|
- مماثل للحياة الإنسانية - معرض تغريد درغوث : تشكيل موّحد لموضوعات متعارضة
علاء موفق رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 15:40
المحور:
الادب والفن
في معرضها لهذا العام والذي أقيم في غاليري صالح بركات - بيروت، تقدم الفنانة التشكيلية اللبنانية تغريد درغوث، مجموعة كبيرة من اللوحات بالمقاسات المتنوعة بين 20 سم حتى حدود 3 أمتار، هذا التنويع على مستوى أحجام اللوحة، يرافقه تنويع آخر على مستوى الموضوعات التي تحاول اللوحات تمثيلها، فيجد المتلقي نفسه أمام موضوعات جديدة وأخرى تستعيدها الفنانة من موضوعات عالجتها سابقاً في مسيرتها الفنية، منها: أشجار الزيتون، جذوع أشجار مبتورة، الجمجمة، والآلات الحربية العسكرية.
تبرز في المعرض الحالي موضوعة أشجار الزيتون، تقدم الرسامة تنويعات لشجرة الزيتون بأسلوب يدمج بين التعبيرية والتجريدية، حيث تتشابه فيها اللوحة والأخرى من حيث المنظور وتموضع الكتلة المرسومة داخل فضاء اللوحة، كما تتنوع في ألوانها وعلاقة كل منها في خلفية اللوحة المرسومة عليها. أشجار الزيتون هذه تحيلها الفنانة إلى مرجعيتين الأولى فنية والثانية سياسية.
المرجعية الفنية تعود إلى 18 لوحة لأشجار الزيتون رسمها الفنان (فنسنت فان كوخ 1853 – 1890) خلال فترة إقامته في مستشفى سانت ريمي في فرنسا. لقد كتب فان كوخ حينها عن تواصل روحي يشعره تجاه شجر الزيتون الذي رأه فيه ما يماثل الحياة الإنسانية على حد تعابيره، وربما من هنا يأتي عنوان معرض تغريد درغوث الحالي " Anaology To Humain Life " أي ما هو مماثل للحياة الإنسانية.
المرجعية السياسية لموضوعة شجر الزيتون تأتي من تصريحات الفنانة بأنها قرأت مقالاً يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية اتبعت سياسية ممنهجة لتدمير وقطع أشجار الزيتون في عدد من المناطق الفلسطينية، وقد أثبتت التقارير الدولية ذلك. وبهذا النوع من التصريح تحمل درغوث أعمالها بعداً سياسياً ينبع من إلتزام الفنان إلى جانب الجماليات التي يقدمها.
هذا الإلتزام ظهر أيضاً في معارض سابقة حققتها الفنانة درغوث، من أهمها على هذا الصعيد معرضها في غاليري أجيال العام 2015، والذي خصصته لموضوعة كاميرات المراقبة والأقمار الصناعية، في محاولة لإكساب المتلقي وعياً بالحياة الخاضعة للمراقبة المستمرة عبر التقنيات الرقمية الحديثة، والخاضعة للسيطرة القمعية عبر الآلات الحربية والعسكرية.
في معرضها الحالي تعرض درغوث لوحات بمقاسات كبيرة لدبابة ميركافا وطائرة حربية عسكرية. هذه التيمة المستمدة من معارض سابقة لها تبدو دون سياق في ظل الفكرة التي يقوم عليها معرضها الجديد، مما يجعل المتلقي حائراً في تلقي رسومات لآلات تتجاور مع أشجار الزيتون. فإن كان الأسلوب الفني والجمالي واحد في معالجة الموضوعتين المتمثلتين في اللوحة، إلا أن الرابط الذي يجمع هاتين الموضوعتين في معرض واحد تبدو هشة.
أيضاً، تستعيد الفنانة من معارضها السابقة، موضوعة الجمجمة. في العام 2010، في غاليري أجيال قدمت الفنانة درغوث مجموعة من رسومات الأكريليك التي تمثل تنويعات على موضوعة الجمجمة. إنها موضوعة هامة جمالياً وفنياً، تستعيرها الفنانة من تاريخ الفن. ففي القرن السادس عشر، وفي ألمانيا تحديداً ظهرت تيار فني متأثراً بالتعبيرية عمل على تجسيد موضوعة الموت وتجلياته، وكانت الجمجمة واحدة من موضوعاته الأبرز، الفكر الذي حمله هذا التيار الفني يقوم على تبيان الزمن وآثاره التي لا يمكن تفاديها، أي حتمية الموت.
سلسلة من اللوحات تقدمها درغوث في معرضها الحالي تحت عنوان ( قطع من اللحم)، تربطها الناقدة (ناتاشا غاسباريان ) بمجموعة لوحات رسمها الهولندي رامبرانت في العام 1655 وعرفت بإسم قطع تشريحية لثور مذبوح. لوحات درغوث تقدم قطعاً من اللحم معلقة على خطافات، تشكلها بخطوط على خلفية اللوحة، أحياناً تضيف إليها سائل باللون الأحمر ليوحي بالدم، وأحياناً تلوّن كامل قطعة اللحم المرسومة بتدرجات بين الأبيض، الزهري، الأحمر والأحمر القاني، مما يوحي بطزاجة وحيوية اللحم المرسوم.
الخطافات الحديدية التي تحمل اللحم المذبوح، تشبه ألسنة الجرافات المعدنية المستعملة في الحفر وجرف الرمال، والتي أيضاً قد خصصت لها الفنانة مجموعة لوحات بعنوان Caterpillers. هكذا توحد الفنانة بين الموضوعتين فنياً، أي بكيفية تمثيل المجسد داخل اللوحة، وربما مفاهيمياً، أي بطريقة إدانته. هل تدين الفنانة الجرافات كما تدين تقطيع اللحم، أم ان مجرد تماثل شكلي يجمعهما في عين الفنانة ؟ هنا نصل إلى الإشكالية التي قد يواجهها المتلقي أمام لوحات هذا المعرض، الذي يقدم موضوعات متعارضة تعالج بأسلوب فني وتشكيلي متماثل وسياق فكري متشابه. فكيف يستقبل المتلقي لوحات تقدم أشجار الزيتون إلى جانب لوحات لطائرة عسكرية ودبابة وإلى جانبها قطع لحم مشرح، وتتم معالجتها بالطريقة ذاتها على المستوى الفني – التشكيلي والموضوعاتي ؟
يقدم المعرض الحالي متعة بصرية تشكيلية مكثفة، ويمكن اعتباره الأجرأ للفنانة على مستوى الأسلوب الفني التشكيلي من حيث : المساحات اللونية التعبيرية الواسعة، ضربات ريشة أكثر جرأة وأكثر رغبةً في البروز والحضور، شغف بتلوين مرّكز لخلفيات اللوحات، وتكثيف ملمس الكتل المجسدة في اللوحة. لكن وبالمقابل، يدمج المعرض بين مجموعة من الموضوعات التي تبدو متعارضة، دون تنويع في معالجتها الفنية أو المفاهيمية، مما يتطلب تأنياً أكبر من قبل الفنانة في اختيار الموضوعات التي تقدمها وتجمعها في معرض واحد.
ولدت الفنانة في صيدا 1979، وحصلت على شهادة الفنون الجميلة الجامعة اللبنانية، ومن ثم درست في باريس " فن المساحة " في المعهد العالي للفنون. حققت مجموعة من المعارض الفردية، أبرزها : ( أجزاء ناقصة، 2006، معهد غوته-بيروت )، ومع غاليري أجيال - بيروت قدمت عدة معارض منها : (مرآة، مرآة، 2006 )، ( تمارين، 2013 )، و (آلات المراقبة، 2015 )
#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان حرش بيروت 2018 : الإهتمام بمسرح المقولات السياسية وال
...
-
واقع حرية التعبير في لبنان
-
الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة 2018
-
- إيروتيكا - باللغة العربية
-
عن الفنون الفردية السورية وآليات إنتاجها بين عامي 2012 – 201
...
-
فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
-
مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا
...
-
المغامرة السريالية
-
القصة القصيرة الروسية الساخرة
-
رحيل منظر المفاهيم السردية الأساسية
-
مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا
...
-
فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
-
مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
-
Haven For Artists : ملاذاً للفن والفنانين.
-
القصة الروسية الساخرة
-
المغامرة السريالية
-
القراءة والقارئ صور في البلاغة الأدبية - فيليب دايفيس
-
النماذج البدئية واللاوعي الجمعي - كارل غوستاف يونغ
-
الجنس في الإسلام لقاء مع فتحي بن سلامة
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|