|
غموض برنامج حكومة هنية في مواجهة وضوح خطة أولمرت
عامر راشد
الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 10:23
المحور:
القضية الفلسطينية
جاء برنامج حكومة السيد إسماعيل هنية امتدادا لما يسمى بـ (الغموض البناء)، وهو وصف أطلقه السيد إسماعيل هنية وبعض قيادات حماس على السياسة التي ستنتهجها حركة حماس في مواجهة الاستحقاقات الداخلية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية، التي ترتبت بعد فوزها في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية،ونيل حكومتها الثقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، وبعيداً عن دقة هذا الوصف الإشكالي، إلا أنه يعكس بشكل أو بآخر عمق المأزق الذي تعيشه حماس والحالة الفلسطينية ككل، لأنها لم تستخلص بعد الدروس والعبر من زلزال الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وأهمها أن غياب الحدود الدنيا من الشراكة السياسية والوحدة الوطنية على مدار الخمسة عشر عاما الأخيرة هو الخلل الرئيسي الذي عاشت وما تزال تعيشه الحالة الفلسطينية، وبأنه بسبب غياب رؤية وطنية موحدة لتصحيح هذا الخلل ظهرت وقائع ونتائج انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية وكأنها صراع على النظام السياسي الفلسطيني، وليس صراعاً موضوعياً بين قوى وتيارات النظام السياسي الفلسطيني ، بغية الوصول إلى برنامج قاسم وطني مشترك، وتكرس هذا في وصول المشاورات لتشكيل حكومة ائتلاف وطني إلى طريق مسدود، وهذا ما خلط الحابل بالنابل، ومرد ذلك إلى أن البعض يرون فيما أفرزته صناديق الانتخابات مبرراً وأرضية للمراوحة عند حدود برنامجهم الخاص، الذي يؤسس لصراع إقصائي يفضي إلى تفرد جديد يُدعى بأنه مسنود بإرادة شعبية، متناسين أن حركة فتح عندما استفردت بالسلطة ومارست سياسة إقصائية لم تتوقف للحظة عن الادعاء بأنها مسنودة بالإرادة الشعبية الفلسطينية، والريادية في انطلاق المقاومة المسلحة وممارستها، وكانت تحتكر كل مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، التشريعية والتنفيذية والخدمية، وتوظف لحسابها الخاص كل إمكانيات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، والعلاقات العربية والإقليمية والدولية الواسعة التي بنتها منظمة التحرير الائتلافية على مدار أربعين عاماً من الثورة والمقاومة، لكن كل هذا لم يشفع لها، ولم ينقذها من الخسارة، لأنها فرطت بالشراكة السياسية، وببرنامج الإجماع الوطني، ولم تحاسب الفاسدين، ولم تحافظ على مسافة كافية بين الأطر الفتحاوية والمؤسسات الوطنية . وبالعودة إلى ما يسميه السيد إسماعيل هنية بـسياسة (الغموض البناء) فإن هذا وصف لا ينطبق على مجموعة الإعلانات السياسية والتصريحات والمواقف غير الدقيقة الصادرة عن بعض قيادات حماس، م.وما تضمنه برنامج حكومة حماس، وعلى سبيل المثال لا الحصر جرى ويجري من قبل قياده حماس تشبيه خطة أولمرت للانسحاب الأحادي الجانب من الضفة الفلسطينية، بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وبأن هذا سيضاف إلى رصيد المقاومة المسلحة التي تصدرتها حماس، فالاجتزاء الوارد هنا لا يمكن أن يكون بناء، لأنه لا يلحظ الفارق الكبير بين الانسحاب من غزة، الذي شمل خروج كل قوات الاحتلال الإسرائيلي من كامل باطن غزة، وتدمير كل المستوطنات، ورحيل كل المستوطنين، وبين خطة أولمرت الهادفة إلى فرض حدود (دولة إسرائيل) بالأمر الواقع، ومن جانب واحد، بتنفيذ سلسلة من الخطوات أحادية الجانب تََضم من خلالها الكتل الاستيطانية الرئيسية، واستكمال بناء جدران الضم والفصل العنصرية، وفصل القدس عن باقي أراضي الضفة الفلسطينية وتهويدها بشكل كامل،ومواصلة احتلالها الكامل لـ (60%) من أراضي الضفة ليتواصل فيها الاستيطان، وتقسيم أراضي الضفة إلى مجموعة من المعازل المنفصلة، وتهويد منطقة غور الأردن، وبقاء سيطرة إسرائيل على المنافذ الحدودية ومصادر المياه، والتحكم بالاقتصاد الفلسطيني، وإرفاق كل هذا بخطة لتهويد منطقة الجليل، فالإسرائيليون لا يتحدثون عن ترسيم حدود مع دولة فلسطينية، بل عن ترسيم الحدود مع الفلسطينيين، بمعنى عزل المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية، وحسب ما نقلت صحيفة هآرتس(5/3/2006) عن ديختر الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي فإن (فك الارتباط) الثاني الذي سينفذه أولمرت سيكون وفقاً لنموذج (فك الارتباط)عن مستوطنات شمال الضفة الفلسطينية، التي أخليت ضمن خطة شارون للفصل الأحادي الجانب، وليس وفقاً (لفك الارتباط) الذي نفذ في غزة، أي أنها لن تنطوي على انسحاب كامل لقوات الاحتلال، بل على إعادة انتشار لهذه القوات، ولن يتم تفكيك كامل للمستوطنات، و السيطرة الأمنية ستبقى بيد إسرائيل، وسيتم تعزيز الكتل الاستيطانية الأربعة الرئيسية (معالية أدوميم شرق القدس، غوش عتصيون بين بيت لحم والخليل، أرائيل جنوب نابلس، مستوطنات غور الأردن)، بالإضافة إلى تعزيز ثلاث كتل الاستيطانية أصغر (كرني شومرون ـ كدوميم قرب نابلس، وعوفر وبيت إيل شمال رام الله، وكريات أربع في قلب الخليل والمستوطنات المحيطة بها) . أي تكريس الواقع الاستيطاني، وهذا بالضبط جوهر برنامج حزب كاديما وخطة أولمرت المشتقة منه. ويعزز ما سبق دراسة أجرتها شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي وجاء فيها( الحفاظ على الوضع القائم هو أمر غير مرغوب به، وسيلقى معارضة دولية، وأنه من الجهة الأخرى هناك احتمال ضئيل بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين) وخلصت هذه الدراسة إلى أن(خطوة أحادية الجانب ستخدم المصلحة الإسرائيلية بأفضل صورة، وأن فوز حماس يسمح بتنفيذ ذلك) . إن مواجهة الخطة الإسرائيلية التي ستأخذ طريقها إلى التنفيذ على الأرض بعد فوز حزب كاديما بالانتخابات الإسرائيلية،يتطلب إعادة بناء الوحدة الوطنية، ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على أسس ائتلافية تعددية ، وعلى أساس برنامج موحد وشفاف سياسياً وأمنياً واجتماعياً، وبإشتقاقات عملية وملموسة، حتى يتمكن الفلسطينيون من تقديم أنفسهم أمام العالم كحالة موحدة،وهذا شرط لازم لاستقطاب الدعم العربي والدولي، وتوظيفه في معركتهم من أجل كسر التفرد الأمريكي الموظف لصالح إسرائيل . بهذا يغلق الفلسطينيون الباب أمام الخطط الإسرائيلية أحادية الجانب، ومن أجل كل هذا فإن المطلوب الإقلاع عما يسمى بسياسة ( الغموض البناء)، لصالح سياسة مجمع عليها وطنياً، يبنى عليها خطاب فلسطيني واضح وشفاف ، فإسرائيل وحدها هي المستفيدة عملياً من الشعارات الغامضة والفضفاضة، وهي قادرة على أن تستغلها في تعبئة الرأي العام الإسرائيلي والدولي للتغطية والتعمية على تنفيذ خطواتها التوسعية، تحت شعار (لا شريك فلسطيني). على الفلسطينيين أن يعلو الصوت عالياً بأنهم مع قرارات الشرعية الدولية، وقبولهم بحل على أساسها يضمن حقوقهم المشروعة، وبأنهم شريك في أي عملية سياسية وتفاوضية تقوم على هذا الأساس . وبغير ذلك ستشق الاسطوانة الإسرائيلية ( لا يوجد شريك طريقه) مع ما تحمله من خسائر صافية للفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم الوطنية والمشروعة .
#عامر_راشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاركة الوطنية بين النضج السياسي والشعارات المتطرفة
-
الانتخابات الفلسطينية بين مطرقة البلطجة وسندان المال السياسي
-
الانتخابات الفلسطينية … حسابات وانقلابات
-
هل أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية -لزوم ما لا يلزم-
-
استطلاعات الرأي العام في المناطق الفلسطينية المحتلة
-
الاستيطان استثمار مربح تحت دعاوى توراتية زائفة
-
ثلاث حكايات من مخيم جنين
-
الإسلام والمسيحية: علاقة تلاق لا تنافر
-
نحو علاقة تفاعلية مع الغرب الخروج من عقدتي الاتهام والدونية
-
على ماذا يفاوضون ما الذي سـيتبقـى لنــا ... ؟
-
إسرائيل- من خلف الجدران على أبواب خريف الحركة الصهيونية
-
اتفاق سويسرا- تسويق البضاعة الفاسدة مرة أخرى
-
مشروع -إسرائيلي- مدمر
-
جدران العزل العنصرية -الإسرائيلية- تغيير الخارطة الجيوسياسية
...
-
عباس في واشنطن الزائر فلسطيني والحصاد -إسرائيلي
-
جولة بوش الإفريقية عين على النفط والأخرى على الانتخابات
-
أخلاق القوة الباغية
-
على أبواب جولة الحوار الفلسطيني الجديدة في القاهرة أسئلة يتو
...
-
خطة الطريق إلى أين ؟ هل سيدفع الفلسطينيون والعرب ثمن الإنجاز
...
-
معركة -انتصر- فيها الطرف الأضعف حكومة أبو مازن إلى أين...؟
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|