أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - زهير الخويلدي - هل الفلسفة قادرة أن توصل الإنسان إلى بَرّ الأمان؟














المزيد.....

هل الفلسفة قادرة أن توصل الإنسان إلى بَرّ الأمان؟


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 6152 - 2019 / 2 / 21 - 08:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


" بالنسبة إلى فلسفة تستقر في الرؤية المحض والتحليق فوق البانوراما لا يمكن أن يكون ثمة التقاء بالآخر: ذلك أن النظر يهيمن ولا يستطيع أن يهمن إلا على أشياء"1

تفكر الفلسفة في اللاشيء وتحيل العديد من الأشياء إلى العدم وتقوم بحركات سالبة وتحرص على النفي وتسحب الوجود من الكثير من الكائنات وتخلع القيمة عن العديد من الأفعال وتصف تجارب من الحياة بالعبث وتسقط جملة من أقوال الناس في دائرة اللاّمعنى وتفضل الصمت على الكلام في كثير من الأحيان.لكن الفلسفة من جهة مفهومها وتاريخها والمهام التي وجدت من أجلها مطالبة بالقيام بالعديد من الأشياء ولعب الكثير من الأدوار أكثر بالكثير من الوظائف السلبية وأدوار التفرج على الوجود وهو بصدد التفكك، وتنقسم مهام الفلسفة كما جرت العادة إلى نظرية وعملية والى معرفة ووجودية والى أحكام واقع وأحكام قيمة والى تفسير وتغيير والى نقد وتأسيس والى تحليل وتركيب والى تفكيك وتشييد والى تشريح واعتناء. لهذا السبب يطلب الناس من الفلسفة أشياء قد لا تطلب من صناعات أخرى وينتظر منها المتلقي أمور جمة ويبرر الموقف بأنها تعتبر علم الكليات وصناعة الصناعات والحكمة العظمى وأم المعارف وملكة العلوم. لكن على ماذا تقدر الفلسفة في الواقع؟ وما طبيعة الانتظارات التي يمكن أن تقدمها؟ وهل تنقذ الإنسان من الضياع في العالم وتوصله إلى بر الأمان؟ وماهو بر الأمان الذي ينتظر الإنسان بلوغه؟ وكيف تقدر عليه؟
الفلسفة ليست الفكر الضعيف مهما عاشت التراجع والجمود ومهما عانت من الحصار والمنع والتقييد، وليست مجرد ثقافة نخبوية تمارس نوع من التعالي والتخمة المعرفية وتعيش في برجع عاجي وموقع مترفع وإنما هي بالأساس قريبة من الناس ومتصلة بالجماهير وممارسة ميدانية وتجارب تطبيقية وسلاح ثوري وثقافة عمومية وبحوث تجريبية وسير ذاتية لجملة من المغامرات والمحن التي عاشتها شخصيات. تحاول الفلسفة في مهمة أولى أن تضع حدا للجهل والشعوذة والخرافة والدجل وتحارب في مقام أول الظن وترنو بكل الطرق بلوغ الرأي السديد والمعرفة المستنيرة بالعقل والحقيقة المرتكزة على العقل والتجربة. بعد ذلك تعمل على إشاعة التنوير وتحقيق التقدم وتحرص على مقاومة التقليد والتخلف والتأخر بالنسبة للمجتمعات وتنتصر للقيم العصرية وتهتم بالتحضر والتمدن وترتبط بالتجارب التحديثية وحركات الأنسنة.
غير أن هذه الوظائف النبيلة لا تكتمل إلا بالاشتغال على بناء الوعي الفردي والارتقاء بالوعي الجماعي ونقد العقل وإصلاح الذهن وتخليص الفكر من الاغتراب والانبتات والانتقال من الغيبوبة الى اليقظة ومن الكسل والخمول إلى الاستفاقة والحيوية وخلق ديناميكية إبداعية في مجال الأدب والفنون والخلق الجمالي. ربما مهمة الفلسفة الأولى والأساسية هي الوصول بالإنسان إلى بر الأمان وصناعة المعرفة الرائدة وإعادة تشكيل العالم المشترك على نحو مختلف وتأسيس مقام الكينونة الأصيلة وصيانة المدينة الإنسية من كل المخاطر المتربصة بها ومقاومة نزعات العدم والتوحش والتسليع والاعتصام بالتعقل الحكيم والعلم الجذل. لعل بر الأمان الذي تسعى الفلسفة بلوغه هو الخلاص من الشر بالقيام بالعمل الصالح والنجاة من الفوضى بتركيز النظام والتنبيه على سبل السعادة بدل التخبط في أوحال الشقاء وأنوار الانعتاق بدل ظلمة الاغتراب والبحث عن نقطة أرخميدس الثابتة التي تكون السند والمرتكز والمبدأ الأول والعلاج الكافي للأمراض التي يعاني منها العصر والأرض الصلبة التي يقف عليها الإنسان زمن الاضطراب واللاّيقين والسيلان. قد تفعل الفلسفة أشياء كثيرة للإنسان بمجرد أن تفتح رؤية جديدة يطل من خلاله على الكون اللاّمتناهي أو تعثر على فكرة ناظمة تشد إليها مختلف المعارف الجزئية وتجد خيوطا رابطة بين مختلف مقولات الذهن أو حينما تكشف عن مبدأ توجيهي يعتمده الناس في حياتهم العملية وعن تنفض الغبار قيمة أصيلة أهملت. إن الالتجاء إلى الفلسفة في عصر الرقمي هو في حد ذاته بر أمان للإنسان الذي يعاني من تنامي العدمية ولكن قد لا يكون كافيا إذا ظل الفيلسوف في غير مكانه المأمول وبقيت الثقافة الرسمية تنازع في وجوده. لكن إذا لم تكن الفلسفة رؤية للعالم وإبحار من ظلمة الهوية إلى أعماق الكينونة، فماذا عساها أن تكون؟
المرجع:
1- مرلوبونتي موريس ، المرئي واللامرئي، ترجمة د عبد العزيز العيادي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة أولى، 2008، ص148.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجذر بدل الاقتلاع عند سيمون فايل
- العقلانية الأداتية والعقلانية التواصلية
- تجارب التنوير ومخاطر اللاّتسامح
- معركة التعليم ليست قطاعية بل وطنية
- راهنية الحداثة في الثقافات التقليدية
- فنزويلا في مقاومة عاصفة العولمة المتوحشة
- هل يمكن للفلسفة أن تغير الواقع؟
- السيادة من حيث هي اقتدار عمومي
- الآداب التعاونية على التآزر والتأمين
- مطلب المقاومة بين الحق والواجب
- الثورة في تونس بين المتحاملين عليها والمتمسكين بها
- العقل الفلسفي بين التكوين والبنية
- الوجود الحضاري الغربي بصدد التفكك
- أشكال اكتساب الثروة واستعجال الحوكمة
- حركة السترات الصفراء وربيع باريس
- التفكير النقدي في العقلانية المعاصرة
- الأنثربولوجيا بين التبشير بالتنوير ومناهضة الاستعمار
- متاهات مابعد الفلسفة
- الثنائية في المنهج الديكارتي
- دواعي شجب حنة أرندت للأنظمة الشمولية


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - زهير الخويلدي - هل الفلسفة قادرة أن توصل الإنسان إلى بَرّ الأمان؟