|
الانا والاخر في الرواية العربية
احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع
(Ahmed Chhimat)
الحوار المتمدن-العدد: 6139 - 2019 / 2 / 8 - 18:12
المحور:
الادب والفن
الأنا والآخر في الرواية العربية
بقلم : أحمد شحيمط كاتب من المغرب يختلف فن الحكايات والسرديات بين الأمس واليوم , في ميل الرواية العربية التقليدية والحديثة لإبراز قيم الشهامة والبطولات . والبطل الأحادي المنتصر على الشر والقوى المضادة للخير . وننسى أن في الذات نزوع نحو الشر والهيمنة . وبذلك أصبحت المحكيات من عالم غير متجانس .ومن وقائع ليست نهائية. أبطالها شخصيات في معترك الرواية والصراعات التي لا تنتهي .الرواية هنا إيقاع سريع لا يستطيع أحيانا أن يمسكه الروائي . تعلو أصوات الشخصيات فوق ما يرمي إليه الروائي في انسياب الأحداث وتبدلها . وفي زمن منفصل . روايات بلا ضفاف بدون البطل الأحادي والقيم الثابتة من زمن الأمس حيث لم تعد تجدي في عالم اليوم . من خصائص السرديات المعاصرة التعبير عن عالم متشظي ومفكك وبدون زعامات أو قيادات غير ما ترمي إليه الحكاية دون أن تكون هناك بوصلة محددة سلفا من قبل الروائي . في تحولات الرواية العربية الحديثة عاد الروائي أولا إلى ذاته في مونولوج للتعبير عن أسباب الفشل والهزائم التي نالت الذات العربية من النكسة وإخفاق الإنسان في العبور نحو مستقبل أفضل للقول أن الذات مسكونة بأوهام وأحلام غير دقيقة . وان في الذات شرخ وعصاب مستديم من تراكمات الماضي القريب والبعيد . ولن يداوي الذات إلا طبيب تشخيص الحالة لأجل ترياق ودواء مفيد في العبور بأمان نحو المستقبل البعيد . هذا الشرخ العميق في الذات وفي اعتراف صريح بمنجزات الآخر. نتيجة الانبهار والصدمة بما حققته المدنية الغربية من تنوير وعقلانية في مجالات عدة من السياسة للحياة الثقافية والاجتماعية. الانبهار والصدمة طرحت سؤالا ظل صداه يترد إلى الآن عن أسباب تقدم الغرب وتأخر العالم الإسلامي . الغرب الذي كان ينشر الأنوار وينتج المعرف والعلوم في عقر دار بالموازاة يمارس سياسة أخرى في المستعمرات . ويقيم أنظمة غير متوازنة . فالرواية العربية أرجعت هذا التناقض في الخطاب الموجه للذات والخطاب الموجه للآخر . سهيل ادرس في "الحي اللاتيني" ويحيى حقي في رواية " قنديل أم هاشم " والطيب صالح في " موسم الهجرة إلى الشمال " . من قلب أوروبا هناك عالم آخر من الماديات والحرية والتفكير بدون قيود . عودة الروائي العربي إلى ذاته في حوار لا ينتهي عن سبب الانهزام الدائم والفشل الذي أصاب الذات من جراء الحسابات الخاطئة . ميزة نجيب محفوظ انه كشف عن محدودية الذات في العودة للثقافة والتربة التي أنتجت الإنسان العربي . لاستئصال جذور التخلف الفكري والاستبداد السياسي وانسداد الأفق الاجتماعي بالحكاية وخلخلة الثابت في ترسبات التقاليد والطقوس . العودة إلى الإحياء الشعبية والمقاهي والحياة العامة . إلى دروب المدن وأزقتها. نحو زمن الفتوة والفحولة وزمن الصمت وغياب التعبير. من هناك ظل الخطاب الاجتماعي يلتف على الماضي والعودة للسلف في تدبير الأزمات . والخطاب السياسي في حملة من التعبئة والتجييش دون الأخذ بالمعطيات العلمية من قراءة الوقائع وقدرات الخصم في حسم المعارك الميدانية . حرب 67 انتهت بخيبات الأمل من قبل الجماهير وتداعى الخطاب القومي في النهوض بالإنسان والأرض . الروائي العربي كان يعرف نتائج الإخفاق والفشل . انكسار الإرادة ترك انطباعا لدى الروائي العربي أن هزيمة 1967 كانت قاسية . فهي هزيمة نفسية وعسكرية وإخفاق واضح في إستراتيجية الهجوم والدفاع وإدارة الحرب وكسب النتائج . أصيبت الذات بالشلل والفشل . فالعودة للذات مفيدة في تيار الوعي والانغماس أكثر في ثنابا الفكر للتعبير بروح عالية عن الشرخ في عمق الذات دون أن نحمل المسؤولية للآخر . أبو الخيزران حكاية من يمتلك القيادة العاجزة والانتهازية . من فاقد للفحولة . رمز للجيوش العربية المنهزمة وللذات في فقدان بوصلتها . نموذج حقيقي للشلل الذي أصاب الذات العربية . فكانت الرواية العربية تعبير عن هذا المصاب الذي يعني أن الانقسام والتصدع والشلل الفكري والجسدي لا يستمد من الآخر ومن نظرية المؤامرة ودسائس المستعمر بل من الذات . في سرديات الطيب صالح صراع الأنا والآخر يبدأ من الذات ومحاسبة الاستعمار الانجليزي للأوطان وتكريس مبدأ التفوق والاحتقار . التحول من المكان الأصل نحو المستعمر في الانتقام منه في عقر داره من خلال العيش هناك والظفر بشقراوات الغرب وغزوه بالجسد والفحولة . وتلك مرامي مصطفى سعيد الذي يحاول أن يجعل من بيته تحفة لكل من يزوره ويعرفه بتراث وثقافة القبيلة والبلد. وفي العودة للسودان تترك شخصية مصطفى سعيد انطباعا بكل ما يزخر به الغرب من ماديات وحرية. ويريد أن يغير من أفكار وترسبات الناس عن الإنسان الغربي هناك من خلال أسئلة الناس عن المرأة والحياة الأسرية والأخلاق. يحاول الروائي وضع نهاية للصراع الفكري والتوتر الحضاري بين الغرب والشرق . ويبحث الطيب صالح عن نقط الالتقاء ويحاول بكامل جهده أن ينهي التوتر للتوافق والتقاطع في المشترك المنسي . أما في الرواية المعاصرة فهناك بالفعل نماذج من السرديات تحكي عن عالمنا في صراع بين الأنا والآخر .من الكويت سعود السنعوسي ورواية "ساق البامبو" والصراع القيمي في زواج لم يكتمل بسبب عادات وتقاليد الأسرة والعائلة . من رجل كويتي في عشق للخادمة الفيليبينية التي تكللت بإنجاب طفل يدعى عيسى .والذي كان ضحية للعقليات والتقاليد التي ترفض هذا النوع من الزواج في البيئة العربية بين الأنا والآخر . ففي كتاب " إشكالية الأنا والآخر – نماذج روائية " . حاولت الروائية والناقدة السورية ماجدة حمود تحليل بعض الإبداعات العربية في تحليل العلاقة بين الأنا والآخر . في روايات لإسماعيل فهد إسماعيل في رصد العلاقة مع الخادمة السريلانكية كوماري التي جاءت من مكان بعيد للعمل في الخليج . ومن رواية بثينة خضر مكي في علاقة الإنسان الإفريقي وحالة الشابة نصرة عند اغترابها في بلد عربي هو ما يجعلها تعود إلى بلدها في تعزيز فكرة الانتماء الإفريقي من قبل البطلة التي لقيت من المعاملة في الشرق ما يجعلها لا تتنكر للجزء العميق في الهوية والمكون الإفريقي . ومن فلسطين سحر خليفة وصعوبة التقارب بين الأطفال من إسرائيل وفلسطين في عداوة وصراع وجودي يبدو فيه التقارب والالتقاء صعبا. فذوبان الأنا في الآخر مستحيلة . وما يمكن فعله الاعتراف والقرب من الثقافة في بعدها المادي والروحي . الأمر الذي حذا بالروائي عبد الرحمان منيف في رواية "حب مجوسية " إلى عدم نسيان ليليا المرأة التي عشقها من أول نظرة في فرنسا إلى درجة الهيام . وكان لهذا العشق أن سكن في وجدان الرجل . وهذا ينم عن حاجة الشرق للغرب والعكس كذلك في زواج معرفي وعاطفي من الانسجام بينهما . مقولة الشاعر الإنجليزي روديارد كيلينغ " الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا " أصبحت من ماضي القرن التاسع عشر في صراع سياسي وحضاري .ومن رغبة الغرب في السيطرة على الشرق ورغبة الشرق كذلك في تحويل الغرب ثقافيا ودينيا . ومن منطلق العلاقات الإنسانية يجب أن تكون مبنية على الاختلاف والاعتراف.
#احمد_شحيمط (هاشتاغ)
Ahmed_Chhimat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانوثة والذكورة في عالم السرديات العربية
-
اسئلة الراهن وتحديات المستقبل
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|