|
من ذاكرة التاريخ / الحرب العراقية الإيرانية، ودور الولايات المتحدة في اشعالها
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 6138 - 2019 / 2 / 7 - 00:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من ذاكرة التاريخ: الحرب العراقية الإيرانية ودور الولايات المتحدة في إشعالها الحلقة الثالثة حامد الحمداني 6/2/2019
بداية الحرب وتوغل القوات العراقية في العمق الإيراني:
في صباح الثاني والعشرين من أيلول 1980، قامت على حين غرة 154 طائرة حربية عراقية بهجوم جوي كاسح على مطارات إيران وكافة المراكز الحيوية فيها ثم أعقبتها 100 طائرة أخرى في ضربة ثانية لإكمال ضرب المطارات والطائرات الحربية الإيرانية، وكانت الطائرات تغير موجة إثر موجة، وفي الوقت نفسه زحفت الدبابات والمدرعات العراقية نحو الحدود الإيرانية على جبهتين:
1 ـ الجبهة الأولى: في المنطقة الوسطى من الحدود باتجاه [قصر شيرين]، نظراً لقرب هذه المنطقة من قلب العراق لإبعاد أي خطر محتمل لتقدم القوات الإيرانية نحو محافظة ديالى و بغداد، وقد استطاعت القوات العراقية الغازية احتلال[ قصر شيرين].
2ـ الجبهة الثانية: في الجنوب نحو منطقة [خوزستان] الغنية بالنفط، وذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى حيث تطل على أعلى الخليج. وفي خلال بضعة أسابيع من الهجوم المتواصل استطاعت القوات العراقية التي كانت قد استعدت للحرب من السيطرة على منطقة [خوزستان] بكاملها، واحتلت مدينة [خرم شهر] وقامت بالتفاف حول مدينة [عبدان] النفطية وطوقتها.
وعلى الجانب الإيراني قامت الطائرات الإيرانية بالرد على الهجمات العراقية، وقصفت العاصمة بغداد وعدد من المدن الأخرى، إلا أن تأثير القوة الجوية الإيرانية لم يكن على درجة من الفعالية، وخصوصاً وأن النظام العراقي كان قد تهيأ للحرب قبل نشوبها، حيث تم نصب المضادات أرض جو فوق أسطح العمارات في كل أنحاء العاصمة والمدن الأخرى، وتم كذلك نصب العديد من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات حول بغداد.
وهكذا فقد فقدت إيران أعدادا كبيرة من طائراتها خلال هجومها المعاكس على العراق، كما أن القوة الجوية الإيرانية كانت قد فقدت الكثير من كوادرها العسكرية المدربة بعد قيام الثورة، مما اضعف قدرات سلاحها الجوي، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبح للسلاح الجوي العراقي السيطرة المطلقة في سماء البلدين. وفي الوقت الذي كانت إيران محاصرة من قبل الغرب فيما يخص تجهيزها بالأسلحة، كانت الأسلحة تنهال على العراق من كل جانب.
كما أوعزت الولايات المتحدة إلى الرئيس المصري أنور السادات ببيع جميع الأسلحة المصرية من صنع سوفيتي إلى العراق، وتم فتح قناة الاتصال بين البلدين عن طريق سلطنة عمان، حيث كانت العلاقات بين البلدين مقطوعة منذُ أن ذهب السادات إلى إسرائيل، وقام السادات بالدور الموكول له، وأخذت الأسلحة المصرية تُنقل إلى العراق عن طريق الأردن والسعودية خلال عام 1981، كما بدأت خطوط الإنتاج في المصانع الحربية المصرية تنتج وتصدر للعراق المعدات والذخيرة والمدافع عيار 122 ملم طيلة سنوات الحرب.
لقد كانت تلك العملية فرصة كبيرة للولايات المتحدة لإنعاش سوق السلاح الأمريكي، حيث سعت لأن تتخلص مصر من السلاح السوفيتي وتستعيض عنه بالسلاح الأمريكي، فقد بلغ قيمة ما باعه السادات من سلاح للعراق يتجاوز ألف مليون دولار خلال عام واحد، وكانت أسعار الأسلحة المباعة تتجاوز أحياناً أسعارها الحقيقية، وكان صدام حسين مرغماً على قبولها.
أما الاتحاد السوفيتي فقد بدأ بتوريد الأسلحة إلى العراق بعد توقف لفترة من الزمن، وبدأت الأسلحة تنهال عليه عام 1981، حيث وصل إلى العراق 400 دبابة طراز T55 و250 دبابة طرازT 72)) كما تم عقد صفقة أخرى تناولت طائرات [ميك] و[سوخوي] و[ توبوليف] بالإضافة إلى الصواريخ.
كما عقد حكام العراق صفقة أخرى مع البرازيل بمليارات الدولارات لشراء الدبابات والمدرعات وأسلحة أخرى، وجرى ذلك العقد بضمانة سعودية، واستمرت العلاقات التسليحية مع البرازيل حتى نهاية الحرب عام 1988.
وهكذا استمر تفوق الجيش العراقي خلال العام 1981 حيث تمكن من احتلال مناطق واسعة من القاطع الأوسط منها [سربيل زهاب] و[الشوش] و[قصر شيرين] وغيرها من المناطق الأخرى. كما تقدمت القوات العراقية في القاطع الجنوبي في العمق الإيراني عابرة نهر الطاهري، وكان ذلك الاندفاع أكبر خطأ أرتكبه الجيش العراقي بأمر من صدام حسين!، حيث أصبح في وضع يمكن القوات الإيرانية من الالتفاف حوله وتطويقه، رغم معارضة القادة العسكريين لتلك الخطوة الانتحارية التي دفع الجيش العراقي لها ثمناً باهظاً من أرواح جنوده، ومن الأسلحة والمعدات التي تركها الجيش بعد عملية التطويق الإيرانية، والهجوم المعاكس الذي شنه الجيش الإيراني في تموز من عام 1982، والذي استطاع من خلاله إلحاق هزيمة منكرة بالجيش العراقي، واستطاع تحرير أراضيه ومدنه في منطقة خوزستان، وطرد القوات العراقية خارج الحدود.
إيران تبحث عن السلاح: أحدث تقدم الجيش العراقي في العمق الإيراني قلقاً كبيراً لدى القيادة الإيرانية التي بدأت تعد العدة لتعبئة الجيش بكل ما تستطيع من الأسلحة والمعدات، وقامت عناصر من الحكومة الإيرانية بالبحث عن مصادر للسلاح، حيث كان السلاح الإيراني كله أمريكياً، وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت توريد الأسلحة إلى إيران منذُ الإطاحة بالشاه، وقيام الحرس الثوري الإيراني باحتلال السفارة الأمريكية واحتجاز أعضائها كرهائن، وتمكنت تلك العناصرعن طريق بعض الوسطاء من تجار الأسلحة من الاتصال بإسرائيل عن طريق أثنين من مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك وهما[أودولف سكويمر]و[يلكوف نامرودي]،بالاشتراك مع تاجر الأسلحة السعودي[عدنان خاشقجي]الذي قام بدور الوسيط؟ وجدت إسرائيل ضالتها في تقديم الأسلحة إلى إيران حيث كانت تعتبر العراق يشكل خطراً عليها، وإن إضعافه وإنهاك جيشه في حربه مع إيران يحقق أهداف إسرائيل، ولم يكن تصرفها ذاك يجري بمعزل عن مباركة الولايات المتحدة ورضاها واستراتيجيتها، إن لم تكن هي المرتبة لتلك الصفقات بعد أن وجدت الولايات المتحدة أن الوضع العسكري في جبهات القتال قد أصبح لصالح العراق، ورغبة منها في إطالة أمد الحرب أطول مدة ممكنة فقد أصبح من الضروري إمداد إيران بالسلاح لمقاومة التوغل العراقي في عمق الأراضي الإيرانية، وخلق نوع من توازن القوى بين الطرفين. وفي آذار من عام 1981 أسقطت قوات الدفاع الجوي السوفيتية طائرة نقل دخلت المجال الجوي السوفيتي قرب الحدود التركية، وتبين بعد سقوطها أنها كانت تحمل أسلحة ومعدات إسرائيلية إلى إيران، وعلى الأثر تم عزل وزير الدفاع الإيراني [عمر فاخوري] بعد أن شاع خبر الأسلحة الإسرائيلية في أرجاء العالم. إلا أن ذلك الإجراء لم يكن سوى تغطية للفضيحة، وظهر أن وراء تلك الحرب مصالح دولية كبرى تريد إدامة الحرب وإذكاء لهيبها.
وبالفعل تكشفت بعد ذلك في عام 1986 فضيحة أخرى هي ما سمي [إيران ـ كونترا]على عهد الرئيس الأمريكي [رونالد ريكان] الذي أضطر إلى تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة السناتور [جون تاور] وعضوية السناتور [ادموند موسكي] ومستشار للأمن القومي [برنت سكوكروفت] وذلك في 26 شباط 19987، وقد تبين من ذلك التحقيق أن مجلس الأمن القومي الأمريكي كان قد عقد اجتماعاً عام 1983 برئاسة ريكان نفسه لبحث السياسة الأمريكية تجاه إيران، وموضوع الحرب العراقية الإيرانية، وقد وجد مجلس الأمن القومي الأمريكي أن استمرار لهيب الحرب يتطلب تزويد إيران بالسلاح وقطع الغيار والمعدات من قبل الولايات المتحدة وشركائها، وبشكل خاص إسرائيل التي كانت لها مصالح واسعة مع حكومة الشاه لسنوات طويلة، وأن تقديم السلاح لإيران يحقق هدفين للسياسة الإسرائيلية الإستراتيجية: الهدف الأول: يتمثل في استنزاف القدرات العسكرية العراقية التي تعتبرها إسرائيل خطر عليها. الهدف الثاني: هو تنشيط سوق السلاح الإسرائيلي. لقد قام الكولونيل [أولفر نورث] مساعد مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي بترتيب التعاون العسكري الإسرائيلي الإيراني من وراء ظهر الكونجرس الذي كان قد أصدر قراراً يمنع بيع الأسلحة إلى إيران، وجرى ترتيب ذلك عن طريق شراء الأسلحة إلى متمردي الكونترا في نيكاراغوا حيث كان هناك قرارا بتزويد ثورة الردة في تلك البلاد، وجرى شراء الأسلحة من إسرائيل، وسجلت أثمانها بأعلى من الثمن الحقيقي لكي يذهب فرق السعر ثمناً للأسلحة المرسلة إلى إيران بالإضافة إلى ما تدفعه إيران من أموال لهذا الغرض.
وقد أشار تقرير اللجنة الرئاسية كذلك، إلى أن اجتماعاً كان قد جرى عقده بين الرئيس[ريكان] ومستشاره للأمن القومي [مكفرن] عندما كان ريكان راقداً في المستشفى لإجراء عملية جراحية لإزالة ورم سرطاني في أمعائه، وقد طلب مستشاره الموافقة على فتح خط اتصال مع إيران حيث أجابه الرئيس ريكان على الفور: [أذهب وافتحه].
وبدأ الاتصال المباشر مع إيران حيث سافر [أولفر نورث] بنفسه إلى إيران في زيارة سرية لم يعلن عنها، وبدأت الأسلحة الأمريكية تنهال على إيران، لا حباً بإيران ونظامها الإسلامي المتخلف، وإنما لجعل تلك الحرب المجرمة تستمر أطول مدة ممكنة. ولم يقتصر تدفق الأسلحة لإيران، على إسرائيل والولايات المتحدة فقط، وإنما تعدتها إلى جهات أخرى عديدة، ولعب تجار الأسلحة الدوليون دوراً كبيراً في هذا الاتجاه.
إسرائيل تضرب المفاعل النووي العراقي انتهزت إسرائيل فرصة قيام الحرب العراقية الإيرانية لتقوم بضرب المفاعل الذري العراقي عام 1981، فقد كانت إسرائيل تراقب عن كثب سعي نظام صدام لبناء برنامجه النووي حيث قامت فرنسا بتزويد العراق بمفاعل ذري تم إنشاءه في الزعفرانية إحدى ضواحي بغداد، وكانت إسرائيل عبر جواسيسها تتتبّع التقدم العراقي في هذا المجال باستمرار.
وعندما قامت الحرب العراقية الإيرانية وجدت إسرائيل الفرصة الذهبية لمهاجمة المفاعل، مستغلة قيام الطائرات الإيرانية شن غاراتها الجوية على بغداد، وانغمار العراق في تلك الحرب، مما يجعل من العسير عليه فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل آنذاك. وهكذا هاجم سرب من الطائرات الإسرائيلية يتألف من 18 طائرة المفاعل النووي العراقي في كانون الثاني 1981، وضربه بالقنابل الضخمة، وقيل حينذاك أن عدد من الخبراء الفرنسيين العاملين في المفاعل قد قدموا معلومات واسعة ودقيقة عن المفاعل مما سهل للإسرائيليين إحكام ضربتهم له، وهكذا تم تدمير المفاعل، إلا أن العراق استطاع إنقاذ ما مقداره [12,3 كغم] من اليورانيوم المخصب بنسبة 93% وهي كمية كافية لصنع قنبلة نووية.
لم يستطع حكام العراق القيام بأي رد فعل تجاه الضربة الإسرائيلية بعد أن غرقوا في خضم تلك الحرب المجنونة، واكتفوا بالتوعد بالانتقام من إسرائيل، ولم يدر في خلدهم أن تلك الحرب سوف تطول لمدة ثمان سنوات، ويُغرق الجلاد صدام الشعب العراقي بالدماء، ويعم بالبلاد الخراب والدمار، وينهار اقتصاد العراق.
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من ذاكرة التاريخ/ الحرب العراقية الإيرانية، ودور الولايات ال
...
-
من ذاكرة التاريخ / الحرب العراقية الايرانية، ودور الولايات ا
...
-
الجيش العراقي ودوره السياسي في البلاد
-
من الذاكرة / البعثيون والشيوعيون والديمقراطي الكردستاني 2/2
-
من الذاكرة / البعثيون والشيوعيون والديمقراطي الكردستاني /1/2
-
شهادة للتاريخ / عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي/ الحلقة الراب
...
-
شهادة للتاريخ / عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي
-
من ذاكرة التاريخ / عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي/ الحلقة ال
...
-
شهادة للتاريخ/ عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي / الحلقة الأول
...
-
شهادة للتاريخ / الحقيقة حول احداث انقلاب الشواف بالموصل
-
شهادة للتاريخ/ الحقيقة حول احداث انقلاب الشواف بالموصل
-
شهادة للتاريخ: الحقيقة حول انقلاب الشواف في الموصل/ 1/3
-
كيف ننهض بمستوى المعلم؟
-
المعلم ودوره في تربية وإعداد أجيالنا 1/3
-
المدرسة/ من هنا تبدأ نهضة العراق / الحلقة الأولى
-
علموا أبناءكم الحياة / الحلقة العاشرة والأخيرة
-
علموا ابناءكم الحياة / الحلقة التاسعة
-
علموا ابناءكم الحياة / الحلقة الثامنة / 8/10
-
دراسة تربوية / علموا ابناءكم الحياة / الحلقة السابعة
-
علموا ابنائكم الحياة / الحلقة السادسة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|