صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6130 - 2019 / 1 / 30 - 07:56
المحور:
الادب والفن
صبري يوسف
حياتي قضيتها مسافرة، وأحمق من يظنُّ أنّه وحده التّنقل من بلد إلى آخر هو السَّفر الحقّ، إنَّما السّفر هو ذاك الَّذي يكون بدواخلنا، هناك في الأعماق الّتي تشكّلت عبر تاريخ الإنسان مذ ألبسَهُ خالقُه رداء الطِّين، وأنبت له فيه الأجنحة ليحلّق بها في أعالي الملكوت. هناك في أرض الجسد الَّتي جمعت بين الجليد والنَّار، وبين الجبال والسُّهول، وبين المروج والصّحاري، هناك حيث أنتَ أيضاً أيُّها القارئ العزيز كنز مدفون، وحيث أنا في أسفاري هذه أتعلم وأتذكّرُ كل يوم شيئاً جديداً عن أجسامنا، وأدخل في سبيل هذه المعرفة إلى مواقع غريبة حقّاً أجد فيها أحافير الأسماك وهياكل أجدادي العظميّة وأنصتُ لها وهي تروي لي تاريخي وكيف كنت منذ آلاف السِّنين، بل كيف كنّا أنتَ وأنا منذ بدء الخليقة إلى اليوم. حتَّى أنَّني أسأل نفسي وأقول: من يدري، لربَّما كنتُ ذات يوم سمكة لا ككلّ الأسماك -كإشارة منّي إلى رمزها الرّوحيّ-، تعلَّمتُ كيف أغادر الماء لأعيش في اليابسة، وأشياء أخرى كثيرة وأنا في أرض جسدي: مثلاً كيف أمشي وأسبح، وكيف أتكلّمُ وأكتبُ، وكيف أسافر وأطير، وكيف أكون في النَّار كما في الماء، وفي الجليد كما في الصَّحراء دون أن أفقد ذاك الحبل السِّرّي الَّذي يُمَكِّنُني من التَّواصل مع ذاتي الدَّاخليّة العليا، وأبقى معها في تحاورٍ وحوار مستمرّ، كما فعلتُ في هذا الحوار المئوي الَّذي عبَّرتُ فيه عن البعض من مكنوناتي، ووضعتُ نفسي من خلاله تحت مجهر التَّطوّر، لأراقبَها كيف أصبحتْ وإلى أين تريدُ الوصول، وما الَّذي أفادتهُ من تجاربها وتحوّلاتها الفكريّة والرُّوحيّة إلى اليوم.
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟