أمجد المصرى
الحوار المتمدن-العدد: 6118 - 2019 / 1 / 18 - 16:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى مثل هذه الأيام منذ ثمانى سنوات قامت الثورات ( سابقة التجهيز ) فى منطقة المشرق العربى المنكوبة ، إنطلقت الشرارة من تونس ثم تدحرجت كرة اللهب فأشعلت من النار الكثير فى مواطن عديدة بعضها مازال مستعرا رغم مرور السنين ، و بعد انقشاع بعض الغبار حينها خرجت الثعابين من الجحور و ظهر الوطواط فى وضح النهار ، و تصدر الإسلاميون المشهد الذى كانوا قد استعدوا له تمام الاستعداد ، و تشدق تجار الإسلام السياسى و تصايحوا بعبارات : الإسلام هو الحل ، القرآن دستورنا ،الإسلام صالح لكل زمان و مكان ، الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، و ما إلى ذلك من شعارات جوفاء خدعت البسطاء و استهوت جموع من السوقة و الدهماء .
و كان طبيعيا أن يفشل الإسلاميون فى إدارة شؤون حكم البلاد التى تمكنوا - بثوراتهم المصنوعة - من السيطرة عليها ، كان طبيعيا أن يفشلوا و يسقطوا وتزيحهم الجماهير ، و هنا تحول ( بتوع ربنا ) فجأة إلى قادة ميليشيات مسلحة و فرق قتل و سطو مسلح و ضباع منفردة و مجتمعة للتفجير و التدمير و الترويع .
ذكرتنى تلك الثورات العربية المشؤومة بثورة الزنج التى قامت ثم أخمدت فى زمن الخلافة الراشدة
كان صـــــاحـب الـزنــــــج هـو العبد الأسود (عبد الله بن على بن محمد) الذي قاد ثورة للعبيد السود المعروفين بالزنج ضد الخلافه الاسلامية ، من أجل تحرير العبيد ونيل الحرية , في بلاد العرب , وفي العراق تحديداً , حيث عاصمة الخلافة
و(الزنج) هو المصطلح العربي الدال علي العبيد السود للامبراطورية العربية ، والذين كان يتم جلبهم خطفا بواسطة النخاسين من ساحل افريقيا الشرقي الأقرب , وغالباً من منطقة زنجبار وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) , وبيعهم في اسواق العرب , للقيام بالاعمال الدنيئة مثل كسح المجاري وتطهير الانهار و تنظيف مرابط الخيل ، و قد كان لدولة الخلافة عبيدها بمئات الألوف للقيام بهذه الاعمال الضرورية. ومن ثم نسبهم العرب الي موطنهم و أسموهم ( الزنج )
كان السيد المالك يقوم بتسخير عبده في العمل ويكون للعبد أدني حصة من عائد هذا العمل , بما يكفي لاستمرار الحياه وأداء المطلوب منه , والفائض هو اضافة تنموية لكنها من نصيب السيد , وليس للعبد علي السيد سوي حق الإيواء والطعام
من المعلوم أن نظام العبودية قد لازم الدولة العربية الإسلامية منذ ظهورها , فغزوات الجهاد الإسلامي نشطت عمليات الاستعباد , وأمدت أسواق الرقيق بالبضاعة طوال الوقت, بتحويل أبناء الشعوب الحرة المفتوحة الي سلع ، بعد أن أباحت لهم قواعد الفقـه استباحة شعوب بكاملها, والاستيلاء علي الارض بمن عليها ملكاً للعرب وورثتهم وقفا عليهم وعلي نسلهم من بعدهم , حسبما انتهي اليه الخليفة عمر بن الخطاب
لا غرابة فى ذلك و الإسلام أبقى على العبودية و لم يحرمها بل كرسها بعكس ما يدعى المشايخ و تجار الإسلام السياسى و سدنة الفقهاء و الدعاة
فقد مات النبي تاركاً خلفه عبيده ضمن ما ترك ، كذلك كل الصحابة وكل المبشرين بالجنة ، وكان الإمام علي أزهدهم في الدنيا وأفقههم في الدين ولم يترك وراءه سوي تسع عشرة جارية من ملك يمينه
تقدس النظام العبودي تقديسا كبيرا في الإسلام ، بفقه كامل للرقيق كطبقة مختلفة عن بقية الطبقات حقوقياً واجتماعياً وانسانياً ، كذلك ورد التسري بالجواري في ثلاث وعشرين آية بالقرآن ، بينما لم يورد القرآن و لو آية واحدة تشرح للمسلمين كيف يصلون
ولم تكن ثورة الزنج سوي مظهر عملي للمطالبة بالحرية والعدل الاجتماعي والسياسي
استمر صاحب الزنج يمهد لثورته ست سنين فتحدث لأصحابه في أن يؤمروه عليهم ، وأن يغامر بهم كما غامر الناس , وارتحل داعياً لنفسه بين العبيد الي هجر ثم الأحساء ثم البادية ثم البصرة ، وفي رمضان سنة 255هـ كان قد اتخذ القرار للقيام بمهمته التاريخية ، فى ساعة الصفر اقتحم عبد الله بن محمد برفاقه مدينة البصرة , وخربها وقتل أهلها واستصفي الأموال ، وأخذ الأسري من أحرار العرب كما كان العرب يفعلون بغيرهم , وأخذ النساء الحرائر فوزعهن علي اصحابه سبايا ، ويوماً بعد يوم كان جيش صاحب الزنج يزداد عدداً بالعبيد المحررين . ويزداد سيطره علي مساحات جديدة من أرض الخلافة , أقاليم وكور أصبحت تدفع الخراج لعبد الله بن محمد , تماماً كما فعلت جيوش العرب زمن الغزو الفاتح.
العبيد رفضوا نظام الخلافة الإسلامية وطريقته في الحكم في القرن العاشر الميلادي ، ويأتي من يطالب بعودته في القرن الحادي والعشرين !! يالـوقاحـة هؤلاء
يلفت النظر بشدة قول عبد الله بن محمد لأصحابه " لنغامر كما غامر الناس" . كان التاريخ ماثلاً لم يمض بعد بتاريخ الفتوحات , عندما غامر العرب فــ ( فازوا ) بالأرض ومن عليها. لكن هذا التاريخ الماثل يبدو أنه أيضاً كان هو المثل والقدوة ، فقام عبد اللة بن محمد يختار لنفسه راية خضراء ، كتب عليها الآيات: " إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون" . إستخدم الرجل نفس البضاعة
لقد جعل الحرب في سبيل الحرية , حرباً من المؤمنين ضد المشركين , كما هو موضوع الآيات , لقد جعل حربه حقاً يقف الله بجانبه ضد الخلافة ونظامها كله ، أصبحت هي الباطل.
يلفت النظر أيضاً وفاء صاحب الزنج لاتباعه بما كان يعد ، وبر لهم دوماً بما وعد ، قام يطبق علي السادة الذين اصبحوا عبيداً شريعة العرب , فكان يجلدهم بالسياط ، ويوزع علي اتباعه أنصبة من فيء غاراتهم علي السفن والقري كزمن الغزوات المحمـدية وغزوات الفتوحات ، سواء كانت الأنصبة منافع مادية أو بشراً من أطفال ونساء السادة المترفين .. فأنفذ في العرب شريعتهم ، لكنه ارتقي عنهم درجة عندما ساوي بين البيض الأحرار وبين الزنوج وآخي بينهم كالمؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار إبان النبوة
كان تطبيق شريعة العرب علي العرب مأتماً عربياً عظيماً ، آلم العرب وأوجع أكبادهم في كل بقاع الخلافة التي اهتزت لاغتصاب النساء العربيات الماجدات من قبل العبيد السود وبيعهن في الاسواق . آلمتهم شريعتهم عندما طبقت عليهم ، فقاموا يبعثون للخليفة بالدعم المادي والعسكري للقضاء علي ثورة الزنج , وكان هذا تحديداً هو السبب الحقيقي في كسر ثورة الزنج.
وكان للمشايخ والفقهاء أيضاً دورهم الكبير في هجـاء و سـب و تخوين و تكفير و تأثيم تلك الثورة ، فكفروا صاحب الزنج ومن معه ، رغم أنه كان يطبق شريعة الإسلام تماماً ، ولو راجعنا كل أفعاله و أقواله لوجدناه رجلا مسلما مائة بالمائة ، فقد جلدهم بالشرع كما كانوا يجلدون الناس ، وركب هو ورجاله نساء السادة العرب المهزومين , وأسروا أطفالهم ونهبوا أموالهم , فأين الكفر فيما فعل صاحب الزنج؟
ان الكفر الواضح أنه لم يفهم أن تلك قوانين مقدسة يطبقها العرب علي غير العرب فقط ، هي قوانين تستثني واضعي القانون من القانون
لقد أدرك عبد الله بن محمد خلل نظام الخلافة المقدسة وحلفها المشيخي , لكنه لم يستطع أن يجد أمامه بديلاً يعرفه ويفهمه لثقافته الإسلامية التي لم يعرف سواها ، فطبق شريعته بإخلاص ، فأذاق العرب مرارة الكأس الذي أذاقوه لمختلف الشعوب فاستمر الظلم رغم تبدل الشخوص .. فعندما انتصر الزنج ظل الظلم هو صاحب السلطة ، لذلك عاد الزنج مع هزيمتهم النهائية أمام جيوشالخليفة عبيداً مرة أخري ، لأنهم لم يكونوا مؤهلين لاستبدال تلك الثقافة بثقافة أكثر نضوجاً تقدس الحرية والكرامة والانسانية والعدل والمساواة لكل البشر.
لقد كانت القاعدة ظالمة فاسدة ، قاعدة شرعية أسبغوا عليها قداسة ، تقطع الطريق على كل من ابتغى المناقشة و تكـفر من رفض الظلم .
#أمجد_المصرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟