أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - الحُكّام يأكلون الحصرم














المزيد.....

الحُكّام يأكلون الحصرم


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6117 - 2019 / 1 / 17 - 11:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول أهل اللغة: الميم في كلمة حصرم زائدة مأخوذة من "الحصر" وهو العجز عن النطق. والحصير الملك سُمي بذلك لامتناعه عن الأعين. وعامة الخلق لا يرون رعاتهم، ملوكاً كانوا أو أُمراء أو سلاطين أو أباطرة أو رؤساء دول أو قادة أحزاب، فالراعي يحصر حاله ضمن نطاق ضيق، فيسمى حصيراً. قال تعالى: "وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً". وسميت جهنم حصيراً لمنعها من فيها من الخروج.
1
في العصر الحديث، نادراً ما يخرج الحاكم إلى الناس دون حرس وأمن، بل نراه محاصراً من كل جانب، وكأن بينه وبين الرعية ثأراً متروكاً. والسؤال ما الذي يمنع الحاكم من التحرك بحرية، بحيث ينزل إلى الشارع، ويقابل الناس، كيف نشأت هذه الجفوة بين الحاكم والمحكوم؟ وهل الحاكم المؤتمن على رقاب العباد يتصرف وفق أهواء السلطة، أم وفق مصالح الخلق الذين هو راعيهم والمسؤول أمامهم وأمام الله عن أحوالهم وأموالهم وأعراضهم وحياتهم؟
2
مع العلم بأن الحاكم يستمد سلطته من الجماهير الغفيرة التي يحكمها، وهو ملزم بتحقيق رغباتها لا رغباته، وهو المسؤول عن معيشة رعاياه. بل وأكثر من ذلك قد يُسمى حاكم البلاد أجيراً، فقد روى "هادي العلوي" في دراسة له عن أبي العلاء المعري، أن "أبا مسلم الخولاني" دخل على خليفة أموي، فخاطبه بعبارة أيها الأجير، ولما استنكرها الخليفة وضح له: "نعم أنت أجير، استأجرك رب هذا الأغنام لرعايتها". وإذا كان الحاكم أجيراً عند الناس فمن حقهم خلعه عندما يُخل بشروط العقد الذي أبرمه معهم. إن وجود فقراء الأرض هو بحد ذاته توبيخ من الله لأهل السلطة التي تجنح في طبعها نحو الاستبداد، ويكون عبد الرحمن الكواكبي محقاً في تسمية كتابه "طبائع الاستبداد". وقد أكد سقراط في معرض رده على أفلاطون: "إن أي رجل دولة مسؤول يستوجب القصاص منه والحكم عليه بالفعل؛ لأنه ترك القطيع البشري الذي يرعاه أكثر شراسة مما كان عليه حين تولى أمره".
3
هناك قاعدة فكرية خطيرة ترجع إلى كونفشيوس وتوسع فيها أهل الفكر في الحضارة الإسلامية تقول: "إن أخلاق الناس تتبع سلوك الحاكم، فإن كان عادلاً مستقيماً عدلوا واستقاموا وإن جار وسرق، جاروا وسرقوا". يقول أبو سليمان البُستي في كتاب "العزلة" إن سبب فساد الحاكم هو غياب النقد وما يلقاه من المدح والتملق من الحاشية والأدباء. وتحدث الماوردي في "نصيحة الملوك" وهذا الكتاب لا يزال مخطوطاً توجد منه نسخة وحيدة في المكتبة الوطنية في باريس. قرأه المفكر العراقي الماركسي هادي العلوي فقال: يقع الكتاب في 98 ورقة مكتوبة بخط جيد يرجع تاريخ نسخه إلى عام 1007 هجرية. وفيه يتحدث عن أسباب سقوط الحكام فأرجعها إلى سببين كبيرين هما الحكم الوراثي وغياب المعارضة. الأول لأنه يعطي السلطة للوريث دون النظر إلى مؤهلاته فينتج عنه ظهور حكام ضعفاء عديمي الكفاءة فيعجزون عن إدامة سير الدولة في طريق الازدهار فيقع الضعف والانحلال في أوصالها. أما المعارضة فغيابها يترك الحاكم يتمادى في فرديته فتتراكم أخطاؤه إذ لا يجد من يكشفها له بل إن المداحين من الحاشية والأدباء يطوقونه بهالات التبجيل والحكمة والعصمة فيصدق هو فيصبح خطؤه مأثرة وخطيئته إحساناً ولصوصيته إيثاراً واستبداده رحمة. وحسب الماوردي فالحاكم يقع فريسة أخطائه وأهوائه التي تتفاقم فتضع دولته على حافة الانهيار.
4
يرى هادي العلوي أن سر الأسرار في السياسة العرجاء للحاكم يكمن في انه يريد التفكير والعمل نيابة عن جميع الخلق. وما أن يقعد ذلك الحصير في القصر الجمهوري حتى يكتسب صفات القدسية ويتحرك على قاعدة "كن فيكون" ويمكن التوصل من الاستقراء الميداني لتجارب الحكّام أن القصور العقلي ملازماً لهم. وأن ما يُصيب للبلاد والعباد من كوارث هو في بعض أسبابه من نواتج هذا القصور العقلي للحكّام, فإن الفعل الكارثي للسلطة يأتي في المقام الأول من نذالة حُكّامها ولصوصيتهم وانحرافهم الأخلاقي وخساسة رغباتهم, وبالجملة من صغر نفوسهم.
5
ولكن يا هادي ما تفسير ذلك؟
عندي أن نفس الحاكم يجتمع فيها من الشر ما "تفرق" في نفوس الأفراد وتفسيره أن وجوده في السلطة يجعله قادراً على استيفاء صفات الشر والفساد بسبب زوال الرادع الذي يجعل الفرد العادي يخاف من التهمة والحساب إذا اجتمعت فيه هذه الصفات. وخوف الفرد العادي يكون من الناس والسلطة القضائية, والحاكم لا يخاف منهما. ومن المعتاد ان يتصرف الحاكم بوصفه قوة ردع ضد المخالفات القانونية والأخلاقية مما يتيح له الانفراد بالشر والعدوان لكونه آمراً لا مأموراً.
6
تدل التجارب على أن هذه الصفة مرافقة للحاكم العسكري بشكل دائم. ومن ينظر في تكوين شخصية ذلك الحصير في القصر الجمهوري ويسبر أغوار هذه النفس الآثمة يجد خواء يسده البطش. فقيرة وصغيرة هي نفس الحاكم التي تبطش بالبلاد والعباد بطش الصبيان. فقيرة يا هادي هي تلك النفوس التي لا تُخفف الوطء لأنها لا تدري أن أديم الأرض من هذه الأجساد.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثية الكلاب
- علي الشوك وداعاً ... هل كتبتَ روايتكَ الأخيرة؟
- الفلسفة في جذورها اللغوية
- أُفّ من الحُكّام
- أنا لا آكل أحداً
- المعرّي فيلسوفاً
- قضيَّة المرأة الساكتة
- من هي السيدة ديمقراطية؟
- شيوعيون في المساجد
- أنا أحبُّ سقراط
- حاشية من تاريخ مصر الحديث
- أفسحوا الطريق
- إذا قطعتم أصابع كفي سأرسم بأصابع قدمي
- سنة الشاعر الفلسطيني معين بسيسو في العراق
- ثمن السُّكر الذي تأكلون
- هل فكرة الاشتراكية ما زالت خياراً اجتماعياً صائباً؟
- يُلكم المُدير الياباني كلّ صباح
- على هامش كتاب-حِكَم النَّبيّ مُحمَّد- للأديب الروسي الكبير ل ...
- فولتير و جرس الإنذار
- ثورة الملح


المزيد.....




- -حزب الله- يصدر بيانا عن حصيلة لقتلى ومصابي الجيش الإسرائيلي ...
- انفجارات ضخمة في بيروت بعد صدور أمر إخلاء من قبل الجيش الإسر ...
- طائرة عسكرية تعيد 97 شخصًا من لبنان إلى كوريا الجنوبية
- أوكرانيا تُسقط طائرة حربية وروسيا تدعي سيطرتها على قرية في م ...
- مواجهات عنيفة في وسط الهند: مقتل 31 مسلحا ماويا في اشتباكات ...
- فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص ...
- ترامب يعود إلى بنسلفانيا حيث تعرض لأول محاولة اغتيال
- غارات إسرائيلية على منطقة القصير بريف حمص عند الحدود السورية ...
- عشرات القتلى والجرحى وقصف غير مسبوق.. تحديث الوضع الميداني ف ...
- كاميرا RT ترصد معاناة ذوي الإعاقة داخل خيام النزوح والمستشفي ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - الحُكّام يأكلون الحصرم