|
34. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6118 - 2019 / 1 / 18 - 15:56
المحور:
الادب والفن
34. ديوان: "ما لم تبُحْ به مريم لأحدٍ ويليه متون سيّدة: يتضمّن خصوصيّة وتجلِّيات رهيفة، كيف تنامَت عندك فكرة كتابة هذا الدِّيوان بكلّ تفرُّعاته السَّامقة؟
د. أسماء غريب
أهُوَ نوع من الرّقابة العليا هذا الَّذي أنا بصدد ممارسته على نفسي حينما أسألها عن سببِ هذا الدِّيوان الجديد وفحواه؟ ربّما يكون الأمرُ كذلك، إلّا أنّني لا أعرفُ إلى أيّ مدى يحقُّ للمُبدعِ عموماً طرح سؤال الإبداع هذا، فهُو غالباً ما يكونُ سؤالاً مُحرجاً لأنّهُ يغوصُ بعينه المجهريّة في بحارِ الذَّات الإبداعيّة ليُخرجَ مكنوناتِها العميقة ويجعلَها تطفُو بكلّ يُسرٍ وعفويَّةٍ أمام أعين القرّاء، ولأنّهُ أيضاً سؤالٌ وجوديّ وثبوتيّ لهُ علاقة قويّة بهويّة الإنسان ورسالتهِ العظمى في هذه الحياة. لا سيّما وأنّ كلّ مبدع وإن كان يتظاهرُ بتجاهل مسألة التَّأويل لدى القارئ وأبعادِها الإبستمولوجيّة، إلّا أنّه تبقى بداخلهِ تئنُّ خجولةً تلك الرّغبة الدّفينة في أن يُوفَّقَ المُتلقّي إلى المعنى الحقيقيّ لما يكتبُهُ، أو يرسمُهُ أو يعزفهُ، أو يغنِّيه، إلى غير ذلك منْ مظاهر الإبداع الإنساني. حينما بدأتُ في كتابة هذا العمل الإبداعيّ الجديد، لمْ أكُ بعدُ قد تخلّصتُ من تأثير (99 قصيدةً عنكَ)، إلّا أنّني شعرتُ بحاجة جديدة تجديديّة في التَّحرّرِ منْ كليشيهات التّجنيس الأدبيّ، ذلك أنّ ما أنا بصددهِ اليوم تجربةٌ أخرى، ليستْ بكلام مُقفّى، ولا بشعر عمودي، ولا هي بشعر نثري، ولا بنصوص سرديّة كاملة، وإنّما هي مزيج من هذا وذاك، فحقّ عليّ إذن أنْ أصهر لهَا في بوتقةِ الكلمات عنواناً يليقُ بها، ويتحدّثُ لغتَها الكونيّة الّتي لا علاقة لها بالتّجنيس والتّمفصلات الأدبيّة والسّياسيّة والطّائفيّة وغيرها من هاته المتاهات الّتي لها فعلُ السّوسِ في جسد الحرف، ما إن تقترب منهُ حتّى تجعلهُ مهترئاً لا شيء فيه سوى شبحِ الخواء وغبارِ البارود، خاصّةً وأنّنا اليوم نعيشُ في زمن الفراغ الدّاخلي والباعة المتجوِّلين بالكلماتِ في أسواق الفساد وصناعة الخراب، وفي زمنٍ انقلبت فيه الأعمدة وانهدمتِ البيوت، وأحرقتِ المُدُنُ والمزارعُ، وتسوّس القمحُ وحَمُضَ الخبزُ وتعفّن. أيْ في زمن اختفى فيهِ المعلّمون وتمّ التَّعتيمُ على الكلمة الرُّوحيّة. لذا، كان لزاماً عليّ أن أجعل عنوانَ الدّيوان دالّاً على هذه الرّغبة في عزفِ أنشودةٍ تعيد لهذه الكلمةِ نورَها وبهاءَها؛ حينئذ جلستُ في ركن بعيد من مكتبي، أعيدُ قراءة نصوصيَ المكتوبة فقلتُ: [ستكونُ الصّدّيقة مريم (ع) هي أيقونة هذا الدِّيوان]، وعليهِ اخترتُ العنوانَ التالي: «مالمْ تبُحْ بهِ مريمُ لأحدٍ، ويليه مُتون سيّدة»، انطلاقاً من أنّ العديد من النُّصوص أتحدثُ فيها عن السّيدة مريم عليها السَّلام، وباعتبار أنَّ جملة العنوان الأولى قد تكرَّرتْ في أكثر من نصّ شعري وآخر نثري. لكنّ دوام الحال منَ المُحال، فقد ظلّتِ القصائدُ الأخرى وهي في طريقها للهطول على قلبي تشتغلُ بداخلي على مهل، إلى أنْ حدث ذاتَ فجر من شهر أيار لسنة 2014 ما قلبَ كلَّ الموازين لديّ، فقررتُ أنْ أجعل منْ صاحبتي في المحبة والعشق سيّدة عيسى الرّدِيف، قصيدة القصائد في هذا الدِّيوان، وأنْ أهدي كلّ نصوصهِ لروحها الطَّاهرة. وأعتقدُ أنّني هنا بحاجة إلى طرح سؤال ثالثٍ، قد يكون له هو الآخر صفة الرّقابة الذّاتيّة على تفاصيل ميلاد الحرفِ الإبداعي عندي، وعليهِ، فإني أقولُ، ـــ وأعلم أن القارئ قد سبقني للقول ذاته بلحظات ما إن قرأ كلمات الإهداء التي بها افتتحتُ هذا العمل الجديد ــ : [لماذا سيّدة، ومنْ تكون حقيقة؟]! سيّدة أو الخالة سيّدة كما كانتْ تحبُّ نساء ديريك أنْ تناديها، هي الأمّ الطّاهرة الصّالحة التي علّمتني كيفَ أطرحُ بعمقٍ إشكاليّة علاقة الموتِ بالإبداع، أو علاقة قيامة الأجسادِ بالحرف، وأعني هُنا بمصطلح القيامة، عودةُ الإنسان إلى الانوجادِ بعدَ تحقُّقِ الفناء. أجل، فوحده الإبداع في كلّ مجالات الحياة قيامةُ الإنسان من موت النّفس والروح، ووحدهُ حرفُ الكتابة كانَ يقول لي وصاحبتي سيّدة إلى جانبي: «لا تخفْ أيّهَا القطيع الصّغيرُ، لأنّ أباكم قد سرَّ أنْ يعطيكُمُ الملكوت»، ووحده جلوسي أمام الحاسوب لكتابة هذا العملِ الجديد كانَ يحملُنِي إلى الأبديّة. كمْ منْ مُبْدعِي الحرفِ الأكبر يتأمّلُونَ حقيقةً في وضعية الجُلوس هذه أمام الحاسوب، أو إلى طاولة أخرى والقلم بين أيديهم يسكبون منه عصارة الرُّوح والفكر؟ ربّما هُم قلّة، والأقلُّ بل الأندرُ منهُم أولئكَ الّذين يرونَ الكتابةَ صلاة. نعم أحبّتي، فصلاتي هذه، هي الّتي كانتْ تجعلُ سيّدةَ تطيرُ على جناح السّلامِ من ديريك إلى صقلية حاملةً لي بين يديها إكليلَ المحبّة. وإنِّي لأجدُ في هذا القول اعترافاً صارخاً مدوّياً لكلِّ المبدعين المكلَّلين بتاج النُّور، لأنّهُ سيكشفُ لهُم أنْ لا أحدَ منهُم يستطيع أنْ يعيش بدون كلمة مكتوبة. وأنا أيضاً مثلهُم، ذلكَ أنَّ الأمر فيه تجربةُ مَنْ سبقَنِي ممَّن أقامهُمُ اللهُ ونصّبهُم في الحياة ليكونوا مُرشدين ومعلّمين مُمسكين بقنديل الحرفِ وسط ظلمة الدّرب والطّريق. وضعي وأنا جالسة كُلَّ فجر على كرسي الكتابة، هو اشتياق روحيّ عميق للأبدية، عبر الانعزال حيثُ الهدوء والسَّكينة وحياة التَّأمّل والإنصات والاِستماع. إنَّهُ نوع من الخضوع والخشوع، لأنّي أخلو فيه بحبيبي، الَّذي علّمني أنّ الكلمةَ وحيٌ فصلٌ وما هو بالهزل، وبأنَّ منْ يعرفُ اللهَ يجلسُ ليقرأَ، ومنْ يقرأُ يجلسُ ليكتبَ، لذا فإن وضعيّة الجلوس هذه مهمّة للغاية لمنْ يعرفُ ما معنى أنْ يقتلعَ الإنسانُ نفسَهُ من زحمة الحياة ويسافرُ بها بعيداً إلى فيافي الفكر حيثُ شمسُ الحرف والكلمة تذيب كلّ ما علقَ بالنّفس من جليد الزّمن. لأنّ معركةَ الإنسانِ الحقّة كانتْ ولمْ تزل معركةَ فكرٍ، وليستْ كمَا يحاولُ الغيرُ إظهارَها حرباً على مصادر الطّاقة أو غيرها من خيرات هذه الأرض. وعليه فإنّ الإنسانَ مدعو الآن وأكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى أن يحملَ الكونَ كلّه في كيانه، ويضعَ الخليقة بأكملها في وعيه ويحيطَها بمحبّتهِ وعشقهِ حتّى يُقدِّمَ بها صلاة شُكرهِ الخاصّة لله، ويُحدّدَ بكُلّ ما رُزقَ مِنْ فِكرٍ اسْمَ كلِّ مخلوقٍ حيٍّ، لأنَّ حروبَ اليوم هي حروبٌ على كلِّ الأسماءِ الَّتي علّمَهَا الخالقُ لآدم، والعدوُّ مُصرٌّ على محو أثرِ الخالق والخَلْقِ وبصمتِه في الكون، أيْ على محو الإنسان، لأنّهُ كائنٌ يحيا بنسمةٍ مُنبَعثةٍ مِنْ ربِّ العزّة والجلال، بها ينمُو ويحْمِي نفسَهُ منْ أنْ تلتصقَ بالوَحَلِ، ولأنّهُ صورةُ الحقّ في الكون التي بها يسكُنُ ويسيرُ معَنا وفينَا مصداقاً لقوله عزّ وجلّ ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (الحديد:04). وانطلاقاً منْ مفهوم الإقامةِ الإلهيّة في أجسادنا وأرواحنا، وفي كُلّ شيءٍ يحيطُ بنا ممّا نُدركُه ولا ندركُه قرّرْتُ أنْ أضيفَ إلى عنوان الدّيوان الأصليِّ إشارةً رقمية رياضية، هي 〖〗^57، وقدْ جسّدتُها منْ خلالِ لوْحَةِ الغلاف مُتفاديةً الخوضَ في شرحِ أسرارِ هذه الإضافة تاركةً أمرَ كشفِهَا لبصيرة القارئ النّافذة ولخبرةِ السّادَةِ النُّقّاد والبحّاثة في علوم الحرف والرِّياضيات، ومكتفيةً بالإشارة فقط إلى أنّني بهذا الرّقم شرحتُ مَنْ تكونُ حقّاً سيّدة، أو هويّةُ الحرفِ المُتجلّي عبْرَ وجههَا واسْمِهَا في جُلِّ نصوص هذا الدِّيوان، دونَ إغفالِ الإشارةِ كذلكَ إلى قضيّة الجمع بينَ الحرفِ العيسوي والمحمّدي لما لها مِنْ أهمّيَةٍ قصوى في حياة الإنسان اليوم على ضوء مُستجدّات العصر التَّاريخيّة والسّياسيّة، وذلك عبر سردِي للعديدِ من الأسماءِ والتّجارب الفكريّة المختلفة جامعةً بين قطبَي الأرض، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وشعراً ونثراً بلُغةٍ جديدة قديمة هي لغةُ الله الكونيّة، أو رياضياتُه الحقّ
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
[33]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[32. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[31]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[30]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[29]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[28]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[27]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[26]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[25]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[24]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[23]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[22]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[21]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[20]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[19]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
18. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ح
...
-
[18]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[17]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[16]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
-
[15]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب
...
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|