|
الطريق إلى الناصرية 3
طارق حربي
الحوار المتمدن-العدد: 6110 - 2019 / 1 / 10 - 09:41
المحور:
الادب والفن
ـ شارع النيل لم أصبر طويلاً في البيت فخرجت بعد العصر في جولة حرة في شارع النيل، وأول ماصدمت عينيّ فيه، قلائد الزبالة التي تتوج صدر الشارع في المدينة الغافية في حضن الفرات الناضب!، وإذا كنت فزعت من كثرة الأوساخ والقاذورات وانتشارها في كل مكان، فقد رجحت أن لم تعد تثير اهتمام الناس أهمية الحفاظ على النظافة والبيئة، إذا فشلت السياسة وشاع الفساد وشح الخبز واستشرى الفقر، وهرب الناس أفواجاً أفواجاً إلى خارج أسوار الوطن خوفاً من المجهول! لم تكن الناصرية ما قبل تسلط البعث بمثل هذا الحال المريع، كان جهد البلدية واضحاً، سواء في تنظيف الشوارع والساحات العامة أم العناية بالحدائق وغيرها، كانت الشوارع نظيفة بخطوط عبور السابلة والسيارات أقل عدداً وتلوث البيئة شبه معدوم، ويتذكر أبناء جيلنا أن في مديرية البلدية عنوان وظيفي يدعى (الجاووش) وأصل اللفظة تركي من بقايا الاحتلال العثماني للعراق، الأرجح أنه ألغي من النصاب منذ فترة طويلة، فلكل عدد من الأحياء السكنية (جاووش) يمر مرتدياً بدلة رسمية بأزرار لامعة وسدارة على البيوت وتسجيل الغرامات على المخالفين لشروط النظافة في المنطقة، لأن (شيف) رقي رمي هنا أو قشر موز هناك، كان الناس يرمون فضلات الطعام في الأماكن المخصصة من قبل البلدية لجمع النفايات، أما اليوم فيرميها الكثيرون بجانب الحاويات وأي مكان بلا ذوق!، من جهة ثانية ومهما عززت البلدية من جهودها فإن الفاسدين للتمويل بالمرصاد كل سنة، وليست وزارة البلديات في إطار الفساد الشامل، الذي شل عصب الحكومة المحلية فقصرت عن تقديم الخدمات، أكثر نزاهة من الوزارات الأخرى!
ولا شيء يقبض النفس مثل انتشار الأوساخ والقاذورات والسكراب في كل مكان بما في ذلك الأرصفة، التي هي أصلاً بلا ملامح جمال ونظافة وتنظيم، خالية من أشجار الزينة و أصص الزهور!، حيث رميت هنا وهناك أثاث منزلية ومكيفات هواء قديمة صدئة، ومبردات هواء وثلاجات وقطع غيار سيارات، هياكل صدئة لسيارات كبيرة وصغيرة، و(ستوتات) قديمة عاطلة صدئة، وأجهزة كهربائية عفا عليها الزمن عجبت لوجود أجهزة استنساخ بينها!، وهوادج طقوس عاشورائية غطاها الغبار حتى حال اسوداد لونها!
أما الطامة الكبرى فهي انتشار محلات بيع المواد الإنشائية بين البيوت محتلة الأرصفة ولا سيما في شارع عشرين وفروعه، وقد تكون سبباً للاصابة بأمراض الجهاز التنفسي للإنسان بما يتطاير منها من مواد البناء! *** شممت هواء الناصرية متغير الخواص، وكان مشبعاً بعوادم السيارات والغازات المنبعثة من منهولات الشوارع، وما ينبعث من تلال النفايات، مختلطاً بفساء خيول العربات المارة، وبقيا عهد الطاغية المريض وتغير النفوس!، فترحمتُ على النسائم العذرية في السبعينيات من القرن الماضي، حيثما حملت رسائل شوق طشرتها بين نوافذ العاشقات، اللواتي كن يحفظن عن ظهر قلب قصائد عمي الشاعر الشعبي زامل سعيد الفتاح الغزلية وبينها (هدني داده صخام وجهي/ الوادم تباوع علينه/ وذاك ابوي براس عكد الهوى يصنت حجينه/ خدي يفضحني بحمرته بهيده مصه ولاتكرصه/ خدي مايحمل الكرصه!) إلى آخر القصيدة. *** لم تروي ظمأي إلى مشاهدة المدينة جولة الصباح فخرجت قبيل المساء، إلى شارع النيل المؤدي إلى نهر الفرات حيث تقع مقهى الأدباء ولقاء الأصدقاء، وكيف لي بعدما أفردت أشواقي المجنحة لتطير بي في أرجاء المدينة المتناقضة العشوائية، أن أراها كلها في يوم واحد وترتاح نفسي؟!
تغيرت معالم شارع النيل الذي أصبح مع شارع الحبوبي قلب المدينة النابض بخفوت، بما انتشرت على ضفتيه من دكاكين ومحال تجارية خشبية و(جنابر) وعربات صغيرة حديدية، كانت تستخدم سابقاً في نقل مواد البناء مثل الجص والأسمنت والطابوق والحصى، وخشبية أكبر حجماً لنقل الفواكه والخضروات وغيرها، واختلط في الفوضى العارمة وانعدام الذوق محلات بيع ثياب نسائية مع محلات بيع خضروات مجاور!، ولحم مفروم في صواني مفتوحة للغبار مع محلات تصريف العملة!، ومحلات بيع الخردوات ومقهى تتصاعد منه أدخنة الفحم والناركيلة والسكائر وهكذا، ودلل باعة متجولون على بضاعتهم بأصوات عالية، تطور التدليل من الصياح إلى وضع مكبرات صوت صغيرة في واجهة محال بيع الثياب والكهربائيات، أو على (جنابر) بيع الخضروات والعربات الصغيرة لبيع الفاصولياء والعدس والليمون والموز وغيرها، فعلا الضجيج في كل أرجاء السوق وتضاعف الازعاج!، ولاحظنا أن معظم البضائع المستوردة تتراوح بين قوسي سوء النوعية ونفاد الصلاحية، مما تستورده من مناشىء رخيصة مافيات الأحزاب الدينية، في ظل انعدام الرقابة وموت الضمير! - كلشي داخل المحل بألف دينار! - معطرات شامبوات مزيل شعر صبغ أظافر بألف دينار! - باودر مسكارة مكياج بألف دينار! - دوه فار دوه صرصر دوه كمل دوه للبك دوه للدود بألف دينار! لعلعة مكبرات الصوت تسمع في كل مكان وتصم الأذان! *** امتزجت في شارع النيل الطويل نسبياً أصوات المتسوقين بزعيق السيارات والباعة بنواعي الشحاذين، ممن فتحت لهم الطائفية بعد التغيير أبواب الرزق فاقتعدوا أرصفة الشارع الفوضوي، يشحذون من المارة والمتسوقين وبينهم فقراء وحزانى ومن لا يجد قوتاً كافياً في بيته، بمكبرات صوت قديمة متصلة بصندوق بطاريات شاحنة يقرأون الأدعية واصفين مقاتل الأئمة، توشّي أصواتهم بحة الشجن الجنوبي الممتدة أغصاناً مثقلة بطيور البين والفراق والمآسي!، وبلا مبالاة يسير الناس فوق أكداس القمامة والنفايات، وقد أصبحت بمرور السنوات جزءً لايتجزأ من حياتهم اليومية، قناني مياه الشرب المستوردة من دول الجوار إلى بلد النهرين العظيمين وعلب العصائر وأغلفة البضائع، قشور موز وطماطم تالفة وباذنجان متعفن وخيار ذابل، أسماك تلبط في الطسوت والأحواض الصغيرة وبطونها بعد شقها بسكين حادة متناثرة حوالي الأحواض تصدر رائحة كريهة، ودجاج يذبح بالسكين أمام أطفال المتسوقين، وينزع ريشه بالدوران السريع لمكائن كهربائية تيبست على جانبيها الدماء، وجمعت هنا وهناك تلال من صناديق الطماطم والفواكه المستوردة من إيران وتركيا ومصر والأكوادور وغيرها، وانتشرت أسلاب مخلوطة ببقايا أعضاء دجاج مذبوح وريش ملوث بالدماء، وجلود حيوانات وصوف مخلوط بدمائها، وربما خرج مضمد محلي من هذا المحل أو تلك الصيدلية ليزيح كومة من الإبر المستخدمة الملوثة بدماء المرضى، وصدريات منقوعة بالدماء وكمامات وأكياس الماء المغذي، وهكذا اختلطت فضلات الإنسان بفضلات الحيوان!، في انتظار سيارة البلدية الاختصاصية التي لا تأتي إلا مرة واحدة ليلاً! *** في سوق الخضار بقيت بدون رقابة الجهات الصحية المختصة العربات الصغيرة المذكورة، محملة بأكياس الفاصوليا والبازلاء والعنب المجفف (الكشمش) والعدس والباقلاء لبيعها، وضع فوق المواد مكبر صوت صغير ينادي على المشترين بأزعج ما يكون!، وعربات خشبية أكبر منها ملئت بالفواكه والخضروات مع مكبر صوت أيضاً، وثمة العشرات من صناديق الفلين كبيرة وصغيرة وقذرة لحفظ الماء والعصائر باردة، وهل ينفع تبريدها بعد تعرضها للشمس وسوء التخزين ناهيك بانتهاء صلاحيتها؟!، زحام السيارات على أشده لكن يصل في المساء إلى ذروته، وفي مهرجان الزعيق المتواصل والفوضى اللانهائية يعجب الزائر لمدينته بعد غياب عقدين لوجود سيارات حديثة فاخرة الطراز لا تحمل الكثير منها أرقاماً، تسير ببطىء على النفايات فلا يقطع سيرها الوئيد إلا العابرون الكئيبون اللامبالون، حاملين أكياساً مملوءة بالمواد الغذائية لونها الأسود قابض النفس من تركة سنوات الحصار، دائخين يجتازون الشارع تعتمل في قلوبهم أوجاع ولا مكان للمسرات، يخيل إليّ أن كل فرد منهم يتمنى لو أن الانتعاش في الرواتب وازدهار الأسواق بالبضائع يستمر طويلاً، قبل أن يبدأ حصار جديد على البلاد!
لا يوجد في مدينة الغبار شيء إسمه متعة التسوق ولا يفرح الناس، فكل شيء ضدهم الأقدار والسياسة والمناخ والبيئة في حاضر بائس ومستقبل غامض، وكلما ضحكوا من القلب وخرجوا عن مألوف حزنهم الطويل كنخيل الجنوب، تداركوا ذلك بقولهم (ضحك خير يا علي بن أبي طالب!) إنهم لم يتعودوا على الفرح ويعيشوا مواسمه! *** إن روضة أطفال الناصرية الواقعة إلى الجهة اليمنى من شارع النيل، وكانت فيما مضى الوحيدة في المدينة ولها سيارة لنقل الأطفال في السبعينيات، من النوع الذي ينقل التلاميذ في الولايات المتحدة الأمريكية، وسائقها مطرب شعبي راحل أغلقت، فيما ملأت الجنابر والنفايات بابها الحديدي المقفل المندثر في ما تجمع من غبار!، وقبالتها حال لون السياج المتصل بمدرستيّ الهدى النموذجية والعدنانية للبنات، ونبتت على طوله دكاكين هجينة لبيع الثياب والأحذية ولوازم البيت وقمصان نوم نسائية ذات طراز قديم، حال لونها لكثرة تعليقها في موجات الغبار التي تثيرها مرور الآلاف من سيارات الأجرة إيرانية الصنع سيئة السمعة يومياً، اسطوانات التعزية في محلات بيع (السيدي) مما يضيف أجواء حزينة على الشارع، ويراكم أحزان المارة المتصلة من عاشوراء إلى عاشوراء!، إن عملية غسل الأدمغة التي يقوم بها محل التسجيلات الدينية الواقع مقابل الروضة، ما تعجز عنه فضائية طائفية بعد التغيير، من تأثير على عشرات الألوف من المارة والمتسوقين يومياً، لا بل إن تأثيره يمتد إلى الأحياء المجاورة للسوق والشارع، فمن مكبرات الصوت الكبيرة المثبتة في بابه تتعالى أصوات أناشيد دينية، تذكر على دار الفناء ودار البقاء والعمل الصالح ويوم الحساب وتحث على زيارة المقابر!، يظهر مراهق بدشداشة سوداء اللون على شاشة تلفزيون كبيرة سعة (50) بوصة، معلقة على واجهة المحل، منشداً في مقبرة النجف بصوت مكلوم لا يخلو من بحة الجنوب الشجية، لا يكاد يمر أحد في الشارع إلا وتطفر من عينه دمعة!، فالكل موجوع في الثكنة العسكرية التي يسمونها العراق، مثكول بفقد عزيز تتلجلج دموعه بين جفنيه فلا تحتاج إلا إلى سبب عاطفي لسكبها!، وأحد الأسباب كان في تكرار الأنشودة من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، ويقول البعض بأن ذلك مقصود!، لأن مالك المحل ينتمي إلى أحد الأحزاب الدينية النافذة في المدينة، ويعمل ضمن أجنداته على إماتة قلوب أهل الناصرية، ويحضهم على ترك الدنيا ويجهزهم ليوم القيامة!
مستوصف العيادة الخارجية المهدم منذ سنوات طويلة مقابل مدرسة الهدى بقي على حاله أنقاضاً مليئة بالنفايات والبراز، وغير بعيد عنه تقع مقهى النرجيلة حيث يتوزع على أرائكها الشباب العاطلون عن العمل، يسرحون مع الدخان ودوائره المكبلة للعقل والفعل، غير مبالين بشيء حولهم وهم يتصفحون الإنترنت في هواتفهم المحمولة!
ـ سوق هرج تواجدت أسواق هرج لبيع الأدوات المستعملة والقديمة في العراق منذ عشرات السنين، وغالباً ما يلجأ إليها المشترون من الفقراء والمسحوقين وذوي الدخل المحدود، ولا مؤشراً على عمق التخلف والأزمة المدينية وقلة الذوق وانتشار الفوضى العارمة، مثل سوق هرج كالح اللون، المشيد من الأعمدة والخيام المهلهلة والورق المقوى وصفائح (الجينكو) الصدىء، في قلب المدينة الذي كان نابضاً وأصبح يطرق خافتاً.
ويعتبر هذا السوق الذي تباع فيه الثياب والأفرشة والأدوات المنزلية والكهربائية المستعملة، المتصل بسوق بيع الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم، حيوياً لمئات الآلاف من سكان الناصرية، لكننا لم نقف على نظير له ولشكله المقرف حتى في الدول الفقيرة، التي زرناها مثل مصر والهند وتركيا والمغرب وتايلند وكمبوديا ولاوس وفيتنام وغيرها، ناهيك بالدول التي كانت تتلقى مساعدات من العراق خلال العهد البائد أو قل تستجدي منه!
ومثلما تضرم النيران في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، لا سيما في شُعب العقود لحرق المزور وتسجيل الحادث ضد فاعل مجهول، جاءت النيران عدة مرات على سوق هرج كله ليعاد بناؤه بعد فترة بنفس المواد آنفة الذكر!، ولم تكلف الحكومة المحلية الغارقة في الفساد حتى أذنيها، بناءه وتوزيع دكاكينه الجديدة على الباعة، وفوجئنا خلال الزيارة الثانية صيف 2015 بإنشاء جامع لصاحبه رجل دين نافذ في المدينة، ضخم شاهق البنيان نبتت على أركانه الأربع منائر عملاقة ورصف بالمرمر والموزائيك!، بما يشبه الكاتدرائيات في الغرب المسيحي!، كما غير شارع إبراهيم الخليل المار بالسوق، من معالم تلك الجهة من المدينة، وكان في الأصل شط (شطيط) الملىء بالمياه الآسنة والقاذورات، فطمر وعبد وشيد في منتصفه جسر حمل اسم الشارع، وتقاطع وقفت فيه دوريات شرطة لكنه لم يسلم من العمليات الإرهابية!
يرتفع الجامع الذي يتندر على فساد من شيده معظم سكان الناصرية، فوق سوقي هرج والخضار حتى ليبدوان في تناقض صارخ مع الجامع!، كأنهما من زمن مقطوع عن الحياة المتطورة، زمن لا علاقة له بالتوزيع العادل للدكاكين الحديثة وترقيمها وإخضاعها لشروط النظافة والصحة العامة، وإلى الغرب منه يقع أكبر كراج للنقل العام يوصل مركز المدينة بأطرافها البعيدة، ويبدو كذلك في تناقض صارخ مع الجامع، تدخل فيه وتخرج حافلات قديمة جداً صدئة ومكسرة، وكراسيها ممزقة خرجت أحشاؤها وبانت نوابضها!، يحشر الراكبون فيها حشراً بدون مراوح أو مكيفات في فصل الصيف اللاهب خاصة، ولو بيع الجامع وشريت بدلاً منه حافلات جديدة وسُقّفَ الكراج، لكان أثوب عند رب من استقطع من المال العام مليارات الدنانير لتشييد الجامع، حتى بدا قصراً منيفاً مزروعاً في قلب الأحياء الفقيرة!
امتداداً لسوق هرج تنتشر حوالي الكراج بالات بيع الثياب المستعملة والأفرشة، تجلس البائعات في التراب يفرشن بضاعتهن في التراب أيضاً، ويغطي الجميع بشراً وأفرشة وثياباً موجات من الغبار المتطاير وما تثيره السيارات والحافلات المارة في الشارع العام!
سوق يبيع فيه الأطفال المتسخون المتسربون من المدارس الماء وأكياس النايلون، والدجاج والسمك المجمد منتهي الصلاحية، واللحم المفروم في (صواني) مصنوعة من الألمنيوم قديمة وقذرة ومكشوفة للذباب والغبار، ويجمع فيه عمال البلدية مساء كل يوم تلال النفايات، يكومها أصحاب المحلات في بابه فتختلط بالمياه الآسنة تحتها قبل حملها إلى السيارة الاختصاصية!
ليس في شارع النيل حسب لكن أينما تولي وجهك في الناصرية ثمة أطفال بعمر الورد يبيعون أكياس النايلون، أو يدفعون العربات الصغيرة، ويتوسلون المتسوقين .. - حجي أوصلك للبيت إذا عندك غراض! في المركز التجاري في شارع الحبوبي في أسواق الفواكه والخضروات وصفاة بيع الأغنام والسوق العصري، في سومر والصالحية وسوق هرج والصدر والسيف وسوق سيد سعد وباب الشطرة وغيرها. بلغت نسبة عمالة الأطفال من الفئة العمرية (5-14) سنة في العراق، بحسب احصاءات وزارة التخطيط 4% في سنة 2003 ، وزادت إلى 8% في سنة 2009، لكن سجلت تراجعاً إلى ما يتراوح بين 6-7% في سنة 2013، وكان ترتيب محافظة ذي قار رابعاً بعد بغداد ونينوى والبصرة.
يأتي الأطفال من الناصرية ومناطق العشوائيات في ضواحيها، ومن مدنها القريبة والبعيدة الفضلية والسديناوية وسيد دخيل والإصلاح والغراف، يتوزعون على سوق العمل في مفارق الطرق وعددها ستة، والأسواق ومعامل الثلج وصناعة الأبواب والشبابيك وتصليح وسمكرة السيارات وغسلها وتشحيمها في الحي الصناعي، ومعامل العصير وملح الطعام وغيرها.
أطفال حيرهم بلدهم واختلط عليهم فهم العالم وما يحيط بهم من مآسي، فدخلوا إلى سوق العمل إما لتعلم مهنة أو بضغط من الأبوين، أو انعدام وجود معيل، أو لتوفير مصروف جيب لشراء الثياب والسجائر وربما المخدرات بالنسبة للبعض منهم، أو لفشلهم في الدراسة وما ينتج عن ذلك من تسرب من المدارس. *** سوق ما أن تضطرم النيران فيه، وتأتي على بسطياته العشوائية ودكاكينه المبنية من الورق المقوى والخيام المهلهلة، حتى ينهض ثانية من رماده، لما له من أهمية بالغة في حياة الفقراء المعتاشين على بيع وشراء البضائع المستعملة، وكان من المفروض أن يغادر العراقيون زمن (البالات)، والقدور المخسفة والثلاجات (المطعوجة)، والمفروشات التي فقدت ألوانها وأصابها المحل من كثرة الاستعمال، فتنتشلها أحياناً أيدي الفقراء حتى وهي الطريق إلى مناطق الطمر الصحي الواقعة في ظاهر المدينة، لتعيد صبغها وتعديلها ثم بيعها بثمن زهيد بما حملت من عفن، وربما تكون سبباً في عدد من الأمراض الجلدية أو التي تصيب الجهاز التنفسي!
أكاد أجزم أن سوق عكاظ في العصر الجاهلي أكثر نظافة وتنظيماُ من سوق هرج في الناصرية في سنة 2013!
ـ شارع الحبوبي هو الشارع الرئيس في مدينة الناصرية منذ تأسيسها، وكان أحياه الشعراء في قصائدهم والكتاب في كتبهم والرسامون في لوحاتهم والمطربون في أغانيهم، هو عصبها التجاري وشريانها الدافق بالناس والأحداث والفعاليات الاجتماعية والسياسية، وشهد عبر تأريخه دخول الجندرمة العثمانية لاعتقال المتمردين على السلطة العثمانية من عشائر المنتفق، ولعله أحد الأسباب التي جعلت الوالي العثماني مدحت باشا يطلب من المهندس البلجيكي تيلي، الذي استقدمه لرسم خريطة المدينة الجديدة الناصرية، أن تكون شوارعها الرئيسة والفرعية مستقيمة لتسهيل مرور الجندرمة وحركتها، كذلك شهد الشارع مرور فيصل الثاني بعد تتويجه ملكاً على العراق سنة 1953، صحبة خاله الوصي عبد الإله خلال زيارتهما إلى الناصرية، ومسيرات كشفية بنين وبنات ومعلمين ومعلمات مرتدين أحلى الحلل في المناسبات الوطنية لا الطائفية، فيما الأعلام العراقية ترفرف بين أيديهم لا أعلام الأحزاب الدينية الطائفية وهوياتها الفرعية، وذهاب التلاميذ والموظفين صباحاً إلى مدارسهم ووظائفهم وعودتهم ظهراً، والتظاهرات المؤيدة للعهد الفاشي، حيث يأمر الرفاق البعثيون المتمنطقون بالمسدسات بخروج طلبة المدارس والموظفين من مدارسهم ووظائفهم، في مسيرات طويلة حاشدة في مناسبات أعياد الحزب والثورة وعيد ميلاد المقبور، أو تأييداً لنظامه الوحشي في قضية ما تهم الأمة العربية لا العراق!، أو لمناهضة الفساد والمطالبة بتحسين الخدمات والقضاء على البطالة ورفض خصخصة الكهرباء وغيرها في العهد الجديد، كما شهد الشارع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تسيير حملات الحج، وكانت كرنفالاً رائعاً تتمظهر فيه الروح العراقية حباً وحناناً في وداع المسافرين، من الشارع أو من الأزقة المؤدية إليه إلى سوق الشيوخ أو إلى السماوة، ومن هناك تسلك الأرتال طريق الحج أو درب زبيدة زوج الخليفة هرون الرشيد، واستخدم بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق، وحتى قبيل الحرب العراقية الإيرانية المشؤومة كان الشارع يشهد بين وقت وآخر مسيرات عفوية لأعضاء منتخب الناصرية لكرة القدم، في اليوم الثاني على فوزهم في بطولة الجمهورية على الضيف الخصم من إحدى المحافظات، ففي كرنفال عفوي يتلقى أفراد المنتخب الأنيقون أجمل التهاني من عشاق الكرة في المدينة، مواكب الزفاف الطويلة تقطع الشارع في المقدمة منها سيارة العروسين مزينة بالورود والشرائط الملونة، فيما الموسيقى تصدح في الشارع المزدحم والأغاني الشعبية ـ لا تكول استهتار هذا طبعنه! ـ اليوم يومك يابطل العب على الجربايه! ـ عريس وربعه يزفونه! ـ جد ذراعه وعرس بيه انجب يا لشامت؟! *** وعلى سيد شباب أهل الجنة في موسم عاشوراء من كل عام قبلاً وبعداً، تتوقف الأعمال والمصالح والزمن، ويسود الشارع حزن عميم يشمل حتى الساكنين فيه من المسيحيين والصابئة، الأرجح حتى اليهود قبل تسفيرهم إلى اسرائيل من سنة 1948 حتى سنة 1952 في حملة كبيرة أطلق عليها حينذاك (عزرا ونحميا)، وتسير مواكب العزاء الحسينية بهوادجها الكبيرة، وهي عبارة عن أبلام مجللة بالسواد لكن مضاءة بألوان زاهية تعكسها اللوكسات واللمبات، لا يقدر على رفعها إلا رجال أقوياء مفتولو العضلات يتقدمون المواكب ما يضفي عليهم صفة البطولة، كان أحدهم وهو بائع سمك في السوق ضخم الجثة لا يمتنع عن الشراب إلا في الموسم احتراماً وإجلالاً، وسوف ينتحر ذات نهار وقيل إنه كان سكراناً، رامياً جسمه الثقيل من فوق الجسر إلى النهر، وأشيع عنه في وقتها وكانت حالات الانتحار نادرة في المدينة، أنه أطلق صرخة قوية في وداع أهالي الناصرية!
شارع تمر فيه مواكب التعزية منظمة تنظيماً دقيقاً، متنافسة فيما بينها في اللطم وضرب الزنجيل حد الأدماء، في هذا الموكب حلقة رجال بأجسادهم القوية مفتولو العضلات يلطمون الصدور المشعرة، وثمة في مجتمع الحريم والحرمان تقف المئات من النساء على ضفتي الشارع ناظرات إليهم وربما البعض منهن باشتهاء!، وفي ذاك الموكب ضرب الزنجيل الحديدي (جلد الذات!) متواصلاً على الظهر بطريقة مازوخية، حتى يحمرّ الجلد ويطفر الدم أو يكاد!، وربما غالى البعض في حب آل البيت شعوراً بالذنب على مقتلهم في يوم الطف وطلباً للثواب، فأضافوا إلى أطراف الزناجيل شفرات صغيرة حادة لمزيد من السلخ ونزف الدماء!، ومن المهرجان الحزين تتعالى أصوات المقرئين (الرواديد) فلكل موكب رادود ذي صوت شجي نائح، اتصالاً بالأصوات الشجية النائحة في معابد سومر على موت تموز كل عام، موكب الكسبة وموكب النجارين وموكب الحدادين وموكب المجارية وغيرها كثير، وكانت أعين رجال الأمن مفتوحة وآذانهم صاغية على كل صغيرة وكبيرة، في الناصرية المتمردة على إهمال العاصمة لها وظلمها، وربما استدعت مديرية أمن الناصرية أو الأمن العامة في بغداد هذا (الرادود) أو ذاك، لأنه لمَّحَ في قصيدة شعبية إلى جور السلطات الرجعية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أو في السبعينيات بعد اغتصاب العصابات البعثية الأجرامية للسلطة، وفي اليوم التاسع من عاشوراء يحلق المئات من الرجال شعورهم ويضربون على رؤوسهم بالعصي (المشق) تخديراً لليوم العاشر، الذي سيشهد شج الرؤوس وسيلان الدم في الشوارع حزناً على استشهاد الإمام الحسين وأخيه العباس، والعشرات من آل بيتهم وصحبهم في واقعة الطف المعروفة. *** منذ التأسيس اتفق سكان الناصرية عفوياً على تسمية شارع الحبوبي بـ (عكد الهوا)، وكانت تملأه أشجار السيسبان والسدر والصفصاف حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي، وتملأه اليوم الصبات الكونكريتية القبيحة والعلامات المرورية البلاستيكية المتنافية مع الذوق العام، في حزمة مشاريع فاشلة نفذها مقاولو الأحزاب ومافياتها مقابل أموال طائلة، حيث يتردد في الإعلام أن الكثيرين منهم هربوا بما رصد لهم من التمويل السنوي قبل إتمام عملهم على رداءته، التي انكشفت في موسم الأمطار أو موسم الصيف الحار!، وقبل قبح الصبات أي حينما كان الشارع يزهو بالأشجارقبل عشرات السنين، كان السكان يتعرفون على الاتجاهات من خلال حركتها وميزوا الهواء الشمالي الغربي البارد، عن الهواء (الشرجي) الشرقي الهاب من الأهوار مشبعاً بالرطوبة، ما يجبر الكثيرين منهم على النوم في غرفهم دون سطوح البيوت.
(عكد الهوا) وقبل ذلك سمي بشارع حسين الأغا نسبة إلى أحد مدراء البلدية، أو ياسين المحروث الذي خلف الأغا في الإدارة، أو الأمير عبد الإله بعد الزيارة المذكورة، وسمي بشارع الحبوبي في السبعينيات بطلب من مدير البلدية الأسبق المرحوم شاكر الغرباوي، نسبة إلى الشاعر ورجل الدين والمجاهد محمد سعيد الحبوبي (1849ـ1915). ولا نعلم لماذا لم يطلق على الشارع إسم الغرباوي نفسه؟!، ويوضع له تمثال بدلاً من تمثال الحبوبي وهو من مدينة النجف، والغرباوي ابن الناصرية وأوفى الأوفياء لها وأفضل من رعاها وكتب عن تأريخها؟ *** وبدا لنا الشارع في سنة 2013 في حالة فوضى ورثاثة ومخاض عسير، بين الماضي العريق لشارع ثقافة ومقاهي ومكتبات وعمارة ومناسبات اجتماعية واجتياز التلاميذ والطلبة إلى المدارس والعودة منها، وحاضر الأرصفة المكسرة وانتشار الأوساخ والقاذورات والسكراب في كل مكان، ضاعت ملامح الشارع بين كثرة المطبات وفوضى المرور والمباني التي نبتت على ضفتيه بدون دراسة وتخطيط للفضاءات، بما زاده من زحام السيارات وإطلاق عوادمها من تلوث للبيئة.
تنتشر أكوام النفايات هنا وهناك بلا حساب!، كما لو كانت وليمة وحوش في غابة استوائية لما علا البعض منها من حيوانات نافقة كالقطط والطيور، وانتشرت في المكان المقرف روائحها الكريهة، فبعدما يأسوا من قيام البلدية بإزالتها، يشاهد المارة أكوام القاذورات والأوساخ منذ سنوات طويلة وقد أصبحت جزءً من مفردات حياتهم اليومية، يمشون فوقها ويشمون روائحها، يرمون هنا وهناك قناني الماء الفارغة وأكياس النايلون وعلب العصائر الفارغة، وأغلفة البضائع التي يبتاعونها من الدكاكين والمحلات، يفضونها في الطريق إلى البيت ثم يرمونها بلا مسؤولية!، لا يجب القاء اللوم على البلدية حسب بل يتحمل المواطنون جزءً من مسؤولية ما تحمله المدينة من تلال النفايات المقرفة! *** ولن تجهد في الناصرية باحثاً عن عناوين الفوضى، تجدها شاخصة في ساحة الحبوبي وسط المدينة حيث ينتصب تمثال الشاعر، وسرعان ما أبدلت صور صدام ويافطات الحزب والثورة وتمجيد (القائد الضرورة) بصور الرموز الدينية!، وعلى المشبك الخفيض الحديدي الدائري للتمثال فوضى لافتات تتراوح ألوانها بين الأبيض والأسود وكالح اللون وماحله!، بين الدعاية الانتخابية لسياسي نافذ في العاصمة يعزل لاحقاً بتهم فساد بمليارات الدولارات!، هذا النهاب الوهاب ذيل دعايته بكذبة أن أبواب مكتبه مفتوحة للمراجعين وأصحاب الحاجات من أبناء ذي قار الكرام، وأنه ما رشح نفسه لعضوية مجلس النواب عن المحافظة وفاز بالمنصب إلا خدمة لمواطنيها؟!، والدعوة إلى ورشة عمل في إحدى منظمات المجتمع المدني، ودعاية قديمة لأحد المرشحين لمجلس النواب، لم ترفع من مكانها ففات أوانها وحال لونها، ولا يستبعد أبناء الناصرية حصول صاحبها على ما يرفه حياته ويضمن مستقبل أولاده لعشرات السنين بعد موته!، ونعي شهيد وقع في إحدى العمليات الارهابية في العاصمة بعدما شح الرزق في الناصرية، وكان المئات من عمالها المسحوقين يقفون في مساطر الكاظمية وغيرها ببغداد طلباً للرزق، فيقف لهم النحس بالمرصاد ليسقطوا مضرجين بدمائهم في إحدى التفجيرات، ولا يكل رجال الأمن المسلحون في ساحة الحبوبي وأكثرهم من أبناء القرى والأرياف والأهوار عن أداء الواجب، فدورياتهم مسيرة أو ثابتة حتى الصباح، لكن البعض منهم منشغلون بتلفوناتهم المحمولة في الليل والنهار أكثر من اللزوم! *** تحيط (الجنابر) و (البسطيات) بالساحة إحاطة السوار بالمعصم! ظهرت (الجنابر) في العراق في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نتيجة لتفشي الفقر، وامتدت بعد الحصار لتتصل بالسوق السوداء بعد انهيار الدولة، ولا يمكن فصل ظاهرة انتشار (الجنابر) عن أسباب الفقر والعوز، فهي امتداد لظواهر التسول وانتشار العشوائيات والبطالة والتدهور في كل المجالات.
لاشك أن الفقر هو أحد الدوافع لاتخاذ المهمشين والمسحوقين من الرصيف مكاناً للبيع والشراء، وكان إدخال العراق بعدد من الحروب والأزمات الاقتصادية، قضى بالتدريج على الطبقة الوسطى فأصبحت نسبة كبيرة من الشعب فقراء أو تحت خط الفقر، لذلك اتخذ الشباب العاطلون عن العمل بل وحتى الجامعيين والخريجين العاطلين من (الجنبر) و(البسطية) وسيلةً لكسب الرزق.
شارع الحبوبي الذي تحول إلى شارع اقتصاد (الجنابر) ضاعت معالم الرصيف فيه، وانتشرت ظواهر التحرش العلني بالنساء واستعراض اللحى المشذبة والمصبوغة والسرقة، وها هو يغرق في اللامبالاة والفوضى، فقد انتشرت خلف التمثال في مدخله الذي يمنع فيه سير السيارات أحياناً، الحواجز الأمنية ورجال الشرطة والاستخبارات، وكان البعض منهم كما في كل المدن العراقية مشغولين بهواتفهم المحمولة!، فيما وضع باب حديدي مشبك كبير يسحب على عجلات إلى يمين التمثال، لغلق شارع النيل المؤدي إلى عدة أحياء كبيرة منها الصالحية والعسكري وسومر، والأرامل والأيتام حيث يقع بيتنا سابقاً!
إن غلق مداخل الشوارع الرئيسة بأبواب حديدية يفضي عملياً إلى نظام التقسيم إلى محلات، قد يؤدي لاحقاً مع استتباب الجهل وانتشار التقاليد العشائرية وضعف الأجهزة الأمنية، إلى نشوء عداوات واقتتال مناطقي، ولامراء أنها إحدى علامات تمزق النسيج الاجتماعي بعد عشرات السنين من المآسي المتلاحقة على العراق! *** وبدت الناصرية مدينة جدباء يلفها الغبار، انحسر نهرها وانعدمت في شوارعها الأزهار والأشجار والمساحات الخضراء، والأخيرة مما تريح النفس وتكون ملاذاً للعوائل وتصريفاُ لطاقة الأطفال في الملاعب، أما شوارعها فذكورية كفرت بالأنوثة ومن أسباب ذلك تسلط الدين الزائف والعادات البالية والتقاليد المبالغ فيها، فانزوت بين أربع جدران، وكما في المدن العراقية ازدادت نسبة العنوسة في الناصرية وارتفعت معدلات الطلاق، حيث لا يطول عمر الزواج أحياناً أكثر من بضعة أسابيع، وهو ما وقفت عليه في محكمة الأحوال الشخصية، وما سمعت من قصص لا أعجب لها للأسباب المذكورة!
وتم في نهاية الشارع الطويل (شرقي المدينة) تخصيص حديقة الحاج عبود لتربية الطيور وبيعها!، وكانت سابقاً رئة يتنفس خلالها سكان المنطقة وملاعب لأطفالهم، لتختنق الناصرية بعد إهمال مساحة خضراء أخرى تقع في غربيها لا تقل أهمية عنها، وهو منتزه الناصرية، الذي سنتحدث عنه في سطور لاحقة.
ضاق شارع الحبوبي الذي كان فيما مضى نظيفاً ورحباً ومنظماً بما فيه الكفاية، يسع طريقين لمرور السيارات وخطوط عبور السابلة، فأصبح بما انتشر على جانبيه من (بسطيات وجنابر) لبيع الألبسة والحقائب والمواد الغذائية وغيرها، عبارة عن زقاق طويل مزدحم بالمواطنين، من مرضى ومتسوقين ومتجولين ومتسولين ومتحرشين بالنساء أيضاً!
شارع كئيب بلا روح اختلطت فيه ملامح شارع مهمل بملامح سوق هرج! ضاعت ملامح الرصيف والشارع بين (الجنابر) و(العربات) والنفايات! شارع طويل مزدحم تنادي في أوله شحاذة بصوت يصم الآذان صباحاً ومساءً، تفترش الأرض وأمامها طفلة مريضة مسجاة على قطعة كرتون قذرة .. - أرحموا هاي الطفلة المسكينة .. يمه! - مريضة وما عندي فلوس الدوه والطبيب .. يمه! - خمس يتامى بركبتي وما كو معيل .. يمه! *** مدينة شوارعها المستقيمة المتقاطعة كالصلبان يصلب عليها أبناؤها منذ عشرات السنين، ينطوي كل إنسان في الناصرية على سر دفين، تتلاطم في داخله أمواج من الرفض والتمرد والأسئلة عن الحياة والمصير ولم يأت ذلك من فراغ، فقد كوَّنه تاريخ العراق عامة والناصرية خاصة، وراكمت فيه السياسة من احباطاتها، وما جاء على الحكم خلال نصف القرن الأخير من أنظمة رجعية وطاغية وحروب وحصار، ختمها الاحتلال الأمريكي وما خطط له من نشر أدواء الطائفية والقومية والمناطقية بأيدي الحكام الجدد، فتركت الإنسان في الناصرية نهباً للضياع واليأس في واقع مديني متدهور، فالحكم فاسد والهواء فاسد والطعام غير صحي والأطفال لا يشربون الحليب!، ونرجح أن تغير النفوس يحتاج إلى زمن طويل وأجيال عديدة قبل أن تعود إلى طبيعتها السوية! *** وليست الشوارع الفرعية المؤدية من شارع الحبوبي إلى نهر الفرات، أو إلى أسواق بيع الفواكه والخضروات واللحوم، بأحسن حالاً من شارعيّ النيل والحبوبي، من حيث الفوضى وانتشار الأوساخ والقاذورات، ووضع الصخور والدكات الأسمنتية وعلب الزيت الكبيرة الفارغة، أمام المؤسسات الحكومية والمحال التجارية، تحسباً لهجومات محتملة بالسيارات المفخخة تطال الناصرية بين وقت وآخر!، إن ضيق الشوارع الفرعية بالمارة بما زادها من تدهور الأوضاع الخدمية في كل مكان، أحال الذاكرة إلى عراق ما قبل تشكيل الدولة، وربما أبعد من ذلك التأريخ!
وكما كانت قبل ربع قرن وتستمر حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساء، مازالت حركة البيع والشراء نشيطة في قلب المدينة خافتة ضربات القلب، ولا تبقى في النهاية سوى مفارز الشرطة وعربات بيع الأطعمة المكشوفة، وصناديق باعة شرائح الموبايلات وتصريف العملة، وأصوات قوية واستفزازية تطلقها محلات تسجيل الأناشيد الدينية، فقد حل المساء وعاد الناس إلى بيوتهم، وأمسى الشارع مقفراً إلا من قلة قليلة من العابرين! *** الناصرية سليلة حضارات العبيد وأور وأريدو ولارسا وأوروك، ووضع فيها الملك العادل أورنمو أولى التشريعات في التاريخ، سبقت قوانين لبت عشتار ملك أيسن وأشنونا وحمورابي بقرون، بدت لنا بعد عقدين من السنين مدينة مهدومة من أركانها الأربع، المدينة التي لا أخفي حبي الشديد لها ولسكانها، خصصتُ لها بعد التغيير موقعاً إلكترونياً فاعلاً أسميته (www.summereon.net) نال استحسان المتابعين قبل الجوائز، وكتبتُ عنها عشرات المقالات أجمعتُ فيها، على ضرورة بناء مدينة جديدة على مبعدة من الناصرية الحالية، المفتقرة إلى أبسط شروط المعيش الإنساني بعدما فاق التدهور كل تصور! *** في الصباح الباكر تبدو ساحة الحبوبي وهي قلب المدينة الغافية، شبه خالية إلا من العمال المبكرين إلى أعمالهم وأصحاب المحلات التجارية، وقد بدأوا برش الماء على التراب في واجهات المحلات لتثبيته وطلباً لرزق، وتلك إحدى عادات الشرقيين التي لاحظناها في الهند وتركيا وتايلند ولاوس وكمبوديا غيرها، لما للماء من دلالة مقدسة وتطهيرية في الأديان وثنية وإبراهيمية، ومن جهة ثانية لإغراء المشترين بنظافة المكان المريح للنفس، ومع إشراقة شمس أول صباح رحت وبين جوانحي تضطرم نيران عشرين سنة من المنفى، اجتاز في الساحة بين المتاجر و(الجنابر) والمحلات والصيدليات والمطاعم، وأسواق تصريف العملة وصناديق بيع شرائح التلفون النقال (Sim Card)، وعربات الأطعمة المكشوفة حيث تحط عليها خلال النهار فيالق الذباب!، كما كانت تحط قبل عشرات السنين على العربات أمام باب مدرستنا قرطبة القريبة من الساحة، تأكل وتتبرز وتبيض وتطير منها أجيال جديدة كل يوم!، ودُعمتْ خشية من الحرامية أبواب المحلات والمتاجر بأبواب فولاذية مشبكة بأسياخ، حكمت بأقفال كبيرة، مشهد سلبي يحيل إلى الايجابي من الأقفال، التي يضعها العشاق على الجسور في باريس مثلاً مع الفارق، ففيما توضع الأقفال هناك رمزاً للتعبير عن الحب والصداقة، توضع هنا لمنع الحرامية من السرقة في بلد يخلو من الرقابة ويشهد موت الضمير! في يوم ما سوف تزول تلك الظواهر المؤسفة ويشيد جسر للحب في كل مدينة عراقية؟! *** بعد حوالي نصف ساعة توقفت سيارة البلدية لرفع تل من النفايات، ترجل منها عاملان فتحا بطانية عسكرية غامقة اللون وشرعا يملآنها، واحد إثنان ثلاثة ثم رميا المحتويات في جوف السيارة الكبيرة، مشهد يومي صادم لا يأبه به سكان المدينة بعدما تعودوا على مشاهدته، وأصبح أحد مفردات الشارع وحياتهم اليومية، وشرعت أصور التلال البغيضة وأنشرها في صفحتي على الفيس بوك، منتقداً بحماس مبالغ فيه كما قال لي بعض الأصدقاء بعد صدمة الزيارة الأولى، تقاعس الحكومة المحلية والبلدية عن أداء واجبهما، خطوات أخرى ووقعت عيناي على أشنع ما شاهدت في حياتي من صور على الاطلاق، فقد علقت على الأعمدة الكهربائية قطع من الورق المقوى بحجم (30×20) سنتمتراً دهنت بمادة صمغية واستخدمت مصائد للذباب! *** إن التأمل في قلب المدينة التي تنازع سكرات الموت منذ اندلاع الحرب ضد إيران، يزيد من الإحساس الداخلي بقوة الانتماء إليها مهما كان شكل خرابها، وإحدى صور ذلك كثرة أعداد السيارات حتى خيل إلي حينذاك أن أعدادها فاقت عدد نفوس الناصرية!
فوفقاً لبيانات الجهاز المركزي للأحصاء التابع لوزارة التخطيط فإن مئات الآلاف من السيارات دخلت إلى العراق بعد سنة 2003 ومن مناشىء مختلفة، وبما أضيف إلى عدد السيارات الموجودة أصلاً في العراق فقد بلغ المجموع 5.8 مليون سيارة، في بغداد وحدها أكثر من مليوني سيارة وفي ذي قار 136 ألف سيارة جديدة وقديمة.
سيارات من مناشىء رخيصة إيرانية وصينية تسير في شوارع ضيقة لا تستوعب هذا العدد الهائل من السيارات، ومزدحمة بقيت بدون إشارات مرور ولا شرطة مرور إلا في أماكن منتخبة، اختناقات مرورية تسبب إهداراً للوقت ناهيك بالحوادث المريعة اليومية التي رفعت نسبة الوفيات، وقد رافق زيادة عدد السكان وزيادة المداخيل زيادة عدد السيارات لكن دون شق الطرق وتعبيد الشوارع الرئيسة وتوسعتها، أو بناء جسور معلقة أو أنفاق وتنظيم السير، ثمة سيارات حديثة بقيت بلا أرقام تمخر عباب فوضى شارع الحبوبي جنباً إلى جنب مع سيارات قديمة، كان يمكن أن يكون مصيرها السكراب بأبخس الأثمان، لو كان هناك رقابة وقوانين تحمي المواطنين مما تنفثه من أدخنة سوداء قاتلة، إن أسهل مهنتين في العراق اليوم هما العمل في بسطية أو قيادة سيارة أجرة، فهنالك من يستوردها من تجار الأحزاب الدينية من إيران لرخص ثمنها إحداها تدعى (السايبه)، أطلق بحقها العراقيون نكات كثيرة!
كان بائعو الخضروات قبل سنة 2003 يدللون على بضاعتهم بقولهم (هذي الطماطه .. هذا الخيار!) لجلب انتباه المشترين، وعجبت لسواق الأجرة ليس في الناصرية حسب بل في المدن الأخرى، وهم يدللون على تأجير سياراتهم بقولهم (هذا التكسي .. هذا التكسي!)، وأحياناً يفتحون بابها ليرغبونك في الصعود، ويمكن تعليل تجمعهم على الزبائن وفتح الأبواب لهم دون رغبتهم، إما إلى شحة الرزق وكثرة سيارات الأجرة، حيث ينافسهم في سوق العمل أصحاب السيارات الخاصة من موظفين وقوى الأمن الداخلي ممن يعملون بعد نهاية الدوام!، أو أن النفوس تغيرت فعلاً وقد لخص ذلك أحد الأصدقاء بقوله ساخراً (الناس مدري تسودنت .. مدري الملح مغشوش!) *** ثمة موظفون يكحون في الطريق إلى أماكن عملهم، بكر قبلهم عمال المسطر وأغلبهم من سكان القرى والأرياف المحيطة بالناصرية، حاملين أدوات العمل البدائية من مجارف ومعاول إضافة إلى زوادات غداء، انطلقت عربات تجرها حمير تتبرز ماشية!، و(ستوتات) بيع الغاز كلما احتك حديدها بقناني الغاز أصدر صوتاً مزعجاً لا يأبه به في ضجيج الشارع أحد!، وينبعث من عدد من المحلات المفتوحة تراتيل قرآن بالطريقتين العراقية والمصرية، هنا وهناك تسمع أصوات .. - صباح الخير - صباح النور - تكول أخبار أمس داعش محتلين جامعة تكريت وهاجمين على مجلس المحافظة؟! - الله يستر هاي كلها من ورا السعودية؟! *** تنهض الناصرية في يوم صيفي جديد تشرق فيه الشمس على المخلوقات والأمكنة، ومثل بقية مدن العراق، تفتتح يومها لا بأخبار منجزات مشاريعها التنموية واستثماراتها وعصرنتها وازدهارها، وإطعام الجياع فيها وتشغيل العاطلين عن العمل في مقاهيها، بل بأخبار التفجيرات التي تهز العاصمة وغيرها مما يترجع صداها في قلب ساحة الحبوبي، فتتخذ الأجهزة الأمنية احتياطاتها اللازمة بغلق عدد من الشوارع وتكثيف الدوريات وبدء المداهمات الليلية، وغالباً ما يشير الإعلام المحلي والقيادات الأمنية والناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى وجود خلايا نائمة لا سيما من أعضاء حزب البعث المحظور، الذين سرعان ما انتموا إلى الأحزاب الدينية بعد التغيير، نظراً لوجود مشتركات بين الحزب القومي الفاشي والأحزاب الدينية في المنطلقات النظرية!
ازداد زحام الناس قبل الساعة التاسعة، موظفون وعمال وكسبة ومرتادو المقاهي ومتسوقون للفطور ومتقاعدون يتجولون تسمع بوضوح طقطقة مسابحهم، لكن لا وجود للتلاميذ والطلبة المتوجهين إلى مدارسهم فالموسم الدراسي لم يبدأ بعد، إن خلو الشوارع والطرقات منهم، وهم يرفلون بثيابهم الملونة فيما جلجلة ضحكاتهم ومزاحهم وصدى أصواتهم تملأ الآفاق، يجعل الأمل محذوفاً من صورة الحياة اليومية فهم بهجة الحياة وأمل المستقبل.
ـ شارع الجمهورية كان السوق الكبير من ضمن التاسيسات الأولى لبناء الناصرية، فبعدما بني السراي للحكم والسيف لبيع الحبوب وجامع فتاح باشا السعدون للعبادة، نشأ السوق الكبير بجانب السراي للبيع والشراء، مثل أي مدينة في العالم لا تخلو من سوق ومعبد وإدارة وغيرها.
واستمرت تسميته بالسوق الكبير حتى قيام ثورة 14 تموز سنة 1958، فسمي بشارع الجمهورية، مستقيماً موازياً لشارعي الحبوبيّ والنهر ويقع بينهما، وسنتحدث عنه في سطور قادمة، حيث شيدت على جانبي هذا الشارع، المقاهي والمطاعم والخانات والفنادق والمتاجر الزاخرة بالبضائع المحلية والمستوردة، مقهى التجار ومتجر الموصلي لبيع المواد المنزلية، ومطعم شناوة صحين، ومغازة سيد علي، ومحل باتا الشهير لبيع الأحذية، حيث كلما زرت بلداً وشاهدت محلاً مثله تذكرت الأحذية العراقية جيدة الصنع، كان يشتريها لي المرحوم أبي في الأعياد والمناسبات، وتحسرت على ذلك الزمن الجميل البعيد، وما آلت إليه أحوال الشارع من دمار وخراب!
سراي الحكومة وشارع الجمهورية ويشيد حولهما لاحقاً المصرف والبريد والمكتبة العامة ومبنى البلدية، أما الجامع الكبير الشاخص بمنارته العالية ونقوشه الإسلامية البارزة، ومصلييه الشتوي والصيفي وبئره، فقد بناه الشيخ ناصر باشا الاشقر زعيم قبائل المنتفق وآل السعودون كما ذكرنا مع بناء الناصرية سنة 1869، لكن تم تجديده في سنة 1966 من قبل مديرية الأوقاف الإسلامية، وفي أوقات متفاوتة أمَّ المصلين فيه ثلاثة أئمة من الأزهر بحسب اتفاقية بين الحكومتين العراقية والمصرية.
برأيي فإن شارع الجمهورية تأسطر في ذاكرة الأجيال أكثر من شارع الحبوبي على أهميته، إن الأماكن مثل القصائد لا تتأسطر ولا يهتم بها الناس، إلا إذا كانت سجلاً حافلاً للأحداث السياسية التي يمر بها البلد وتمس حياتهم ومصيرهم، ويمكن اعتبار شارع الجمهورية شارع تجارة مثلما هو شارع ثقافة وتظاهرات وانتفاضات وأحداث سياسية وتعذيب معارضين!، ففي سنة 1914 شهد الشارع تجمعات المجاهدين من العشائر ضد الاحتلال البريطاني بقيادة رجل الدين والشاعر محمد سعيد الحبوبي (1849ـ1915)، وفي سنة 1941 نظم الوطنيون والحالمون اليساريون، تظاهرة مؤيدة لحركة رشيد عالي الكيلاني الذي اطاح بالوصي على العرش عبد الإله، وفي سنة 1948 انطلقت من الشارع تظاهرات ضد معاهدة بورتسموث، وهي عبارة عن تنقيح وتجديد لمعاهدة سنة 1930 التي ضمنت استقلالاً شكلياً للمملكة العراقية، وفي شهر أيار سنة 1948 أقدم العريف الشجاع حسين رخيص على قتل القائد الإنكليزي جيفرسن في الشارع، ليعدم لاحقاً في ساحة السراي!، وفي سنة 1956 نظمت القوى الوطنية تظاهرة كبرى ضد العدوان الثلاثي على مصر، وخلال انقلاب 8 شباط الأسود سنة 1963 قام البعثيون بتعذيب الشيوعيين في فندق سومر (وكذا في نقابة المعلمين وبيت مدير الحامية)!، كما وتشهد على الشارع خطوات الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، وكان ضابطاً برتبة ملازم أول في الفوج الثاني اللواء 14 في الناصرية، كان يجلس مع أصدقائه في مقهى حبيب الله ويمشي في السوق حتى نهايته لتناول طعام الباجه في مطعم المرحوم سبيتي، وفي سنة 1991 كان الشارع منطلقاً لتجمع الكثير من أهالي الناصرية، خلال فعاليات انتفاضة آذار الخالدة ضد النظام البعثي الوحشي وكنت شاهداً على ذلك. *** في الستينيات من القرن العشرين فتحت عيني على شارع نظيف، رواده أنيقون مثقفون وطبقة وسطى وعمال وطلبة ونادراً ما تشاهد فيه إمرأة، تقام في مطاعمه ولائم الأعراس وتنطلق منه جموع المشيعين لشخصية بارزة، وتتوسطه مكتبة 14 تموز لصاحبها المرحوم طاهر محمد غفوري، والأهالي التي أسسها المرحوم جبر غفوري سنة 1937 تيمناً بجماعة الأهالي التي ناصرت انقلاب بكر صدقي سنة 1963 ، يحكي الكاتب ماجد كاظم علي عن شخصية غفوري قائلاً (كان من الشخصيات الوطنية في الناصرية صديقاً قريباً للأدباء والفنانين، وكانت مكتبته ملتقى للأدباء ومحبي المعرفة يرتادونها لمطالعة الصحف والمجلات والكتب، ولأن البعض منهم لا يملك المال اللازم للشراء، فإنه كان يقرأ مجاناً والحاج كان متسامحاً مع الجميع، كذلك كنا نحصل على بعض الكتب الممنوعة نستعيرها ثم نعيدها بعد فترة) *** كان الشارع عبارة عن عراق مصغر يقطنه مسلمون ويهود وصابئة ومسيحيون وكرد فيليون متعايشين في الشارع وأزقته الفرعية، وما تزال بعض من معابدهم شاخصة حتى اليوم وشناشيل اليهود وطرز الأبواب ونقوش الجدران تحكي قصة الأمس، عن مجتمع متماسك متعايش في إطار السلم الاجتماعي توحدهم الهوية العراقية الجامعة، لكن السياسة مزقت نسيجهم فأجبر اليهود سنة 1948 على الهجرة وما زالوا يحنون إلى العراق، والكرد الفيلية إلى إيران سنة 1980، فضلاً عن طيف واسع من الوطنيين والتنويرين والحالمين بناصرية أفضل وعراق خال من الدكتاتورية والظلم.
في التحضيرات خلال مواسم الأعياد يزدان السوق بالنشرات الضوئية، اتصالاً بنشرات محلات بيع المواد الكهربائية الواقعة في نهاية الشارع باعثة البهجة في النفوس، وإلى محل صديقه المرحوم مهدي عوده، كان المرحوم أبي يصحبني قبيل العيد ليشتري لي بدلة جديدة وقميصاً، أحمل الهدية فرحاً إلى محل (باتا) وأحياناً إلى المحل المقابل لبيع الأحذية للمرحوم عبد الله المحارب، صديق أبي أيضاً وأختار حذاءَ جديداً، فيما الإثنان يتحدثان عن السياسة والحكام الرجعيين وارتفاع أسعار البضائع المستوردة، ولم تكن هناك حرب ضد إيران ولا غزو للكويت بعد! *** بعد نصف قرن تحول كل شيء إلى حطام! إمحت أبهة الشارع وبدا حزيناً مقفراً، لكثرة ما علته من تلال النفايات وقطعته الجنابر والعربات، ومخرت عبابه (الستوتات) بجعيرها تاركة خلفها دخانها وغبار عجلاتها، ومثل شارع الحبوبي تصاغر الجمهورية إلى زقاق طويل رفيع مزدحم بالجنابر والبسطيات، خال من ملامح البهجة وفرح التسوق! *** تضطرم نيران مواقد الفحم الخاص بالنرجيلة في بداية الشارع، وتسمع قرقرتها على بعد عشرات الامتار، يعلو الدخان بلا أعمدة تبدده رياح خفيفة مخلوطة بفساء خيول العربات المارة، وما تنفثه سواقي تصريف المياه الآسنة من روائح كريهة، وربما ترى قطة ميتة هنا أو هناك تفسخت، وأعقاب سكائر مزجت بالماء فاصفر لونه في آنية كبيرة حفاظاً على نظافة المكان!، ويختلف مدخنو النرجيلة عن مدخني السكائر في الجلوس والاسترخاء والتأمل، فمع كل نفثة دخان تخرج مع قرقرة النرجيلة زفرة من صدورهم ونظرات شزرة من عيون بعضهم، استظهاراً لآلام عميقة راكمتها في دواخلهم أحوال بلد لم تبشر بخير منذ عشرات السنين! ثمة معلمون ومدرسون وعسكريون متقاعدون وكسبة ومن عاد من كركوك بعد سنة 2003 بعد فراق طويل عن الناصرية، ومغتربون ملوا وحشة المنافي وصقيعها وعادوا إلى المدينة / الرحم، وشحاذون ومهمشون وسكيرون ومجانين، مهمومين يائسين يقتعدون أرائك مكسرة وعارية من الأفرشة، وكراسي مهشمة الأضلاع في الشارع المهدوم، يتبادلون الصحف ويتداولون الأخبار والحكايات القديمة عن الناصرية، الحلم السبعيني الوردي الصاعد مع تضخم عائدات النفط وبلوغ الدينار في سعر الصرف حينذاك أعلى مراتبه، ما جعل العراقيين يعيشون في بحبوحة أقل من عقد، رواد مقهى من كبار السن إن ضاقت في صدورهم أخبار العراق وجدوا في أرائك المقاهي متسعاً للكلام على الماضي، وإن هزمتهم الأمراض والشيخوخة لم تهزم ذاكرتهم المتوقدة، حتى يأتي الموت الذي يسلب بين فترة وأخرى أحد الرواد في نوبة قلبية أو سرطان أو سكري!
شريان ينبض بخفوت في عنق عجوز يحتضر بعد طول مرض ويأس، أقرب توصيف لشارع الجمهورية العاج بالفوضى والقمامة والغبار والأتربة، فواجهات المحلات مكسرة الشرفات لم تمر بها يد الترميم منذ عقود، علتها كيبلات الكهرباء السوداء القبيحة وبدت في تدليها أشبه ما تكون بحبال المشانق!، شرفات نتأ حديدها وبنت بين فتحاتها الخفافيش أعشاشها، وحيطان بلا طلاء بين متكسر (لبخها) أو ماحل لونها، تتسلقها اليرابيع الصفراء المقززة حتى الشرفات العالية المغطاة بجوادر من أجل الستر!
كل طابوقة عارية في واجهة محل ومقهى ومطعم وفندق تروي حكاية عن الشارع الذي كان نظيفاً منظماً، فأصبح قذراً تتناثر في زواياه النفايات والقمامة وتلعب بها القطط والكلاب السائبة، لا يوجد جدار في السوق أعيد ترميمه أو صبغه إلا ما ندر، وفضحت السقوف الثانوية الجديدة الملونة على أبواب المتاجر الصغيرة فقر جيرانها، فمن كان يملك المال جدد ومن لم يملكه أبقى كل شيء على حاله فبدت الواجهات مرقعة بين الجديد والقديم البالي، على الحيطان صور ممزقة لمرشحي مجلس النواب من الدورات السابقة ضاعت ملامح وجوههم، وكلمات غير مفهومة خطت بألوان باهتة لشعار مناهض للحكومة الفاسدة، أو طبعة حروف يافطة لم تمسح، فوضى يافطات الإعلانات كبيرة وصغيرة وغير متناسقة عن محلات بيع الثياب تختلط مع عناوين الأطباء والمختبرات، تماهت الأرصفة مع الشارع بعدما احتلها أصحاب المحلات على الجانبين، أفترشوا فيها بضاعتهم بلا رقابة حكومية أو تأنيب ضمير، ثمة دعايات لبنطلونات تركية في نصب تمثل نصف جسم الإنسان الأسفل أو بدلة كاملة، عشرات الأحذية مصفوفة على هياكل خشبية محاكية مدرجات ملعب كرة قدم، ألواح قبيحة مربعة الشكل صفت عليها جواريب وأمشاط ولوازم أخرى، عربة بيع اللبن البارد يحوم حولها الذباب بما يذكر بعربة اللبن بباب المدرسة، ثلاجات عاطلة متروكة ومبردات هواء صدئة نتأت من نوافذها الحلفاء، وتكدست في الأزقة ومداخلها البشعة المكيفات والمبردات الصالحة والعاطلة، وأصبحت مرآباً للعربات الخشبية والستوتات، ولا يخلو بابها من برميل لجمع النفايات فاحت منه روائح كريهة! الذباب يطن في كل مكان! *** حكى لي رجل أمن وهو صديق قديم يتخذ من المقهى على ناصية الشارع مكاناً للمراقبة، أنه وفي إطار التضييق على الحريات الشخصية لسكان الناصرية، يلجأ البعض إلى أن يقضي وطره مع صديقة أو عاهرة في أحد الفنادق المنتشرة في شارع الجمهورية، يأتي بها منقبة لكن بجنسية زوجته!، يقول يتصل بي صاحب الفندق فأسارع إليه، وبما أن العادات والتقاليد لا تسمح بالكشف عن وجه المرأة، فلا خيار عندي غير السماح لهما في الراحة نهاراً أو المبيت ليلاً مع ابتسامة وتمنيات بقضاء أطيب الأوقات!
ـ شارع النهر لا شيء يشبه الوقوف على الجسر وتأمل المياه الغائضة في النهر، بما غطت شواطئه من النباتات الضارة، إلا الوقوف على الأطلال في الشعر العربي الكلاسيكي، حيث رثاء الشاعر بقيا دار الحبيب وأصداء الحب الأولى!
والفرات حبنا الأول والعلامة الفارقة في الناصرية وتأريخه جزء لا يتجزأ من تأريخنا الشخصي، سواء في مزاولة هواية السباحة أم المشي تسرية عن النفس على شواطئه، أم التمتع بعيد الشجرة السومري وعيد النبي زكريا حيث توقد الشموع ويُطلب المراد. وتختزن ذاكرة النهر سجلاً حافلاً للمنافسات البطولية بين السباحين، سواء في عبوره أم في رمي الجسم من على الجسر أو إحدى ركائزه الخرسانية (الدوب).
بعد 22 وعشرين عاماً من الغياب والعواطف المجنحة وقفت ذات نهار صيفي حار أصفرَ مغبراً على جسر النصر، ماداً البصر بطول النهر الناضب متأملاً أمواج الفرات المتلاشية بوهن المرضى على الشاطئين، هي كفت عن الاندفاع بقوة إلى الجانبين، فلا تسمع أصوات الطرطشة كما في الأيام الخوالي، ولا صياح الأولاد من السباحين ولاعبي كرة القدم على الشاطىء!، وتراءت لي وأنا على هذه الحال من الذهول وجوه أصدقائي السباحين الغرقى والسكارى المنتحرين، احتجاجاً على طول سنوات الحرب العبثية في ثمانينيات القرن الماضي، أو ممن قضوا في السجون والمعتقلات، أو هرباً من الملاحقات والبطش إلى خارج العراق.
يمنحك الوقوف على الجسر فرصة تأمل الماضي الذاهب مع الأمواج، وإنك لا تنزل إلى النهر مرتين كما كتب الفيلسوف الطبيعي الأغريقي هيرقليطس، الزمن الذي اعتبره نيوتن في القرن الثامن عشر مطلقاً (Absolute Time) ، حتى مجيء الفيزياء الحديثة فأصبح حسب النظرية النسبية لانشتاين في مطلع القرن العشرين يمثل البعد الفيزيائي الرابع للمكان، حيث يمكن الحديث عن الزمن النفسي أو الفيزيائي أو التخيلي الذي يعطي للوجود معناه ونعد به سنيّ العمر!
لكن الزمن في الناصرية مهدور إنسانياً وعمرانياً، بل قل ليس فيها زمن إلا الذي وصفه المعري في إحدى قصائده وتأكلنا أيّامُنا، فكأنّما تمرّ بنا الساعاتُ، وهي أُسودُ! ومصداق ذلك ما يراه الزائر للمدينة على وجوه السكان وواجهات المباني!
إن الوقوف على الاطلال زمن أيضاً يمضي باتجاه واحد مثل نهر جار لا يعود إلى الوراء، جارف مثل النهر الذي في داخلي وداخلك عزيزي القارئ، فذات أصياف فائتة كانت هنالك مساحة واسعة على الشاطىء المشمس، مربعة الشكل مسيجة بالحصران (البواري) ولها باب يطل على النهر مباشرة تداعب عتبته الأمواج، يقوم فيها معلمو الرياضة بتدريب الأولاد على السباحة وسط موجات من الصياح والمرح، وتُلتقطُ الصور بالأبيض والأسود فردية وجماعية، وكما لا تخفي صداها الأمواج المندفعة بقوة قبل تلاشيها على الشاطىء، لا يغيب عن البال مشهد السباحين المهرة من عابري النهر سباحة، أو على إطارات السيارات المنفوخة صغيرة وكبيرة فرحين جذلين، أحياناً ولما يصلون إلى منتصف النهر يستريحون على الاطارات وتسكن حركتهم، فيعن لهم الصداح من بعيد بأغاني حزينة وأبوذيات المفجوعين من فيضانات دجلة والفرات! مرة أو مرتين سنوياً وربما أكثر من ذلك يغرق الأولاد في النهر، فتركض الروح العراقية للسباحين والغواصين ومن كان يتمشى على الشاطىء أمامهم ركضاً إلى مكان الحادث، إن الفرات مثل النيل في الأساطير المصرية يلتهم ضحية أو أكثر سنوياً!. شاهدت في السنوات البعيدة على الشاطئ أمهات نائحات على الأبناء الغرقى الذين لا يبين لهم أثر إلا بعد مضي ثلاثة أيام أو أكثر، غالباً ما يجرفهم جريان النهر بعيداً عن المدينة ببضعة كيلومترات، أحياناً يعثر عليهم في انعطافته حول مدينة سوق الشيوخ التي تبعد عن الناصرية 29 كيلومتراً غرباً، بعدما يمتلىء جوفها بمياه النهر وتنهشها الأسماك تطفو الجثة، ولعل الشاعر الذي كتب الدارمي الشهير (مثل ام ولد غركان وابره الشرايع .. كلمن وليفه وياه بس ولفي ضايع!)، وهو أقسى شعر شفاهي سمعته في حياتي وغناه العديد من المطربين الشعبيين حتى في الأعياد ومناسبات الزواج!، كتب دارميه من وحي غرق الأولاد وصدى نواح الأمهات على شواطىء النهرين!
بعد عقود من ذلك وعلى المساحة البريئة المشمسة قامت مساحات لعينة أدخلت الناصرية في ليل دامس وما تزال! سطر طويل من مقرات الأحزاب الفاسدة ينتهي بمبنى المحافظة الجديد الفاسد قرب الجسر، مبنى سيطرت عليه مافيات الأحزاب الدينية، في سنة 2003 نصب على عجل محافظ جاهل من حزب الدعوة، تلاه جهلاء من نفس الحزب كان آخرهم إبن رجل الدين محمد باقر الناصري وكان لاجئاً في أستراليا، جاء به رئيس الوزراء نوري المالكي وعينه مديراً عاماً في مجلس الوزراء بضعة سنوات قبل تنصيبه محافظاً، يقول المقربون إن التعيين كان إرضاء لرجل الدين المذكور وكان مسؤولاً حزبياً للمالكي خلال فترة المعارضة في إيران، وعقدت في المكان الجديد ومنذ عشر سنوات أنواع من الصفقات المشبوهة بأيدي أعتى عتاة مافيات الأحزاب الدينية، حيث تمت سرقة الميزانية العامة التي تخصصها بغداد للمحافظة سنوياً! *** وتشكلت منذ سبعينيات القرن الماضي الملامح الأولى لشارع مواز للنهر سمي (الكورنيش)، نبتت على طول شاطئه الأيمن بارات ونوادي ليلية للاقتصاديين والمعلمين وعامة الناس، ومقاهي للعوائل وليالي السمر التي تشهد عليها أمواج الفرات ونسائمه العذبة، وفي بداية (الكورنيش) من الجهة الشمالية هنالك دار استراحة عصري للمسؤولين والسياح والأغنياء، وغير بعيد عنها تقف شاخصة كأنها إله ماء سومري إسالة الماء مثقبة برصاص الاحتلال، ومعارك الميليشيات الحزبية المتصارعة بعد التغيير على السلطة والمال والنفوذ، ولم يعد (الكورنيش) كما في السابق ملاذاً للكثيرين من سكان المدينة، يهرعون إليه مساء يستنشقون فيه النسمات المنعشة بعد طول نهار مغبر، فتحالف بذلك السياسيون مع الطبيعة على خنق سكان الناصرية، وأبعد عنهم كل أمل في بناء مدينة ليست بالضرورة عصرية، ولكن على الأقل تتوفر على شروط العيش الكريم لمواطني بلد نفطي! شارع طويل شمله الخراب ليس له من النهر إلا الأسم، مكسر تعبيده القديم بفعل الحرارة، مقطع الأوصال بالدكات الأسمنتية، وبأشجار لم تشذب فافترشت الرصيف أغصانها الطويلة المتكسرة، شارع نصف مظلم في بعض أنحائه ودامس الظلمة في أنحاء أخرى يقع في منتصفه مبنى مديرية تجنيد الناصرية، وكان أرسل مئات الآلاف من الأجيال الشابة خلال العقود الماضية إلى محارق الحروب، ودأب سكارى الليل قبل التغيير وبعده على التبول على المبنى والبصاق وإطلاق الشتائم من كل الأجناس!
كما حجبت مقار الأحزاب الدينية جبهة النهر الخالد، ووقف على أبوابها عسكريون أو متطوعون مسلحون أغلبهم من أبناء العشائر المنتمين للأحزاب ومن مقلدي الحوزات الدينية، تتعثر خطى المارة ويهمسون همساً ضد الأحزاب كلما مروا من أمام مقراتها، في قلوبهم خوف قديم ورثوه من العهد الفاشي من أذن تصغي ويد تكتب التقارير الحزبية، أو جهاز إلكتروني يسجل الخطى المرتبكة والكلام الصريح ضد سياسة الأحزاب الفاسدة!، اتخذ أبرزها من بار أنكيدو الشهير مقراً له، وكان خلال الحرب اللعينة ضد إيران ملاذاً للكثيرين من أبناء الناصرية، من متمردين و(فرارية) من الحرب وغيرهم، ولطالما تندر أبناء الناصرية قائلين، كان المكان نجساً بالنسبة لهذا الحزب ولا نعلم كيف تم شطفه واتخاذه مقراً له فسبحان مغير الاحوال؟!
#طارق_حربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شارع النهر
-
الطريق إلى الناصرية 2
-
انهيار التعليم في العراق
-
حي الأرامل
-
بيان حول الاعتداء السافر ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية.
-
عقيل حبش .. بطل من الناصرية
-
موعد في غوا (رحلة إلى العراق والهند) الفصل الأول : الناصرية
...
-
موعد في غوا (رحلة إلى العراق والهند) الفصل الأول : الناصرية
-
في الليل تسطع نجمتها!
-
كم هو حزين هذا الصباح؟!
-
مثل ام ولد غركان .. بالناصرية؟!
-
يكون غدا أثرا
-
9 هلالية!
-
مقطع من القصيدة النرويجية
-
استمارة الصافي مرفوضة وسنقوم بتوكيل محامين دوليين!
-
دعوة إلى محافظ ذي قار الجديد التنازل عن منصبه!
-
قرب مكان الانفجار الثاني بالناصرية !
-
هوامش حول حرية التعبير في العراق
-
الأستاذ الجامعي السعودي سعد الدريهم .. إبن أي شارع أنت؟!!
-
مقهى عزران وشاعر المدينة .. فصلان من كتاب (الناصرية .. شخصيا
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|