|
فينزويلا.. كيف نفهم الوضع ونستنتج الدروس؟؟؟*
الحسين لعنايت
الحوار المتمدن-العدد: 6124 - 2019 / 1 / 24 - 08:57
المحور:
الارشيف الماركسي
1 – لم يسبق لفنزويلا عبر تاريخها ان عرفت اصلاحا او ثورة زراعية. فالفلاحون كانوا يشتغلون عند المالكين الكبار الذين يوفرون لهم مساحات صغيرة في إطار تلك الضيعات لزراعة بعض الخضروات المعيشية من جهة ولجعلهم مرتبطين بالأرض في خدمة الملاكين الكبار من جهة ثانية. وقد ساهمت الصناعة البترولية في افراغ البوادي من السكان مما جعل الفلاحة الفنزويلية تنحصر في بعض المنتوجات التصديرية المعتمدة على المكننة أساسا. فالأراضي الفلاحية التي تم تمليكها للفلاحين الصغار والمتوسطين سنة 1940والتي تقدر ب 1 مليون و700 هكتار ثلثيها تم التخلي عنها للملاكين الكبار في حدود سنة 1992. فعند انتخاب هوكو تشافيز كانت نسبة السكان الحضريين تقدر ب 88 بالمائة من الساكنة بينما في فرنسا وهي من اكبر الدول الصناعية تقدر نسبة السكان الحضريين سنة 2000 ب 76 بالمائة. هكذا وجدت الثورة البوليفارية عن طريق “صناديق الاقتراع” نفسها امام قطاع فلاحي منعدم يصعب إصلاحه او إعادة دوره في الإنتاج والاكتفاء الذاتي. سنة 2010 أعلن تشافيز عن مصادرة العديد من الشركات في مجالات توزيع المنتوجات الغذائية وفي مجال الأسمدة ومن بين هذه الشركات شركة زراعية ضخمة تشكل فرع شركة “فستاي” العالمية. إضافة إلى ذلك كانت هناك عمليات تأميم شركة الكيماويات “فينيكو” وشركة الأسمدة “فيرتينيترو”، المتورطتان معا في عمليات مضاربة في الأسعار. كما عمل على توفير 200000 هكتار (وهي مساحة ضئيلة لتحقيق إقلاع فلاحي). هذا لم يمنع نقابات الفلاحين من تنظيم مسيرة نحو كراكاس سنة 2017 لطلب لقاء مع الرئيس “مادورو” حول الوضع المتردي حيث صرح رئيس النقابة عن ندرة الأسمدة والبدور والكيمياويات وان التعاونيات التي خلقتها الدولة أصبحت مقابر للمعدات الفلاحية. هذا يدل على ان شبكات التوزيع تسيطر عليها البورجوازية العميلة وتوظفها في تخريب الاقتصاد الفلاحي أساسا بما يخدم الشركات العالمية ووكلائها المضاربين في مجال انتاج مواد التغذية. إضافة ان الشركة الوطنية للبترول هي بدورها تنتج الأسمدة لكن تفشي البيروقراطية ومناهضة النظام البوليفاري من طرف أطرها يجعلها تتقاعس في القيام بمهامها الوطنية. 2 – قبل صعود تشافيز الى الحكم بعد حصوله على نسبة 56 بالمائة من الأصوات في الدور الأول، ما لم يسبق ان تحقق له مثيل في أمريكا اللاتينية، كانت احزاب الاشتراكية -الديمقراطية والديمقراطية-المسيحية تتداولان على الحكم في “اطار توافق” تحت مراقبة الامبريالية الامريكية التي لا تتحمل ان يحصل حدث سياسي يقض مضجعها في حديقتها الخلفية. هذا التوافق يعتمد على قمع أي تواجد للشيوعيين خاصة في النقابات البترولية. جعل هذا “التوافق” الاقتصاد الفنزويلي يعتمد أساسا على واردات الصناعات البترولية التي تتحكم فيها الشركات الامريكية ووكلائها هذا ما ساهم في تأسيس بورجوازية وكيلة تعتمد في تنمية مصالحها على المضاربة في المواد الفلاحية والصناعية المستوردة. رغم كل الإصلاحات التي أقدم عليها حكم تشافيز و”الحزب الاشتراكي الموحد” الذي تأسس سنة 2007 فالميزان الاقتصادي لسنة 2014 ما يزال يعتمد على واردات البترول بنسبة تقدر ب 96 بالمائة. 75 بالمائة من محاصيل البترول تنفق في تغطية استراد المواد المصنعة للاستهلاك و12 بالمائة تغطي الواردات الفلاحية بما فيها اللحوم والالبان والأرز. ما يعني ان 87 بالمائة من المداخيل تصرف لشركات الاستيراد التي تسيطر عليها شركات وابناك البورجوازية الوكيلة الجشعة التي عادة ما تزور في دفاتر التحملات بما يسهل تهريب العملة. فأقل من 10 بالمائة فقط هي النسبة التي يمكن توظيفها في الاستثمار المنتج وفي الادخار. فعند انخفاض أسعار النفط يمكن لنا ان نتصور حجم الكارثة، وهذا ما يحصل الان. تشافيز كان واعيا بالسلطة التي تملكها البورجوازية الوكيلة والبيروقراطية الإدارية والارستوقراطية العمالية المرتبطتين بالحزبين المسيحي-الديمقراطي والاشتراكي- الديمقراطي الذين هيمنا على الحياة السياسية والاقتصادية على امتداد عقود من “التوافق”. “التوافق” حول مناهضة اي اصلاح في صالح الشعب ويخدم استقلال القرار السيادي لفنزويلا. امام صعوبة الوضع لم يبقى الا التمني. أعلن تشافيز شهر ماي 2004 «سيأتي يوم سيكون لدينا فيه فريق من القضاة لا يخافون، وسيعملون وفقا للدستور ويحكمون بالسجن على رؤساء المافيا». لكن وبعد مرور 16 سنة، ونحن في 2018 ما يزال ذلك اليوم لم يظهر في الأفق وما يزال الانقلابيون لسنة 2002 والمحميين من طرف القطب الامبريالي الاكلسي بزعامة أمريكا يتمتعون بالحرية، ما يمثل تهديدا خطيرا لمستقبل الثورة والديمقراطية في فنزويلا. 3 – في بداية حكمه وجد تشافيز نفسه في مواجهة قيادة النقابة الأكثر تمثيلية في البلاد حيث اعتمدت على تحكمها في شغيلة اكبر شركة عمومية للنفط والتي تأسست سنة 1975 وأصبحت بمثابة “دولة داخل دولة” ونظمت النقابة اضرابا سنة 1999، أيام قليلة بعد انتخاب تشافيز، بدعوى الدفاع عن “الاتفاقيات الجماعية” هذا في الوقت الذي وقعت فيه قيادة تلك النقابة بجانب حكومة الاشتراكية-الديمقراطية على كل الاملاءات التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية والتي نتج عنها استنكار عام وسط الشعب الكادح نتج عنه عقاب الاشتراكي-الديمقراطي وانتخاب تشافيز.
حاول تشافيز أن يزيح الارستقراطية العمالية الموالية أساسا للحزب الاشتراكي-الديمقراطي من قيادة اكبر نقابة في البلاد ولقد انخرط البولفاريون والشيوعيون والترتسكيون والمسيحيين التقدميين في هذه العملية. فبعد ان حكم القضاء ضد رئيس النقابة من جراء تهم بالفساد صدر قانون يفرض على النقابات تجديد كل هياكلها الوطنية والقطاعية تنفيذا لنتيجة الاستفتاء الذي دعا له تشافيز حول تنظيم انتخابات لتجديد هياكل كل النقابات على المستويات المحلية والجهوية والوطنية والقطاعية. نظمت الانتخابات سنة 2001 وقاد الاشتراكي “اورتيكا” ما سماه “الجبهة الموحدة للعمال” وحصل على 57 بالمائة من الأصوات مقابل 16 بالمائة للبوليفاريين و12 بالمائة لليساريين وعلى راسهم الحزب الشيوعي المدعم للحكومة. رفضت الحكومة الاعتراف بنتائج الانتخابات بدعوى “التزوير” لكن لا يمكن التغاضي عن الحقيقة فإذا كان البولفاريون يتوفرون على قاعدة شعبية واسعة فالاشتراكيون-الديمقراطيون بتجربتهم الغريقة في العمل النقابي استطاعوا تدجين الطبقة العاملة ، المحورية في الإنتاج، وسيستعملونها في مواجهة تشافيز وبعده مادورو وحكومته. أصرت قيادتا الحزب الاشتراكي- الديمقراطي والمسيحي- الديمقراطي على تأسيس ما يصطلح “الكتلة الموحدة للديمقراطية” تضم الارستوقراطية العمالية والبورجوازية الوكيلة وعملاء المؤسسات المالية الامبريالية بهدف إسقاط الحكم البوليفاري. • 5- فنزولا تمتلك اكبر احتياطي للنفط على المستوى العالمي وعلى اكبر مخزون للذهب على مستوى أمريكا اللاتينية هذا ما يجعل المطامع الامبريالية خاصة الجارة التوسعية أمريكا ستمنع بناء اقتصاد متحرر ممركز على الذات بهذا البلد . ف”باراك أوباما” لم تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها “مادورو” سنة 2013 وأصدر سنة 2015 مرسوما رئاسيا يصف فيه فنزويلا “بالتهديد غير العادي والاستثنائي لأمن الولايات المتحدة” وفرض الحصار على كل الواجهات الاقتصادية والمالية على فنزويلا وتحولت أنشطة البورجوازية الوكيلة الى السوق السوداء في المواد الغذائية والهجرة لتخريب الاقتصاد البوليفاري وتقويض الاستقرار الداخلي كما تم ايقاف استيراد النفط الفنزويلي من طرف الولايات المتحدة، والذي يقدر ب مليون ونصف مليون برميل يوميا، للإسراع بإفلاس الشركة الوطنية للنفط التي لا تتهاون الارستوقراطية الإدارية والعمالية التي تسيرها في خلق مشاكل “تقنية” لخفض انتاجها • 6- خلال شهر غشت 2018 دبر ترامب وأتباعه في الاتحاد الأوروبي وفي المؤسسات المالية العالمية حملة عشواء لتشويه النظام البولفاري في فنزويلا وظفت فيها كل وسائل الإعلام الدولية وأمر “دونالد ترامب” عملائه بالسعودية والمشيخات بالزيادة في إنتاج النفط لإرباك فينزويلا كما اعلن هو وعملائه في الدول المجاوزة عن وشك شن حرب ضد فينزويلا اعتمادا على أسطوانة “حقوق الانسان” للدفاع عن “الديمقراطية” وتخليص الشعب الفينزويلي من هول “المجاعة” • 7- ان محاربة الأنظمة الوطنية والتقدمية التي تعمل على الحفاظ على ثوراتها يعتبر مسالة حياة او موت بالنسبة للرأسمالية في مرحلة الامبريالية. كما ان التجربة الغنية للثورة البوليفارية في فنزويلا، التي نتمنى ان يساهم “تعدد القطبية” الذي برز بقوة في دحر الهجوم الامبريالي عليها ، هذه التجربة نستنتج منها ان مناهضة الامبريالية في ظل الخلل الذي أصاب التوازن الدولي بين القوى التواقة للتحرر والقوى الاشتراكية من جهة والقوى الطاغية لصالحه هذه الأخيرة من جهة ثانية، يتطلب بالنسبة للقوى الاشتراكية الماركسية العمل على انجاز 3 مهمات أولية وأساسية • – الانغراس وسط الطبقة العاملة بما يساهم في تقليص وازاحة تحكم الارستوقراطية العمالية على النقابات وجعل الطبقة العاملة واعية بدورها في دائرة الإنتاج بما يوفر لها القدرة على احباط وافشال مناورات البورجوازية ضد التحرر الوطني مستقبلا • – الانغراس وسط الفلاحين وتوعيتهم بدورهم الأساسي والمحوري في استقلال القرار الوطني بتحقيق الاكتفاء الذاتي وعدم ارتهان مصير البلاد لسيطرة ومضاربة الشركات العالمية في مجالات الاغدية والبدور والاسمدة ومحاربة الامراض الفتاكة للزراعات والمحاصيل • الانغراس وسط العمال وسائقي الشاحنات بشبكات التخزين والتوزيع للحيلولة دون توظيفها مستقبلا واستعمالها في اتلاف المنتوج وتقويض التوزيع لخلق أزمات في سوق المواد الاستهلاكية… ولنا عبرة في الانقلاب على “سالفدور اليندي” في السبعينات من القرن الماضي وفي إزاحة “ديلما روسيف” بالبرازيل قبل سنتين الحسين العنايت
+++++++++++++++++++++
#الحسين_لعنايت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بصدد مقولة-الحزب الاشتراكي الكبير
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|