أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - شرف الميّت وشرف طائفته















المزيد.....

شرف الميّت وشرف طائفته


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6139 - 2019 / 2 / 8 - 16:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


شرفُ الميّت وشرف طائفته
The Honour of the Dead and his Community
ترجمة بروفيسور حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها الكاهن عاطف بن الكاهن الأكبر ناجي الحفتاوي (١٩١٩٢٠٠١، ليڤي بن أبيشع، كاهن أكبر بين السنتين ١٩٩٨٢٠٠١، شاعر وخبير في قراءة التوراة) بالعربية على بنياميم صدقة (١٩٤٤)، الذي نقلها إلى العبرية، أعدّها، نقّحها، ونشرها في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين ١٢٤٠١٢٤١، ٥ حزيران ٢٠١٧، ص. ٩٨١٠٠.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري يسكنون في مائة وستّين بيتًا بالتقريب، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى أقطار العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويِفِت (حُسني)، نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”تسألُني، ما فعلتُ للخالق؟ في جُعبتي إجاباتٌ كثيرة على هذا السؤال، وكلّها نابعة من القلب والجسم والروح. إنّي أُحبّ الله بكل قلبي وروحي وقوّتي. أودّ أن أعبُده ولا أنقطع عن التضرّع له ليوفقّني. هذا ما فعلته للخالق هذا الأسبوعَ، وهذا ما فعلته حتّى الآن، وهذا ما سأفعلُه حتّى مماتي. آه، أتنوي الكتابة عن شؤون مقدّسة؟ إذن، إنّي أقوم بهذا من وقتٍ لآخرَ، أكتُب لنفسي.

تعالَ لأحكي لك قصّة عن شخصية أُقدّرها على الدوام، عمّي الكاهن الأكبر توفيق بن خضر (متسليح بن فنحاس) المكنَّى بأبي واصف. كان كاهنًا أكبرَ بين السنتين ١٩٣٣١٩٤٣. وقد كُتب الكثير عن شخصيته ونهجه في الحياة. بوُسعي أن أقول لك إنّ أحد الأمور التي أدهشتني هو كيف تمكّن أبو واصف أن يحتلّ منزلة مرموقة في طائفته، وفي أوساط سكّان نابلس؟

كلّ من عاصره وعرفه عن كثَب سيهزأ من هذا السؤال الذي قطعًا لن تسأله أنت، تفضّل واسمع! تعود بي هذه القصّة إلى مرحلتي صِباي وبلوغي. من أصدقائي القريبين آنذاك وكثير منهم اليوم أيضًا: الكاهن عاهد بن غزال (بريت بن طابيه) رحمه الله، وأطال الله في أعمار كلّ من الكاهن خضر (فنحاس) بن إبراهيم ابن عمّي، راضي بن الأمين (رتسون بن بنياميم) صدقة وخليل بن شاكر مفرج (إبراهيم بن يششكر مرحيب).

بالنسبة لنا، نحن الفتية والشباب، لم يكن أبو واصف عبارة عن إنسان أو مسنّ من الواجب احترامه كما ورد في التوراة ”من حضرة/قبل ذي شيبة/الشيبة تقوم/تقف“ (سفر اللاويين ١٩: ٣٢، أُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين، المجلّد الثاني، سفر اللاويين، سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب، ٢٠٠١، ص. ٩٦٩٧)، كما اعتدنا معاملة كلّ إنسان آخر. كان أبو واصف بالنسبة لنا كلَّ شيء على الإطلاق، إنّه المحيي والمميت تقريبا. هو المقرِّر، الساقي والمطعِم وهو الذي أوجد من أجلنا عالمَنا الديني السامريّ الحقيقي. إيمانه بقدرته لتنفيذ كلّ ما يطرأ بباله كان راسخًا جدّا، إيمان أعمى محض. لم نفكّر قطّ ولم نتصوّر أنّ هناك شيئًا في الوجود يتعذّر عليه إنجازه. من استطاع أن يقف أصلًا أمام أبي واصف؟ لا أحد، لم تطرأ بذهننا مثل هذه الإمكانية. كنّا نولي الأدبار حينما يمرّ في الشارع لأُبّهته وجلاله. بكل بساطة خِفنا منها خوفًا قاتلا. خفنا، لعلّه عزم على انتزاع روح كل واحد منّا، إن لم نسلك الطريق القويم، كما ينبغي.

الجدير ذكرُه في خلفية هذه القصّة، أنّ الطائفة شهِدت نزاعًا شديدًا أدّى أحيانًا إلى تقسيمها وكان أبو واصف الوحيدَ الذي عمِل على تهدئة الأوضاع. مع كل ذلك، حدث من وقت لآخرَ أن الأمور تأزّمت من جرّاء العلاقات بين العائلات السامرية، نتيجة الوضع الاقتصادي العصيب، وبسبب التنافس بين عُزْب الطائفة آنذاك، لإقامة أُسرة وتعذّر لبعضهم ذلك بسبب نقص في الجنس اللطيف. في بعض الأحيان كانت القطيعة حادّة، فلم يأبه هذا الطرف باحترام المتوفي من الطرف الآخر.

وفي القصّة التي أسرُدها، نشِب سِجال حول مكان دفن الميّت، هنا أم هناك، في المقبرة الصغيرة في حيّ رأس العين في نابلس، في الجانب الغربي الشمالي من جبل جريزيم. كان هناك معارضون لدفن الميّت بجوار قبور أقربائهم لأنّه ليس من”جماعتهم“. قرّر أبو واصف بدفن المتوفي في مكان ما وأمر حالًا بحفر القبر. بينما كنّا منشغلين في الحفر، وإذا بوصول بعض أفراد من الطائفة وحاولوا ثنينا عن العمل، مدّعين أنّه يجب دفن الميّت في مكان آخر. استُدعيت فورًا فقلت لهم: ”الكاهن الأكبر توفيق أبو واصف أمرَنا بحفر القبر هنا، وإذا أمر بذلك فلا حول لنا في تغيير المكان. سيغضب علينا جدّا، أمرُه لا يُعلى عليه، إنّه المقرّر ولسنا نحن“. صرخ المشاغبون نحوي: ”من هو أبو واصف ليقرّر أين مكان الدفن، إنّه لا يقرّر بالنسبة لنا“. إلى هذا الدَرَك وصل الخلاف في الطائفة، المسّ بشرف الكاهن الأكبر.

الموتى يخُصّون الجميع

لم ينتبه أيّ واحد من الصائحين بوجود أبي واصف بالقرب من المكان. إنّي متأكّد أنّه لو شعروا بوجوده لما تفوّهوا بتلك العبارات النابية. من المعروف أنّه حتّى معارضو أبي واصف الألِدّاء، لم يجرؤوا على قول أيّ شيء بحضوره، إنّه ملأ قلوبهم خوفًا وهلعا.

على كلّ حال، اغتاظ أبو واصف جدّا من كلامهم. أمرني أنا وابن عمي خضر بملاحقة أولائك الأشخاص الذين أسرعوا بالفرار من هناك بعد أن رأوه. أمرَنا بإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم على تصرّفهم. اثنانا انطلقنا وكأن ثعبانًا لدغَنا وأخذنا بمطاردتهم. ركض نحونا في طريقنا الكاهن عاهد بن غزال واستغرب عن سبب هذه الهرولة. شرحنا له السبب وسُرعان ما استجمع قواه وانضمّ إلينا في المطاردة، لا بديل لذلك، صدر الأمر من أبي واصف.

أمسكنا بالفارّين وأشبعناهم ضربًا مبرّحاً ليرى الشعب ويرتدع. لا بدّ من التنويه أنّنا كنّا ثلاثتنا آنذاك في عنفوان شبابنا وقوّتنا. بضع ضربات كانت كافيةً ليعبّر الماسّون بشرف الكاهن الأكبر عن أسفهم العميق وندمهم عمّا صدر منهم.

في ساعات مساء ذلك اليوم، تدخّل بعض الوجهاء فنظّموا لقاء للمصالحة بين المتطاولين السفهاء وأبي واصف. استغلّ الكاهن الأكبر جيّدًا ذلك اللقاء ليشرح بجلاء كيف على أبناء الطائفة أن يتصرّفوا إزاء احترام موتاهم. جملتان ممّا قال محفورتان عميقًا في ذاكرتي.

قال لهم عمُّنا أبو واصف: ”إنّ وفاةَ كلّ إنسان من طائفتنا السامرية هي خسارة لكافّة الطائفة بغضّ النظر عن العائلة التي ينتمي إليها. شرف الميّت هو شرف كلّ طائفتنا. المسّ بشرف هذا هو مسّ، في المقام الأوّل، بشرفنا نحن، بني إسرائيل المحافظين على الحقّ“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعجوبة زعتر الجدار
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ي)
- رواية -المرحومة تمام مكحول- لعودة بشارات
- عصفور النفس
- جروح التلميذ صادقة
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (ن)
- من فرسان العربية في القرن التاسع عشر
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ه)
- سامرة ابن البطريق
- شيطان أصبح عبدا
- من سمات عربية ابن البطريق
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ن)
- قواميس عربية فنلندية
- الكاهن إسحاق بن عمران يزور مسرحًا في لندن
- ألف مثل ومثل فلسطيني
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (م)
- لقاء المنجّمين الثلاثة بالنبيّ محمّد
- الممطر ومحيي الطائفة
- عقاب تاجر الخمر
- الكاهن الأكبر يمنع ثأرا


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - شرف الميّت وشرف طائفته