بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6146 - 2019 / 2 / 15 - 08:20
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
المطاردة
-------------
مدخل
-------------
العمل الاستخباري يبحث عن المعلومة , الا ان فرقه عن الصحفي الباحث هو الاخر عن المعلومة , انه استباقي في عمله , فرجل الاستخبارات يبحث في كل الاتجاهات بالمعنى الشمولي للاهداف لابالمعنى العشوائي المشتت , وغالبا ما تكون لديه دوماً مجموعة اهداف يطاردها يبحث عنها ويركز عليها ولايتركها , لان الاستخبارات تعمل بالشكوك ولاتنتظر تكامل الادلة , فلو انتظرت لإنهار الامن , واذاكانت الاجهزة الامنية ترى احياناً ان الامن مستتب في بلد ما , فإن الجهاز الاستخباري لتلك الدولة لديه دوماً وجهة نظر اخرى .
---------------
الاستهداف
---------------
الاجهزة الاستخبارية اجهزة متشككة تستهدف كل ماهو مريب وتطارد كافة الخيوط حتى التافهة منها , فهي تطارد العناصر الخطرة وشديدة الخطورة سواء كانوا مسؤولون حكوميون سابقون وحاليون وتطارد شخصيات المعارضة ورجال الاعمال والمشبوهين .
ولكن ذلك لايعني ان الاجهزة الاستخبارية المحترفة تكتفي بالمشبوهين , وانما تمتد مطاردتها ورقابتها حتى على المسؤولين ممن لاشبهة عليهم ممن يتواجدون في مناصب او اماكن تتيح لهم ان يكونوا مجرمين .
ان المطاردة الاستخبارية تهدف للتعرف على كل شيء وتفتح العيون على اية شبهة فساد اداري اومالي اوصفقات مشبوهة اوتجسس او خيانة او تآمر او تمرد , فلاحدود امام الاجهزة الاستخبارية المحترفة في مجال جمع المعلومات , فهي تراقب حتى رئيس الجمهورية وتقوم بواجباتها دون اذن من احد ولاتعمل من اجل مصلحة احد مهما كان نفوذه , اما الاجهزة الاستخبارية في الدول الهشة فتراها تراقب من يطلب الرئيس والزعيم مراقبته , فاذا غض النظر غضت النظر.
ان معنى المطاردة في الاستخبارات ان تجري السيطرة على الهدف والغور في اسراره والجانب السري من حياته , وهي تطارد التهديد ولاتنتظر وقوعه , فبرغم انتصارنا على داعش , الا ان الامر كان يمكن ان يكون اسهل لو ان الاستخبارات , كانت المبادرة بمطاردة داعش واعوانها .
فالاجهزة الاستخبارية المحترفة لاتقف عند حدود مرتكب الجرم وانما توسع دائرتها على كل المساندين في الظلال , ففي الحرب ضد الارهاب تسعى الاجهزة الاستخبارية وراء من افتى ومن ساند ومن آوى ومن ساعد ومن قاتل ومن قاد ومن مول ومن اسعف ومن تعاون ومن دعم سياسياً ومالياً , كي يتم تجفيف منابع الارهاب .
---------------------------------------------
المطاردة بين الامن والاستخبارات
---------------------------------------------
تختلف المطاردة الامنية عن المطاردة الاستخبارية , فالمطلوب للامن هو شخص مطلوب للقضاء توافرت ادلة واضحة على اتهامه , اما المطاردة الاستخبارية فلا تتطلب اكثر من الشكوك ولاتشترط ان تكون قد صدرت بحق المطارد مذكرة قضائية .
ففي الملف الامني تكون مطاردة الهدف رسمية وقد يعرض اسمه وصورته في الاعلام وتطلب مساعدة المواطنين وتوضع جوائز ومكافأة لاعتقاله او الدلالة عليه , لكن في الاستخبارات الشخص المطارد هو شخص لا تمتلك الاستخبارات تهديف عليه وتبحث عنه وتسعى لاختراق كيانه او عصابته او تنظيمه بصمت وبسرية , بل ان المطارد امنياً يعرف حتماً انه مطارد من قبل الاجهزة الامنية , بينما لايشترط بالمطارد إستخبارياً ان يعلم بأنه مطارد .
والسبب في الفرق بين المطاردتين يكمن في ان الجهاز الامني مرتبط بالجهاز القضائي ويتحرك بخطوات واضحة وقانونية ويراعي مسودات حقوق الانسان والحريات , اما الجهاز الاستخباري فلايرتبط بالاجهزة القضائية ولايتلقى اوامره من احد ولايتورع في انتهاك الخصوصيات , ففي حين تطلب الشرطة امراً قضائياً من القاضي لتفتيش شقة متهم او مشتبه به , فان الجهاز الاستخباري قد يكون في تلك اللحظة يراقب سراً حساب القاضي البنكي لوجود شبهة رشوة مشكوك بها من خلال معلومات استخبارية مقربة من تاجر مخدرات , والفرق بين العملين واضح .
----------------------
العمل الاستباقي
----------------------
العمل الاستخباري عمل استباقي , فالتهديف الاستخباري هو مطاردة اي شي خطر محتمل على أمن البلد والذهاب اليه لا بإنتظاره ليأتي , فالاستخبارات تتحسس التهديد وهي اول من يشعر به .
ولايقين في العمل الاستخباري المحترف , بل لايوجد من هو فوق الشبهات لديها , بل ان رئيس الجهاز الاستخباري ذاته غير مصان احياناً من المراقبة , وليس ببعيد حين اطيح برئيس الCIA على يد الFBI في امريكا.
ان البعض يرى ان مواطني ومسؤولي الغرب هم ملائكة , والحقيقة ان هنالك عامل مهم في الغرب يحد من الفساد وهي التكنلوجيا والاستخبارات التي تراقب كل شيء لذا لا يمكن الاختلاس والسرقة .
اي ان الاجهزة الاستخبارية لاعلاقة لها بالدراسات التي تقول ان مواطنها ملتزم بالقانون , فمايهمها ان لاتدع المال سائباً من خلال المراقبة التي يخشى معها رجل الدولة من اي تصرف في الفساد المالي والاداري , وهو يعلم ان الاستخبارات تطارد اي تضخم في الحسابات .
ان احد ابرز اسباب قوة وتمكن الاستخبارات في الدول المتقدمة تكمن في انها تعرف كل شي عن المسؤول , فلا يستطيع او يتجرآ لمواجهتها او معارضتها فهم يعرفون حساباته وابناءه وعقاراته وتجارته السرية وعشيقته وعلاقاته وحياته الخفيه والعلنية , وحتى حين نسمع بدور الصحافة في كشف فساد سياسي ومالي لمسؤول , فإن الغالب هنا انه تسريب استخباري للصحافة .
ان العقيدة الاستخبارية مبنية على انه لا يمكن تحقيق الامن بلا استباق الجريمة والوصول الى نيات المجرمين , والا مالفائدة من ان تقع الجريمة ومن ثم نطارد المجرم ؟.
ففي عالم الاستخبارات هنالك عناصر خطرة وشديدة الخطورة قد لا تكون مطلوبه للقضاء او لا توجد ضدها ادلة او ان القضاء لم يحكم عليها لعدم كفاية الادلة , لكن هذه العناصر لاتستطيع الافلات من رقابة الاجهزة الاستخبارية المحترفة .
فالهكرز مثلا هو شخص غير مطلوب قضائياً ولم يرتكب جريمة لكن الاستخبارات تطارده ليكون تحت سيطرتها وان لا يستفيد من قدراته او يفيد الاخرين لاخلال النظام واضرار الناس , وكذا الامر على رجال الدولة , فهم مؤتمنون ولكن يجب ان يكونوا تحت عين الاستخبارات حتى لا يخونوا الامانة.
وكذا الامر مع عين الاستخبارات على رجال السلك الدبلوماسي الوطني المستمرة خشية تجنيدهم لصالح الاخرين, عدا عن مراقبة كافة الاجانب بإعتبارهم عناصر قد تكون مشبوهة داخل البلاد سواء في سفاراتهم او شركاتهم او حتى سياحتهم .
--------------------
مطاردة المنابع
--------------------
ان الاستخبارات الناجحة تأتي قبل الجميع الى ارض المعركة وتبدا بالاستكشاف والاستطلاع بالميدان وتزود القطعات بالمعلومات , وعندما تبدأ المعركة فانها ترشد القطعات الى اهدافها , وعندما تنتهي المعركة , فانها تستمر في عملها وتنشط لإستثمار الفوز واعادة الانتشار في الارض الجديدة وملاحقة بناء القوة عند العدو المنكسر والمنسحب وتبدأ من جديد دورة استطلاع ميدان مكثفة لتعرف استحكاماته الجديدة , فهي موجودة قبل واثناء وبعد المعركة .
فإن كان الامر كذلك مع العدو الظاهر العسكري , فمابالك بالعدو السري المتخفي , ومن هنا فإن انتظار الارهاب نوع من انواع الغباء لأنه فايروس يصعب التخلص منه اذا دخل الجسم.
ان الاستخبارات لاتنهي عملها مع نهاية المخاطر الارهابية , فعندما ينكسر الارهاب العلني يحتفل الشعب ويطلق الجنود العيارات النارية وتهلهل الامهات تعبيراً عن الفرح بالنصر والسلام , الا ان الاجهزة الاستخبارية تتجهم لانها تعلم ان العدو سينتقل الى تحت الارض وسيختفي ليصبح ارهابه سرياً , وحينها لا تستطيع الدبابات ولا السيطرات ولا الدوريات ولا الانتشار والتفتيش القضاء عليه وانما تصبح عملية القضاء عليه وتجفيف منابعه من اعمال الاجهزة الاستخبارية .
لذا نلاحظ ان اية استخبارات محترفة فانها تقوم بعمليات نوعية على المستوى الدولي لكي تتخلص من هذا الخطر بدل من ان تنتظر حتى يأتي الى بلادها , فتراها تقوم بمطاردة الارهاب في كل مكان وفي اية رقعة جغرافية ولا تقتصر على حدودها الرسمية , بل تذهب لضرب الارهاب في اية دولة.
وفي الحالة العراقية , علينا ان نطارد الارهاب المتشكل في سوريا ونضرب اهدافه ونعالج المقرات الثابته له في مناطقه الآمنة , فلا يجوز السماح للارهاب ان يدخل المدن والقرى , وعلينا معالجته بكل اشكاله قبل التمكن والانتشار والتغلغل.
ان على استخباراتنا ان تسعى الان لتعرف اين زعيم داعش واعوانه ومساعديه وتستمر بمطاردتهم في كل ارض وتشل حركتهم وتوجه لهم الضربات , لأنّ تركه في مأمن يجعله يخطط ويستعد , اما توجيه الضربات المتلاحقة له ولتنظيمه ستجعله غير متماسك وفاقد لقدرة التخطيط .
فلابد من تركيز الجهد حالياً لمطاردة العدو في الشريط الحدودي والارض السورية ومعرفه أوكاره ومسانديه ومعرفة عناصره المقتولة والمصابة والمتخفية والمنقطعة والتي تحاول الإندماج سراً مع الناس بالرشى والتهديد , ومالم نسعى بكل جد لذلك سيعود الارهاب ولو بعد حين ويصبح طريق المحافظات الغربية غير آمن وتعود التفجيرات والاغتيالات وقتل الناس وهذا ما يحصل في الموصل الايام الفائتة.
ان ما نعانيه في الحدود مع سوريا هو ان حرس الحدود يحمي الحدود ولكن لا يطارد التهديد الآتي من الحدود المنفلته في سوريا لأنها ليست مهمته , لذا يجب ان يكون عناصر الاستخبارات في سوريا والاراضي السورية يبحثون عن العدو ويطاردون فلوله واوكاره ويطلبون توجيه ضربات جوية محكمة لمواقعه , فالدفاع بالهجوم واخذ زمام المبادرة.
--------------
خلاصة
--------------
ان مطاردة الارهاب والخطر يتم بالتكرار والإستمرار والامن الاحترازي المدعوم بالأمن المعلوماتي والتركيز على الاصل , فالمطاردة تعني ان تلاحق تاجر المخدرات ولا تنشغل بالمتعاطي للمخدرات وان تتحرى عن الفساد المالي وتعرف خيوطه وتطارده كي لا يستفحل ويصبح واقعاً اجتماعياً , وان نتحرى عن الفساد الاداري ونحاصره ونعرف اساليبه ومنتجاته.
ومن المهم لرجل الاستخبارات ان يدرس ويطلع على تجارب الاخرين ليتعلم منها سواء من التجارب الحمقاء او التجارب اللامعة , فشتان بين ان تكون الاستخبارات غبية بحيث تطارد صحفياً هو اساساً كان احد ابواق السلطة ومادحاً لداعش , وتخطط وتطارد هذا الشخص وتقتله بطريقه داعشية لتكون احدى اغبى عمليات الاستخبارات في التاريخ , وبين ما قامت به الاستخبارات الامريكية من قتل بن لادن او ما قامت به الاستخبارات الايرانية من اعتقال عبد الملك ريغي وسترى الفرق في طبيعة الاسلوب وطبيعة الهدف والمستهدف , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟