|
الشبح الحزين!! (خاطرة شعرية)
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 6144 - 2019 / 2 / 13 - 00:00
المحور:
الادب والفن
يا تُرى كيف نسيت ؟ أنني قــد انتهــيـت !! ** مــنذ أعــوامٍ طِـــوالٍ في التُرابِ قد وُريت ! ** وغدوتُ وسطَ قـبــرٍ فهُـجـرتُ و نُسِيــت ** ورقدتُ ألــفَ عـــامٍ في ظلامٍ واهتــريت *** وسأمتُ ذات يـــومٍ من رُقادي، اكتفيت ** تقتُ لأُمي وقـــومي تقتُ للدنيا، اشتهيت! ** فصحوتُ من سُباتـي ونهضـتُ ومشـــيت ** نحو قومي، نحو داري في حنين ٍ قد جريــت! ** ورآني النــاسُ طَـيْفـًا واقفـًا بقُــربِ بــيـت !! ** فتنادوا في ارتعابٍ: "عفاريتُ، عفاريت" ! ** وآتى شيــخٌ وسيـطٌ قال لي: ماذا جنيت؟! ** عُدْ لقبــرِكَ بســلامٍ إنـك يـا هذا مَيْــت ! ** ففزعتُ واضطربتُ وحـزنـتُ وبــكيــت ** وعرفتُ هــذا حقــًا ورأيتُ مــا رأيــت ! ** فتركــتُ الدنيــا خلفي عدتُ من حيثُ أتيت!! ** وتـلاشيــتُ بعــيـــدًا كسَـــرابٍ واختفيـت ! ** عدتُ في القبرِ وحيدًا كما كنتُ، وانطويت! ************ شعر: سليم نصر الرقعي 2019 (*) نقد ذاتي: عندما خطرت في بالي هذه الخاطرة الشعرية كان مُهيجها الأساسي هو تخيلي لحكاية انسان مات وعاش في قبره لقرون عديدة أو لعقود مديدة ثم ملّ من القبر وسأم من كل هذا الرُقاد الطويل واشتاق إلى أهله وأمه وبيته، فخرج من القبر بروحه كشبح وطيفِ ميت ناسيًا في لحظة حنين وانفعال أنه قد مات وبات من عالم الأموات!.. وذهب يركض في حنين إلى قومه وداره لكنه سرعان ما يكتشف أنهم لا يعرفونه (!!) بل يكتشف بأنهم يخافونه!، ويعتقدون أنه من (العفاريت)!!... ويتنادى الناس ويُحْضِرون شيخًا ليكون وسيطًا روحانيًا بينهم وبين هذا الشبح (المجهول) القادم من عالم الأموات لعله يصرفه عنهم بعيدًا!، فالناس بطبيعتهم لا يحبون الأشباح لأنهم يخافون من العفاريت!!، فيخاطبه هذا الشيخ (الوسيط الروحاني) بلهجة حازمة ويأمره بالانصراف!، مُذكرًا إياه بأنه لم يعد من الأحياء ولا مكان له بينهم فوق الأرض وأنه ليس سوى (شبح رجل ميت) خرج من قبره على حين غرة وعلى غير المعتاد يجوب الأحياء الآهلة بالسكان وأنه بالتالي عليه أن يرجع لقبره لأن وجوده بين الأحياء أمر شاذ ومزعج بل ومخيف يُزعج من يدبون فوق سطح الأرض ويقطنون كل هذه العمائر!، فيدرك عندها هذا الشبح المسكين الحقيقة المرة والصادمة ويتذكر بأنه بالفعل قد مات منذ زمن بعيد!!، فيشعر بالخوف والفزع والاغتراب في عالم الاحياء كما شعر في قبره من قبل بالاغتراب في عالم الأموات!، ويلي شعوره بالاغتراب شعور بالاضطراب ثم بالحزن العميق فيبكي بحرقة ومرارة ثم ما يلبث أن يقفل راجعًا من حيث آتي ناكس الرأس، كسير القلب، كسيف البال!.. فلا خيار أمامه غير هذا!، فهو شبح رجل ميت وعليه أن يلازم قبره حتى يحين يوم الخروج الكبير!!.. وهكذا يعود هذا الشبح المسكين يجر أذيال خيبة الأمل ليرقد هناك وسط المقبرة العتيقة المهجورة وحيدًا في قبره البعيد من جديد!!... هذه الخاطرة القصصية القصيرة والتي بلا شك لا تخلو من المعاني المُضْمرة والمُرمَّزة (المُشفرة) هي ما حاولتُ هنا نظمها وتشكيلها على هيئة قصيدة شعرية قصيرة، ولا أدري هل نجحتُ في ايصال (الحالة الوجدانية الشعورية) التي اعترتني أم لا؟ هذه (الحالة الوجدانية الشاعرية) التي انتابتني مع ورود هذه الخاطرة بهذه الفكرة أو الصورة الخيالية أو هذه التمثيلية الرمزية التي دارت على مسرح وشاشة مخيلتي وذهني تناغمًا مع تلك المشاعر التي كانت تتقد في صدري وترتعش في قلبي!؟.... وهنا على الاعتراف بأنني لستُ متأكدًا على وجه اليقين من أيهما سبق الآخر في نفسي وذهني أولًا!؟؟... الصورة الذهنية أم الحالة الوجدانية!؟؟... أعني هل الحالة الوجدانية الشعورية التي ربما مصدرها شعوري الشخصي بالغربة والحنين لوطن مهدوم متقوض هي التي وردت أولًا في وجداني وقلبي فولّدت هذه الفكرة الخيالية في ذهني وعقلي عن قصة هذا الشبح المسكين الذي نهض من قبره محاولًا العودة لبيته وقومه ليكتشف أن قومه ما عادوا يعرفونه، بل باتوا يخافونه لأنهم يرونه كشبح من العفاريت الغريبة!!... أم أن هذه الخاطرة الخيالية الذهنية هي التي وردت أولًا على شاشة مخيلتي في ذهني وعقلي، فولّدتْ لديّ وفجَّرت في وجداني وقلبي هذه الحالة الانفعالية الشعورية الوجدانية؟؟؟ لست أدري!؟ ولكن في كلتا الحالتين؛ فإن الصورة الذهنية والحالة الوجدانية اشتركتا في تشكيل هذه (التجربة والمحاولة الشعرية)(القصيدة) ... ولكن هل نجحت هذه القصيدة أو المحاولة الشعرية في نقل حالتي الوجدانية (الشاعرية) للقراء والمتلقين أي إلى (الآخر)!؟ أم تفاعلت في أذهانهم ووجدانهم بطريقتهم الخاصة فتكوَّن لكل قارئ وسامح في نفسه انطباعات ذهنية ووجدانية خاصة مختلفة عن الآخرين كحال من ينظرون للوحة أو تُحفة فنية من زوايا مختلفة لا تخلو من الأفكار والمشاعر الشخصية والمواقف الذاتية فيكون لكل منهم انطباع مختلف عن فكرة ومعاني هذا العمل الفني!!..... بصراحة - كناقد - لا أعتقد أنني نجحت في ذلك!!.. أقصد في نقل (الحالة الشعورية العاطفية الشاعرية) للمتلقي!!.... وربما يكون السبب أنني لا أملك حرفية الشاعر المحترف المُتمكن الذي يمتلك زمام أدوات التعبير الشعري!، فمشكلة الشعر العربي التقليدي الموزون والمُقفى (الكلاسيكي) - على عظمته كإرث ثقافي وأدبي مجيد - أنه قد يحبسك في ركن ضيق حينما تنطلق للتعبير – من باب الشعر - عن ذاتك وعن مشاعرك وخواطرك الشاعرية من حيث أنه يُجبرك على الالتزام بهذه (القوالب الموسيقية الايقاعية الجاهزة) التقليدية للشعر العربي المسماة بالعروض والقوافي، وهكذا فقد يحد هذا (الضبط والربط) و(الأنظمة السائدة) من قدرتك على التعبير (الشاعري) بطلاقة لصالح (التعبير الشعري المنظوم) المحكوم بهذه القوالب الصارمة!، خصوصًا إذا كنت مثلي لستَ شاعرًا محترفًا مخضرمًا كحال (المتنبي) قديمًا و(نزار قباني) حديثًا وغيرهم من فحول الشعر ممن يملكون زمام اللغة والبلاغة ويملكون عصا سحر اخضاع الأوزان والقوافي والمفردات لمرداهم وهواهم وأغراضهم الفنية أو الشخصية أو حتى لأغراضهم السياسية (!!) كما لو أن الواحد منهم (نجار عبقري محترف فنّان عظيم) يملك زمام تطويع الخشب وتشكيله بين يديه في أي صورة شاء متى شاء كما لو هذا الخشب مجرد قطعة صلصال لينة هينة بين يديه!!... فهؤلاء الشعراء المحترفون الكبار حالهم حال هذا النجار العبقري المحترف الذي يشكل الخشب وفي أي صورة ما شاء ركبه كما يشتهي ويريد، وهذا الشاعر الصانع المحترف ينظم الشعر إما حسب أحواله الشاعرية الذوقية التي تعتريه فيسكبها في قصيدة الشعر المنظوم الموزون المُقفى أو حتى ينظم القصيدة (حسب الطلب) كأن تطالبه امرأة أن يتغنى بجمالها في شعره لتعطيه مراده منها!، أو يطالبه رجل قوي وثري ذو سلطان بنظم قصيدة في امتداحه وتمجيده مقابل عطية مالية ومنحة سلطانية فيفعل - خوفًا أو طمعًا - فينظم قصيدة شعرية بديعة في مدح هذا الرجل القوي أو الثري أو التغزل في جمال هذه المرأة التي يشتهيها وتبقى هذه القصيدة لمتانة بنيانها وتشكيلها الفني خالدة يرويها جيل بعد جيل!... وهكذا إذا لم تكن هذا الشاعر (المحترف)(صاحب الصنعة) فإنك ستجد نفسك مثلي محكومًا بقوالب العروض والقوافي الصارمة ولا فكاك خصوصًا أنه لم تستمرئ بعد ما يُسمى بالشعر الحر والمرسل أو القصيدة النثرية وغير ذلك من أصناف شعرية جديدة تحاول التحرر من قوالب الشعر العربي التقليدي (الكلاسيكي)!، هذه القوالب والقواعد والضوابط التي تجدها تحاصرك من كل مكان وتجد نفسك بإمكاناتك المحدودة عاجزًا عن مسايرتها أو التفوق عليها وتطويعها لإرادتك وهواك كما يفعل الشعراء المخضرمون الكبار أي أساطين وشياطين الشعر العربي قديمًا وحديثًا ممن دانت لهم قوالب العروض والقوافي ومفردات اللغة بالطاعة والخضوع العام بل وخرت أمامهم في استسلام وانقياد تام!. (**) ملاحظة: كلمة (عفاريتُ) ممنوعة من الصرف أي أنها غير قابلة للتنوين فيكون تنوينها بضمة واحدة فقط على تاء التأنيث لا بضمتين.. بينما مفردها (عفريتٌ) قابل للتنوين، أي أن واحد العفاريت قابل للصرف أم جمع العفريت فغير قابل للصرف مهما استعنت بوسطاء روحانيين ولغويين :) !.
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسلمون والمسيحيون العرب واليهود العرب!؟
-
عن الفرق الجوهري بين الليبرالية والاباحية!؟
-
هل هناك أمل في دمقرطة العرب؟ أم (مافيش فايده)!؟
-
التوجه الليبرالي الديموقراطي غير العلماني في الدول المسلمة!؟
-
فكرة (الفوضى الخلاقة) بين الفلسفة والسياسة!؟
-
تُرى هل أعيشُ عامًا جديدًا؟! (محاولة شعرية)
-
الثريد الغالي؟..محاولة شعرية!
-
التسامح هو الحل!؟
-
حلم الطفولة.. محاولة شعرية!
-
الفرق بين مشروعهم (الحداثة) ومشروعنا (التحديث)!؟
-
وجاء دور الاسلام الليبرالي الآن !؟
-
آفات الديموقراطية االخمس!؟
-
تجربة سلطة الشعب في ليبيا في الميزان!؟
-
تجربة عبد الناصر والقذافي الاشتراكية الشعبية، الفروق والمواف
...
-
حول مشكلة غناء الفنانة (ماجدة الرومي) في المدينة المنورة !؟
-
توسيع مبدأ الفصل بين السلطات يغنينا عن العلمانية!؟
-
رحلتي من الأصولية إلى الليبرالية !؟
-
الفرق بين المثليين والمولودين بالتباس جنسي عضوي!؟
-
الإيمان ورهان باسكال!!؟؟
-
سألني هل رأيت الله رأي العين حتى آمنت به؟ فأجبت!
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|