|
الشاعر الصينيّ لي پاو : عشرُ قصائد
عمّار المطّلبي
الحوار المتمدن-العدد: 6111 - 2019 / 1 / 11 - 00:30
المحور:
الادب والفن
الشاعر الصينيّ لي پاو : عشرُ قصائد ترجمة : عمّار المطّلبي __________________________
تشوانغ زِي و الفراشة * ................................ تشوانغ زِي صار فراشةً في الحلم و في اليقظة صارت الفراشةُ تشوانغ زِي مَنْ كان الحقيقيّ - الرجل أم الفراشة ؟ مَنْ يستطيعُ أنْ يُحيطَ بدوّامةِ ذلكَ العدد الذي لا يُحصى من المخلوقات في الجسدِ الواحد ؟ لا عجبَ إذاً أنَّ البحارَ السحريّةَ تنكمشُ ثانيةً إلى جداولَ منْ بلّور عندَ بوّابة ( تشانغ أن) الخضراء البستانيّ الذي يزرعُ البِطِّيخَ كان يوماً ما أمير ( التلّ الشرقيّ ) رتبٌ كثيرةٌ غابتْ و ثروات تعرفُ ذلك و مازلتَ تكدحُ و تكدح، منْ أجلِ ماذا يا تُرى ؟! ______________________________________
* شكوى المَراقي المُرصّعةِ بالجواهر* ................................................. سلالمُ الرّخام المُرصّعةُ باليَشم ** ما فتِئَتْ فوقها قطراتُ الندى البيض تكبرُ و تكبر حتّى أنَّ خُفّيَّ الحريريَّين قد نقعا، الليلَ كلّه، بالندى
و أنا أزحتُ الستارةَ البِلَّوريّةَ و طفقتُ أنظر لقمر الخريف كأنّه المرآة مُعلَّقاً في السّماء ! ................................................................................... * هذه القصيدة ترجمها الشاعر عزرا باوند، و هي شكوى لامرأة من نساء البلاط منْ حبيبٍ أخلف الموعد معها! ** اليشم: نوع من الأحجار الكريمة ___________________________________________
* المياهُ الخُضر ........................ قمرُ الخريف أضاء المياهَ الخُضرَ بصمت إلى بحيرة الجنوب يَجدِفْنَ في قاربٍ مضتِ الفتيات جميعاً كي يجمعنَ زنابقَ الماء أزهرَ اللوتس ساحراً شديد السِّحر أنّهُ هامساً بدا و بجَمالهِ الشّاحِب ملأَ قلوبَ الفتيات أسى ! _____________________________________
أغنية قمرِ الشِّعب المُحصَّن * ....................................... منْ جبلِ السّماء صعدَ القمر المضيء في ضباب غيمة و بحر لانهائي و الريح التي قطعتْ ألف ميل مافتِئتْ تضرب شرفات حصنِ اليَشم الصين أرسلتْ رجالها يزحفون إلى درب بيدنغ في حين كان الجنود التتار يرمون بأبصارِهِم إلى مياه الخليج الزرقاء و حيثُ لا معركة شهيرة واحدة وقعَتْ فإنها أعادتْ مقاتليها ثانيةً إستدارَ الجنودُ، ينظرون إلى الحدود و هم يُفكِّرون في الوطن، بأعينٍ طافحةٍ بالتوق و بإولئكَ الذين يتقلّبون هذه الليلة و يطلقون الآهات في الحجرات العليا منْ غير أنْ يجدوا إلى الرّاحةِ سبيلاً ! ____________________________________
* وحيداً أرشفُ النبيذ ! .............................. إلى حيثُ الزهور يمّمتُ وجهي مصطحباً إبريقَ النبيذ رفعتُ كأسيَ كي أغريَ القمر أنا و هو و ظلّي ثلاثةً نكون لكنَّ القمرَ لا يشرب و ظلّي يتبعني بصمت مع القمرِ و ظلّي، سأمكثُ سعيداً حتّى انتهاء الربيع يرقصُ القمرُ، حينَ أُغنّي و يرقصُ ظلّي أيضاً، حين أرقص نتقاسمُ مُتَعَ الحياةِ حينَ نصحوا كلٌّ يمضي في طريقهِ، ثمِلاً ! أصدقاء دائمون، وبرغم أنّا على وجوهنا نهيم فسنلتقي في درب التبانة مرّةً أخرى ! ________________________________________
* أفكار في ليلة هادئة ............................... عبر السّرير أراقبُ أشعّة القمر تصنعُ طريقاً شديد اللمعان، شديد البرودة، و شديد الوهن تتوهّجُ برهةً كأنّها الصّقيعُ على حافّةِ أحلامي رفعتُ رأسي القمر البهيّ ما أرى ثمّ خفضتهُ و غصتُ لأحلمَ بكِ يا أرض الآباء، بكِ ! __________________________________________
قصيدة تشانغ غان * ........................... لمْ يكَدْ شَعري يُغطّي جبهتي أقطفُ الأزهار كنتُ، لاهيةً عندَ الباب حينَ أتيتَ أنتَ، يا حبيبي، تخبُّ على حصانٍ منْ خشب الخيزران دائراً حولَ نفسِك، رامياً ثِمار الخوخِ الأخضر كنّا نعيشُ جيرانَ في زقاقٍ بِتشانغ كان كِلانا سعيداً كان، بَهِجَ الفؤاد
في الرّابعةَ عشرةَ، زوجَكَ صِرتُ شديدةَ الحياء أنّي ما كنتُ أجرؤُ على التبسُّم خافضة الرأسِ، أرمي ببصري إلى زاوية ظلماء و لا أرفعهُ و إنْ ناديتَني آلافَ المرّات لكنّي في الخامسة عشرةَ، حفَفْتُ حاجِبَيَّ و ضحِكتُ مُدركةً أنْ لا تُرابَ بقادرٍ أنْ يُغيِّبَ حبَّنا و أنّي حتّى الممات، سأنتظركَ في مكاني و أنّ اليأسَ لنْ يداخلني، و أنا أتطلّعُ منْ بُرجِ المراقبةِ الصّامتِ أبداً !
ثمَّ حدثَ أنّكَ مضيتَ في سفرٍ طويلٍ حين كنتُ أنا في السادسة عشرة منَ العُمر مضيتَ عبرَ خوانق تشوتانغ فوقَ الصّخورِ و المياه المدوّمة ثمَّ حلَّ الشّهرِ الخامس، فوقَ احتمالي ذلكَ كان و أصغيتُ علِّي أسمعُ القِرَدةَ في سمائكَ السامقةِ النّائية
آثارُ أقدامِكَ عند بابِ بيتنا، حيثُ رأيتُكَ و أنتَ ترحل قدْ خَفِيَتْ، كلُّ أثرٍ منها غابَ تحتَ الطحلبِ الأخضر خفِيَتْ تحتَ طحلُبٍ عصيٍّ، لكثرتهِ، على الزوال ثمَّ أضافتِ الريحُ المبكّرةُ للخريف مزيداً من الأوراق الذّاوية
و الآن، في الشّهرِ الثّامنِ على رحيلِكَ، فإنَّ فراشاتٍ صُفراً، مرفرفةً تحومُ، اثنتَينِ اثنتَين فوق حشائشِ حديقتِنا المواجهةِ للغرب و بسببِ ذلكَ كُلّهِ، فإنَّ قلبي سحقهُ الأسى و أخشى على وجنتَيَّ اللامعتَينِ أنْ تذبلا
آه، أخيراً، حينَ تؤؤبُ عبر مقاطعات پا الثلاث أرسِلْ لي رسالةً تستبِقُ عودتَك و سأُهرَعُ لألقاكَ، و لنْ أُلقي للمسافةِ بالاً سأقطعُ الطريقَ كلَّهُ إلى تشانغ فنغ شا !! ____________________________________________________
الحرب الطويلة * ......................... في العُدوة القصوى لسون غان اقتتلوا في العام الذي مضى هذه السنة، بجانب السلاسل العليا لجبال ليك يقتلونَ مايزالون .. يقتتلون ! .... سيوفهم و دروعهم غسلوا في الأمواج الباردة لبحرِ تياو شِيه خيولُهم، و قد سُرِّحت طليقةً ، فوق جبال تيان طفقتْ تبحثُ في الثلج الأبيض عنْ بقايا العشب طويلاً، طويلاً ظلّوا يقتتلون بعيداً عن الوطن عشرةَ آلاف ( لِي ) كاملة *
الدروعُ بلِيَتْ، و الجنود شاخُوا آه، يا للتتارِ المُولَعينَ بالحروب لهمُ القتلُ حراثة حراثةٌ، أوه منذُ الأزمان الغابرة، في حقولٍ من عظامٍ بيضٍ و رمالٍ صُفر !
كان عبثاً أنَّ إمبراطور الصّين بنى السّورَ العظيم رجاءَ أنْ يوصدَ البابَ في وجهِ الفيالقِ الضارية تلك و إذْ ينتصبُ السّورُ، هابطاً إلى حيثُ تحكمُ سلالةُ هان فإنّ مشاعل النيران تَضَرَّمُ ما تزال ! مافتِئتْ نيرانُ الأبراج تشتعلُ و الحربُ لمْ تهدأ قطّ !
يقاتل الجنود بأرض المعركة و منْ كُلّاب الموتِ يتدلّون حينَ يُصرَعون ! و خيولُهم الجريحةُ تصهلُ تفجُّعاً وتقذفُ رؤوسها باتّجاه السّماء المُقفِرَة نسورٌ جائعةٌ و غربانٌ بلونِ الرّماد تمزّقُ الأحشاء الطويلةَ للموتى و تطيرُ بها بعيداً مُعلّقةً إيّاها فوقَ أماليدِ إشجارٍ ميّتة !
آهٍ الجنود الذين قاتلوا طويلاَ صبغتْ دماؤهم أعشابَ الصّحراء أمّا القادةَ الذينَ ساقوهم إلى هنا فخرجوا من المعركة صفرَ اليدَين !! ....................................................... * لِي: وحدة قياس المسافة، تساوي ألف ميل _____________________________________________
* هو تشيه-تشانج ....................... حينَ التقينا أوّلَ مرّة في تشانغ آن دعاني بِ " الخالِد التائه " ثمَّ أنّهُ أحبّ ( طريق النسيان )* هو الآن تُرابٌ تحتَ أشجار الصنوبر ! بِتَذكارهِ الذهبيّ يُحضَرُ لنا النبيذ متذكِّراً إيّاه على خدَيّ جَرَتْ دموعي ! ..................................... * يعني طريق الموت. _____________________________________________
* القمر .................... حين كنتُ صبيّاً ما أزال كان القمرُ لي، صحناً أبيضَ كبيراً منَ اليشم ! أحياناً يبدو مثلَ مرآةٍ كبيرةٍ مُعلّقةٍ في السّماء ! في البدء، ساقا جنيّةٍ لاحا و شجرة القرفة ! لكنْ لِمَنْ كانَ الأرنبُ يطحَنُ أعشاباً طبّيةً، ذلكَ ما استطعتُ أنْ أحزرَه الآن و قد ابتلع القمرَ العُلجوم* و الضياء قد خفقَ ثمّ خبا، و ساد الظّلام يُقال أنّ تسعة من الشموس العشرة المتوهّجة قدْ صدر لها أمرٌ بأنْ تهوي أمرها بذلكَ الإمبراطور ياو و منذ ذلك الحين، بات كلّ شيءٍ هادئاً و مسالماً للبشرِ و السّماء لكنّ قضمَ القمر هذا هو مشهدٌ قبيحٌ حقّاً أراه يملؤني بنُذُر شؤم فأتساءل عمّا سيحلّ ! ________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
شاعرٌ صينيّ من حقبة سلالة تانغ الحاكمة. يُحتَملُ أنّه وُلِدَ في أواسط آسيا، و نشأ في إقليم سجوان. غادر بيته سنة 725، مرتحلاً عبرَ وادي نهر يانغتسي. عيّنه الإمبراطور شِن زونغ سنة 742 في أكاديمية هانلِن، لكنّه سرعان ما طُرِدَ من البلاط. إنضمّ ، بعد ذلك، إلى بلاط أمير مقاطعة يون، الذي قاد تمرّداً ، فاعتُقِل الشاعر لي باو، بعد القضاء على التمرّد، ثمّ عُفِيَ عنه، لينطلق مسافراً متنقلاً في وادي يانغ تسو . تزوّج لي باو أربع مرّات، و كان شعره مرآةً لحياته، غنيّاً بالصور الشعريّة الآسرة و بالحسّ الإنسانيّ العميق. ألهمَ شعرُهُ عدداً منْ أبرز شعراء القرن العشرين، كالشاعر إزرا باوند، و جيمس رايت. ......... قادتني إلى هذا الشّاعر الرائع ترجمةُ إزرا باوند للقصيدة التي حملتْ عنوان ( قصيدة تشانغ غان )، لكنّ باوند ترجمها مختصرة، و الاختصار يضرّ دوماً بالشِّعر .. تلك القصيدة كانتْ مذهلة في تصويرها الانتظار العقيم، و العمر الذي يمضي، و الشباب الذي يذوي في ترقّب أملٍ يخفق ، مثل ضوء شمعةٍ واهنٍ، في ظُلمة اليأس ! ترجمتُ أيضاً القصيدة القصيرة ( شكوى المراقي ) التي ترجمها باوند، مع اختلاف بسيط، و هي قصيدة مذهلة تدور حول الانتظار أيضاً، و الخيبة ، قصيدة أنيقة توحي من غير أنْ تُصرِّح، و تُضمرُ أكثر ممّا تقول! منْ بين القصائد الرّائعة، قصيدتهُ المعنونة ( الحرب الطويلة )، تلك الملحمة التي حشد فيها مشاهد القتل و العذاب، على نحو يدفعكَ للتأمّل في هذا التوحّش الإنسانيّ الذي لا يهدأ و لا يستكين .. ليس سوى صور الخيول الجريحة و العشب القليل في أرضٍ غطّاها الثلج، و صبغتها الدّماء، و ليس سوى خفق المشاعل في ظلمة الليل ! ذكّرني هذا الشاعر بأبي نؤاس في لهوه و خمرياته، و بالمتنبي في ترحاله و حكمته .. و لا عجب، فالإنسان واحد، مهما بعدت الأوطان، و تباينت الثقافات ..
#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدتان لخورخي لويس بورخيس
-
لي منَ الأرواحِ ما لا أعرف !
-
گصبه ابمهبْ ريحْ !
-
جوادٌّ دُكْن !
-
إبَّغدادْ عيب اندل حرِثتَه !!*
-
عليّ
-
الإيقاع الدّاخلي في القرآن (1)
-
القصر
-
بليخانوف
-
برزخ أحمد صبحي منصور ! ( 2)
-
برزخ أحمد صبحي منصور ! (1)
-
بئرُ الفراق !!
-
أَمُدُّ يَداً مِنْ وراءِ الحُجُبْ !
-
البرقيّة
-
زينب
-
إلى شُويعرة !!
-
سَلُوا تِكريت
-
حين خرجتُ ذاتَ مساء للشاعر د. ه. أودن
-
أهلي تُفَجَّرُ منهم الأجسادُ !! ( قصيدة عتاب)
-
أكبر شارع في بغداد باسم طاغية و قاتل إمام !!
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|