أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة















المزيد.....

بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6151 - 2019 / 2 / 20 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


عدنان حسين أحمد
صدرت عن "المركز الثقافي للكتاب" في الدار البيضاء رواية "بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟" للباحث والروائي المغربي محمد المعزوز المتخصص في الأنثروبولوجيا السياسية وعلم الجَمال والحائز فيهما على درجتيّ الدكتوراه تباعًا من جامعتيّ "السوربون" بباريس و"محمد الأول" بمدينة "وجدة" المغربية. وقد سبق له أن أصدر رواية "رفيف الفصول" ونال عنها جائزة المغرب للكتاب عام 2007 عن فئة الكتابة الإبداعية، وله كتب أخرى في المسرح والسياسة وعِلم الجمال.
أوردنا هذه المقدمة لأنها تُوحي للقارئ الكريم بأن هناك أصداء للسيرة الذاتية لكاتب الرواية ومبدعها ليس بالضرورة أن تتطابق مع أحداث النص لكنها تستوحي منه العديد من المظاهر الفكرية والاجتماعية والسياسية، ولعلها تذهب أبعدَ من ذلك حين تتكئ على الرسم والموسيقى والفلسفة وعلم الجمال وتتخذ منها ثيمة رئيسة للرواية التي تزدان بالشخصيات المثقفة التي يشرّحها الكاتب، ويكشف عن أسرارها العميقة بُغية إدراك إشكالياتها الوجودية، وملامسة اختلالات القيم التي عصفت بالمجتمع المغربي على وجه التحديد من دون أن نغفل التحولات الكبيرة التي شهدها العالم برمته منذ ستينات القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر.
لم يرِد محمد المعزوز أن يقدّم لنا نصًا كلاسيكيًا لذلك استعان بالراوي العليم الذي يسرد الأحداث الروائية بزمن دائري يبدأ من منتصف الرواية ثم يعود بنا إلى زمنها الخطيّ المستقيم الذي يبدأ من باريس وينتهي في مدينة "وجدة" المغربية التي تحتضن أبطال الرواية وبعض الشخصيات الهامشية الأخرى التي تؤثث المتن السردي وتمدّه بنسغ الحياة على أصعدة مختلفة لكي يتكشّف اللغز الوحيد الذي تقوم عليه هذه الرواية التي توسّل فيها الكاتب التقنية البوليسية التي ينجلي فيها السرّ في خاتمة النَصّ ونهايتة المدروسة بعناية فائقة.
وعلى وفق البنية الدائرية التي تبدأ من المنتصف نجد أنفسنا أمام شخصية عبدالله الذي يعمل في المخبَز ويقدّم أرغفته الطازجة إلى الناس لكنه ينعزل في هذا المكان ويتوحّد فيه بعيدًا عن مجتمع مدينة "وجدة" في أقصى الشمال الشرقي من المغرب. وعلى الرغم من أنّ عبدالله لا يختلط بالناس ولا يتكلم كثيرًا لكننا سنتعرّف على شخصيته المتكتّمة التي تثير الانتباه، وربما تكون اللوحة الفنية التي يعلّقها على أحد جدران المخبز هي التي ستُخرجه من صمته حين تسأله راحيل عن سرّ اغتيال التوقيع الذي يذيّل اللوحة المعبّرة لكنه يمتنع عن البوح باسم الرسّامة التي أبدعت هذا العمل الفني اللافت للانتباه.
ولكي نضع القارئ في صورة الحدث الروائي لابد من العودة إلى شخصية عبدالله المنهمك بالفلسفة ودراستها في باريس، فهو متزوج من راشيل، الرسّامة الفرنسية التي لا تعوّل كثيرًا على المؤسسة الزوجية، فقد اعترفت له بارتكاب خطيئة فادحة عندما أنجبت طفلة منه، وفي لحظة هستيرية أحرقت لوحاتها الثلاث ولكنه تمكّن من إنقاذ إحداها بعد أن امتدّت ألسنة النيران إلى الورشة برمتها.
يتلقّى عبدالله مكالمة هاتفية من شقيقه في "وجدة" ليخبره بأنّ زوجته الفرنسية راشيل قد جاءت رفقة طفلتها إلى بيت والده تسأل عنه وحينما وصل اكتشف أنها توارت عن الأنظار قبل مجيئه بساعات. لم يستغرق بحثه زمنًا طويلاً، إذ أخبرته الشرطة بأنه تمّ العثور على زوجته منتحرة بعد أن قطعت شريانيّ معصميها لتتركه نهبًا للعزلة والانطواء في مخبزه الذي يحتضن لوحتها الوحيدة المتبقية التي جلبها أحد أصدقائه من بيته في باريس بعد أن فسخ عقد الإيجار. تأخذ الرواية منحىً بوليسيًا إثر اختفاء ابنته راحيل، وسوف يتعرّف القارئ تدريجيًا على شخصية الأب عبدالله، وعلى ابنته راحيل، وبقية الشخصيات الأخر التي تدور في فلكيهما. فإذا كان الأب غارقًا في الفلسفة، والأم رسّامة فإن البنت المفقودة قد أصبحت عازفة موسيقية ومغنية أحبّت خالدًا، المناضل السياسي وتزوجته لكنهما وصلا إلى طريق مسدود أفضى بهما إلى الانفصال من دون أن يتطلّقا. ربما تكون راحيل هي الشخصية الأكثر إغراءً في الرواية، ولعلها تقف بموازاة شخصية الأب المنطوية التي يلفّها الغموض، وقد عمد الروائي إتّباع تقنية الاسترجاع للكشف عن حياة راحيل المُبهمة أيضًا لكن هذا الالتباس سوف يُزال تباعًا فنعرف أنّ "عيشة" المتسوّلة قد سرقت الطفلة راحيل تاركة وراءها جثة أم مضرّجة بالدماء. وبما أنّ "عيشة" كانت ترتاد حلقات الذِكر وتسقط مغشيًا عليها وهي تنشد كلمات عبدالقادر الجيلاني، ونصوص الحلاج وابن عربي فإن هذه الطفلة قد شُغفت بسماع الذِكر والإنشاد وأن المتسولة قد أطلقت عليها اسم "رابعة" تيمّنًا برابعة العدوية. قبل أن تواجه "عيشة" مصيرها المحتوم سلّمت راحيل إلى دار الأيتام حيث تعلّمت العزف والغناء على يد امرأة مُسنّة تُدعى زينب، وبما أنّ هذه الأخيرة مُصابة بالسلّ وعلى وشك أن تغادر الحياة فقد سردت لها قصة حياتها منذ انتحار أمها حتى لحظة تواجدها الأخيرة في الميتم وسلّمتها حقيبة تحتوي على لوحة فنية بديعة ملفوفة بقماش من حرير إضافة إلى صورة كُتب على ظهرها:"أُهدي هذه الملامح المتصارعة إلى ابنتي التي ستدرك بأنّ الأمومة أكذوبة وأنّ الإنجاب تكرار لفصيلة من الكائنات التي فقدت كينونتها وجهلت سرّ خلقها".. قصدت راحيل المخبز لتشتري رغيفين لكنها صدمت حين شاهدت لوحة معلقة على الجدار تحمل توقيعًا مموهًا أو مطموسًا. شعرت وكأنها تعرف هذه اللوحة، وتمتّ إليها بصلة ما لأنها "تلبس كل المعاني التي لها دلالة على الوجود والامتداد".
ترتبط راحيل بخالد الذي يدعم المقاومة الفلسطينية ويجمع لها التبرعات، وذات مرة يطلب منها أن تبيع اللوحة التي ورثتها عن أمها وتتبرع بأموالها إلى المقاومة فترفض مفضّلة الانفصال على بيع الأثر الوحيد الذي خلّفته لها الوالدة بعد انتحارها، وعندها أدركت "بأنها لم تكن في عالمه إلاّ شيئًا مُلحقًا، أو أنه لم يكن يرى فيها أكثر من مجرد موضوع للأنس والألفة".
تنظّم راحيل حفلاً موسيقيًا وغنائيًا يحضره جهور غفير بينهم عبدالله، وخالد، ووليد، وجيهان وتعزف وتغنّي من أعماق القلب غناء يثير الشجون لكن رأسها يسقط على المفاتيح الوسطى للبيانو وتفارق الحياة وسط شهقات الحاضرين لتصرخ جيهان بصوت عالٍ وهي تتجه نحو عبدالله مفزوعة لتخبره بأن الحقيقة قد انكشفت وأنّ راحيل هي ابنته التي فقدها بعد انتحار زوجته راشيل عندها يختتم الرواية متسائلاً:"ماذا يختبئ بعد وراء الستار؟".
ثمة شخصيات تمدّ الرواية بقصص جانبية مثل رؤوف السياسي الذي يمثل الانتهازية في أعلى درجاتها وقد سافر مع جيهان إلى ألمانيا واعتدى عليها بذريعة إباحة الجنس للذوات البشرية. وهناك عبد العزيز الوجدي الذي دخل السجن وتعرّض لمختلف أنواع التعذيب مذكرًا إيانا بأدب السجون والمعتقلات. وهناك استحضار لشخصية جان دارك من عمق التاريخ الفرنسي حيث رأت في منامها ملاكًا يأمرها بنصرة شارل السابع وتحرير فرنسا من هيمنة الإنجليز.
ما يميز هذه الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية هو ثيماتها المتعددة التي تجمع بين الفلسفة، والفن التشكيلي، والموسيقى والغناء، وتغوص في أعماق الشخصيات العربية والفرنسية وتكشف عن جذورها ضمن حبكة درامية رصينة تأخذ بتلابيب القارئ منذ الصفحات الأولى حتى خاتمة هذا النص الروائي المحكم.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدوارد بيرن- جونز. . الفنان الذي وظّف الأساطير، وعمّق لوحته ...
- سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية
- عودة نوعيّة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن
- قصص قصيرة جدًا لمحمد حياوي بنهايات تنويرية
- جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...
- الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به ...
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...
- الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و ...
- نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة