|
طقوس الموت عند قبيلة بني يعلئ الصفاصيف انموذجا.
بوناجي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 6153 - 2019 / 2 / 22 - 21:16
المحور:
الادب والفن
الموت طقس من الطقوس التي يجب الإيمان بها، لأنها ضرورة حتمية على كل إنسان أو حيوان في هذا الكون، ولا أحد منا سينال الخلود الأبدي، والموت كما يعلم الجميع لا مفر منها، فمن الواجب علينا تقبلها مهما كانت الظروف على الرغم من صعوبة الفراق، وذلك استنادا لقوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عمران: 185. وقوله جلا جلاله: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } الرحمان: 26و27، وهذه الآيات تدل على حتمية الموت ووجودها، لهذا يجب التسليم بها. فالموت حاضرة في جميع المعتقدات والذهنيات، والإيمان بها واجب لدى الكل، ولا ينكرها إلا جاحد أو منافق، والدليل على الإيمان بحتمياتها في الذهنيات الشعبية هو المثل القائل " كلنا لها " أو " الموت ما منها هروب ". وبالتالي فالموت تعتبر نكبة في اعتقاد البعض وراحة حسب البعض الآخر، وربطها بالنكبة لدى من يعتقدون ذلك هو نتيجة ألم الفراق لذلك الشخص. إذن فالموت طقس من طقوس العبور مثلها مثل الزواج وغيره من الطقوس، أي العبور من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخيرة، فإذا كان الزواج طقس يجمع بين شخصين، فالموت على العكس من ذلك لأنها تفرق بينهما. لهذا نجد أن طقوس الموت تختلف اختلافا جذريا عن طقوس الزواج، لأن طقوس هذا الأخير تتخللها الفرحة والسرور، عكس طقوس الموت التي يلحقها الألم والحزن. _ طقوس قبل الموت: الطقوس قبل الموت، تكون في الساعات الأخيرة التي يحتضر فيها الشخص، لأن علامات الموت تبدو ظاهرة على وجهه، في هذه المرحلة يأمر الفقيه بخروج جميع النساء من الخيمة أو البيت الذي يوجد فيه الشخص الذي يكون على فراش الموت. وبعد خروج النساء من المكان يتم وضع المحتضر في اتجاه القبلة من طرف الفقيه والشيوخ الملتفين حوله، فيبدأ الفقيه بتغميس قطعة من الصوف في الماء وتقطيرها في فاه المحتضر، وتسمى هذه العملية باللهجة الأمازيغية لدى القبيلة ب" تكبناس أمان س لازية " ويشرع الفقيه في النطق بالشهادتين، وتذكير ذاك الشخص بها، بقوله: { فلان بالك مع الشهادة }، وتسمى بالأمازيغية ب " تلقمناس الشهاداث "، وتستمر هذه العملية حتى تزهق الروح إلى خالقها، وبعد تأكد الفقيه الذي يسمى عندنا ب" الطالب " من وفاة المحتضر، ينطق قائلا: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ الْبَقَرَةِ: 155- 156، وتردد الجماعة الحاضرة في الوفاة نفس القول، ويبدأ التشويش بينهما ب" فلان الله يرحموا لقا مولاه "، ويغادر كبير البيت الجماعة لإخبار ذويه بطريقة لابقة، وبعد قيامه بهذا المهام يطلب من الجميع الصبر لأن هذه مشيئة الله، ولله ما أعطى ولله ما أخذ، ويهتف قائلا: ( ربي بغاه وداه). وبهذه المناسبة الأليمة وصعوبة تقبل الفراق، تبدأ النساء بالبكاء والنحيب والويلات ومنهن من يصل بها الأمر إلى ضرب نفسها في مختلف أنحاء جسمها، وترديد عبارة (علاش اربي درت لي هكذا)، بقولها: {ما يلمي أربي تكيديي أموا}، ومنهن أيضا من يصل يصل بها الأمر إلى التفكير في الانتحار وخصوصا الزوجة إذا كانت مازالت صغيرة، وغير ذلك من الأمور التي تفعلها النساء بالخصوص وفيها شرك وعدم الرضى بالله. أما الرجال فيلجؤون إلى الصبر وتفويض أمرهم لله ويخفون ألم الحزن داخل قلوبهم، ويقومون بمواساة ذويهم من الأطفال والنساء، والمواساة تكون إما بضم هؤلاء إلى أحضانهم للإحساس بدفء الحنان الذي فاقدوه إن كانوا صغارا، أو بتحديثهم وتذكيرهم بأن حقيقة الموت لا مفر منها بقولهم: (كلنا ليها) أو (الموت على رقابنا) إن كانوا كبارا. وعاداة ما تربط تربط قبيلة بني يعلى الموت بالخسارة والضياع إسنادا إلى المثل القائل عندهم " الموث ذ الوخظث " أي ما يسمى بالدارجة المغربية " الموت والوخضة "، لأن الموت من منظورهم تحتمل خسارتان: 1- نكبة وخسارة الشخص المتوفي الذي فقدته العائلة. 2- نكبة المصاريف أي الخسارة المادية التي تتجلى في نفقة المصاريف التي يتم إنفاقها أثناء الموت. _ أثناء الموت: بعد الإعلان عن موت الشخص المحتضر يغادر الفقيه وجميع الرجال الخيمة أو البيت الذي توجد فيه الجثة، وقبل المغادرة يتم وضع منديل أبيض على الجثة، و الغرض من الخروج هو ترك المجال للنساء ذوي القرابة بالهالك من الدخول لرؤيته قبل تغسيله، وبعد خروج الفقيه و الشيوخ، تدخل النساء إلى المييت فيبدأن بتقبيل نصيعته الواحدة تل والأخرى، وطلب السماح منه باعتقادهم أن المييت يسمع لهن، أما الأطفال فلا يسمح لهم بالدخول أو حتى المرور من أمام المكان الذي توجد فيه الجثة، وبعد انتهاء جميع النساء من رؤيته يطلب منهن الخروج، وبعد خروجهن يتم حمل الميت إلى مكان بجوار المسجد يعرف ب ( أمشان أوسيرد نالميت)، أو كما يطلق عليه بالعربية ( مكان غسل الأموات)، فيتم تغسيله وتكفينه. وبعد تغسيله وتكفينه لا يسمح لأحد بالدخول إليه ولا برؤيته ما عدا الفقيه. وللإشارة فالنساء لا يسمح لهن بالبكاء أثناء دخولهن لرؤية الميت، ومن سولت لها نفسها بخرق هذا العرف، يتدخل الفقيه وكبير العائلة لطردها خارج المكان، باعتقادهم أن البكاء على رأس الميت يزيد من عذابه. _ غسل الميت: يقوم بعملية الغسل رجل أو امرأة مختصين في غسل الأموات،فإذا كانا الميت ذكرا تكون المساعدة من طرف الفقيه، أما إذا كانا أنثى فالمساعدة تكون من طرف الفقيرة (والفقيرة تكون متقية لله تعالى ولها إلمام بعلوم الدين)، وبعد غسل الميت يتم تكفينه في قماش أبيض يدعى ب "الكفن"، وبعد تكفينه يوضع فوق تابوت "المحمل"، لحمله إلى المقبرة كي تقام عليه صلاة الجنازة هناك، والتابوت أو المحمل يتناوب على حمله كل شباب الدوار، مشكلين مجموعات تضم كل مجموعة أربعة أشخاص، وذلك نظرا لبعد المقبرة عن الدشار بكيلومترات، أو يحمل الميت فوق جرار، والسبب يعود إلى الوعورة وكثرة الحفر في الطريق، إضافة إلى كثرة الوديان وعمقها. الرجال والنساء والأطفال فوق السن الخامسة والشباب يتم دفنهم في المقبرة الرئيسية وتسمى ب" سيدي الطاهر"، أما الصبيان والأطفال الرضع إضافة إلى المنتحرين والمختالين العقليين فدفنهم إما يكون في المقبرة الرئيسية التي تمت الإشارة إليها، أو في مقابر أخرى تسمى الأولى ب" تمدينث تاملالت" أو "المدينة البيضاء"، والثانية ب" لالة مخامرة ". يرافق الميت إلى المقبرة رجالا ونساء وأطفال فوق السن السابعة، وحضور النساء رفقة الجنازة شيء ملفت للانتباه، ودلالة هذا الطقس توحي على التواجد المسيحي بالمنطقة في مراحل زمنية معينة.
_ الصلاة على الميت: كما أسلفت سابقا فالميت يصلى عليه في المقبرة عند قبيلة بني يعلى، والسبب وراء ذلك هو من أجل مشاركة الجميع في الصلاة عليه، لأن قبيلة بني يعلى دواويرها ليست مجتمعة في مكان واحد وإنما متفرقة بمسافات كبيرة تصل إلى عشرات الكيلومترات. وأثناء النداء للصلاة على الميت تبتعد النساء عن حريم المصلى والاختفاء نهائيا عن الأنظار داخل الضريح ولا يخرجن منه حتى تتم عملية الدفن. ولا تحفر قبر الميت إلا بعد الإعلان عن وفاته، ويحفر القبر بسرعة من طرف جميع شباب الدوار المتطوعين، والميت يتم وضعه في قبره على كتفه الأيمن، ويدلى في القبر بواسطة عمامتين، تربط إحداهما في حزامه، والثانية على صدره، ويتكلف بوضعه في القبر كبار القبيلة والفقيه، وأثناء وضعه يجب أن يغطوا بالغطاء الذي حملت فيه الجثة، والغطاء يكون على شكل خيمة فوق رؤوسهم. والغطاء الذي تحمل فيه الجثة يجب أن يكون جديدا وغير مستعمل من قبل. وقبل وضع الميت في القبر يجب رشها بالحناء المختلطة بماء الزهر، وتكرار العملية نفسها بعد أن توضع الجثة، إضافة إلى وضع قنينة صغيرة من ماء الزهر وقليلا من الحناء في مناديل صغيرة ودفنها مع الميت داخل القبر. بعد الانتهاء من الدفن ترش القبر بالماء، وتوضع حجرة مصفحة عند رأس الميت والأخرى عند رجليه، تسمى ب"الشاهدات"، وتدوم عملية رش القبر لمدة ثلاثة أيام متتالية، اعتقادا أن الرش في هذه الأيام يحتاج إليه الميت ليروي عطشه لأنه يكون أمام تساؤلات الملكين نكير ومنكر، وأحدهما يكون قاسيا على الميت هذا ما يجعله يكون في حاجة للماء كي يروي عطشه. بعد الانتهاء من جميع مراسيم الدفن ينطلق الموكب المرافق للجنازة نحوى منزل الهالك، للتعاون فيما بينهم من أجل تخفيف المتاعب على أسرة الفقيد، وإحساسها بالتلاحم والتجانس بين أفراد القبيلة، وأن الوقوف فيما بينهم يكون في السراء والضراء، فتنصب خيمة كبيرة يستقبل فيها الأهالي الذين يقدمون تعازيهم للأسرة التي فقدت أحد أعضاءها، وعوضت هذه الخيمة في المرحلة الراهنة ب" الخزانة". كما تتعاون النساء فيما بينهم في المستلزمات المنزلية كالطبخ وجلب الماء والحطب، وهذه هي السيمة أو الخصلة الجميلة التي تمتاز بها قبيلة بني يعلى، فبالتعاون فيما بينهم في السراء والضراء، يحققون التآخي وكأنهم جسد واحد وعائلة كبيرة لا يمكن الفصل بينها. يقدم الحليب والتمر لكل من جاء يقدم تعزيته لأسرة الفقيد، ومن أعراف القبيلة أنه لا يسمح لأحد من الضيوف المغادرة دون تناول وجبة الغذاء أو العشاء، وهذا حسب اعتقادهم من كرم الضيافة، ويجب التعامل به في جميع المناسبات مهما كانت أفراح أو أحران. وما جرت به العادة عند هذه القبيلة أن الشخص القادم للعزاء، لا يسمح له بدخول أي منزل مهما كانت القرابة أو الصلة التي تجمعه به قبل أداء الواجب الذي جاء لأجله، لأن دخوله للمنزل قبل القيام بالتعزية قد يؤدي في اعتقادهم إلى موت أحد أفراد المنزل الذي دخله، قبل التعزية.
_ التعزية: التعزية هي قدر من النقود الواجب أداؤه من طرف كل من جاء لتقديم تعزيته لأسرة الفقيد، وبهذا الواجب يعبر عن امتنانه ومواساته لأسرة الفقيد في هذه النكبة الأليمة، والتعزية تعتبر فرض عين حسب العرف المتفق عليه لدى اليعلويين، وتقدر ب ثلاثون درهما للفرد الذكر البالغ، ويوضع لها دفتر خاص بها تسجل فيه الأسماء والمبلغ المؤدى، والهدف من ذلك هو لمعرفة من جاء لتقديم تعزيته من جهة ومن جهة أخرى لمعرفة من لم يقوم بالواجب كي يتم استفساره في المسألة، إلى جانب هذا العرف الخاص بالرجال، فالنساء أيضا يحتكمون إلى عرف آخر وهو إحضار قوالب من السكر لأداء واجب التعزية كل حسب طاقتها، لأن من العيب والعار في العرف أن تأتي المرأة إلى أسرة الفقيد خاوية الوفاض، وإحضار السكر يكون بمثابة شيء رمزي لتعبير عن مدى الحزن والألم التي تعاني منه عائلة المرحوم، وبهذه الطريقة تكون النساء قد تقاسمت ألم الفراق مع أسرة الفقيد. وللإشارة فقط أن من يموت منتحرا في قبيلة بني يعلى، لا يصلى عليه ولا يدفن وسط المقابر، باعتقادهم أنه كافر ولا يستحق ذلك، وطريقة دفنه تقوم على إمساك شخص قوي البنية لفأس في الجهة اليسرى للمقبرة ورميه بكل ما أوتي من قوة عكس القبلة، وتحفر قبره في المكان الذي يسقط فيه الفأس، حتى وإن كان سقوطه في بئر أو أشواك. لا تقدم التعزية للمنتحر في وفاته، كما أن الغالب الأعم من سكان المنطقة لا يرغبون في حضور جنازته، ولا في دفنه، وحتى من حضر في عملية الدفن يعود أدراجه من المقبرة مباشرة، ولا يأكل مما ذبح في موته. _ اليوم الثالث: في اليوم الثالث من الوفاة أو ما يعرف باللهجة الأمازيغية للقبيلة ب" أس ن تلت يام "، تجتمع نساء أسرة المرحوم في الصباح الباكر مزودين بصدقات كالخبز والبيض والتمر والتين والسكر...، للذهاب إلى المقبرة لزيارة قبر المرحوم والترحم عليه، والتحصر على فراقه هذا من جانب، ولإحساسه بعدم نسيانه من جانب آخر، ويتوعدونه بتكرار الزيارات لقبره حتى يلتقونه في الأخيرة، ويخيم على هذه الزيارة جو من البكاء والحزن والصراخ بصوت مرتفع، باعتقادهم أن المرحوم يسمع لهم، وبعد العياء من البكاء والنحيب والصراخ تتجمع النساء حول قبره بشكل دائري، تقدم الفتوح للفقيه الموجود بالمقبرة لإتلاء أيات من الذكر الحكيم، وفي الوقت الذي تكون فيه القراءة على الميت يعم الصمت من الجميع ويسود جو من الخشوع وحسن الإنصات لما يتلى، بعد انتهاء الطالب من القراءة يتم الدعاء مع الميت بطلب المغفرة والتجاوز عنه، وجعله مع الأولياء والصالحين في الجنة. توزع جميع الصداقات التي تم جلبها للمقبرة على السكان المتحلقين بالمكان وعلى كل من صدف في الطريق من رعاة أو أطفال أو غيرهم، كما يترك جزء منها داخل الضريح أو فوق مقبرة المرحوم لتأكل منه الطيور والحيوانات. يكون الرجوع من المقبرة قبل صلاة الظهر وذلك من أجل الاستعداد لتحضير وجبة العشاء للميت في هذا اليوم، وتذبح شاة أو ما شبه ذلك في هذه المناسبة، يستدعى لهذا العشاء جميع الأهالي والأقارب، وتكون ليلة حافلة بتلاوات من الذكر الحكيم، وأمداح نبوية شريفة أو ما يعرف ب" الطهلال" عند القبيلة، وتختتم الأمسية بترتيل أية الكرسي والفاتحة جماعة، وبدعاء مع الميت الذي يسمى "بمعروف الخير" أو " المعروف ندجماعث".
_ اليوم السابع: يتسم هو الأخر بزيارة قبر المرحوم وجميع قبور العائلة الموجودة في تلك المقبرة، ولكن هذا اليوم لا تحضره جميع النساء، وإنما تكتفي فيه بالزيارة عائلة المرحوم كالأم والزوجة والعامة أو الخالة. تجلب الصداقات في هذا اليوم أيضا للمقبرة بالإضافة إلى الحناء التي يتم خلطها أثناء الوصول إلى المقبرة لوضع رموز وعلامات على قبر المرحوم، وفي الأخير يطلى ما تبقى منها على قبر " الوالي" الموجود في الضريح، وعند الانتهاء من طلي الحناء تجلس النساء عند رأس " السيد " داخل الضريح، لطلب الخير والصلاح منه، بترديد العبارات التالية كقولهم " اسيدي فلان قاه نحنايش باش اتحند خناغ " أو " اسيدي فلان قاه نحنايش باش أتحند خفلان "، ومعنى هذه العبارات بالدارجة المغربية " اسيدي فلان رانا حنينا لك باش تحن علينا " أو " اسيدي فلان رانا حنينا لك باش تحن على فلان "، بعد الانتهاء من التضرع وطلب الخير من " السيد "، يوزع الحليب والتمر الذي تم إحضاره على الأطفال والنساء المتواجدين بالقرب من المقبرة، أو في الطريق، أما الباقي فيوزع على جميع أفراد الأسرة عند الرجوع للمنزل، باعتقادهم أن ذلك التمر والحليب فيه بركات " السيد " وكل من أكل منه يطال في عمره وتبعد من طريقه الموت القريب منه، ويقام في هذه الليلة أيضا عشاء يحضره جميع الأهالي والأحباب، ولا تختلف هذه الليلة عن سابقتها في الطقوس والمراسيم التي تمت الإشارة إليها في اليوم الثالث. فقبيلة بنو يعلى يختلط لديهم المقدس بالمدنس في أغلب الطقوس التي تؤدى في الموت، وممارسة الطقوس بتلك الطريقة تكون إما عن غير وعي بنتائجها، أو بسبب الجهل الذي تعرفه المنطقة، فالموت قد يرتبط عندهم بالحلم في الكثير من الأحيان، كرؤية الميت في المنام مشتاق لشخص ما ويريد رؤيته لأنه محتاج له أن يكون معه، بالإضافة لرؤية الميت في المنام، فرؤية خلية النحل أو قيام شخص ما بالزفاف يدل على الموت في تفسيرهم لهذه الأحلام، كما تفسر أيضا إزالة إحدى الأسنان في المنام على الموت وقرابة الموت هنا تكمن في الألم الذي سببته هذه السن، إن كان الألم قويا فالشخص يكون من المقربين جدا وإن كان الألم ضعيفا فالشخص الذي سيموت بعيدا من الأسرة. كما أن البوم تجلب الموت حسب اعتقادهم، فعند قدوم البوم لأحدى المنازل وقيامه ببعض الحركات وإصدار صوت غريب لا ينقطع فإنه يخبر بموت أحد أفراد ذلك المنزل، في وقت قريب، فيتم رشه بالملح، وطلب رحيله على الفور بالقول: " ها الملح جارييد اكيدش اكجيي "، وهذه العبارة معناها بالدارجة المغربية: " ها الملح بيني وبينك لمتبعدني". فبالرغم من حضور الحناء في طقوس الموت، إلا أنه لا يمكن لأحد وضعها في يديه أو رجليه لمدة أربعين يوما من موت المرحوم، فالعرف عندهم لا يسمح بذلك، لأن الشخص إذا وضع الحناء في هذه المدة يعبر عن كره للميت وأنه كان يتمنى له الهلاك، كما لا يسمح لمن كانت الحناء في يديه أن يقدم التعزية وإن وضعها قبل الموت، فينتظر حتى تزول تلك الحناء لتقديم واجب التعزية. كما لا يسمح في هذه المدة بإقامة أي حفل زفاف من طرف العائلة أو من طرف الجيران والمقربين وإن كان موعده قد حدد، يتم إلغاؤه إلى ما بعد الأربعين. _ ليلة الأربعين: ليلة الأربعين أو ما يسمى "بالربعين" تتميز هي الأخرى بنفس الطقوس التي سبق وأن ذكرتها، من الصداقات وزيارة القبور، إضافة على ذلك تفوح العطور في هذه الليلة من جميع الجوانب، باعتقاد أن رائحة البخور تطرد أشباح الميت من المكان الذي توفي فيه وتمنعهم من الظهور مرة أخرى. كما تنار الشموع في جميع الأماكن العامة، وتوضع بعض العلب مشمعة في المساجد والأضرحة الموجودة بالمنطقة. وترتدي النساء كلهن في هذه الليلة لباسا أبيضا. القرآن الكريم يتلى في جميع الأرجاء هذه الليلة، كما تنشد الجلالة في جميع المجالس رجالا ونساء، تنشد في مجالس الرجال من طرف الفقهاء، أما في مجالس النساء فتختص الفقيرات بذلك. تختص هذه الليلة بجو خاص لأن قراءة القرآن فيها تكون على جميع الموتى كل باسمه، لأن كل فرد من العائلة يقوم بإعطاء الفتوح "للطالب" ويطلب منه قراءة ما تيسر من الذكر الحكيم على المرحوم من عائلته. وتختم ليلة " الربعين " بدعاء جماعي مع المرحوم وجميع أفراد عائلته، كما يتم الدعاء لجميع أموات الأمة الإسلامية بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة، مع الدعاء بالشفاء لكل المرضى، وبالصبر والسلوان لجميع أفراد أسرة المرحوم.
#بوناجي_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإلتروس بين عفوية التشجيع ونشر ثقافة التنوير.
-
استيلاب الفضاء الأزرق لعقلية الإنسان العربي
المزيد.....
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
-
وفاة صاحبة إحدى أشهر الصور في تاريخ الحرب العالمية الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|