محمود جابر
الحوار المتمدن-العدد: 6138 - 2019 / 2 / 7 - 17:28
المحور:
الادب والفن
" سيد بغداد" رواية للروائي الدكتور محمد طعان، وطعان روائي وطبيب لبنانى مقيم فى باريس، والرواية الصادرة عن دار الولاء ببيروت، تعريب صلاح سالم، والمطبوعة فى 2016، وتقع فى 226 صفحة من القطع المتوسط .
شاءت الصدفة الحسنة أن نجتمع معا فى ليلة قاهرية شتوية دافئة وجميلة، على ضفة نيل مصر العظيم فى حديث طيب حول الأدب والسياسة والتأريخ، ولكن أبدا لم أكن أتصور أن الجالس معى هو روائى يمتلك نصا مفعما بالحياة والموت والأحداث الصاخبة، والرواية لحظة يصورها طعان من خلال نصه الموغل فى الواقع الإنساني والحياتي للعراق فور دخول المحتل الأمريكي إلى العراق...
النص المنحوت بعبارات رشيقة وعربية رصينة، يتحدث عن الاجتماع الإنساني فى هذه لحظة المحايدة لدى بسطاء العراقيين ومن وقع عليهم ظلم من النظام السابق... هكذا يصور طعان اللحظة ... لحظة ((محايدة))، لان الناس فى العراق كل منشغل بحالة والبحث عن استكمال سنوات مضت وهو فى صمت أو فى خوف أو فى عزلة عن الواقع والشارع والأحداث ... وبلغ من عزلة الناس فى العراق أن لا يبحثوا عن أبنائهم، أو إخوانهم، كما لا تبحث المرأة عن زوجها، خشيت أن يكون قيد السجن، أو قبض عليه واعدم، ومن ثم يمكن أن تطال العقوبة أسرته ففضل الجميع القعود والصمت والخوف من البطش الذى ليس له حدود .
ولما كان الميت فى المقبرة لجماعية ابنا وزوجا، وفق ما جاء فى الفصل الأول المعنون " الخطوات الأولى لجيمى فى العراق" وجيمى هذا هو الجندى الأمريكي الذى شاء له القدر أن يكون احد جنود الاحتلال الأمريكي فى العراق ويتعرف من خلال وجوده هناك على مظلومية الإمام الحسين، ولذى هو الشخصية الحورية والراوي للقصة .
أما الابن المقتول فى المقابرة الجماعية فى أطراف كربلاء وهو ابن لسيد معمم – رجل دين شعى – هكذا صوره " طعان" ولعل اختياره للشخصية وراءه اختزال بالغ، فالصبر الذي أراد أن يصوره الروائى كان رمزيته فى المجتمع الشيعى – العراقى عامة – يمثله باقتدار هؤلاء الجماعة من رجال الدين .
وهم الذين تسمت حياتهم فى ظل النظام السابق بصمت أشبه بصمت القبور، وصبر يشتى الصبر من صبرهم، لدرجة انه يتحرك بحثا عن ولده فى هدوء وسكينة رغم انه لم يلتقى ابنه قبل اختفاءه بسنوات، ولم تزرف عينه بدمعه حين وجده عبارة عن هيكل عظمى غير كامل .
وكما كان ورع وسكون وهدوء السيد المعمم " الأب" كانت الزوجة " آمنة" مؤمنة بقضاء الله تعالى وقدره، رغم فجاعة الحادث والمنظر وعودة المنتظر الغائب فى كيس بلاستك أزرق استطاعت ان تعيد ترتيبه وفحصه وهى " آمنة" وتكتشف أن احد عظام الساق ليست لزوجها " سالم" ...
فالسيد ... وآمنة وسالم ... ثلاثة شخصيات دار حولهم الفصل الأول فى 26 صفحة من الرواية ...
السيد الحزين الصابر الذى يجمع رفات ابنه ويأخذه الى النجف بصحبة زوجة ابنه الفقيد، ويجلس فى النجف يتلو مجلس العزاء، السيد رغم تقدمه فى السن فهو ذو صوت حسن ووجه وسيم حلو الطلعة يعجب النساء، وعلى الرغم من قسوة النص فى سرد المشهد الجنائزى بتصوير الصورة والتلاوة، الا أن الكاتب لم ينصرف عن رصد المشاهد الإنسانية البسيطة والانفعال الناتج بين الناس وبين المحتل الامريكى وبين النساء والرجل حتى السيد العجوز الذى يتلو مجلس العزاء فى حضرة ضريح الإمام على ....
رغم أن النص شديد الحبكة موغل فى الإنسانية إلا انه مشهد جنائزي باقتدار ....
وللحديث بقيه
#محمود_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟