بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6137 - 2019 / 2 / 6 - 14:16
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (150)
استخبارات التنظيم
بشير الوندي
-------------
مدخل
-------------
في الديمقراطيات العريقة غالباً ما تكون المعارضة سياسية وسلمية , والمعارضة السلمية تنتهج الاسلوب السياسي , وهناك يتم الاهتمام بالأمن ومنع اختراق اجهزة الدولة للمعارضين ويكون المنحى امني للحفاظ على تماسك التنظيم السياسي.
اما في المعارضة العنيفة التي تنتج غالباً مقابل الحكومات العنيفة اوغير الديمقراطية او الانظمه التي تتبنى فكر او دين او منهج محدد او انظمة ديمقراطية لا تروق للدول الكبرى , فتنتج لها احزاب معارضة لإسقاط انظمة الحكم او مافيات كبيرة للمخدرات , وشيئاً فشيئاً يتطور الصراع من سلمي الى عسكري مسلح .
ويذهب التنظيم المعارض الى السلاح ويتبع ذلك احتياجه الى تأسيس جهاز استخباري لأن معركته المسلحة تعني مسألة حياة او موت كما في الجيش الايرلندي السري وداعش ومنظمة التحرير الفلسطينية وحماس ومافيات كولومبيا وطالبان وحركة خلق الايرانية وحزب العمال الكردستاني وغيرها من التنظيمات المسلحة سواء كانت دموية ارهابية او تحررية على حد سواء , فمادامت تنتهج السلاح طريقاً فإنها تحتاج الى ان تنشيء جهازاً استخبارياً . وسنتناول مواصفات الجهاز الاستخباري للتنظيمات السرية ومهامه.
--------------------------
التقسيم الجغرافي
--------------------------
كما هو الحال في الاجهزة الاستخبارية الحكومية , فان استخبارات التنظيم السري المسلح تنقسم جغرافياً الى احد ثلاثة انواع :
1- دولية التمدد : حيث يمتد نشاطها بشكل واسع حيثما تواجد عدوها او تواجد المضادون لها , كما في حال تنظيم القاعدة أوداعش.
2- اقليمية التمدد : كما هو الحال في طالبان و pkk التركي الذي ينتشر في تركيا وسوريا والعراق.
3- محلية التمدد : وهي حالة التنظيم الاستخباري للجماعة المسلحة المعارضة او الارهابية المحلية ضمن اقليم الدولة.
--------------------------------------
مميزات استخبارات التنظيم
--------------------------------------
تتميز استخبارات التنظيمات السرية بميزات تختلف عن التنظيمات الاستخبارية الحكومية بحكم ظروفها واهدافها وانفلاتها وارتباطاتها , ومن تلك الميزات :
1- ان منحى استخبارات التنظيم هو منحى امني او بأولوية امنية , لانها كتنظيم مهدد دوماً من اختراق اجهزة الدولة التي يعاديها , لذا فإن مكافحة الاختراق وصد عمليات تجنيد الحكومة داخل التنظيم لها اولوية قصوى لإستخبارات التنظيم.
2- غالباً ما تكون التنظيمات المسلحة واقعة تحت تأثير استخبارات اقليمية او دولية او محلية راعية لها ضمن الوصل الجغرافي الذي تتحرك ضمنه وبدون ذلك يسهل التضييق عليها , فطالبان مثلاً تنتشر ضمن الوصل الجغرافي لباكستان لذا يكون التنظيم وجهازه الاستخباري تحت سطوة الاستخبارات الباكستانية حتماً , لاسيما وأن اية حركة عسكرية لاتتمكن من الاستمرار دون وصل جغرافي مع بلد اخر حتى لو كانت تتواجد في مناطق منيعة عن الجيش الحكومي المعادي كالجبال, وهنا علينا التنبه الى نتيجة حتمية هي ان الدولة التي لها علاقات متينة مع دول جوارها فانها تكون بمأمن من التنظيمات الارهابية لان اي تنظيم سري سيخشى من انطباق الكماشة عليه من جانبي الدولتين الجارتين.
3- تتميز استخبارات التنظيمات بأنها هي رأس حربة التنظيم الضاربة ضد العدو , وغالبا ما تتحكم بالتنظيم وقيادته وتستطيع التأثير الكبير في صناعة القرار داخل التنظيم.
4- ان استخبارات التنظيم هي استخبارات نقطوية تبحث عن أهداف ذات صدى اعلامي نوعي .
5- تمتاز الاجهزة الاستخبارية للتنظيمات بالكشف وتبني العمليات التي تقوم بها لكسب الشهرة وتأكيد تواجدها وتصدر البيانات التي تنسب العمليات للتنظيم , على عكس الاستخبارات الحكومية التي تعتمد سياسة النفي المستمر.
6- تعمل استخبارات التنظيم بشكل سري للغاية واساس السرية هي اسلوب التنظيم بكامله فهو سري في كل مفاصله وحريص في كل مفاصله الى حد الهوس والتشكيك لأنها تدرك دوماً انها مهددة بالخرق من قبل الاستخبارات الدولية والاقليمية .
7- كما هو الحال في الاجهزة الاستخبارية الحكومية فإن من الصعب ان تسيطر قيادة التنظيم على الجهاز الاستخباري لشدة سريته , ولذا فان قيادة استخبارات التنظيم تسلم غالباً لمساعد قائد التنظيم المقرب منه لتكون ملتصقة بالقيادة ولكي يضمن قائد التنظيم السيطرة عليها .
8- تمتاز استخبارات التنظيمات السرية بالعنف المفرط في الاداء والمحاكمات الميدانية والتصرف الفوري , وتعمل بالعمليات والاغتيالات والتفجيرات او تنجرف اليها.
9- ان الاجهزة الاستخبارية للتنظيمات السرية ثلاثية المهام , فتعمل في نطاق
الاستخبارات والامن والعمليات , فهي تعمل على حفظ امن الاشخاص والمقرات والاوكار والمعدات والاجتماعات , كما تعمل كذراع استخبارات وجمع معلومات , وفي ذات الوقت تقوم بتنفيذ الواجبات كالتفجير والاغتيال والخطف و القتل.
10- تعتمد التنظيمات السرية واستخباراتها على اذرع سياسية في الدولة من اجل التغطية عليها وحمايتها , كما لاتعاني كثيراً في زرع عملائها وسط المدن بحكم وحدة اللغة والزي والعادات .
------------------------------------------
طبيعة المهام التجسسية للتنظيم
------------------------------------------
تركز استخبارات التنظيمات السرية تجسسها على ثلاث اتجاهات هي :
1- المعلومات النقطوية : اي المعلومات عن القادة ورجال الدولة ورجال الامن وعناوينهم وارقام هواتفهم وذويهم وحركتهم وافراد حمايتهم.
2- المعلومات الاعتراضية : حيث تسعى لإكتشاف ماتعرفه الاجهزة الحكومية عنها ومكان الخرق وكيف ومن هم المتعاونين مع الاجهزة الاستخبارية الحكومية ضدها , بل ان احد ابرز العمليات التي تناط بالاستخبارات في التنظيم هي التخلص من عيون الدولة وجواسيسها , ولو تم احتساب من اعدمتهم داعش بتهمة التجسس على تنظيمها من الخارج او بتهمة التجسس بإختراقها من الداخل في ثلاث سنوات حربها مع الحكومة العراقية لوجدنا انه يفوق ال٥٠٠ شخص على شكل وجبات اعدامات بالجملة , بينما لم تعدم الحكومة العراقية لحد الان شخصاً واحداً بتهمة التجسس لصالح داعش !!!.
3- معلومات التخادم : يعمل التنظيم الاستخباري على التجسس بالنيابة عن الجهة الداعمة له ويزودها بمعلومات كبضاعة للمقايضة والترضية , فمثلا لو تواجد تنظيم سري تابع لاسرائيل يعمل في ارض دولة معينة , فبالتاكيد هو ايضا يقوم بادوار تجسسية لاسرائيل بدلا عنها او يوفر لها متطلباتها الاستخبارية , لذا تقوم استخبارات التنظيم السري بتأسيس شبكة خاصة للتجسس او تنفيذ العمليات حسب مصلحه الداعم الاقليمي او الدولي او المحلي , وفي بعض الاحيان تكون الاولوية لتنفيذ اهداف الداعم وتقديم خدمة له قبل اية خدمة للتنظيم واهدافه.
--------------------------
المستويات الخمس
--------------------------
ذكرنا في مبحث سابق انواع الارتباط السري في الاستخبارات و الاحزاب السرية والعصابات وحركات التحرر والتنظيمات الارهابية وهو ارتباط يأخذ احد الاشكال التالية : الخيطي , الهرمي , العشوائي , خلية النحل , الترابطي , المركزي , النجمي , الدوائر المغلقة , الانشطاري , السداسي , الثلاثي , العنقودي , ونضيف اليها الارتباط بلا قيادة او ارتباط الذئاب المنفردة (انظر مبحث ٧٨ الارتباط السري ).
ومما لاشك فيه ان السرية في التنظيمات المسلحة تشمل كافة جوانب العمل سواء في القيادة او التمويل والتدريب والتسليح والتخطيط والتنفيذ والاوكار والمثابات واللقاءآت والحركة.
وقد فصلنا في كتابنا (الامن المفقود ) ان التنظيم السري يعمل بخمسة مراحل :
١ الفكرة : فكرة تشدد او تحرر او مكافحة الظلم او عقيدة.
٢ التنظيم : تجمع الافراد ضمن تشكل واحد منسجم في الفكر والاهداف والغايات.
٣ الاستعداد : بعد التجمع ضمن مجموعة يبدأ التدريب والتثقيف والانتشار وكسب المجندين والمثابات وجلب السلاح والمال وتحضير المعدات.
٤ التخطيط : بعد الاستعداد تبدأ مرحلة التخطيط واالعمليات (اغتيال, تفجير, كمين , توزيع منشورات , فضح اسرار , قتل , خطف , تحريض , اشاعات ..وغيرها من الاعمال).
٥. التنفيذ : وهي المرحلة الاخيرة من العمل وفيه يتم التنفيذ لما تم التخطيط له.
وتحاول التنظيمات السرية ان تبقي المستوى الخامس هو المستوى الصدامي مع العدو , اي ان لاتعرف الاستخبارات الحكومية المعادية عن التنظيم الا آثار العمليات , وهو مايعد انتصاراً جزئياً لسرية التنظيم وفشلاً ذريعا للاستخبارات المعادية له .
فعندما تقول الحكومات انها كشفت عبوة ناسفة او سيارة مفخخة او قتلت انتحاري مهاجم , فانه فشل ذريع وليس انتصاراً , فهي حين اكتشفت السيارة المفخخة المركونة في الشارع يعني انها لم تعرف من وضعها ومن هيئها ومن خطط ومن جند ومن بث الفكرة الارهابية , لانها اكتشفت المستوى الخامس من الفعل الارهابي.
ان النجاح الحقيقي للاستخبارات الحكومية هو ان يكون لها امكانات استخبارية تمكنها بالامساك بالمخططين (المستوى الرابع ) والافضل الكشف عن اماكن التدريب والتجمع (المستوى الثالث ) والافضل منهما ان تخترق التنظيم لمعرفة اتجاهاته وتفكيكه (المستوى الثاني ) , والافضل من كل ذلك ان تقضي على الارهاب فكرياً من خلال سلب عوامل التطرف من المجتمع (المستوى الاول), اما ان تعجز عن خرق وكشف كل تلك المستويات والاكتفاء بماتحمله الصدف من الكشف عن عبوة هنا ومفخخة هناك فهو الفشل , وهو في ذات الوقت النجاح الباهر للتنظيم السري.
ومن اجل ذلك تسعى التنظيمات السرية ان تحكم امنها بشدة وتستخبر عن اي نشاط استخباري للدولة وتقتل اي ضابط نشط يحاول ان يعمل بشكل علمي ضدها وتسعى لإختراق الاجهزة الاستخبارية والامنية للدولة المعادية , وتنجح - في الانظمة الفاسدة - بشراء ذمم قادة وعناصر الاجهزة الاستخبارية والامنية كما هو الحال في العراق للأسف الشديد وهو مافعلته داعش بحكم تلاعبها بالنسيج الاجتماعي العراقي.
فمن الملاحظ ان البعض يمجد في قوة استخبارات داعش , والحقيقة انها استخبارات تعتمد العنف بشكل مفرط وليس العلم الاستخباري , الا انها نمت وترعرعت بسبب الفجوات الاجتماعيه, وادى ذلك الى حصولها على المعلومات من خلال تدخل عناصر من الضباط العاملين في الاجهزة الامنية ناهيك عن ضعف الامن والسرية في اجهزتنا اساساً بالاضافة الى العلنية الشديدة في تصريحات المسؤولين , اي ان داعش نمت وتغولت من خلال تغلغلها في نقاط ضعفنا , ولو ان الحرص الاستخباري الحكومي كان متسيّدا لما حصلت داعش على ذلك الصيت.
------------
خلاصة
------------
لكل تنظيم عسكري سري جهاز استخباري وحشي لايرحم ومهمته الاولى تتمثل بربط التنظيم بمشيمة جهاز استخباري حاضن من الجوار الجغرافي لتأمين الدعم اللوجستي والعملياتي , ولاشك من ان تقوية العلاقات بدول الجوار وفق اسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية والتعاون الامني والاستخباري المشترك , كل تلك المبادرات كفيلة بإضعاف اي تنظيم عسكري معادي .
اما التنافر الاقليمي لبلاد ما كالعراق فانها كفيلة بارضاع وتقوية التنظيمات المسلحة التي تكون استخباراتها بمثابة جهاز تجسسي لدولة ما , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟