|
مدينةٌ طليقةُ الأنفاس : مكناس
سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 - 10:33
المحور:
الادب والفن
أترجِـمُ ما وردَ في " الموسوعة البريطانية " عن مكناس : كانت واحدةً من المدن الإمبراطورية الأربع في المغرب . أسستها في القرن العاشر [ الميلادي ] قبيلةٌ بربريةٌ [ أمازيغية ] . كانت في الأصل مجموعة قرىً وسطَ غياض الزيتون ، وصارت عاصمة المغرب سنة 1673 في عهد مولاي اسماعيل ، الذي بنى قصوراً ومساجدَ جعلت مكناسَ تسمّـى فرساي المغرب . تدهورت بعد وفاته ، واحتلّـها الفرنسيون سنة 1911 . وهي اليوم مركزٌ تجاريّ للمنتجات الزراعية ، والمطرّزات الرفيعة والزرابي . السكان سنة1994 : أربعمائة وتسعة وخمسون ألفاً وتسعمائة وثمانيةٌ وخمسون . تقع شماليّ وسط المغرب . * بعد استكمال " ربيع مراكش" 2006 ، ورحيل بر نار نويل وإيزابلاّ إلى منزلهما الريفيّ بفرنسا ، واختفاء الآخرين بلا وداع أو سلام ، باستثناء محمد بنيس الذي دعاني أنا وأندريا إلى زيارته في منزله بالمحمدية ، بين الرباط والدار البيضاء ، غير بعيدٍ عن شاطيء البحر . أقولُ بعد استكمال قراءات مراكش ، انتقلت بالقطار إلى مكناس ، ملبياً دعوةً من المعهد الفرنسيّ ، وأخرى من كلية الآداب بجامعة مكناس ، كما أن اتحاد كتّـاب المغرب ( فرع مكناس ) أجرى اتصالاً تمهيدياً معي حول لقاءٍ ما . في محطة قطار مكناس ، كان في استقبالنا ، أنا وأندريا ، د. سعيدي المولودي من كلية الآداب ، ومهدي أمينُ مكتبةِ المعهد الفرنسي ، وصديقٌ ثالثٌ . ( لا بدّ لي من الإشارة إلى أن د. سعيدي المولودي أنفقَ من سِـنِـيّ حياته سبعاً ، قلّـبَ فيها حياتي وشعري تقليباً ، حتى صار أعلمَ بشعري مني ! ، وقد أثمرَ جهدُهُ المرموقُ مجلّــدَينِ من عملٍ نقديّ ) . في الطريق من المحطة إلى الفندق ، وكان المساء في أوائله ، رأيت الشابّات والشبّـان منطلقين في الشوارع والحدائق وهو مشهدٌ صرنا نفتقده في كثيرٍ من المدن العربية ، كما لمحتُ ، للمرة الأولى ، أسوار المدينة العتيقة ، عاصمة مولاي اسماعيل … شمس الغروب على الأسوار ، والمنارة الراسخة تشقّ طريقها الدائمة نحو السماء . ما ذا أقول؟ كلّــما جئتُ واحدةً من عواصمنا العربيةِ صلَّيتُ : ها أنتِ ذي ! أنتِ ما زلتِ حاضرةً ( مثلَما كنتِ في الكتبِ الجِلْـدِ مخطوطةً أو مُـرَنّـحـةً في الأغاني … ) السلامُ عليكِ … السلامُ على من رأى في خرائطِكِ الـحُلـمَ واستافَ في خلْـجةٍ من هوائكِ والماءِ ذاكَ الشــميمَ الـمُـضَـوَّعَ من جـنّـةٍ ؛ * ننزل في فندق IBIS ( طائر أبو منجل ) القائم على هضبةٍ تشـرف على المدينة العتيقة ، الفندق الذي يواجه مطعماً من سلسلة الماكدونالد لا يرتاده أحدٌ . بمقدور المرء ( كما فعلنا ) أن يذهب ماشياً إلى المدينة العتيقة ، وأن يرقب الحياة تستيقظ ، والتلامذة يمضون إلى المدارس ، والعربات تأتي بالنعناع إلى المقاهي . سيكون شاي الصباح مفعماً بخير الطبيعة الأولى. الناس في مكناس ، لم تستشـرِ في نفوسهم ( بعدُ ؟ ) حُـمّى السياحة ، كما هي الحالُ في مراكش . حتى السائحون يأتون إلى مكناس عابرين ، إلى الأطلس أو الصحراء … إلخ ، يبيتون ليلةً أو اثنتين ويغادرون . الرومان كانوا هنا أيضاً . مدينةٌ رومانية كاملة تقع على مبعدة حوالي أربعين كيلومتراً عن مكناس . أخذنا إلى " فيلوبوليس" – أظنّ هذا اسمها – د. سعيدي الولودي ، وحسن مخافي . صرحٌ رومانيّ كامل وموزاييك عجيب . الموزاييك مكشوف لعناصر الطبيعة ، وقد يتآكل مع الزمن إن لم يُحفَظ تحت سقف زجاجٍ أو يبلاستيك شفّاف . في الموزاييك كائنات بحرية ، وفيل ، وآلهة ، أبوللو وباخوس . وعلى ذِكر الأخير يمكن القول بأن أهل مكناس يتباهَونَ بأن لديهم أكبر مستودعٍ للخمور في العالم ! هذا من عهد الرومان ، يقولون … لم ينقطع إنتاج الخمور في مدينتهم ، على مَــرّ العصور . الناس على حقّ . فالكروم تحتلّ مساحاتٍ خرافيةً ، والنبيذ غنيٌّ ، ذو مذاقٍ نادرٍ . Cabernet Sauvignon من أفضل ما يكون . * كان لي لقاءٌ مع طلبة وطالبات كلية الآداب . القاعة ممتلئة. كان الاستماع ممتازاً ، وقد جرى نقاشٌ مفتوحٌ بعد القراءة . كانت الأسئلة ممتازة . ثم كان لقاءٌ آخر في المعهد الفرنسي . قُرِئتْ لي أيضاً نصوصٌ بالفرنسية . وقد حضر الأمسيةَ والي مكناس السيد حسن أوريد . عرفتُ في ما بعدُ أنها المرة الأولى التي يحضر فيها فعاليةً من هذا النوع . من المفيد أن أذكر أن تسيير شؤون الولاية من مسؤولية شخصيّتينِ : عُمدة المدينة المنتخب ، والوالي الذي يمثل ملك البلاد . كان لي لقاءٌ آخر مع السيد حسن أوريد ، حين كنتُ ضيفاً على مائدته في دارٍ بالمدينة القديمة اتُّخِذتْ مطعماً . جرى حديثٌ لطيف عن الأدب ، وكان الرجل يستعيد أبياتاً من بدر شاكر السياب وسواه . امتدت الجلسة إلى ما بعد منتصف الليل . أظنّ أن أهل مكناس محظوظون بالوالي الشابّ ، المتشــرِّبِ بروح القرن الحادي والعشرين . إنه ضمانةٌ لمدينتهم كي تظلّ طليقة الأنفاس . اللقاء الشعريّ الثالث كان في المركز الثقافي ، وقد نظّـمه اتحاد كتّاب المغرب ( فرع مكناس ) . قدّم الأمسية وقدّمني كلٌّ من د. أحمد فرشوخ مسؤول الفرع ، وحسن مخافي . كانت الأمسية ذات جوٍ حميم مع مسحةٍ من المسرح والإيماء . * لم يتسنَّ لي وقتٌ كافٍ لمعاينة الكثير ممّـا تضمّـه عاصمةٌ عريقةٌ هي مكناس . كان عليّ ، مثلاً ، أن أتقرّى بوابة المنصور كما تقرّى البحتريّ النحت البارز في أنطاكية : وإذا ما رأيتَ صورةَ أنطاكيةَ ارتعتَ بين رومٍ وفُرْسِ وكان عليّ أن أدخل قبّــة السفراء حيث كان مولاي اسماعيل يستقبل المبعوثين الدبلوماسيين . ومن هناك أنحدر إلى سجنه الرهيب ! وكان عليّ أن استمتع بالدخول إلى أكبر قبوٍ للنبيذ في العالم … وكان عليّ أن أدقِّقَ في ما يفعله الحِــرفيّــون من جَمالٍ . لكنّ مكناس ليست بالصغيرةِ … مكناس تحتلُّ مساحة الولاية الكبرى في المملكة المغربية ، حتى لتبلغ الحدود الجزائرية ! تصدر فيها اثنتا عشرة مجلة . وفي سنة 2000 صدر فيها حوالي خمسين كتاباً . آخر إصدارات مكناس : تاريخ الجنون في القرون الوسطى ـ ميشيل فوكو ! وفي الأطلال الرومانية يقام مهرجانٌ سنويّ عالمـيّ للموسيقى …
لندن 21/4/2006
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الشاعر الكبير سعدي يوسف
-
مجلسُ قيادةِ ثورةٍ للجواسيس
-
مُرّاكش ورياضُ ليوناردو دافنشي
-
يا لَهذا العُمْرِ الذي طالَ !
-
لا تيأسوا … وأنتم الأدنَون !
-
المتاهة
-
قولي لهم إنهم أحَطُّ من الكلاب !
-
إعدامُ السجناء السياسيين
-
مؤبَّدُ خيانةٍ
-
العودةُ
-
سامرّاء
-
عِنادُ الأوغادِ
-
القرصان والسلطان
-
الحرب القادمة : إيران
-
دكتاتورية الاحتلال محلِّياً
-
إلحاقُ خوزستان
-
قصيدة حُبّ
-
التحالفات الثلاثة
-
القصيدة المُخالِفة
-
اقتسامُ الفطيسة
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|