أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عيسى الخاقاني - مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات















المزيد.....


مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات


محمد عيسى الخاقاني

الحوار المتمدن-العدد: 6120 - 2019 / 1 / 20 - 11:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



احببت ان استعير جملة كتبها عميد الادب العربي الدكتور طه حسين في مقدمة ترجمة فاوست للدكتور محمد عوض محمدعن الفيلسوف الالماني الكبير غوته:(بإن الكتابة عن غوته تتوسع كلما توسع البحث في شخصيته)، وهذا الامر ينطبق على ما يمكن ان يواجهه الباحث اذا ما كتب عن الدكتور علي الوردي واراد ان يقتفي اثر كتاباته وتأثيرها على المجتمع وردود الافعال السلبية والايجابية التي رافقتها وبالتالي رافقته شخصيا، حتى صُعد به الى اعلى المراقى وهُبط به الى واد سحيق، وكلٌ ورأيه، وذلك ديدن الناس كما كان يقول الوردي نفسه!
الباحث الاجتماعي الاستاذ المتمرس الدكتور علي بن حسين الوردي (1913-1995) المولود في مدينة الكاظمية غربي بغداد، والذي تأثر في بداية حياته العلمية بابن خلدون وكتب فيه رسالته في الدكتوراه التي حاز عليها في علم الاجتماع من جامعة اوستن في تكساس الامريكية، اعتقد ان الوردي مرر فكرته الذي اطلق عليها فرضية من خلال نظرية ابن خلدون الشهيرة بان صراع الحضارة والبداوة هو بين البوادي والمدن، وهما وان كانا متضادين الا انهما متفاعلان في بوتقة واحدة، اما الوردي فقد اختلف في اطروحته، حيث يعتقد ان هناك صراعا بين قيم البداوة وقيم المدينة (الحضارة).
لم يستطع الدكتور علي الوردي الوصول الى النظرية المؤسسة ضمن البحث العلمي وذلك لعدم ثقته في البيانات الاولية والاستقراء او حتى نتائج العمل الميداني الذي شكك فيه في مقدمة دراسته وعزا ذلك الى ازدواج الشخصية العراقية، فاذن اختار الوردي من خلال الآليات المنهجية المطروحة قبله وباسلوب بحث الملاحظة النوعية التي استخدم فيها تصنيفات وأنماطًا محددة عن سابقيه من المفكرين الاجتماعيين، فسجل ملاحظاته بشكل طبيعي ومسترسل ناقلا صورة الواقع كما يحدث، واظهر النتائج بعد جمع المعلومات وتحليلها.
اعتقد ان منهجية تالكوت بارسونز (1902-1979) اثرت على الوردي في اعتماده مفهوم النظام المعياري العام، اذ يعدّ ان الفعل الاجتماعي هو كل انواع السلوك البشري التي تحركها وتوجهها المعاني الموجودة في دنيا الفاعل، وهي معاني يدركها الفاعل ويستدمجها في ذاته، والفاعل هنا اما ان يكون فرداً او جماعة او تنظيماً او حتى مجتمعا، بمعنى ان الافراد اثناء اشباعهم لحاجاتهم يختلفون من حيث مكونات شخصية كل منهم، وبذلك تتحقق المشاركة المجتمعية ويعني بها تكامل المعايير ونمط المحافظة ويعني به تكامل القيم، والسياسة تستخدم للحصول على الهدف اوتحقيقه والاقتصاد يستخدم للتكيف
من ناحية ثانية بدا لي ان الدكتور علي الوردي تأثر بثنائية عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركايم (1858-1917) حيث اكد ان تحليل الظواهر الاجتماعية يقتضي من الباحث في علم الاجتماع التحرر بصفة مطردة من كل فكرة سابقة، ليقف على الخواص الجوهرية في الظاهرة الاجتماعية محددا الآلية المنهجية التي تساعد على الوصول إلى تحديد الخواص الجوهرية للظاهرة بالاعتماد على الخواص الخارجية التي تمكنه من الاهتداء إلى الجوهر وعمق المسالة، حيث اشترط على الباحث ان يكون من الدراية والمكنة والثقافة لتحليل الظاهرة المفردة لتبدو مستقلة بذاتها عن غيرها من الظواهر وان كان قد قاسها ابتداءً على ظاهرة اخرى تشترك معها في الخصائص والشروط.
وارى ان الوردي اعتمد في دراسته للمجتمع العراقي هذه المنهجية من دوركايم، وحاول ان يطبقها مع التطوير الذي اضافه بارسونز على هذه المنهجية ليخلق صورة متكاملة النسق عن المجتمع العراقي، وقد توفق الى حد كبير في الجمع بين المنهجين، مستفيداً من التكاملية التي طرحها بارسونز لنظرية دوركايم، حيث درس الوردي على وفق هذه الرؤية حدد أسس هذا التباين بالعادات والتقاليد والتركيبة السكانية فضلاً عن بنائها العشائري والقبلي.
حاول الوردي ان يخترق نظرية وليم جراهام سمنر (1840-1910) في السلوك الجمعي للمجتمعات، كما فعل مع نظرية البوادي والمدن لأبن خلدون وحورها الى البداوة والحضار، فبدأ بنفسه، محاولاً تجريب حظه في الوقوف والتغيير امام السلوك الجمعي لمجتمعه، ويبدو انه لم يوفق، فنراه يقول: ان الانسان يولد وقد ورث ميولا او اندفاعات بهيمية غير مهذبة، فتوضع هذه الاندفاعات العارمة تحت تاثير القيم الحضارية والقيود الاجتماعية حيث يبدا الطفل ساعيا في سبيل التوفيق بين ما يشتهي من حاجات آنية وما يفرضه عليه المجتمع من اصلاحات واعتبارات وقيم، انها صراع متواصل بين قوتين متعاكستين: قوة بهيمية لا تفهم قيدا ولا تدرك معنى وقوة اخرى اجتماعية تحاول ان تسيطر على تلك القوة الغاشمة وتسبكها في قوالب حضارية مقبولة.
بالرغم من اعجاب (الوردي) باصحاب الطروحات ثنائية البعد، كما فكرة البداوة والحضارة عند ابن خلدون والمجتمع البدائي والمدني عند جون سنمر او نظرية الاستجابة والتحدي التي طرحها سنمر، ولكنه لم يعتمد جميع الثنائيات الفلسفية والاجتماعية التي طرحها المفكرون الغربيون منهجاً ليسير عليها او آلية بحث قابلة للتطبيق، بل اختار ما يناسب طبيعة المجتمع العراقي المتمدن وصراعه الدائم مع قيم وتقاليد البداوة القادمة من الجزيرة العربية، قبل الحرب العالمية الاولى، وثم صراع من نوع مختلف تماما بين الثوابت المجتمعية من العهد العثماني والحضارة الغربية الوافدة التي ظهرت بعد احتلال الانكليز للبصرة.
ويسعدني هنا اذكر بان الاخ الاستاذ صادق جعفر الروازق وضع في كتابه الذي بين يديك دراسة تطبيقية للخصومة والنزاع، وفك الخلاف والاختلاف في (مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات) في المجتمع العراقي من خلال قراءته للوردي، ويعتبر هذا العمل البحثي عملا شاقا ومجهدا في بيئة دينية مغلقة، يرث الاغلب منهم قواعده المنهجية من النظرة السلبية التي تكونت عبر السنين عن خلاف الوردي المنهجي مع الفكر الارسطي الذي تعتمده المدرسة الدينية وكذلك تصدي الوردي النقدي لبعض رجال الدين المتزلفين للسلطة والحاكم على انهم وعّاظ السلاطالدين وأثرها في لم شتات وحدة المسلمين العراقيين، محاولا التمييز بين رجال الدين المصلحين وبين ادعياء الدين (وعّاظ السلاطين)، بعد ان تركت القراءات المذهبية خنادقاً وبؤراً جاهزة للتفجير الطائفي من خلال عملية المحاصصة الطائفية التي ميزت فترة ما بعد احتلال العراق في عملية سياسية دينية متوقعة، واجزم هنا ان الوردي اكد على ما سيحدث في العراق مستقبلا وهو حي يرزق من خلال قراءة دقيقة لوضع الحروب والحصار ما قبل عام 2003 للميلاد، وقد رأيتُ شخصيا نبؤته على ارض الواقع، في حين يرى كاتبنا المبدع الروازق بان المحاصصة الطائفية هي عملية احتراب بيد انها من جنس آخر ويطلب من علماء الطائفتين التحلي بشجاعة الرافض لهذه الفرقة وهذا التمزق التاريخي الذي نخر في جسد الأمة الإسلامية وجعلها أمة خاوية لا تفقه إلا مسائل الخلاف والتفاضل بين هذا الخليفة وذاك مع ما عندها من ثقافة السب واللعن والإلغاء، وقد صرح الوردي ان السياسة هي إدارة امور الدولة حسب المصلحة، وقد ضرب امثلة كثيرة تؤيد نظرته هذه عن احداث صدر الاسلام وما بعد الخلافة الراشدة والفتن التي وقعت، وكيف استطاعت دول (بنو امية وبنو العباس) من الحكم لقرون من الزمن بسبب اختيارهم منهج المصلحة والقوة.
ومن خلال حقيقة ما يبتغيه الوردي وهو ان (يكون الإنسان مستعداً للنظر في أي رأي جديد بعين الحياد، وهو السبيل الوحيد الذي يوصل إلى معرفة الحقيقة مهما طال الزمن)، شق الصديق الروازق عباب الجمع في لجة البحر، على امل ان تسود الشفافية فضائية الحوارات وأجواء السجالات المنصفة، للارتقاء إلى مستويات هذا الحوار الشفاف الذي يمثل الظاهرة الحضارية بأعلى تجلياتها..
حاول الاستاذ الروازق في هذا الكتاب ان يسير في مقارباته الإصلاحية في فهم الدين والذات باعتماد التحفظ وعدم الإسراع ونبذ الشعوذة وألوان المهاترة، وحالات البغض والحسد ومجالات الوهم والخيال وسفاسف عقم الجدال، تلك الحالات المجتمعية التي نسبها الوردي رحمه الله الى (التعصب أو الغرور الذي يصيب الفرد بما يملك من معلومات ومصطلحات فهو أمر لا يؤدي إلا إلى الفوضى أو العنجهية التي تماثل عنجهية الجهال والبدائيين أو أنصاف المتعلمين...) والتي اراد لها الاستاذ الروزاق ان تتأطر بجميل الصفح والاعتذار والتسامح ومن ثَمَّ الإقرار بحيثيات ما يؤمن به الإنسان مع نفسه دون سلطة الرقيب ورقابة السلطان التي أنهكت وخرَّمت العقلية العراقية بأدواء الازدواج وعدم الثبات في القرار.
في الختام اوجه انتباه الاخ الاستاذ الروازق بان الوردي حينما تحدث عن الحروب التي فتكت بالعراق بانها معلم من معالم البداوة ومنبعثة من ثقافتها إذ ان الصحراء شحيحة الموارد، ولابد لسكانها من ان يتغازوا ويتقاتلوا وينهب بعضهم بعضاً لكي يعيشوا، وهذه الحروب انعكست على شخصية الفرد العراقي وساهمت في صناعة الشخصية المزدوجة، وفرضية البداوة واغارتها على الحضارة لا تنطبق على كل الحروب انما على النهج البدوي الذي يسطو على الحضارة بصورة طبيعية.
ان الوردي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وبعد ان دخل العراق حروبه العبثية، يكرر ويردد دائما وعلى خلاف ما كانت الشعارات ترتفع في كل الوطن نحو الحرب والقوة والانتصار على العدو، كان الوردي يقول: ان الحروب اذا ما استمرت فان المجتمع سينهار وسوف يفقد المنظومة الاخلاقية الوهمية التي يستند عليها، وهذا هو ما بشر به آرنولد توينبي (1889-1975)، قبل ذلك حيث قال في دراسة التاريخ: بأن الحروب هي السبب الجوهري لانهيار المجتمعات أو الحضارات، ولم يذهب توينبي بعيدا في اختياره للمجتمع الاشوري القديم مثلاً يذكره بقوله: لقد هوت آشور جثة هامدة، ولكنها مدججة بسلاحها. فقد انهارت ببساطة أمام هجمة الميديين والبابليين في القرن السابع قبل الميلاد.
في هذا الكتاب استطاع الاستاذ صادق جعفر الروازق ان يتوسع في الاطار الفكري من خلاله بحثه مقتفيا اثر الوردي في البحث الاجتماعي ليضع اجابات لأسئلة كثيرة تواجه المفكر العراقي، وهو امر يندر حدوثه في كتابات هذا الزمن.
قبل ان انهي المقالة هذه ادعو العلي القدير ان يأخذ بيد الاستاذ الروازق ويوفقه لكل خير ويفيدنا من انتاجه الفكري...



#محمد_عيسى_الخاقاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عيسى الخاقاني - مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات