سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.
(Saeid Allam)
الحوار المتمدن-العدد: 6125 - 2019 / 1 / 25 - 09:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بانوراما الثورات: عن يناير وغيرها ! -1-
سعيد علام
القاهرة، الجمعة، 25/1/2019م
ربما يصلح عزاءاً، ولكنه لا يمكن له ان يكون بأى حال، دعوة للتقاعس. لم يشهد تاريخ البشرية حتى الان، ثورة حققت اهدافها، جميع الثورات فشلت. فى افضل الاحوال حققت الثورة تحسناً نسبياً فى شروط استغلال البشر. كل الثورات الفرنسية، الامريكية، الروسية .. الخ، لم تحقق اهدافها، فما زالت شعوب العالم المتقدم – ناهيك طبعاً عن المتخلف - تستنزف حياتهم لتسديد الاقساط للسلع والخدمات التى تذهب ارباحها للشركات الكبرى، المستعمر الجديد، والتى تدفع الى اعلى كل يومين مليارديراً جديداً، وتدفع الى اسفل كل يوم ملايين البشر الى ما تحت خط الفقر.
"تكلفة الحرية" اقل من "تكلفة الاستبداد":
.. وماذا عن تقرير "تكلفة الاستبداد العربى" ؟!
"مساء الثلاثاء 15 ديسمبر الحالى، (2015)، نشر تقرير "تكلفة الربيع العربى"، الصادر عن "المنتدى الاستراتيجى العربى" – دبى–، (انها ذاتها الامارات النجم الصاعد فى سماء القوى المعادية للثورة والـ"متعاون الاقليمى" مع الاستعمار الجديد)، حدد التقرير تكلفة (خسائر) الربيع العربى بنحو 833,7 مليار دولار، تشمل خسائر إعادة البناء والناتج المحلي والسياحة وأسواق الأسهم والاستثمارات، وإيواء اللاجئين. اضافة الى، أكثر من مليون و300 ألف ضحية بين قتيل وجريح، و14 مليون لاجئ”، مستنداً فى ذلك إلى تقارير منظمات دولية ..
اول ما يلفت النظر فى تقرير "تكلفة الربيع العربى"، - رغم محاولة اظهاره بمظهر علمى - ذلك الخلل المنهجى الفادح، المتمثل فى انتزاع موضوع التقرير من سياقه التاريخى (السياسى، الاقتصادى، الاجتماعى، الثقافى، النفسى، .. الخ)!، وكذا انتزاع معلومات واحصائيات المنظمات الدولية من سياقها، واستخدامها فى سياق اخر مبتور!، كما ربط التقرير بشكل "مغرض" بين الخسائر المادية والبشرية فى الفترة التى يتناولها التقرير، وبين "ثورات الربيع العربى"!، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، لم يكتف التقرير بذكر "التكلفة" (الخسائر)، والاهمال القصدى للمكاسب التى حققتها شعوب المنطقة العربية من خبرات ثورية مفتقده!، على اعتبار ان الثورة، هى عملية ثورية، وليست مجرد لحظة ثورية، .. وهو ما تثبته نماذج عده من تاريخ ثورات الشعوب!، ليس هذا فقط، وانما ايضاً، حمل التقرير بتحيز واضح، الربيع العربى نفسه، مسئولية هذه التكلفة!، متغافلاً عن الاجابة على السؤال البديهى عن، من المسئول عن هذه "التكلفة"؟!، واجابة هذا السؤال التى من المفترض ان لا تهتم فقط، بالمسئولية التى تتحملها تلك القوى التى وقفت ضد الربيع العربى، فى معركة حياة او موت؟! - الاستقرار او الفوضى – وانتزاعها قوى الثورة من اصرارها على سلميتها، الى اتون العنف الاجبارى المستهدف، والتى تملك هذه الانظمة ادواته، بتفوق لا يقارن بامكانيات قوى الثورة الوليدة! – سوريا نموذجاً -، وانما مفترض ان تهتم هذه الاجابة ايضا،ً بمسئولية تلك القوى عن حدوث الربيع العربى اصلا، بعد تاريخ طويل من الفساد والقهر والاستبداد!.. كل ذلك افقد التقرير سمات الشمولية والتوازن وبالتالى الموضوعية!.(ولكن ما يفسره كونه صادر عن دولة الامارات العربية المتحدة).
وبالرغم من ذلك، نجد ان رئيس المنتدى "محمد عبدالله القرقاوى" يقول فى كلمته امام المنتدى انه " "بغض النظر سواء اتفقنا مع الربيع العربي أو اختلفنا معه كشعوب عربية، لكن من المهم النظر للربيع العربي في سياق حضاري وتاريخي أدى إلى تراجع تنموي حاد في المنطقة، وتسبب في ضياع فرص اقتصادية وتنموية هائلة خلال السنوات السابقة، ودمر بنى تحتية استثمرت فيها الشعوب عقوداً وقروناً طويلة لبنائها"... !!.
ان "الجرائم التاريخية" التى ارتكبتها، انظمة دول الربيع العربى – وغيرها - ، والتى تسببت فى تاخر التطور الحضارى لهذه المجتمعات، وما فعله هذا التأخر الحضارى ، من اهدار لانسانية شعوب هذه المجتمعات، وانحطاط نوعية الحياة التى تحياها شعوب هذه المنطقة، بفعل فساد هذه الانظمة واستبدادها، هذا الفساد المحمى فى الداخل، باجهزة القمع المموله من ثروات الشعوب المقهورة ذاتها!، والمدعوم خارجياً من الانظمة الاستبدادية الاقليمية، والاستعمارية العالمية، تلك "الجرائم التاريخية" التى تتضائل امامها اى تكلفة (خسائر) لأى ثورة رغم بشاعتها!.
صرحت "كاثرين آشتون"، المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي (سابقاً)، فى فبراير 2012 ".. أن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية، وأن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة مصر الطبيعية خلال الـ15 عاما الأخيرة من نظام مبارك يبلغ 5 تريليون دولار أمريكي – بغض النظر عن مدى دقة الرقم - وهو مبلغ يكفي لتحويل مصر إلى دولة أوروبية متقدمة .."!، - نشر في" التغيير" يوم 14 - 02 – 2012 - .
.. وماذا عن تقرير "تكلفة الاستبداد العربى" .. لبقاء هذه الانظمة واستمرارها واستقرارها ..
بعض الامثلة ..
لقد شهدت ميزانية الدفاع في المملكة العربية السعودية توسعًا بمعدل حوالي 14 في المائة سنويًا خلال العقد الماضي – اى ما قبل الربيع العربى -، وتسارع هذا التوسع ليصل إلى حوالي 19 في المائة سنويا منذ عام 2011، وبالرغم من تقلص موازنة السعودية بشكل كبير مع بلوغ أسعار النفط الخام لأقل من 50 دولار للبرميل في الأشهر الأخيرة. ولكن على الرغم من ذلك، نجد زيادة الإنفاق الدفاعي!.. ويتوقع - بحسب قسم الفضاء والدفاع والأمن بشركة آي إتش إس - أن يرتفع الإنفاق السعودي المخصص للدفاع إلى حوالي 60 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020، الأمر الذي يجعلها حينئذ خامس أكبر منفق على الدفاع في العالم.
لقد انفقت المملكة العربية السعودية عام 2014، ما قيمته 80,8 بليون دولار (البليون هو رقم إلى يمينه تسعة أصفار. أى الف مليون)، على الانفاق العسكرى!، - تستند المعلومات على الإصدار الأول لعام 2015 من "التوازن العسكري"(لعام 2014) الصادرة عنا لمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) http://www.iiss.org -/ - .
كما انفقت الامارات العربية المتحدة عام 2014، ما قيمته 22,8 بليون دولار، على الانفاق العسكرى!، - تستند المعلومات على صفحة الحقائق لعام 2015 والصادرة من معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم (سيبري) - http://www.sipri.org/ - .
ويعتبر الإنفاق الخليجي العسكري على صفقات السلاح هو الأعلى في العالم، وهو ما يوصف بصفقات السلاح "الغبية" كونها تعمل على تكديس للسلاح دون استخدامه، ولكنه الابتزاز المستمر من جانب دول تصدير السلاح واستخدام فزاعة "الخطر الايرانى الشيعى" على دول الخليج، لتستفيد منه دول الغرب حتى تظل الدول الخليجية متحفزه لأي عدوان محتمل - ما يدفعها لاستمرار شراء صفقات السلاح أو بقاء الوجود الأجنبي في المنطقة، وهو وجود مكلف. بطبيعة الحال، تدفعها ميزانيات الدول من أموال الشعوب، انفاق يستنزف الموارد الاقتصادية الهائلة التي تتمتع بها دول الخليج، لتذهب ثرواتها إلى الدول الغربية، في حين أن امن دول الخليج، يظل مرتهنً بهذه الدول الغربية ذاتها!، وهى لا تستطيع الاستغناء عن هذا الانفاق العسكري الهائل، أو استضافة قواعد عسكرية بتكلفة اقتصادية وسياسية وأمنية أيضا.
أن القلق الأمني لا يزال مسيطرا على دول الخليج فيما يتعلق بالأمن الداخلي أو الخارجي على حد سواء، فقد أخذت دول خليجية تعمل على استقدام شركات أمنية سيئة الصيت مثل بلاك ووتر، ومرتزقة من كولومبيا وصربيا والنيبال كما هو الحال في دولة الإمارات والبحرين .. ففى حين يكلف حفظ الأمن في الخليج، الاف المليارات، وبدلاً من سلوك الطريق الواضح لتحقيق امن حقيقى، والذى يتمثل، بالإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي وإفساح الحرية لشعوب الخليج بأن تكون جزءا من حفظ الأمن، وعندها يكون المواطن الخليجي أفضل ضامن لأمنه وأمن بلاده وأمن قيادته، ويتحقق بالفعل لدول الخليج الأمن، بدل الفشل حتى الآن، بدلاً من ذلك الطريق الواضح، تدفع المصالح الانانية ضيقة الافق، لسلوك الطريق الضال، طريق ادانة الثورات العربية!، طريق تقرير "تكلفة الربيع العربى"!.".
("تكلفة الحرية" اقل من "تكلفة الاستبداد": .. وماذا عن تقرير "تكلفة الاستبداد العربى" ؟!، سعيد علام، القاهرة، الاحد 27/12/2015).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=498714
سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
saeid.allam@yahoo.com
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam
#سعيد_علام (هاشتاغ)
Saeid_Allam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟