكن ضدنا » ‏
هكذا كانت قصة حال أغلب الشعب المسكين الغلبان المقهور، ماتوا موش عارفين ليه ‏ماتوا! بينما "الثوار" بين قوسين ، يعني الشباب المحظوظين الذين أصبحوا قادة في ‏تونس و القاهرة و دمشق بين يوم وليلة .. بل في مناطق أكثر أمنا في الصحراء و ‏وهران في الجزائر نفسها ، مِنهم من رُفع الى عنان السماء ليمجّد "مُجاهدا في التنظيم!" ‏ومنهم من عُدَّ "مُجاهد بالقلم!" و آخرون مجاهدون باسم طلب العلم !! هل هؤلاء ولدوا ‏لكي يتسيدوا و أولائك ولدوا ليموتوا؟ ؛ أتعرفون لماذا لم تطالب أستراليا الاستقلال عن ‏التاج البريطاني إلاَّ مؤخرا بعد مئة سنة استعمار؟ ببساطة لأن أستراليا شعب متحضّر.‏
إن أعظم استعمار في تاريخ الإنسانية ليس هو استعمار فرنسا للجزائر و لا هو ‏استعمار اليهود لفلسطين مثل ما يكذبوا عليكم : فرنسا جات للجزاير عَشان تحمي ‏ظهرها من قاعدة القراصنة الموريسكيين و الأتراك في أعالي البحار ، و اللي هي للأسف الجزاير ، وعشان ‏تضرب عصفورين بحجر واحد ، يعني تجلب الحضارة لناس يقتاتوا من السّلب و ‏العدوان و ما يقدَّروش حَد غير أنفسهم و بس ، لعلكم تعرفون كلكم حادثة مروحة الداي ‏حسين. أما فلسطين ففيها مناطق لم تعرف ناس اسمهم العرب منذ أن خلق الله ‏الانسان على هذه الأرض ، يعني من 950 سنة قبل الميلاد و اليهود الناس الوحيدين ‏اللي سكنو فيها ، زي حيفا ونتانيا و تلأبيب ... تروح انت تقول احتلال يهودي ، ده ‏جنون.‏

ــ لكن حضرتك لم تقل لنا من هو أكبر استعمار في التاريخ؟

‏- هو استعمار البربر طبعا ، استعمار العرب لنوميديا الغربية و الشرقية في شمال ‏إفريقيا باسم الإسلام ، هذا هو أكبر و أجبن استعمار في التاريخ ؛ لأنه ما يزال ‏مستمرا ، عمره حوالي 1100 سنة ، لم يستطع طمس معالم وهوية الشّعبين البربري و ‏الأمازيغي لكنه نجح في تقزيمهما وإذابتهما في القوافل العربية طيلة تاريخ الغزو و ‏الاستيطان منذ القرون الوسطى ، جبان لإِنو تم باسم مخادع هو الفتح تحت ذريعة ‏نشر القيم الدينية و الأمان بس هو مجابش غير الخوف و التخلف .‏

ــ لكن التاريخ يقول أنه كان فتحا و ليس استعمار.‏

ــ هل تستطيع أنت أو غيرك أن تثبت لي أن البربر ( وإن لم يكونوا عامة الشعب بل ‏فقط مثقفيهم و قاداتهم ) لم يعتنقوا التقاليد اليهودية و المسيحية ؟ و هم على مرمى ‏حجر من إمبراطورية الروم . أيوة ، استطاع المسلمون العرب استعمار الأمازيغ ثم غزو ‏بلادهم وتذويبهم ثقافيا ، بينما لم يقدر الاستعمار نفسه من استعمار الفرس استعمارا ‏استيطانيا برغم قربهم و لا تذويب الإسبان و محْوْ هويتهم حتى بعد أربع قرون ، كلكم ‏يعرف كيف يعمل حد السيف في العصور المظلمة؟، بقطع الرؤوس و برأس الشهيدة ‏الكاهنة ديهيا ثم أرسل إلى الخليفة ... يدق الجرس ‏

ــ سنُكمل في الحصة القادمة.‏


الحكاية الخامسة « سألني سائل من القائل وفي أي مناسبة »‏


أحد طلاب "مجموعة الخلف" يرفع يدهُ متدخلاﹰ : ‏

ــ كنّا نتحدث قبل الاستراحة عن الاستعمار و نسينا الصحراء الغربية يا أستاذ ، نوَّد أن ‏تعطينا تحليلاﹰ وافياﹰ شافيا للقضية؟ انت طبعاﹰ مع البوليزاريو.‏

ــ صحيح ، برافو، فيه قضية اسمها الصحراء الغربية ، لا غالب فيها ولا مغلوب ، ‏يعني الجزائر و المغرب هما في الهوى سوى و متورطين فيها للأذنين.‏

ــ كيف يا أستاذ؟

ــ الأمر يشبه قضية السرقة و الانتحال في الشعر الجاهلي الذي تحدثنا عنه في الدرس ‏السابق ، أتذكر في سؤال إذاعي ؛ الأبيات الشعرية التالية :‏

فَيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ‎
‏ أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني‎
وكم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي فَلَمّا قال قافِيَةً هَجاني‎
‏ أُعَلِّمُهُ الفُتُوَّةَ كُلَّ وَقتٍ فَلَمّا طَرَّ شارِبُهُ جَفاني‎ ‎

هل هي للشاعر الجاهلي مَعن ابن أوس في أخِﹺ له ، أم للشاعر عقيل ابن عَولفة أم ‏لمالك ابن فهم الدُّوسي في ابنِﹺ له؟ و حتى ينجو المذيع من ورطة الإجابة الاختيارية ‏‏( بِنسب الأبيات لشاعر دون آخر) في برنامجه الإذاعي الأشهر "سألني سائل من ‏القائل وفي أي مناسبة" ، لأن هكذا إجابة تتطلب بحث أكاديمي و جهد علمي معتبر ‏قد يمتد لسنوات ، يجد الحل في نسب الأبيات للشعراء الثلاثة معا ، مع أنها تخص ‏الشاعر بن فهم الدوسي ، قالها في ابنه الأصغر سُليمة و كان ملكاﹰ عاش في اليمن ‏قبل ‏‎480‎‏ عاما قبل هجرة الرسول(ص) ، والقضية هنا تشبه قضية الصحراء الغربية ‏لأن أصحاب الشأن مغيّبُون ، و هم البحاثة الأكاديميون الذين بمقدورهم وحدهم الفصل ‏في القول ، أي رد الشيء إلى أصله حسب تعبير عميد الأدب العربي ، و عدم ترك ‏الحبل على الغارب لمن هبّ و دب ؛ فمن الطبيعي أن المسلمين ينسبون الأبيات لمَعن ‏ابن أوس لأنه مُخضرم ، و الأعاجم ينسبونها لابن فهم الدُّوسي ، الذي مُلّك في أرض ‏العراق قرب فارس ، و هكذا ، بحسب مصلحة كل طرف من الشاعر و قربه منه. ‏فالانتحال هنا يقع تحت مسؤولية الباحثين الأكاديميين دون سواهم.‏
‏ أين هم الصحراويون؟ اذا كانوا في عز التّمرد و الثورات العربية لم يحركوا ساكناﹰ! ، ‏الغالبية العظمة مندمجون أو ساكتون راضون على أقصى تقدير، يعني مغَيّبِين أنفسهم ‏تاركين الأمر لكمشة منهم ؛ غالبيتهم متجولون سواح عبر مطارات العالم! ماذا ‏تنتظرون من الجزائر أن تفعل لهم غير التورط معهم ، كان على الصحراويون التحرك ‏يا أخي، أما إذا كان ليس بمقدورهم إثبات حقّهم سياسيا و لا عسكرياﹰ من دونها فذلك ‏شيء آخر، و المغرب متورط هو الآخر في "مسيرته الخضراء" ، لأنه عضو في للأمم ‏المتحدة التي تقول "الصحراء الغربية أرض متنازع عليها" و هو مُقر بهذه اللائحة مع ‏ذلك يصطنع خطاب مزدوج و يستمر في الهروب إلى الأمام. ‏


الحكاية السادسة « حدثني الشّيطان قال »‏


لاشك و أنكم تعرفون كاتب العربية الكبير جبران خليل جبران ، هناك قصة عنزانها « حدثني الشّيطان قال »‏ لم تنسب ‏له و إنما القصة قصتي أنا. أحلِق شنبي أو أغير لقبي من سْفَر الى صفر إذا جاء أحد ‏المغاربة أو حتى العرب بمثلها في غضون الخمسين سنة القادمة.‏

‏ تتعالى بعض الضحكات من هنا و هناك و يستأذنه أحد طلبة "مجموعة الخلف" ‏للكلام ‏

ــ هذا يعني أنها من الجودة بما كان. أتروي فيها كذلك قصة الشيطان مع الأب ‏الخوري سمعان أو قصة كبير الجن الذي يجدِّف على الشمس ، يلعن البشر و يأكل ‏لحومهم ؟

ــ لا ، كلاّ. العنوان فقط يوحي إلى الأسوب الجبراني .. هذا يعني أنك قارئ لأدب ‏جبران ، أنت مشكور، أُشجِّعك ، في أدبه قيم إنسانية سامية قد لا تضاهى حتى من ‏من قبل كتاب الإحياء أنفسهم ، ربّما لكونه مسيحيا ، لم يلقى حقه الذي يستحقه في ‏أدبنا العربي الحديث ، بالرغم أن نصوصه تعليمية تفيد النشأ في الإنشاء والتربية معاﹰ. ‏أتعرفون لماذا أضعه خلف شوقي مباشرة ؟ لأنه "الكاتب الملاك" في نظري و هذا ‏اللقب الأنسب له من لقب "الأديب الفيلسوف" ؛ معتدل في مسيحيته و ناقد شرس ‏للمتدينين المزيفين في الإسلام و المسيحية ، سبق عقله زمانه في قصصه النقدية تلك ‏التي تعرفون و دونما خروج عن اللياقة الأدبية ، طبيعي أن لا يخاف لومة لائم مادام ‏ملاكاﹰ في سلوكاته الحياتية ، طبعاﹰ عدا بعض الثغرات هنا و هنا المتجاوزة بالنظر أن ‏لكل جواد مهما كان عثرة ؛ إنه الأديب الفيلسوف ... الذي كتب بالريشة ما لم يكتبه ‏بالقلم، كتب أجمل وأجود القصص وأرق الأشعار وأعذبها.. إن قصة النبي وحدها ‏تشي بطُهره و سمو أدبه.‏

ــ و كيف تفسر إذن علاقاته المشبوهة مع صديقته ماري هكسل التي كانت تزوره في ‏صومعتهِ بانتظام و كلاهما غير متزوج؟

ــ ماري هكسل لم تكن ابنة الحقل و لا ابنة جبل لبنان ، بل كانت معلمته معجبة ‏بمواهبه ، و كانت تأمل هي نفسها في أن يُتاح لها ما أتيح لجبران من شهرة ؛ و كي ‏تخلّد اسمها بالتقرب منه أكثر، لا أكثر و لا أقل ، أولم تقرأ أبياته التي تقول؟:‏

‏ سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ تَخْتَبِي الأحلامْ ‏
‏ ‎‏ وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ تَرْصُدُ الأيامْ
‏ فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ كَرْمَةَ العُشَّاقْ ‏
‏ عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ حُرْقَةَ الأشْواقْ

لذلكم كلِفت به ، وفي صومعته ، التي كانت مزار أصدقائه الكثر من أعضاء الرابطة ‏القلمية. أو حتى إن افترضنا أنه لا هذا و لا ذاك ، يعني ترجيح العلاقة الجنسية ‏المنتظمة بينهما ، ذلك لا‎ ‎يُلغي ملائكيته في شيء إنما يقوّيها ، ألم يكن لأقرانه في ‏المشرق العربي ، العقاد و البارودي و الرافعي و شوقي و تيمور و الذين تربى أبنائهم ‏على نصوصه المدرسية علاقات نسائية مماثلة؟ ، الفرق هو أن علاقاته بهن كانت ‏علنية ، في وضح النهار، بينما علاقاتهم بهن كانت تتم في السّر و تحت جناح الظلام ‏، كما طالعتنا به معاركهم النقدية و سجالتهم الأدبية "على السفود" و"السحاب الأحمر" ‏و سارة ..‏

ــ إذن هات ، حدّثنا عن قصتك "حدثني الشيطان قال" ما دامت لا تحاكي الأسلوب ‏الجبراني؟

ــ إذا كان الشيطان في قصص جبران هو "وهم" ترسّب في المخيال الجمعي الاسلامي ‏أو قل هو الشخص الجدلي ؛ الذي لا بد منه حتى يستقيم الكون و الحياة . فانه معي ‏و لذات السبب أي دخول الانسان الجنة بسببه ، فإن الله قد يسامحه. أجل يسامحه.‏

ــ و يدخلُه الجنة؟

ــ بالطبع. يصول و يجول فيها مثل ابن المقرح ؛ ففي هذه القصة جعلتُ الشيطان هو ‏ابن مقرح أبي العلاء المعري بلحمه و دمه ، يفوز بالجنة و يطوف بها من سماء إلى ‏سماء ، متفقداً نزلائها "المُصطفين" من أصحاب السعادة ، ناظراً في شؤونهم و ‏أحوالهم. ‏

ــ هذا شيء عُجاب يا أستاذ "!..غاية!" المفروض أن يعرّج على جهنم ليتفقد أحوالها.‏

‏ تتعالى الضحكات داخل الفصل ؛ أهههه ههههه ... أهههه ههههه

ــ ها قد بدأت تجادلني في أمر الدراما التي تحرك شخوص القصة ، أو لم أقل لكم أن ‏القصة لا قبلها و لا بعدها.‏
‏ و هنا يتخلى الدكتور سْفَر عن لغته الفصحى و يترجل بالعامية :‏

ــ علشان أهل الجنة أنفسهم ، ما لاعين رأت و لا أذن سمعت في حَضَراتهُم ، ترتيب ‏حيفزّعكُم يا وْلاد ؛ ناس ما بيُخطُرش على بالها إنها راح تشم ريحة الجنة فجأة راح ‏تلقَى نفسها مع قصة "حدثني الشيطان قال" تحتل مراتب متقدمة في الفردوس الأعظم ‏‏... إنما إيه موش دا و بس ...‏
يتدخل "طالب مجموعة الخلف" مقاطعاً :‏

ــ و لماذا لم تنشر القصة مادام الأمر كذلك؟ـــ أخشى أن يحدث معي مثلما حدث لجبران مع أقرانه أدباء ونقاد "الديوان" و" أبولو" ‏وغيرهما لن يجرجرونها إلى أسفل سافلين فحسب ، بل أنا متأكد أنهم سيسفِهُونها أشد ‏الإسفاف كعادتهم ، لأن صاحبها ليس على دينهم و لا على طريقة تفكيرهم. ‏

ــ و هل رضي المسلمون بإبليس في الجنة ، ألم يُنكره القوم يا أستاذ؟

ــ إن البشر لا يستطيعون رد إرادة الله و مشيئته .. بل أجزم من أن المسلمين وهم في ‏الحياة الدنيا كانوا متيقينين بأن الشيطان هو حكمة الله لا شيء آخر، و ما بالك بأن ‏يرونه و قد فاز بعفو من الله ، لكنه وقع الغيرة و الحسد في أنفسهم أقوى من أن ‏يعترفوا بذلك بخاصة أمام اليهود.‏

القصة تتحدث باختصار، على شان الوقت ضيق ، أن ربِّنا ممكن يفاجئ خلقه في ‏يوم الآزفة بحيث أعظم و أرقى ناس الجنة يومئذِ ليسوا هم أنبياءً ولا أولياء صالحين ‏بل هُمَّا ناس مسمعناش بيهم خالص ، ناس عاشوا في تاريخ الإنسانية الطويل و ‏كانت حياتهم الدينية و الأخلاقية و الاجتماعية أرفع و أسمى بكثير و كثير، و بسطاء ‏و عاديين لدرجة ما أشهرُوش بأنفسهم خالص ، بل بالعكس انزوُوا وعاشوا حياتهم ‏الملائكية بعيد عن الأضواء جُوا عوايلهم ، و بعد قائمة طويلة يعني بعد الملايين من ‏الصنف الراقي دا يأتي في منتصف الترتيب الدور على اللي أكرمهم ربِّنا بالجنة ، يعني ‏يأتي دور الأنبياء و الصالحين اللي حضراتكُم عارفينهم بقى ... وإلى الحصة القادمة إن ‏شاء الله.‏
في و قت الخروج ... تُسمع همسات "مجموعة الخلف" الواحد بيقول للآخر: « الله ‏يهديك يا مُفتري يا شيوعي » و يرد عليه زميله : « هو الله يهدي الشيطان ، دا هو ‏الشيطان بلحمو و دمو. تَراه يكتب سيرتو و موش واخِد بالو.. لعنة الله عليك إلى أبد ‏الآبدين يا مفتري يا حرامي يا نصاب »‏

‏ يتبع ‏



#زياد_بوزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات الدكتور سْفَر 1 ‏
- السلطوية والرئاسيات في الجزائر، توزيع السكنات الاجتماعية لره ...
- في حضرة راوي الحكايات
- قصص قصيرة جدا
- أبستمولوجيا المنهج الما بعد حداثي في السياقات العربية ، إشكا ...
- الطابور الخامس
- ‏ قصار كالأقصوصة أو أقل
- في سبيل علمانيتنا الحقّة‎ ‎‏ ‏
- عن علمانية حقّة‎ ‎‏ رشيدة و مأخلقة
- قراءة لخطاب الجندر في رواية الأسود يليق بكِ ﻟ أ. مستغ ...
- ثالثُ مقاوِمان إذ هما في مهب الريح
- نسق -المفكر الفحل- في سياق الثقافة العالمة الجزائرية الراهنة ...
- عن - تاريخانية الإسلام - ، قراءة تأويلية
- آراء حول الفكر الديني والعلمانية و التصَهيُن
- الرواية الجزائرية الجديدة ونقد الخطاب الديني، رواية الغيث لم ...
- التنوع الإثني بالجزائر ، عروش قبيلة مطماطة النوميدية أنموذجا
- صبحٌ بلا مساء
- مظاهرات الربيع العربي ، وقفة للذكرى والتأمل
- الاعلام العربي الجديد أخلاقيات المهنة و تحديات الواقع ، الجز ...
- -الإعلام العربي الجديد- أخلاقيات المهنة و تحديات الواقع الجز ...


المزيد.....




- -الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا ...
- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد بوزيان - ‏ ‏‎ ‎حكايات الدكتور سْفَر 2‏‎ ‎