|
الفساد تعريفه وأسبابه وآثاره ووسائل مكافحته د/ محمود رجب فتح الله
محمود رجب فتح الله
الحوار المتمدن-العدد: 6097 - 2018 / 12 / 28 - 19:53
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الفساد افة مجتمعية عرفتها المجتمعات الانسانية منذ فجر التاريخ ، وهو مرض عضال تحمله كل الدول والمجتمعات سواء اكانت غنية ام فقيرة ، متعلمة ام جاهلة ، دكتاتورية ام ديمقراطية ، قوية ام ضعيفة ، وهو مما يرتبط ظهوره واستمراره برغبة الانسان في الحصول على مكاسب مادية او معنوية يعتقد في قرارة نفسه انه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى اليها ، لذا فهو يلجأ الى وسائل سرية للوصول اليها منها اقصاء من له الحق فيها ، او الحصول عليها عن طريق الرشوة او المحسوبية او الواسطة او اختلاس المال العام وغيرها . ويعد الفساد اليوم ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ، ذات جذور عميقة تأخذ ابعادا واسعة تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينهما ، وسيكون الفساد هو التحدي الاهم والوريث المتوقع للارهاب والذي ستجد الحكومات والمجتمعات نفسها في مواجهته ، وفي حرب معه ، ستكون على الاغلب اكثر شراسة وتكلفة من مكافحة الارهاب ( ). ونتناول بالبحث ظاهرة الفساد في مبحثين نخصص الاول منهما للتعريف بالفساد واسبابه واثاره ، ونخصص الثاني لوسائل مكافحته وتوزيع المسؤولية عنها .
المبحث الاول تعريف الفساد واسبابه واثاره نتناول تعريف الفساد وانواعه في مطلب اول ، ونبحث اسبابه واثاره في مبحث ثان . المطلب الاول تعريف الفساد وانواعه لم يتفق الكتاب والمنظمات المعنية بمكافحة الفساد على تعريف محدد له ، فقد عرفه بعضهم بانه :- ( اساءة استعمال السلطة العامة او الوظيفة العامة للكسب الخاص ) ، وعرفه اخرون بانه :- ( اساءة استعمال الادوار او الموارد العامة للفائدة الخاصة ) ، في حين بعضهم الى تعريفه بانه :- (استخدام النفوذ العام لتحقيق ارباح او منافع خاصة ويشمل جميع انواع رشاوى المسؤولين المحليين او الوطنيين او السياسيين ولكنه يستبعد الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع الخاص ) ( )، وعرفه البنك الدولي في تقرير التنمية الصادر عام 1997 بانه ( سوء استغلال السلطة العامة من اجل الحصول على مكاسب شخصية ) ( ) فقصرت تلك التعاريف الفساد على اساءة استعمال( السلطة العامة ) فهي تقصر الفساد على القطاع العام ، في حين ان الفساد قد يكون اكثر ظهورا واثرا في القطاع الخاص وفي مؤسسات المجتمع المدني . لذا عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد، بانه :- ( اساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة ) فهو استغلال السلطة الممنوحة سواء كانت في القطاع العام او الخاص لتحقيق مكاسب شخصية ، ولا يشترط في المكاسب او المنافع الخاصة التي يلتمسها الفاسد ان تكون لمصلحته الخاصة هو ، بل قد تكون لاحد افراد عائلته او لقريب او صديق او لمؤسسة او حزب او منظمة يتعاطف معها .. وخرج تعريف اخر عن صيغ التعاريف المذكورة انفا فعرف الفساد بانه :- ( الخروج عن القواعد الاخلاقية الصحيحة وغياب او تغييب الضوابط التي يجب ان تحكم السلوك ، ومخالفة الشروط الموضوعة للعمل وبالتالي ممارسة كل ما يتعارض مع هذه وتلك . ) ( ) . وعندنا فان الفساد هو الانحراف بالسلطة الممنوحة عما قصد من اعطائها لتحقيق مكاسب غير مشروعة . وعموما فان الفساد كمصطلح يغطي مجموعة واسعة من الممارسات السياسية والاقتصادية والادارية المشبوهة والمريبة ، ويشمل مساحة واسعة من الاعمال والتصرفات غير الشرعية ، فهو ظاهرة معقدة تتشعب اسبابها وتتنوع اثارها ، وتشمل انواعا مختلفة من انماط السلوك الشاذة اهمها :- 1- الرشوة . 2- الاختلاس . 3- استغلال النفوذ . 4- الابتزاز . وهو اجبار الاشخاص على دفع مبالغ مالية معينة بالتهديد او العنف والترهيب كاجبار الموظف المسؤول عن استلام مواد متعاقد على توريدها الى دائرته المقاول المورد على دفع مبلغ يفرضه والا عدها غير مطابقة للمواصفات . واجبار الملشيات المقاولين العاملين في مناطق نفوذها على دفع مبالغ او فرض العمال عليه والا منعوه من تنفيذ المقاولة . 5- هدر المال العام . 6- توظيف الاموال العامة لغير ما خصصت له ، اما للمصلحة الخاصة او لمصلحة فرد او مؤسسة او حزب او جماعة . 7- التهرب و المساعدة على التهرب من الضريبة . 8- الوساطة . 9- تسريب المعلومات . 10- تفضيل ذوي الصلات والقربى في التعيينات في الوظائف . 11- تفضيل ذوي الصلات والقربى في العقود . 12- المزاجية في اصدار القرارات الادارية دون التقيد بالقوانين والانظمة . 13- الحصول على نسب مقابل احالة العقود او المناقصات . 14- الاهمال الجسيم بما يلحق ضررا جسيما بالاموال العامة . والكثير من انواع الانشطة الفاسدة الاخرى ، ولا يشترط في النشاط لكي يعد ( فسادا ) ان يكون فعلا يجرمه القانون ، فمن الافعال ما لا تجرمه القوانين ولكنه يعد فسادا متى ما كان نشاطا يتضمن اساءة في استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق مصالح فردية كالرشوة خارج القطاع العام ولا يقتصر ظهور الفساد على القطاع العام بل هو قد يكون اكثر ظهورا في القطاع الخاص وفي مؤسسات المجتمع المدني . والفساد في القطاع العام لا يظهر في مفاصل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فقط ، بل يمكن ان يظهر في ميدان عمل السلطة التشريعية من خلال تجميد المشاريع لاغراض المساومة مثلا ، او في توزيع المناصب الحكومية على اسس حزبية او طائفية ، او على مقياس الولاء بغض النظر عن الجدارة او الكفاءة او الاختصاص . كما قد يظهر بشكل صارخ في المؤسسات المستقلة بضمنها المؤسسات الرقابية او المتخصصة في مكافحة الفساد كفساد المحققين وضباط الشرطة والمفتشين العامين وموظفيهم . وليس هناك علاقة مباشرة بين نظام الحكم والفساد ، فالفساد موجود في دول انظمتها ديكتاتورية كما هو موجود في دول انظمتها ديمقراطية ، الا ان الانظمة غير الديمقراطية تعد حاضنة صالحة للفساد اكثر من الانظمة الديمقراطية من الناحية النظرية ، لان الاخيرة ( أي الانظمة الديمقراطية ) تكون في ظلها السلطات متوازية ومستقلة ، وتوفر انتخابات حرة ونزيهة وتداول سلمي للسلطة وحرية تعبير وصحافة حرة وقضاء مستقل محايد عادل وكفوء لذا تكون ممارسة الفساد عملية صعبة او خطرة ذات نتائج غير مضمونة . وقد صنف الفساد الى فساد سياسي وفساد بيروقراطي او اداري ، وعرف الفساد السياسي بانه :- ( اساءة استخدام السلطة العامة ( الحكومية ) لاهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية ، لتحقيق مكاسب شخصية ، واهم اشكاله المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الاقارب ) ( ) . وقسم الفساد ايضا الى فساد صغير وفساد كبير ، اما الفساد الكبير فهو الفساد السياسي الذي ينتشر في اعلى دوائر السلطة السياسية حيث يقوم القابضون على القرار السياسي باستعمال سلطتهم ونفوذهم لتوطيد مكانتهم وتعزيز ثرواتهم بتفصيل السياسات والاولويات والتشريعات على قياسهم ولمصلحتهم ، وهو اخطر انواع الفساد واكثرها تعقيدا واثرا على المجتمعات والدول واكثرها صعوبة في المعالجة ، ولكن عملياته اقل عددا من الفساد الصغير او الاداري ، فهي عمليات قليلة قياسا بعلميات الفسـاد الصغير ولكنها اكبر واكثر اثرا واعظما حجما وثأتيرا . اما الفساد الصغير او الاداري او البيروقراطي او الفساد المحدود او التافه فهو ممارسة المعاملات الفاسدة في الادارة ، وهو قد يأخذ شكل تبادل مبالغ نقدية او منافع ثانوية كدفع الرشى لترويج او تسريع بعض المعاملات وتوظيف الاقارب والاصدقاء في مراكز غير قيادية ، وهو فساد اقل خطرا واثرا من الفساد الكبير او السياسي ، الا ان عدد عملياته كبير جدا قياسا الى عدد عمليات الفساد الكبير ، فقد يقع في اليوم الواحد الاف المرات ومن عدد كبير من الموظفين والمواطنين كدفع الرشى في مراكز الشرطة او دوائر التسجيل العقاري او في المحاكم او في دوائر الضريبة او في دوائر الاحوال المدنية اوالجوازات او الرعاية الاجتماعية وغيرها . وبسبب غياب الفصل بين الادارة والسياسة خاصة في البلدان النامية فان تقسيم الفساد الى سياسي او كبير و اداري او صغير يكون غير واضح ونسبي . واضاف البعض صنفا ثالثا الى الفاسدين السياسي والاداري هو الفساد المالي وقسموه الى قسمين :- 1- فساد محله المال العام . 2- فساد محله اموال المواطنين . وفرق البعض بين فساد الموظفين الكبار وفساد الموظفين الصغار ، وهو تقسيم قريب الشبه بتقسيم الفساد الى فساد كبير وفساد صغير ، ولكنه يختلف عنه في اسس جوهرية ، فيكون فساد الموظفين الكبار بمبلغ كبيرة من الاموال العامة وهو يقع غالبا فيما تجريه الدولة من مناقصات او مزايدات ، اما فساد الموظفين الصغار فهو غالبا ما يقع بمبالغ صغيرة تؤخذ من اموال المواطنين الخاصة وليس من اموال القطاع العام . ويعد فساد الموظفين الكبار اخطر واكثر اثرا لانه يقع بمبالغ كبيرة وعلى الاموال العامة فيضر بالاقتصاد الوطني ويحد من مستويات التنمية ومن تقديم الخدمات العامة ، اما الفساد الموظفين الصغار فهو اقل خطرا على الاقتصاد الوطني والتنمية لانه لا يقع على المال العام بل يؤخذ محله من اموال المواطنين كأخذ الرشوة لانجاز المعاملات او تسريعها وهو غالبا ما يقع بمبالغ بسيطة . الا ان خطورة فساد الموظفين الصغار تظهر في كثرة عملياته وانتشاره السريع مما يصعب من امكانية معالجته بوسائل الرقابة والملاحقة الجنائية ، فلا تنفع في ملاحقته وسائل مكافحة الفساد الفردية الاثر ، بل يتعين التوسل بوسائل مكافحة الفساد العامة الاثر لمواجهته ، كتوفير شروط النزاهة للموظفين وتبسيط الاجراءات الادارية ومنع الموظفين من الاتصال بالمراجعين وبث ثقافة النزاهة وقيم التدين لـدى الموظفين والمواطنين على حد سواء . واهم الفروقات بين فساد الموظفين الكبار وفساد الموظفين الصغار هو الدافع اليه ، اذ يكون الموظف الصغير مدفوعا في ارتكاب عمليات الفساد الصغيرة بسد حاجته وضروريات الحياة له ولعائلته ، كدفع اجرة منزله او شراء منزل ، اما المظف الكبير فانه يكون غالبا مدفوعا بالرغبة في زيادة ثروته وزيادة نفوذه ، لذلك تجد تعاطفا مع فساد الموظفين الصغار وتبريرا له احيانا تحت اسم الهدية والهبة والعطية الاختيارية وغيرها ، وبخلافه هناك تشدد كبير مع فساد الموظفين الكبار لعدم قبول الدافع اليه قياسا بدافع الفساد الصغير الذي يعد اكثر شرفا وقبولا . وفرق اخرون بين الفساد السوقي( ) او المنظم والفساد غير المنظم ، ويقوم الفساد المنظم على الاستغلال المنظم للمركز الوظيفي ، بان ينظم الفاسدون انفسهم لاتباع سياسة وخطط معينة لاستجلاب عائدات عملياتهم الفاسدة ، وهو فساد يمارسه عدد من الموظفين الفاسدين في ظل استرتيجية معينة يتفق عليها صراحة او ضمنا ، اما الفساد غير المنظم فهو الفساد الذي يمارسه الموظف منفردا دون اتفاق مع فاسدين اخرين من الموظفين .
المطلب الثاني اسباب الفساد واثاره للفساد - بانواعه المختلفة - اسباب متشعبة ومتداخلة ومعقدة اهمها :- 1- انحلال البناء القيمي وضعف الضوابط الاخلاقية في مؤسسات الدولة والمجتمع عموما مما يؤدي الى تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة . 2- الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي ترحج توجه الناس الى الافراط في الفردية مع تنامي سطوة التأثير المادي على المجتمع ( ). 3- غياب المساءلة بكل او معظم صورها ، وهو اما غيابي قانوني أي ان المنظومة القانونية لا تتضمن تنظيما لاليات المساءلة فلا وجود لرقابة دستورية او مساءلة برلمانية ولا وجود لمؤسسات للرقابة الداخلية ... وقد تكون المساءلة منظمة قانونا ولها وجود في المنظومة القانونية ولكنها غير فاعلة ولا تؤدي دورها المرجو منها فوجودها كعدمها . 4- اختزال مفهوم النزاهة والصلاح والاستقامة لدى الانظمة الدكتاتورية والقمعية في الولاء للنظام او الحزب بدلا من القيم المبدئية وقيم المجتمع . 5- اختلال موازين توزيع الثروة على افراد المجتمع ، وغلبة الشعور بالغبن لدى غالبية افراد المجتمع مما يدفع ببعضهم الى ابتداع وسائل التربح والارتشاء واختلاس الاموال العامة كمحاولة فردية او منظمة غير مشروعة لاعادة التوازن المفقود . 6- عدم كفاءة ونزاهة القيادات الادارية وكبار المسؤولين من وزراء ووكلائهم ومدراء عامين لان اختياريهم يتم على اساس التزكية او الولاء للحزب او الكتلة او الطائفة او على اساس القرابة والصداقة والمحسوبية دون مراعاة لمبدأ التقييم العلمي المبني على الكفاءة والخبرة والنزاهة ، واحيانا تصل الحال في مثل تلك المناصب الى بيعها على الراغبين بما يتناسب مع ما يتصور استدراره منها من موارد نتيجة الممارسات غير المشروعة . 7- انعدام الشفافية في مؤسسات القطاع العام ومفاصل القطاع الخاص ، والعمل بسرية ومنع المعلومات والاحصائيات من التسرب الى الجمهور او الاعلام او مؤسسات المجتمع المدني . 8- الرواتب غير المجزية لموظفي القطاع العام مما يلجئهم الى البحث عن مصادر اخرى للدخل ، فأن لم يجدوا مصادر مشروعة ، اضطروا الى التوسل بالمصادر غير المشروعة سواء اكان محله المال العام او اموال المواطنين . وللفساد تداعيات مدمرة متشعبة ومتعددة اهمها :- 1- زعزعة الاستقرار الاقتصادي . فانشار الفساد في القطاع الخاص يؤدي الى زيادة كلفة العمل او المنتج التجاري من خلال زيادة المدفوعات غير المشروعة ، وازدياد النفقات الادارية الناجمة عن التفاوض مع المسؤولين ( ). 2- عرقلة النمو وزيادة الفقر والعجز عن مكافحته ، لان مساعدة الفقراء تتطلب تحويل الموارد العامة الى انشطة تصب في اطار تعزيز النمو كالزامية التعليم الابتدائي والرعاية الصحية الاولية ، الا ان ذلك لا يناسب السياسيين الباحثين عن اموال الفساد فهم غير قادرين على جمع اموال ضخمة الا من مستويات مرتفعة من الانفاق التي تتيح قدرا اعظم من فرص الفساد كعمليات شراء الاسلحة ومشاريع الاعمار الكبرى لذا لا يحتل الانفاق لمصلحة الفقراء سوى ادنى مرتبة في سلم اولويات بلدان الفساد السياسي . 3- الحد من تقديم الخدمات ، وارتفاع اعباء توفير كمية قليلة من الخدمات العامة ، او على الاقل التوزيع غير العادل لها ، او تردي نوعيتها ، او صعوبة الحصول عليها دون رشوة او توسط . 4- تقويض الديمقراطية . 5- زعزعة الثقة بالحكم وبمصداقية الحكومة. 6- التلاعب وتخطي الاصول القانونية في انجاز المعاملات . 7- زيادة نسبة البطالة ، لضعف الدورة الاقتصادية والانتاج الوطني بسبب هدر الثروة العامة او توزيعها في عمليات الفساد . 8- هجرة الادمغة والطاقات التي ترفض المشاركة في عمليات الفساد نتيجة محاربتها من الطبقات الفاسدة والمفسدين . 9- ضعف امكانيات وكفاءة رؤوس الاموال ، اذ يمكن لاي كان الحصول على عقود عامة لقاء دفـع رشى دون ان يكون لدية الملاءة المالية او القدرة الاستثمارية المناسبة . 10- هروب المستثمرون المحليون للاستثمار في الخارج وعزوف الاستثمار الاجنبي عن الاستثمار داخل البلاد ، لارتفاع تكلفت الاستثمارات نتيجة دفع الرشى ، فهو ضريبة اضافية ، اضافة الى انه يساهم في ارتفاع مخاطر الاستثمار ومحاذيره . 11- لجوء المواطنون الى الاعتماد على الزعماء المحليين لتلبية متطلباتهم وتسيير امورهم عوضا عن اعتمادهم على الحكومة المنخورة بالفساد . 12- عدم المساواة بين المواطنين لان بعضهم سيحظى بمعاملة خاصة وتسهيلات معينة لعلاقاتهم الشخصية او لارتباطاتهم الحزبية او الطائفية او القومية وغيرها او لقدرتهم على دفع الرشى ، وفي ذلك نوع من انواع انتهاك حقوق الانسان ، فالفساد ينتهك حقوق الانسان لحرمانه الفقراء من الوصول الى الخدمات العامة ولحؤوله دون ممارستهم حقوقهم السياسية . 13- الحد من المنافسة المشروعة بين اشخاص القطاع الخاص سواء اكانوا اشخاصا طبيعيين او معنويين ( كالشركات ) لتفضيل من يتعامل مع المفسدين دون منافسة حقيقية او في ظل منافسة صورية . 14- تعطيل اسس الاقتصاد الحر المعتمدة على المنافسة في تقديم افضل الخدمات والعروض والاسعار ، اذ يصبح هم القطاع الخاص تأمين موارده بطرق غير مشروعة من خلال التعامل مع المفسدين ودفع الرشى . 15- تحويل الانتخابات الى وسيلة لوصول الفاسدين الى مراكز السلطة من اجل ضمان حماية اعمالهم الفاسدة وزيادة مدخولاتهم وثرواتهم غير المشروعة . 16- ترسيخ المفاهيم السلبية مثل الانانية والمصلحة الذاتية . 17- الحد من نشاط الفرد وجهده حينما يدرك انهما لا يكونان السبيل لتحقيق الاهداف ، في ظل وجود طرق ملتوية سهلة وقصيرة . 18- عزوف الدول المانحة عن تقديم المعونات والمساعدات التنموية . وقد ذهب البعض الى ان للفساد فوائد للمستفيدين منه اهمها ( ):- 1- تسريع الاجراءات الرسمية . 2- تخطي البيرقراطية الادارية . 3- تأمين مدخول اضافي للموظفين الذين يعانون من تدني الاجور . 4- الاقتصاد في الوقت والجهد . ورغم ان الفساد قد يحقق مآرب المفسد الشخصية الا انه لا يكون الا مقابل ثمن يدفعه ، فمن يدفع الرشوة لانجاز او تسريع معاملة فهو يحصل على ذلك نتيجة دفعه مبلغ الرشوة الذي ينبغي ان لا يكون مضطرا الى دفعه لولا الفساد ، وعندما يتم تعيين شخص بوظيفة ما بتوسط احدهم فهو قد يكون انما وضع مستقبله ومعيشته تحت تصرف مرجع الواسطة ، وقد يكون الثمن المدفوع هو ثمن معنوي او مادي او نقدي ، الا ان الثمن الاكبر الذي يدفع عن ممارسة الفساد هو ذلك الذي يدفعه المجتمع بكامله ، الا وهو انهيار الوطن ( ).
المبحث الثاني وسائل مكافحة الفساد وتوزيع المسؤولية عنها سنبحث في وسائل مكافحة الفساد في مطلب اول ، ونتناول توزيع المسؤولية عنها في المطلب الثاني . المطلب الاول وسائل مكافحة الفساد ان الفساد مشكلة بل معضلة شديدة التعقيد ، متعددة الجوانب ، تتداخل اسبابها وظروف نشوئها ومبررات واسس استمراها ودوامها تداخلا كبيرا ، لذا تتطلب مواجهتها اتباع استراتيجيه شاملة متكاملة ( سياسية وادارية ومجتمعية ووقائية واقتصادية ثم قانونية عقابية في نهاية المطاف ) ( ). لذا لابد من مواجهة الفساد بوسائل متعددة تجابه جوانبه واسبابه وصوره المتعددة ومبررات استمراره ، ولابد من التوسل بتلك الطرق المتعددة لمواجهة الفساد في الوقت ذاته . واهم وسائل مكافحة الفساد :- اولا :- ملاحقة عمليات الفساد جزائيا :- وهي وسيلة من اهم وسائل مكافحة الفساد التي تساهم مساهمة فاعلة اكيدة في الحد منه فيما اذا احسن العمل بها واخذ بالاسباب التي تصلح لتجنب نتائجها السلبية الخطيرة على الوظيفة العامة وحقوق الانسان . وهي تعتمد بشكل اساس على تجريم القوانين بعض اهم صور الفساد ، وملاحقة مرتكبيها بواسطة المحققين تحت اشراف قضاة التحقيق ، وتقديمهم للمحاكم لمعاقبتهم بالعقوبات التي تحددها القوانين ، وهي في فلسفتها في مكافحة الفساد تقوم على الردع العام ، فحيث يستحيل اكتشاف كل عمليات الفساد ، وحيث يستحيل زج جميع مرتكبي افعال الفساد في السجون ، وحينما يتعذر جمع الادلة الكافية لملاحقة جميع عمليات الفساد ، الا ان معاقبة بعض المفسدين ، واكتشاف بعض قضايا الفساد يحقق الردع العام ، لذا فان هذه الوسيلة تحقق هدفها حينما تتمكن السلطات التحقيقية من بث هاجس الرقابة الكفوءة وهاجس احتمال كشف الفساد لدى كل من يفكر فيه سواء في القطاع العام او في القطاع الخاص ، فذلك رادع مهم يقلل من عمليات الفساد ، ولو كان مستحيلا فضح كل عملياته وملاحقتها جزائيا. وتعتمد فاعلية هذه الوسيلة على :- أ- استيعاب النصوص العقابية الوطنية تجريم اكبر قدر ممكن من صور الفساد سواء اكان اداريا او سياسيا ، الا ان التشريعات على الاغلب لا تضم كل صور الفساد ، بل تغفل الكثير من الصورة المهمة منها ب- كفاءة المحققين القائمين بملاحقة جرائم الفساد وقدرتهم على جمع الادلة بما يكفي لادانتهم من قبل المحاكم حين احالتهم اليها ج- كفاءة القضاء واستقلاليته وحياده ومنع التأثير عليه او التدخل في اعماله . د- عدم تدخل السلطات الاخرى كالتنفيذية او التشريعية في اعمال الملاحقة الجنائية للمفسدين مهما كانت مبررات التدخل واسبابه ، سواء اكان التدخل بالتأثير على القضاء او على المحققين او على رؤسائهم الاداريين . الا ان من الخطأ الكبير الظن بان هذة الوسيلة ( الملاحقة الجنائية والتحقيقة للمفسدين ) هي الوسيلة الوحيدة اللازمة لاجتثاث الفساد او حتى للحد منه او التقليل من اثاره بشكل مقبول ومفيد ، لان هذه الوسيلة في مكافحة الفساد لن يكون بامكانها ان تساهم في ذلك الا بنسبة تقل عن 10 % اذا بالغنا في تقييمها ، لاسباب كثيرة ، منها عدم كفاءة القائمين عليها ، ولان الرقم الاسود في جرائم الفساد هو اكبر بكثير من الرقم الابيض ، فجرائم الفساد التي تظل في طي الكتمان اكثر بكثير من الجرائم التي تكتشف حتى فـي الدول التي تمتلك قدرات تحقيقية وقضائية كفوءة ، فما حال كشف الفساد في دول تكون الجهات القضائية والتحقيقة فيها اقل كفاءة وخبرة من المفسدين ، بل قد تكون احيانا فاسدة اكثر منهم ؟ ولهذة الوسيلة ( المعالجة الجنائية للفساد ) نتائج جانبية سلبية عميقة ، فهي سلاح ذو حدين ، اذ ان المبالغة بها ، وايداعها الى محققين غير كفوئين ، والتشهير بالمتهمين قبل حكم المحاكم عليهم بالادانة بالتهم التي نسبت اليهم ، وعدم احترام النص القانوني ، الذي يجعل التحقيق سريا ( )، والتشهير بالموظفين في وسائل الاعلام تحت غطاء مكافحة الفساد ، يؤدي الى فقدان الشعب ثقته بالوظيفه العامة والقطاع العام ، كما تؤدي الى فقدان الموظف العام ثقته بنفسه ، حينما يستقر لدية الشعور بانه معرضة للملاحقة التحقيقة بسبب وبدون سبب ، فيبدأ بالحرص قبل اي شئ على حماية نفسه في كل قراراته واعماله ولو ادى ذلك الى اهدار وضياع المال العام ، فلو اعلن عن مناقصة انشاء مجاري صرف صحي ، ووجد الموظف المختص بان الشركات التي قدمت عروضا بعطاءات واطئة لن تنفذ المشروع الا بطريق خاطئة لان قدراتها العلمية والعملية لا تنهض بها لتنفيذ المشروع بشكل سليم ، وانه يتوجب ان يحيل المناقصة للشركات التي يقدر الموظف المختص بانها قادرة على تنفيذ المشروع بما يتلائم مع الاصول رغم ان عطاءاتها عالية ، ولكنها متناسبة مع حقيقة تنفيذ المشروع تنفيذا علميا صحيحا ، فانه - مع توقع ملاحقته تحقيقيا من جهات غير كفوءة وغير مختصة بميدان عمله- فانه سيحيل المناقصة الى الشركة التي قدمت اوطأ العطاءات ، رغم انها موقن بان المشروع سينفذ بطريقة قد لا تسعفه للاستمرار بالعمل الا لاسابيع او لاشهر قليلة ، لحماية نفسه من الملاحقة التحقيقية ، ولو كان يعلم قطعا ، ان ذلك سيهدر المال العام ، ويؤدي الى تضرر المناطق التي سينفذ فيها المشروع . وهذه صورة بسيطة من مئات الصور التي انتجتها سياسة الملاحقة التحقيقية الخاطئة للفساد ، والتي لم يقصد منها مكافحة الفساد بقدر ما كانت للدعاية واعطاء صورة غير حقيقية كاذبة للعامة وللرأي العام ليس الا ، فان الثابت ان اهم اسباب اعادة المبالغ المرصودة في موازنة الدولة نهاية الاعوام 2005 و2006 لعدم انفاقها من قبل الوزارات والمؤسسات العامة كان هو خوف بعض الوزراء والمسؤولين من الملاحقة الجنائية والخوف من اتهامهم بالفساد وسرقة تلك الاموال ، فيما لو بادروا الى انفاقها لتقديم الخدمات والحاجات التي رصت لها ، لذا فضلوا تجنب انفاقها واعادتها نهاية العام لتجنب احتمال اتهامهم والتشهير بهم . وبدأت صور ابشع من الفساد تظهر تحت غطاء مكافحة الفساد من اظهرها انتهاك حقوق الانسان ، واهدار حكم القانون ، والاخلال بسيادته ، والتدخل في اعمال القضاء ، والمساس باستقلاله ، واستغلال الجهات التحقيقية غير النزيهة وغير الكفوءة التي فقدت استقلالها وحيادها في تصفية الخصوم السياسيين بحجة مكافحة الفساد تحت دفع الجهات السياسية المناوئة . وعلى العموم فان للجانب التحقيقي ( الجزائي ) في مكافحة الفساد اثرا لا ينكر واهمية كبيرة ، لكن يتوجب - فيما يتعلق به - اصلاح الهيئات التي تضطلع بدور مكافحة الفساد بواسطته ، من خلال جعلها جهات فاعلة لا جهات مخيفة ، ومنعها من التدخل في اعمال واختصاصات وصلاحيات المهنيين والفنيين ، وضمان استقلالها من خلال حسن اختيار القائمين عليها في كفائتهم وحيادهم ونزاهتهم ، والحيلولة بينها وبين التدخل في اعمال الموظفين المهنيين بواسطة محققين ، او موظفين قليلي الخبرة ، والتجربة ، بحيث لا يفرق بين المخالفة البسيطة القانونية او الادارية او المالية ، وبين المخالفة الانضباطية ، وبين الجريمة التي يعاقب عليها قانون العقوبات ، والزامها بمراعاة حقوق الاخرين وسمعتهم حين محاولتها الاعلان عن المعلومات المتعلقة بالفساد ، للتخفيف من النتائج السلبية لهذه الوسيلة الخطرة . والاعتماد على فلسفة تقوم ان تكون تلك الوسيلة قد حققت ما مطلوب منها في مكافحة الفساد حينما تتمكن الجهات القائمة عليها من بث تصور وجود الرقابة الفاعلة والمسآلة ، وامكانية كشف عمليات الفساد وملاحقة مرتكبيها ، ولو لم تتمكن من كشف جميع عمليات الفساد ، او ملاحقة جميع مرتكبيه ، لان ذلك امر مستحيل ، ولان الفصد من تلك الوسيلة ليس بالانتقام من الفاسدين بقدر ما يقصد منها ردع اعمال الفساد والحد منها ، لذا يتوجب العمل في ميدان مكافحة الفساد بهذه الوسيلة على الاسس الاتية :- 1- ان يكون هدف هذه الوسيلة هو الردع العام للحد من عمليات الفساد ، وان لا يكون هدفها الانتقام من المفسدين ، او بث الرعب والخوف من تجبر وتحكم وتعسف الجهات العاملة في هذا الميدان ، أي ان تكون الجهات التحقيقية قادرة على ارهاب الفاسدين فقط ، وان يكون الموظف النزيه في مأمن من ملاحقتها فلا يتهرب من مسؤلياته واداء واجباته ، وبخلافه فان الفساد الذي تجلبه سيكون اكبر من الفساد الذي تحد منه . 2- ان تقف السلطات التحقيقية عن حدود مهامها القانونية ، وتمتنع عن التدخل والتأثير في اعمال وقرارات الموظفين المختصين ، أي ان تكون مهمة المحقق لاحقه لقرارات واعمال الموظف المختص ، فاذا وجد فيها مخالفة ترقى لمستوى الجريمة كان له حق ملاحقته عنها ، اما اذا لم يجد في تلك الاعمال ( الواقعة في الماضي ) ما يعد جريمة فلا حق له في التعرض له باي حال من الاحوال ، ولا يحق له التدخل في توجيهه او ان يفرض عليه اتخاذ قرارات او توجهات معينة ، كما حصل في تداخلات هيئة النزاهة في الكثير من اختصاصات وعمل الوزارات رغم عدم اختصاصها فيما تتدخل فيه ، والقول بخلاف ذلك يصنع دكتاتورية جديدة شبيه بدكتاتورية ديوان الرئاسة في زمن حكم الطاغية صدام . 3- ان تحترم السلطات التحقيقة في اعمالها حقوق الانسان وحكم القانون وسيادته ، وان لا يكون شعار مكافحة الفساد مبررا لانتهاك حقوق الانسان ومخالفة القوانين والتشهير بالاشخاص بلا حكم بات بالادانة ، خلافا للقاعدة الدستورية القاضية بان المتهم برئ حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات ، لان ما تجلبه تلك الانتهاكات من مساوئ واضرار وفساد هو اعظم مما تحققه تلك الاعمال من اثر في مكافحة الفساد . وتبدو اهمية هذه الوسيلة من وسائل مكافحة الفساد في انها تصلح - في النجاح في استعمالها – الى الحد من كل انواع الفساد سواء اكان فساد صغير او فساد كبير بواسطة الردع العام وفرض حس الرقابة والمسآلة لدى موظفي القطاع العام ، الا انها من الناحية العملية لا تحقق اغراضها الا بحصر جهود القائمين عليها في ملاحقة الفساد الكبير ، فهي لا تصلح الا في ملاحقة الفساد الكبير لانها في حالة التركيز على ملاحقة الفساد الصغير فان الجهود فيها ستضيع في دعاوى تافة صغيرة لا تحقق اغراض هذه الوسيلة العامة في نشر الاحساس بوجود الرقابة والردع العام ، فلن يكون مجديا زج الف مفوض شرطة او الف موظف في التسجيل العقاري او في دوائر الضريبة في السجن لتعاطيهم الرشوة مثلا ، كما ان عمليات الفساد الصغير عددها ضخم جدا الى حد انها لو تمت ملاحقتها جميعا – على فرض امكان ذلك- لزج اكثر من 90% من موظفي القطاع العام في السجن ، ومع ذلك فان ملاحقة كل تلك العمليات ومرتكبيها مستحيل لان عددها مهول ولان الجهات المعنية بالملاحقات الجنائية لا تمتلك قدرات او امكانيات ملاحقة تلك العمليات الكثيرة التي يصعب كثيرا الحصول على ادلة كافية في قضاياها ، لذا لابد من ان توجه المؤسسات المتخصصة في ملاحقة الفساد جزائيا – كهيئة النزاهة – على ملاحقة الفساد الكبير وترك ملاحقة الفساد الصغير ، لان تحقيق أي انجاز في ملاحقة الفساد الكبير يعطي اثرا كبيرا في تحقيق الردع العام والحس بالرقابة في عموم القطاع العام ، ولان قضايا الفساد الكبير تكون قضايا كبيرة وبمبالغ كبيرة جدا وهي مؤثرة في الاقتصاد الوطني ، لذا يكون التركيز عليها ضرويا وملحا ، وهو يحقق للجهات المتخصصة في ملاحقة الفساد هدف مهم هو توجيه جهود محققيها وقدراتها ومواردها في قضايا كبيرة ونافعة ومحصورة لكي لا تتشت في قضايا صغيرة وتافه وغير مؤثرة كالرشاوى البسيطة وتزوير بعض المحررات . ثانيا :- الشفافية :- هي ببساطة العمل في العلن ، أي ان تكون كل المرافق والمؤسسات التي تدير الشأن العام شفافة تعكس ما يجري بداخلها ، فيجب ان تكون الحقائق معروفة ومتاحة للبحث والمساءلة والنقاش ، والشفافية لا تقف ضرورة وجودها على مؤسسات القطاع العام بل يجب ان تكون متوفرة في ما يتعلق بالاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ، وهي خير وسيلة لفضح الممارسات الفاسدة والحد منها سواء اكانت فسادا كبيرا ام فسادا صغيرا ، فالفساد عملية تنمو وتزدهر في الظلام ، وتحت مبررات السرية والمصالح العليا والامن ، والتكتم وحجب المعلومات عن الناس والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني ، لذا فخير وسيلة لمكافحة الفساد هي اجبار الفاسد على العمل في الشمس ، والزامه بعرض اعماله واوراقه ووثائقه على اصحاب الحق فيما يتصرف به من اموال ( الشعب ) . وهذا ينبغي ان ينبع من فلسفة تتبناها الدولة بكامل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات الرقابة تقوم على ان الموظف مهما علا منصبه هو خادم واجير عند ابسط المواطنين ، وهو ليس الا وكيل عن كل فرد من افراد الشعب في تصرفه بالشأن العام وبالمال العام ، وينبغي بالوكيل ان يلتزم بتقديم حساب عن تصرفه بمال الموكل وان يقدم له وثائقه ومستنداته التي تثبت ذلك ، ومن حق الاصيل ( الموكل ) محاسبته عن سلامة ودقة وكفاءة وجدوى تصرفه بذلك المال ، ولا يتسنى للاصيل ( الشعب ) ذلك الا اذا اتيح له الوقوف على تصرفات الموظف بالمال العام ، لذا يتوجب تبني هذه الفلسفة واصدار قانون يجيز لاي مواطن او لاي جهة صحفية او اعلامية ولاي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الوصول الى وثائق ومعلومات تصرف الموظفين بالمال العام ، وقد صدر في العديد من الدول مثل ذلك القانون منها بعض الدول العربية كالاردن . والشفافية ليست هدفا في حد ذاتها وانما هي وسيلة من وسائل مكافحة الفساد وهي تؤدي هذا الدور بطريقين :- 1- بطريق مباشر :- حينما تكون مانعا مباشرا من تورط الموظف بعمليات الفساد ، لانه يعمل في بيئة مكشوفة ، لا تشجع على الفساد ، فلا تغري بممارسة الفساد الا بيئة من السرية والتكتم والعمل في الخفاء وفي ظل حماية الاسوار العالية . كما انها تكون دافعا للموظف - خاصة القيادي - من اجل تحقيق منجازات حقيقة في اعماله ، فهي تحثه على ذلك لانه سوف يكون ملزما بتقديم تقريرا الى الشعب والاعلام عما حققه في مؤسسته وان اعماله وانجازاته سوف تكون محل بحث ونقد وملاحظة وتحليلات لاحصاءاته وظروف عمل دائرته تحت قيادته . 2- بطريق غير مباشر :- بالمساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة والرقابة ، فعندما تتاح المعلومات على نطاق اوسع تكون هناك فرصة لرقابة ومساءلة اكبر ، فتعطي الشفافية احساس بوجود رقابة دائمة لا يمكن تحديد مصدرها ووقت اثارتها. لذلك فان الشفافية والفساد مفهومان متعارضان بينهما علاقة عكسية فكلما زادت الشفافية في المجتمع وفي كل المجالات وعلى كافة الاصعدة كلما ارتفعت امكانية محاربة الفساد والحد منه والسيطرة على اثاره المدمرة ( )، لان الفساد لا ينمو ويؤتي ثماره السامة الا خلف الستر وفي الخفاء و في اجواء الغموض وعدم الوضوح . ثالثا :- وضع الرجال المناسب في المكان المناسب :- فكما ان ( الناس على دين ملوكهم ) فان ( الموظفين على دين رؤسائهم ) فيما يتعلق بالفساد والنزاهة ، ولا يمكن ان يقبل من السلطة التنفيذية ان تأتي برؤساء فاسدين ومفسدين ثم تطلب من الجهات الرقابية والمعنية بمكافحة الفساد محاسبتهم ومنعهم من القيام باعمال الفساد وتحقيق مكاسب غير مشروعة باستغلال سلطاتهم العامة . فيتوجب اختيار الموظفين وقياداتهم المباشرة على اسس سليمة بما يضمن وضع الشخص المناسب الكفوء النزيه ذو الخبرة والجدية والقدرة القيادية على رأس المؤسسات والدوائر . وتعد هذه الوسيلة اهم وسائل السلطة التنفيذية في محاربة الفساد والحد منه ، فليس انجع من محاربة الفساد في دائرة فاسدة من وضع رجل نزيه كفوء حريص على رأسها ، فالقيادة المباشرة النزيهة هي اقدر سلطة على الضرب على ايدي المفسدين في اية مؤسسة او دائرة ، لان الرئيس المباشر هو الاقرب الى مفردات العمل ، والاقدر على تقييم مرؤوسيه ومعرفة حقائقهم من جميع الجهات ، وهو قادر على تغيير اليات العمل واسسه ، ويكون غالبا على معرفة تامة بموظفيه ونزاهتهم وقدراتهم وحدود ثقافتهم وحاجاتهم اكثر من اية جهة اخرى سواء كانت ادارية رئاسية او رقابية او تحقيقية . ولكن لا يكفي في تطبيق هذه الالية لمكافحة الفساد اختيار النزيهين ، اذ ان النزاهة لا تكفي ، بل يتوجب ان يتوفر في الرجل المناسب متطلبات اهمها :- 1- الكفاءة العملية العالية :- ولا يكفي في ذلك حمل الرجل شهادة علمية ولو عالية ، فكم من اميين او انصاف المتعلمين يحملون شهادات الدكتوراه ، الا ان العبرة اضافة الى الشهادة بالكفاءة العلمية الشخصية ، وذلك امر ليس من الصعب تمييزه عند اصحاب الشهادات . 2- التخصص :- أي ان يكون الرجل من اصحاب الاختصاص في ميدان الوظيفة التي يراد تعيينه في منصب قيادي فيها ، فلا يقبل ان يعين الاطباء كمفتشين عموميين ولو في وزارة الصحة ، او تعيين مهندس الكيمياء مديرا للري ، او تعيين خريج الكليات البحرية مديرا للتعليم . 3- الخبرة العملية :- فلا تكفي الشهادة مهما علت ولا التخصص في تولي المناصب القيادية بل لابد ان يكون الرجل المرشح لمنصب قيادي ذي خبرة عملية وتطبيقة عميقة في ميدان عمله ، ليكون خبيرا في اسرار وخفايا عمله ومؤسسته ، والا فانه سيكون العوبة صغيرة في يد اصحاب الخبرة العملية في دائرته . 4- الحرص والجدية . 5- الشجاعة . اضافة الى النزاهة ليكون فعلا رجلا مناسبا لمكان مناسب . وتبدو اهمية هذه الالية في مكافحة الفساد بانها تصلح لملاحقة المفسدين عن طريق رؤسائهم المباشرين اذا احسن اختيارهم فعلا ، وهي وسيلة ناجعة في مكافحة الفساد الكبير مثلما هي ناجعة في مكافحة الفساد الصغير . الا ان اعتماد تلك الالية معقدة وصعبة تحتاج الى ارادة سياسية وكفاءة ادارية واشخاص قادرين على العمل بنزاهة وحرص وجدية على مستوى جميع مفاصل الدولة وهو امر يصعب تحقيقه في فترة قصيرة ، لذا فان هذه الوسيلة لا تكون قادرة على ان تؤتي اكلها الا بعد فترة طويلة اذا تم اعتمادها – بجدية كافية - من القيادات التنفيذية العليا في البلاد ، واقرت السلطات التشريعية الاصول القانونية لها ، واليات العمل بها وفرضتها بقوانين عملية جدية وواضحة . رابعا :- تقليص دور القطاع العام :- ان كبر حجم القطاع العام وتعدد اعماله ووظائفه يؤدي فيما يتعلق بمكافحة الفساد الى :- 1- تعذر ايجاد رقابة فعالة على اعماله وجميع مفاصلة مهما كبر حجم مؤسسات الرقابة بالنظر لضخامة مؤسسات القطاع العام . 2- يتطلب ضبطه ومراقبته والاشراف عليه نفقات واموال مبالغ بها جدا . 3- يتوسع حجم مؤسسات الرقابة مع توسع حجم القطاع العام مما يؤدي الى الترهل وما يتبعه من زيادة مبالغ بها في النفقات . ولان القطاع العام هو في حقيقته قطاع فاسد ، انتاجه وفائدته محدودة ، فهو يستنزف خزينة الدولة في مشاريع معظمها خاسر ، محتكرا ومعوقا للعديد من الاستثمارات والمبادرات الخاصة الضرورية مسببا بشكل مباشر في افقار المواطن وتخلفه واحباطه ، وخسائره مزمنة ومتراكمة لدى الاغلبية الساحقة من المشاريع الحكومية والصناعية والخدمية ( )، لذا يتوجب تقليصه وحصر وظائفه في اضيق الحدود ، وايداع كل ما يمكن القطاع الخاص القيام به اليه ، ومنع القطاع العام من العمل الا في الميادين التي يعجز القطاع الخاص عن القيام بها ، لان تقليص القطاع العام يقلل من عمليات الفساد ، ويسهل عملية مراقبته والاشراف عليه وضبط الفساد فيه . ويتوصل الى تحقيق هدف هذه الوسيلة من خلال العديد من الوسائل منها :- 1- الخصخصة . 2- بالحد من انشاء المؤسسات العامة الجديدة من خلال ايداع تطبيقات القوانين الجديدة الى المؤسسات القائمة ما دام ذلك ممكنا ، كايداع تطبيق قانون حل نزاعات الملكية الى المحاكم دونما حاجة لانشاء هيئة دعاوى الملكية ، او ايداع واجبات مؤسسة السجناء او مؤسسة الشهداء الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية . 3- من خلال وسائل القضاء على الترهل في المؤسسات العامة من خلال وسائل متعددة منها التشجيع على التقاعد وتقليل سن التقاعد ومنع التمديد الا تحت اسس وضوابط مشددة ، ومنح رواتب تقاعدية مجزية وغيرها . خامسا :- توفير شروط النزاهة قبل مطالبة الموظف بها :- ونقصد بها تهيئة ظروف مناسبة للموظف للعيش عيشة كريمة مع عائلته ، ويتم هذا بالشكل الاساس بضمان راتب مجزي ، وحل ازمة السكن ، وتوفير ضمان صحي واجتماعي ، فلا يمكن ان تدعو الموظف لان يكون نزيها وهو لا يتلقى راتبا يكفيه وعائلته للعيش عيشة كريمة . وكان الامام علي ( ع ) سباقا في الاشارة الى هذه الوسيلة من وسائل ضمان النزاهة في الوسط القضائي برسالته المشهورة الى مالك الاشتر بقوله :- ( ثم اختر للحكم من الناس افضل رعيتك ... ثم اكثر تعاهد قضائه ، وافسح له في البذل ، فلا يزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس ، واعطه من المنزلة كما لا يطمع غيره من خاصتك ، ليأمن اغتيال الرجال له عندك ) . فيتوجب ان تقر الدولة لموظفيها رواتب مجزية في ضوء الظروف الاقتصادية واسعار السوق وسعر الصرف ، فان ذلك هو الخطوة الاولى التي يقبل بعدها ملاحقة الموظف ومطالبته بالنزاهة ، فاقرار ذلك يكون عونا للموظف النزيه ليصمد على نزاهته ، ويكون دعوة للمفسد من الموظفين للعودة عن فساده ، فينتزع منه مبرر في الاستمرار بطلب الرشوة واكل مال الناس بالباطل ، كما انه ينتزع تعاطف الناس مع مبررات واسباب الفساد الصغير ، فيدفعهم ذلك الى محاربته . وفي هذا الميدان يتوجب اخذ امرين مهمين بنظر الاعتبار :- 1- ان يكون راتب كل الموظفين مجزيا حقيقة ، وافضل وسيلة لتحقيق ذلك هو ان تتبنى السلطة التشريعية قانون يأخذ بنظرية الاجر الاجتماعي في تحديد رواتب الموظفين ، وتقوم تلك النظرية على اساس ان يكون اقل راتب لاصغر موظف في الدولة هو مبلغ يكفي لاعاشة عائلة متوسطة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلد عيشة كريمة ، تقوم بتقديره لجنة من الاقتصاديين والقانونيين والخبراء ، ثم تتدرج رواتب باقي موظفي الدولة صعودا بنسب معينة على حسب المسؤوليات والخبرة . 2- ان يراعى في مقادير الرواتب ان لا تكون بينها فروقات مبالغ بها ، لان ذلك يؤدي الى الشعور بالغبن والاقصاء الاجتماعي ، كما يؤدي الى تركيز الاموال والثروة بيد فئات معينة من الشعب ، ويوحي للموظفين في الدرجات الدنيا من السلم الاداري بغمط حقوقهم ، وان لهم حقا في اختلاس وسرقة الاموال العامة لسد الفرق المبالغ به في مقادير الرواتب مع غيرهم من الموظفين في اعلى السلم . 3- ربط مقدار راتب الموظف بالمهارة والخبرة والمسؤولية . ولا شك ان السياسة التشريعية في موضوع الرواتب المعمول بها في مجلس النواب اليوم هي مدعاة لمزيد من الفساد والافساد والشعور بالغبن والاقصاء ، فلا يقبل ان يكون راتب موظف في اعلى السلم عشرات الملايين وهو قد لا يحمل الا شهادة في الثانوية كبعض اعضاء مجلس النواب ، وراتب غيره في اسفل السلم بشهادة اعلى مبلغا مقداره ( 157 ) الف دينار ( لحملة البكالوريوس ) ، ثم تكون الزيادة في راتب الصنف الاول ( الزيادة لوحدها ) مبلغا يصل الى اكثر من عشرين ضعفا لراتب الصنف الثاني في اسفل السلم ، واذا ما عرضت الزيادة في راتب الصنف الثاني لم تقر بحجة ان عجزا في الموازنة يمنع منها ، فما بال الموازنة لا يظهر عجز فيها حينما تزاد رواتب الموظفين او البرلمانيين القابضين على السلطة . ورغم الاهمية الكبيرة لوسيلة توفير شروط النزاهة في مكافحة الفساد الا انها لا تكون ناجعة ومؤثرة الا في مكافحة فساد الموظفين الصغار الذي يندفعون الى ارتكاب عمليات الفساد تحت ضغط الحاجة لتوفير متطلباتهم اليومية وحاجاتهم الاساسية ، الا انها لا تكون مؤثرة في حالات فساد الموظفين الكبار لان هؤلاء لا يندفعون الى ارتكاب عمليات الفساد تحت ضغط الحاجة بل يندفعون الى ذلك للرغبة في زيادة ثرواتهم فلا ينفع معهم زيادة رواتبهم مهما كانت الزيادة كبيرة . ساسا :- اشاعة ثقافة النزاهة :- ويتعين ان تكون بثلاثة اتجاهات رئيسية :- 1- بث المدركات الاخلاقية والثقافية والحضارية بين عموم المواطنين . 2- تنمية المنظومة القيمية الدينية في المجتمعات . 3- زيادة الوعي بمخاطر الفساد . ويتم ذلك من خلال المؤسسات التربوية والمجتمع المدني واجهزة الاعلام ورجال الدين والمفكرين والمصلحين ممن يمكن الاستعانة بهم في برنامج منظم مدروس . وقد كانت هذه الوسيلة موضع اهتمام مميز في قانون هيئة النزاهة الملحق بالامر 55 لسنة 2004 حيث ذكرها الامر والقانون في ستة مواضع منه ، فهي اهم وسائل هيئة النزاهة لمكافحة الفساد ( )، وقد نص القانون على ايداع هذه الوسيلة الى مديريتين من مديريات الهيئة الثمانية هي مديرية التعليم والعلاقات العامة ومديرية العلاقات مع المنظمات غير الحكومية اذ ان واجب المديرية الاولى ( )هو تثقيف موظفي الدولة والجمهور حول المبادئ الاخلاقية للخدمة العامة وقواعد السلوك وان يعمل مع وزارة التعليم ومع المسؤولين في مؤسسات التعليم الرسمية الاخرى لتطوير منهاجا وطنيا للمدارس بغية تعزيز السلوك الاخلاقي ، واعطاه القانون صلاحية القيام بدراسات وتدريبات وحملات اعلامية ومؤتمرات وندوات والاستعانة بمستشارين لمواجهة الفساد بهذه الوسيلة . اما دائرة العلاقات مع المنظمات غير الحكومية ( )فان واجبها هو تعزيز ثقافة السلوك الاخلاقي في القطاعين العام والخاص عن طريق تطوير ونشر المواد والتدريب والاتصال بالجمهور عبر وسائل الاعلام من خلال التعاون مع المنظمات غير الحكومية . الا ان هيئة النزاهة لم تحرك ساكنا في هذه الوسيلة ولم تقدم تلك المديريتين أي نتاج يذكر بشأن ملاحقة الفساد بالتثقف ونشر الوعي واعادة بناء ضمير الانسان ، ولم تتمكن من اصدار المنهاج الذي يجب ان يدرس في المدارس عن النزاهة ، وتحولت مديرية العلاقات مع المنظمات غير الحكومية الى دائرة مخابراتيه تلاحق المنظمات غير الحكومية بدلا من ان تتعاون معها لنشر الوعي بين الناس . وان اهمية هذه الوسيلة تبدو في انها وسيلة تصلح لمواجهة ومكافحة جميع اشكال الفساد سواء اكان صغيرا ام كبيرا ، وهي اذا نجحت فلا تتوقف اثارها على منع الفساد بل اجتثاثه نهائيا لدى المجتمعات التي تبث فيها روح النزاهة ، الا انها رغم اهميتها البالغة تعد وسيلة بطيئة ولا تصلح للمعالجة العالجة للفساد ، بل هي وسيلة لا تأتي ثمارها الا على المدى البعيد . سابعا :- التشريعات :- وهذه الوسيلة تعد اهم وسائل مكافحة الفساد على الاطلاق ، لان التشريع هو الاساس الذي تبى عليه كل مفاصل ووسائل مكافحة الفساد الاخرى فالشفافية لا يمكن اقرارها والعمل بها الا بقوانين وتشريعات تنظمها وتفرضها ، وضمان ظروف النزاهة للموظف كالرواتب المجزية لا تنهض بها الا القوانين ، وتقليص دور القطاع العام هو مشروع لا يقوم به مجلس النواب بتشريعات تنظمه وتحدد مداه ، وانشاء المؤسسات الفاعلة في الحد من الفساد والقضاء على بعض صوره لا يقع الا بتشريع ، وعلى العموم لابد من ان تتبنى السلطة التشريعية الاسس التالية في حدود موضوع مواجهة الفساد :- 1- العمل على اصدار تشريعات محكمة وواضحة تسد مخارج الفساد ومداخله ، وتلك تتطلب القيام بدراسات لبعض اهم صور الفساد المتفشية وايجاد الحلول لها وترجمتها بقوانين مثل ان تدرس ظاهرة الرشوة والمحسوبية والوساطة في التعيينات وايجاد الحل التشريعي لها وهو ليس الا اعادة تشكيل مجلس الخدمة العامة وحصر التعيينات به بطرق ووسائل تنافسيه شبيه بطرق الامتحانات العامة في الجامعات وهذا ما نص عليه الدستور الدائم لعام 2005 ، او دراسة اليات احالة المناقصات العامة ومقارنتها بما هو عليه الحال في دول العالم المتحضرة وترجمتها الى قانون محكم النصوص ومحدد المسؤوليات ، او دراسة الرشوة والابتزاز في دوائر الضريبة والتسجيل العقاري والكتاب العدول والجوازات وحل امرها وامر غيرها من مظاهر الرشوة في مؤسسات انجاز المعاملات البسيطة باقرار قانون يلزم السلطة التنفيذية باعتماد الية تمنع الموظف من الاتصال المباشر بالمراجع كل ما كان ذلك ممكنا . 2- تبنى استرتيجية تشريعية واضحة فيما يتعلق بكل وسائل الفساد التي يتصور تحقيقها نتائج مهمة في مكافحة الفساد ، ويتم ذلك بطريقين :- أ- باصدار التشريعات اللازمة لتبني وسائل مكافحة الفساد كتشريع قانون حق الوصول الى المعلومات وفرض الشفافية او اقرار قانون لعمل لجنة المشتريات في مؤسسات الدولة التي لا زالت تعمل بلا قانون تفصيلي يحدد اليات اعمالها واجراءاتها سوى بتعليمات ونصوص مبهمة وغير واضحة ولا محددة ، او باقرار قانون يتبنى سلم شفاف وعادل ومنصف لرواتب الموظفين لعموم الدولة دون ان يتميز ايا منهم باي زيادات خارج ذلك السلم بضمنهم اعضاء البرلمان واعضاء مجلس الرئاسة ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وغيرهم . ب- تبني وسائل مكافحة الفساد كسياسة عامة في كل التشريعات كفرض الشفافية على كل مؤسسات الدولة في كل النظام القانوني دون استثناء ، ووضع اسس الالتزام بها . 3- اصدار القوانين اللازمة لتجريم كل صور الفساد خاصة منها ما دعت الى تجريمة اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 ، ووضع جزاءات صارمة وعقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الفساد عموما . 4- اعتماد استرتيجية تمنع وتحد من النصوص التي تعطي حصانات قانونية من الملاحقة الجنائية لمرتكبي جرائم الفساد مهما كانت مناصبهم او طبيعة اعمالهم . والغاء جميع النصوص التي تعطي اية حصانات لاية جهة من ملاحقة القضاء . ويتوجب تجنب اقرار حصانة الاباحة( )في ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد مطلقا ، حصانة الاباحة هي الحصانة التي تجعل فعل الشخص فعلا مباحا رغبه انه جريمة في القوانين ، اما حصانة منع القبض الا بأذن انها يجب حصرها في اضيق نطاق ومنع اقرارها في القوانين الا لفئات محدودة جدا تتطلب طبيعة وظائفهم ذلك وينحصر الامر في الحقيقة بالقضاة واعضاء البرلمان فقط . والاهمية البالغة لهذه الوسيلة تظهر في نجاعتها من جهة انها تخلق الحلول التي تجدها مناسبة ، وتفرضها بصوت اعلى سلطة في البلاد ، كما انها وسيلة تصلح لمعالجة كل انواع الفساد سواء اكان من الفساد الكبير والصغير ، بخلاف غيرها من الوسائل التي قد لا تصلح الا لمكافحة احد النوعين دون الاخر كما هو حال زيادة رواتب الموظفين فلا تصلح الا لمكافحة الفساد الصغير ، كما انها تختلف عن الوسائل الاخرى التي تصلح لمكافحة الفساد الكبير والصغير في انها تضع الحلول بقواعد عامة مجردة ملزمة وليس بقواعد او حلول فردية تفصيلية كما هو حال الملاحقة الجنائية والتحقيقية . وقد كانت هذه الوسيلة من وسائل مكافحة الفساد من اهم ما نص عليه قانون هيئة النزاهة الملحق بالامر 55 لسنة 2004 ، وقد حدد القانون لهيئة النزاهة في اعتماد هذه الوسيلة دور اساسي فاعل هي اقتراح التشريعات اللازمة للقضاء على الفساد وسد مداخله ومخارجه ، فكان يتعين بالهيئة دراسة مظاهر الفساد المتفشية بلجان بحثية واقتراح الحلول التشريعية لها بمقترحات قوانين ( )، الا ان هيئة النزاهة عجزت عن تفعيل دورها في هذه الوسيلة لان قيادتها لم تكن تفكر الا بالملاحقة الجنائية والفضائح ولان العاملين فيها كانوا عاجزين عن اقتراح قوانين تصمم لمكافحة الفساد بسبب تدني مستواهم العلمي وقلة خبرتهم وامكاناتهم ( ). ثامنا :- تفعيل المساءلة :- ولا نقصد بالمساءلة هنا الملاحقة الجنائية والتحقيقة لمرتكبي قضايا الفساد فقط ، بل يقصد به كل انواع المساءلة الاخرى بضمنها الملاحقات الجنائية ، وهي ملاحقت تصلح لان تشكل الاساس الذي يجب ان تبنى عليه استراتيجيات محاربة الفساد فمن دون حكومة مسؤولة تصبح الاوجه الاخرى من المساءلة والشفافية والمراقبة عديمة الفاعلية الى حد كبير ، وجوهر هذا الامر هو حكم القانون وفصل السلطات ومؤسسات التمثيل الفعلي . واذا لم يكن هناك دستور متطور قوي وفعال تحترمه وتحميه محكمة دستورية قوية سيستمر الحاكم في عد نفسه فوق القانون ، لذا يتعين على بالبلدان التي يكون فيها حكم القانون وفصل السلطات والمؤسسات التمثيلية ضعيفة ان تبدأ في استراتيجيات مكافحة الفساد باجراء اصلاحات في هذه النواحي الاساسية من النظام السياسي للدولة ( ). والمساءلة هي وضع كل من يتولى منصب امام مسؤولياته وايجاد نظم لمراقبة ادائه وبخاصة في حال التقصير في الاداء او التخلف عن الاداء ، وعرفها برنامج الامم المتحدة الانمائي على انها الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لاصحاب المصلحة حول سبل استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم والاخذ بالانتقادات التي توجه اليهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول المسؤولية عن الفشل او عدم الكفاءة او عن الخداع او الغش ( ). فيجب ان يخضع كل من يتولى منصبا في الدولة لعملية مساءلة من قبل الجهات التي قامت بتعيينه او اختياره اما خلال فترة توليه المنصب لتقويم عمله والضغط عليه لتحسين ادائه وتصويبه ، واما بعد انتهاء مدة ولايته لتقييم عمله ومساءلته ومحاسبته على مجمل انجازاته واخطائه ليكون ذلك عبرة لمن بعده وحثا لهم وتصويب لمسار وخطط المؤسسة . والمساءلة ستة انواع رئيسية ( )هي :- 1- المساءلة الدستورية :- بواسطة المحكمة الدستورية او الاتحادية او المجلس الدستوري للتأكد من مطابقة القوانين للدستور ومنع مخالفتها له وانتهاك احكامه من قبل السلطة التشريعية . 2- المساءلة البرلمانية :- عن طريق الاسئلة والاستجوابات والمناقشات العامة ولجان التحقيق البرلمانية لمراقبة اعمال السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية ، ولابد للبرلمان ان يؤدي دوره في الاشراف على اعمال السلطة التنفيذية بما يؤمن التخفيف من وطأة الفساد غير ان ذلك يتوقف على ادراك اعضاء البرلمان لخطر الفساد وادراكهم لدور البرلمان في محاربته وادورهم فيه وفي لجانه ورغبتهم في مواجهة الفساد . 3- المساءلة القضائية :- بواسطة المحاكم والجهات التحقيقية . 4- مساءلة الهيئات الرقابية :- كديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وهو نوع من المساءلة قد يتداخل مع المساءلة القضائية ولكنه قد يختلف عنها من حيث المدى لانه لا يقف عند ما يعد جرائم من صور الفساد بل يتسع لتشمل صور الفساد غير المجرمة من المخالفات المالية والادارية والقانونية ، كما يتضمن مساءلة عن كفاءة الاداء وجدواه وحسن سير العمل وكفاية النتائج والانجازات . 5- المساءلة الداخلية :- وهي رقابة الادارة على نفسها اما برقابة الرئيس الاداري على المرؤوس واما برقابة المفتشين العموميين . 6- المساءلة الشعبية :- عبر الانتخابات او التظاهرات وعبر وسائل الاعلام . والحقيقة ان تفعيل المساءلة يواجه مشكلة كبيرة - في مجتمعاتنا وعموم الدول النامية التي تضعف فيها سيادة وحكم القانون - هي ظهور طبقة من المتنفذين تكون لهم حصانة فعلية من الملاحقة ، ويضعون انفسهم - ومن يرغبون - فوق القانون وفوق المساءلة ، حينما يعطل تنفيذ قرارات المحاكم ، او توقف الاجراءات القضائية بقرارات من السلطة التنفيذية وخلافا لاحكام القوانين والدستور ( )، وليس من وسيلة للوقوف بوجه ذلك الا بقيادات صالحة ، وهذه لا تنتجها الا انتخابات نزيه منصفة ، من خلال شعب واع متحضر قادر على اختيار وتشخيص قيادات صالحة ، والاستمرار في مساءلتها بعد انتخابها من خلال المظاهرات والاضرابات والاعلام ومن خلال الانتخابات التالية . تاسعا :- الكشف عن المصالح المالية وتجريم الاثراء غير المشروع :- من وسائل الرقابة المهمة الزام كبار موظفي الدولة كاعضاء البرلمان ورئاسة الجمهورية واعضاء مجلس الوزراء والقضاة والمحافظون ومن هم بدرجة وزير وغيرهم ان يقدموا بيانات كاملة عن اموالهم واموال عوائلهم حال توليهم الوظيفة العامة وخلالها وبعد انقطاع صلتهم بها ، من اجل متابعة ثرواتهم ومدى تضخمها خلال توليهم المنصب العام ، فاذا ثبت ان اموالهم تضخمت بما لا يتناسب مع مواردهم المعروفة فيتوجب بالقانون ان يلزمهم لاثبات مصادر مشروعة لذلك التضخم والا فانها تعد اموال غير مشروعة ولو لم يثبت بدليل مادي انها كانت نتيجة رشاوى او ممارسات فاسدة من أي شكل ، ويتعين تجريم ذلك ومعاقبة الموظف الذي يثبت تضخم امواله بما لا يتلائم مع موارده المعلن عنها بعقوبة جزائية كالغرامة او الحبس اضافة الى مصادرة المقدار المتضخم من اموال الموظف المذكور . عاشرا :- اشراك مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد:- من خلال ايجاد سبل للتعاون بين مؤسسات القطاع العام وبين مؤسسات المجتمع المدني لتشجيعها وتفعيل دورها ومساندتها لنشر ثقافة النزاهة والشفافية والخضوع للمساءلة ، ونشر الوعي بمخاطر الفساد لدى الجمهور ، وتقييم عمل المؤسسات وفضح الممارسات غير النظيفة فيها ، وقد تضمن قانون هيئة النزاهة على انشاء دائرة باسم ( العلاقات مع المنظمات غير الحكومية ) وان تكون مهمتها التعاون معها لنشر ثقافة النزاهة وخلاقيات الخدمة العامة ، الا ان تلك الدائرة اضحت دائرة مخابراتية تلاحق منظمات المجتمع المدني ، دون ان تتعاون معها لتحقيق الغرض الذي انشئت من اجله .
احد عشر :- تفعيل دور الاعلام في مكافحة الفساد :- للاعلام دور مهم في فضح عمليات الفساد ، ونشر الشفافية ، وتقييم عمل المؤسسات العامة ، ولكن يتوجب استعماله بطريق مناسبة لا تأتي بنتائج عكسية مدمرة ، بما يجعل الناس يفقدون ثقتهم بالقطاع العام وموظفه ، فيتوجب فضح الفساد وتقييم عمل المؤسسات والاشارة الى عمليات الفساد فيها ، دون التعريض باسماء الموظفين وفضحهم على مجرد التهمة ، او لاغراض التصفيات السياسية ومن اجل كسب ود بعض الفرقاء من السياسيين كما حصل في سياسية هيئة النزاهة . اثنى عشر : تبيسط وسائل العمل وانجاز المعاملات :- فالتعقيدات البيروقراطية تشكل بحد ذاتها مصدرا رئيسيا لنمو الفساد ، فالتعقيدات تخلق بطأ ، وتٌدخلٌ في الصورة عدة لاعبين وتزيد من غموض النظام ، فيكون تسهيل وتبسيط اجراءات المعاملات الادارية من خير وسائل قطع فرص الفساد ، لان ذلك يقلل من فرص الموظف في تأخير المعاملات او افتعال العقبات ، ويتيح للمواطن مزيدا من معرفة ما هو مطلوب منه وكم تتطلب معاملته من وقت ووثائق واجراءات ( ). وخير اسلوب لاعتماد هذه الوسيلة يكون بمكننة المعاملات ومنع الاتصال بين الموظفين والمراجعين مباشرة مما يساعد في القضاء على التعقيد وتعمد التأخير ،ويجعل إلتماس الرشى في حده الادنى . ثالث عشر :- ايجاد اليات للاخبار عن جرائم الفساد رابع عشر :- انشاء مؤسسات متخصصة لملاحقة الفساد والرقابة ، والحرص على ضمان استقلالها وحياديتها وكفائتها وجديتها في ملاحقة المفسدين : خامس عشر :- استقلالية ونزاهة وحياد وكفاءة الجهاز القضائي :- وتلك مسألة مرتبطة ارتباطا وثيقا فيما يتعلق بمكافحة الفساد بالوسيلة الاولى وهي الملاحقة الجنائية لعمليات الفساد والمفسدين ، اذ لا يكون وجود مجموعة كاملة من قوانين محاربة الفساد فاعلا اذا لم يقترن بوجود قضاة مطلعين واقوياء ومستقلين ، فغالبا ما تكون قضايا الفساد معقدة وموضع اخذ ورد وتستدعي معرفة كبيرة بالخلفيات والسوابق القانونية اضافة الى الالمام بالكثير من المعلومات التي تحيط القضية ، فضلا عن ذلك غالبا ما تنطوي قضايا الفساد والرشى الكبرى على بعض الشخصيات ذات النفوذ القوي في المجتمع وانما يؤدي الاقتصار الى ملاحقة صغار الموظفين – كما هو حاصل في قضايا هيئة النزاهة – يمكن ان يعطي نتائج عكسية اذ يقتنع كبار الفاسدين من ذوي النفوذ بانهم بمنأى عن الملاحقة وانهم فوق القانون ، لذا فان استقلالية وشجاعة القضاة في التصدي لذوي النفوذ والسطوة في المجتمع ضرورية لتفعيل قوانين مكافحة الفساد والا فانها ستظل عديمة الجدوى ( ). فوجود نظام قضائي مستقل وفعال ونظيف امر اساسي في اية استرتيجية لمحاربة الفساد ، وينبغي ايضا تطبيق قواعد الاستقلال والكفاءة والنزاهة نفسها على اللاعبين الاخرين ضمن النظام القضائي مثل كتبة المحاكم والمحققين والمدعين العامين وغيرهم ( ).
سادس عشر :- توفير فرص عمل والحد من ظاهرة البطالة ومحاربة الفقر :- فالفساد نتاج للفقر والبطالة وهو منتج لهما ، فتقل احتمالات النزاهة والمبدئية في مجتمع فقير عاطل عنه في مجتمع مرفه يجد ما يكفيه للعيش بكرامة ورخاء .
سابع عشر :- المنع من ابدية الادارات :- أي منع استمرار الرئيس الاداري كالوزير والمدير العام او رئيس الهيئة في منصبة مدة غير محددة ، لان ذلك مدعاة للفساد ، ما دام لا يتوقع ازاحته عن منصبه ، ولا اعادة النظر فيه من خلال اداءه وانجازاته ، بخلاف لو تم تعيينه لفترة معينة ، ولو كانت قابلة للتجديد ولكن لمرة واحدة فقط ، اذ ان قبول ولاية الموظف للتجديد يكون مفيدا في فحص ونقد وتقييم اداء وعمل الموظف حين النظر في قبول منحه ولاية جديدة من الجهة المختصة باعطاءه ولاية جديدة ، كما ان عدم استمرار الموظف الى ما لا نهاية في منصب يعطيه مؤشر ان اعماله واداءه وتصرفاته بالمال العام سيكون محل مراجعة ممن سيحل محله في المنصب ، وهو شكل من اشكال الرقابة او على الاقل الاحساس بوجود الرقابة اللاحقة . المطلب الثاني توزيع المسؤولة عن مكافحة الفساد
يظهر جليا من استعراض وسائل مكافحة الفساد المتعددة التي اشرنا اليها انفا ان المعركة ضد الفساد ليست معركة الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد كهيئة النزاهة و ديوان الرقابة المالية والمفتشين العموميين فقط ، بل هي واجب يجب ان تشترك فيه جميع سلطات ومؤسسات الدولة ، ويساهم فيه المواطن العادي ومؤسسات المجتمع المدني بشكل فاعل ، والا فلا يمكن مواجهة الفساد ولا التخفيف من حجمه واثره . ويبدو جليا ان السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية هي صاحبة اهم الادوار في مكافحة الفساد ، ودورهما اهم حتى من دور الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد ، لنجاعة الوسائل اللتين تمسكان بها كالتشريع ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب والشفافية وتوفير شروط النزاهة للموظفين وتبسيط المعاملات وغيرها من الوسائل المهمة والمؤثرة التي تنفرد تلك السلطتين بالقبض عليها ، الا ان دور الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد في معركة الفساد والمفسدين تظهر اهميتها في الوسائل الاخرى التي يضعف فيها دور السلطتين المذكورتين كالملاحقات التحقيقية للمفسدين واشاعة ثقافة النزاهة والشفافية والخضوع للاستجواب وتنمية دور الاعلام وغيرها ، اضافة الى ان لتلك الجهات دور فاعل في تفعيل وحث السلطتين المذكورتين على القيام بمهامها في الوسائل الناجعة التي تمسك بها ، كدور هيئة النزاهة في اقتراح القوانين التي تصمم لمحاربة الفساد ، ودورها في تقييم ونقد وتشخيص الخلل في اداء السلطتين المذكورتين لواجباتهما في معركة الفساد . دور السلطة التشريعية في مكافحة الفساد :- للسلطة التشريعية في مكافحة الفساد دور بالغ الاهمية يتمثل في مسارين رئيسيين هما :- الاول :- تشريع القوانين اللازمة لتجريم صور الفساد المختلفة ، وسد مخارج الفساد ومداخله ، وانشاء الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد بقوانين ، وايجاد الغطاء التشريعي لتهيئة شروط النزاهة للموظفين بتعديل رواتبهم ، واعتماد سياسة منع اعطاء الحصانات التشريعية من الملاحقة الجنائية ، ومنع توسع القطاع العام والحرص على تقليصه والحد من وظائفه ، وفرض الشفافية وقوانين الوصول الى المعلومات في القطاع العام وغيرها . الثاني :- فهو تفعيل المسآلة البرلمانية للجهات التنفيذية . دور السلطة التنفيذية في مكافحة الفساد :- وهو - في رأينا – اهم الادوار على الاطلاق ، اذ يبدأ من اعتماد مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب الذي لو ضمن اعتماده في تولي المناصب القيادية لساهم مساهمة فاعلة كبيرة في التخفيف من الفساد والحد من عملياته ، اذ ان الفساد في دائرة يرأسها رجل كفوء نزيه فاعل اقل باكثر منه في دائرة يرأسها رجل فاسد او عاجز او جاهل او غير كفوء ، كما هو معظم دوائر الدولة اليوم . وتعد مكاتب المفتشين العموميين جزء من اعمال السلطة التنفيذية لان المفتش العام ليس الا احد موظفي تلك السلطة وهو – في حقيقة وظيفته وواجبه- الرقيب لها وليس الرقيب عليها- كما يظن الكثيرون- وتفعيل تلك المكاتب يكون باختيار الكفاءات من المتخصصين طبقا للقانون لتولي منصب المفتش العام بدل من ان يكون التعيين على اساس من الولاء للحزب والطائفة والقومية والمذهب كما هو حاصل اليوم ( ). وتظهر الاهمية القصوى لدور السلطة التنفيذية في معركة الفساد في انها القابض الفعلي على تفعيل وسيلة السلطة التشريعية البالغ الاهمية في مكافحة الفساد وهي التشريع لانها هي المعنية بتنفيذ القوانين التي تصدرها تلك السلطة فلا قيمة لقانون تقره السلطة التشريعية اذا لم تنفذه السلطة التنفيذية او اذا ما نفذته بطريقة بائسة او غير ناجعة او شكلية لا تحقق مضمونه واهدافه . كما ان قبض السلطة التنفيذية على صلاحيات التصرف بمعظم المال العام يجعلها اللاعب الاساسي في الفساد وفي مكافحته . لذا فان القاء العبء بكامله على الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية في مسألة الفشل في السيطرة على عمليات الفساد والافساد فانه تملص من المسؤولية والقاء بها على عاتق الغير ، لان الفشل في مكافحة الفساد هو فشل للسلطة التنفيذية اولا وللسلطة التشريعية ثانيا ، ثم للجهات المتخصصة في مكافحة الفساد ثالثا ، لذا يتوجب من اجل ضمان انجاز - ولو بسيط - في المعركة ضد الفساد ان تبادر جميع الجهات المعنية بمكافحة الفساد وفي مقدمتها السلطتين التشريعية والتنفيذية باداء دور فاعل لها كل حسب وظيفته وفي حدود وسائل مكافحة الفساد التي يمسك بها . لذا فان مسؤولية مكافحة الفساد هي مسؤولية مشتركة بين جميع سلطات ومفاصل الدولة والمجتمع . واخيرا فأن من الوهم الظن ان الفساد يمكن القضاء عليه في سنة او سنتين او حتى عشر سنوات لان مكافحة الفساد هو معركة طويلة المدى ينبغي اعتماد استراتيجية لها قد لا تقبل ان تقل مدتها عن مائة عام ، فانكلترا احتاجت ( 99 ) سنة للتخفيف من الفساد فيها . وقد اشار امر تفويض السلطة لانشاء هيئة النزاهة الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم ( 55 ) لسنة 2004 وقانون هيئة النزاهة الملحق به الصادر عن مجلس الحكم المنحل الى هذه الحقيقية بقولهما في الديباجه كل منهما :- ( واعترافا بان المعركة ضد الفساد هي نضال طويل الامد يتطلب تعهدا دائما بتغيير السلوك على جميع اصعدة الحكومة ) . لذا فان اعتماد الحلول قصيرة المدى وقصيرة الاثر لن يجدي نفعا ولن يكافح فسادا بل سيكون فساد اخر يضاف الى الفساد القائم ونفقات واموال تنفق تحت ستار المعركة ضد الفساد في حين انها ليست الا فساد جديد
#محمود_رجب_فتح_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشكاليات اجراءات البحث والتحرى بشأن جرائم تقنية المعلومات ,
-
آليات تسيير المرافق العمومية
-
نموذج مقترح لسياسة جذب الاستثمارات الأجنبية ........ د/ م
...
-
محددات الإستثمار الأجنبي المباشر ........... د / محم
...
-
أساليب التزييف والتزوير
-
الاستثمار في مصر
-
الاستثمار في مصر .......... د/ محمود رجب فتح الله
-
الحماية القانونية للأطفال مجهولي الهوية .
-
نظام الرهبنة لدى الارثوذكس .........
-
سرية الجلسات فى القانون المصري ......
-
المواد المشعة كأداة للقتل
-
جريمة الابتزاز فى القانون المصري ..........د/محمود رجب فتح ا
...
-
النظرية الاقتصادية في علم الجريمة ..........................
...
-
جريمة تلقى الأموال من الجمهور لتوظيفها والامتناع عن ردها....
...
-
جريمة الرشوة فى القانون المصري
-
الصلح الجنائي فى القانون الجنائي المصري والشريعة الإسلامية
-
الحبس الاحتياطى في القانون المصري
-
المساهمة الجنائية فى جرائم أمن الدولة فى القانون المقارن ...
...
-
التحديات العملية للجرائم الالكترونية
-
جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال فى القانون اليم
...
المزيد.....
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|