عبد القادر البصري
الحوار المتمدن-العدد: 6111 - 2019 / 1 / 11 - 00:30
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
صمت
خلف النافذة الوحيدة ، بدا أنفه الأفطس الكبير ، ملتصقاً بالزجاج البارد ،مفروشاً بلا انسجام على مساحةٍ لانهائية..أسراب ُ الطيور المهاجرة ، لاتفقه لماذا يحدقُ بها ، انه يرى في الأفق ، خيطاً اسوداً، كالسهم يتحرك من الشمال الى الجنوب..كان الشتاء سخياً ببرده ، وهو الذي أدمن البرد حتى في الصيف ،.. الطيور من الشمال الى الجنوب ،هو من الجنوب الى الشمال ، لايكف التحديق في كل أشكال الطيور ، النساء ايضاً كالطيور ، طيور بلا أجنحة ،طيور بضة ،بأفخاذ وسيقان وأذرع لدنة ، لكن جمالها يطير العقل،
هل العقل طائر ؟
انسحب الى داخل نفسه ..
قالت : هل لازلت على رأيك ؟
دون أن يتكلم قاطعت صمته الثقيل .. نعم فأنت عنيد ،واستمرت تصب على نار صمته ،زيت غضبها ، فإزداد صمتاً وازدادت ثرثرةً.. بغتةً وقف دون ان ينظر اليها ، ذهب الى حيث البراد وأخرج ،زجاجةً. وثمرة لايتذكر ان كانت تفاحةً ام طماطم ، سكب بعضاً من السائل الزجاجي في كأسٍ لاتزال بقايا شاي قديم تحتل قعرها ،..سكب محتويات الكأس بسرعة في فتحةٍ تبدو كمغارة لامتناهية العمق ،وقضم قليلاً من الثمرة .
أرجوك قل لي بصراحة ، ماهذا الذي تفعله بنفسك .. أتنوي الانتحار..كانت عيناه مغمضتين ، ووجهة متقلصاً وكأن قوة ضاغطة اختصرت هذا الوجه الى الربع ،.. لم يخرج الى ساحة الكلام ،إعتصم مجدداً بصمته المُعَذِب..
هذا حظي ، وبدأت ملحمة جديدة من الغضب والبكاء ،.. كانت كل مرة تبكي فيها ، تحصد حقلاً من عواطفه ،لكنها هذه المرة لم تجد في الحقل شيئاً ،.
ارتفعت يده ثانية بالكأس ،وأفرغت محتوياتها في الفم المفتوح دون إشتهاء.. تلظت ثمة أضلاع ، وانكوت بعض خلايا في صدره ، وانكتم صوت يتيم في تلك المغارة .
إرتدت معطفها المطري ، وصفقت الباب بقوة حين خرجت ،كان المطر غزيراً ،كأن الغيوم كتل كبيرة من الإسفنج المشبع بالماء ، وإله المطر يعصرها طيلة الوقت .. الإحساس بالخدر بدأ سريعاً، وحركة النقل بين القنينة وفمه ا زدادت سرعة..
أمضى لحظات يفكر بقول كلمة او كتابة كلمة ، لكن ماذا يقول أويكتب ..
جلس في الشرفة ، يرنو اليها وهي تسير بخطوات مثقلة ، منكسرة ..
كان في هذه اللحظة. يرى العالم للمرة الاخيرة ! .
عبد القادر البصري
سلكابورغ 20/8/1992
#عبد_القادر_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟