ميثاق بيات الضيفي
الحوار المتمدن-العدد: 6096 - 2018 / 12 / 27 - 19:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الخطابات تثير الحروب على الحدود وفي خارجها كما انها توقدها بمجرياتها واثارها في داخل البلاد أيضا, وإن لغة العالم المتعصبة تفعل ذات الشيء في كل بقعة وكل وطن وذلك للحصول دوما وحتما على دفعة وطنية فيتم بناء العالم وفقا لنماذج التطرف الكاذب، وكما يمكن تحقيق نماذج مختلفة من الصراعات بشكل حروب في الفضاء المادي غير انه لابد إن تسبقها حروب المعلومات أو حروب المساحات الاستخبارية والافتراضية, ولتبرير أفعالها تبني الدول أعداءها إذ وبجود العدو النجاح اكيد بصنع عدالة اعلامية للحرب فالحروب العادلة هي أفضل للتعبئة وللقتال وللنصر وهذا الأمر معترف ومقر به من قبل الجميع.
لننظر الى قنواتنا الفضائية لنجد الاستبداد الإعلامي على شاشاتها فارزا الانشقاق، وعند مناقشة قوانين الحرب دوما ما تكون المعارضة هي أول من تعطي الكلمة وبعد ذلك سيحطم المدافعين عن مشروع القانون تلك المعارضة ويخونونها, وهذا مثال واحد على الكيفية التي يمكن إن يتم بها ضرب المعارضة من خلال إعطائها حق قول الكلمة وفي كثير من الأحيان لا يتم إعطاء الكلمة لها على الإطلاق، إنما يتم إنشاء وقف ومنظر سلبي عن ممثليها, ولهذا نعتقد أن وقع كلمات برامج التواصل الاجتماعي والكلمات التلفزيونية أكثر تأثيرا من وقع كلمات الاستاذ والجار والصديق لذلك فإن مثل تلك الانتقادات دوما ما ستسقط خطاب السلام.
لقد تم حاليا نقل الطابع الإعلامي للحضارة الحديثة تلقائياً إلى الحرب والتي أصبح الإعلام جزءا أساسيا منها, وحتى على مستوى كلمة واحدة تم برمجة فعل الإثارة والعنصرية والنزاعات، وذلك ليضفي الشرعية الفورية على التصريحات اللاحقة والأفعال المصطنعة, ليتم عبرها نسب خطاب الحرب في الحروب إلى العدو بينما يحيط الجانب المهاجم نفسه وأفعاله بمبادئ خطاب المهدور. ففي العالم اليوم سادت إخبار برامج التواصل والأخبار التلفزيونية وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يستهلكونها وزادت الأسئلة التي يتسببون بها تمكنوا من الابتعاد عن الشاشة لكن يكاد يكون من المستحيل ابتعادهم لأنهم لا يسألون!!!
والعنصر الإعلامي للحرب الجديدة ضخم والعلاقات العامة لا تقل أهمية إذا ما تم القيام بعمليات قتالية في حرب عادية من أجل تحقيق النصر الاعلامي، وفي الحروب الحديثة فإن الهدف الرئيسي لبعض العمليات هو وبلا مفاجأة يكمن في العلاقات العامة وتأطيرها وتوسيعها, وعلاوة على ذلك فأن العنصر الإعلامي يؤدي ذلك الدور لأنه من الأهم بكثير الوقوف والظهور كضحية في الحروب بدلاً من الظهور كمعتدي ومتسلط ومن الواضح أنه عندما تقوم وبمساعدة مؤسسات العلاقات العامة بتضخيم عدد وحجم ومقادير تضحياتك فسيكون هذا التكتيك مختلفًا تمامًا وناجحا تماما ومتوحشا تماما إذ لم تعد بحاجة لقتل جنود العدو بل يكفيك أن تقتل شعبك وتزوّد الإعلام الداخلي والخارجي بتلك المآسي بعد إن ترفقها بالدعم الضروري للعلاقات العامة لألصاق جرائمك بوجه عدوك.
هذا هو انعكاس للعالم والذي هو أبعد وأكثر في الابتعاد عن الواقع باتجاه شمال الفضيلة فتم توجيه مساحة المعلومات أكثر وأكثر لتعكس ذات القيمة لذا فسنرى ما نريد رؤيته وليس ما نحن عليه حقًا, ومثال حي على هيمنة فكرة الفضائل الغائبة على الواقع, هو في الأحلام الشخصية الكاذبة وهي تشابه ذات الصفات التي يعانيها الشعب من أحلامهم اثر تصديقهم اكاذيب واساطير وعود المرشحين الرئاسيين.حاليا يمر العالم بفراغ المعلومات وبدأت كمية كبيرة من المعلومات في الانتشار ولذا فأن اغلب الأشخاص هم غير قادرين ببساطة على تقييمها للتأكد من صحتها او حتى جدوتها لذلك لربما سيكون رد الفعل النموذجي هو الرفض الكامل للواقع والمطالبة بأيقاد الحرب, فينتج ذلك الخطاب ظواهر عدة قد يأتي بمقدمتها ظاهرة الرقابة عبر اثارة الضوضاء الشعبية عن طريق توليد معلومات فوضوية لذلك نؤكد إنه دوما ما هنالك رقابة واعية تعمل عبر الضوضاء التلفزيونية من خلال الإنتاج المستمر للفضائح السياسية, وبذلك فأن تلك الرقابة توفر المعلومات وتكدسها لتدمجها في الضوضاء الشعبية المصطنعة, واتضح أنه بالإضافة إلى الرقابة القياسية التي تهدف في الأصل إلى تقليل عدد النصوص المعممة هناك أيضا رقابة تعمل وعلى النظام العكسي هادفة إلى زيادة عدد النصوص المتداولة والمتضاربة المقاصد والافكار ولذا لم يعد في مقدرة الدماغ البشري القابلية الكبيرة على ادراك واستيعاب وتصفية هذه الأحجام المعلوماتية أو مقارنتها اذ وفي كل مرة يؤمن بها ثم يرى او يسمع نصًا آخر حتى لو كان نصًا في الاتجاه المعاكس فسيقلب له ايمانه الخبري ولذلك كله اضحت الدول الحديثة تعمل بدقة في اشاعة انظمة الرقابة بالفوضى والفوضوية والضجيج.
وحاليا ايضا لدينا زيادة حادة في تدفق الأخبار بسبب ثالوث الآلات التوليدية الأخبارية وهي كلا من التلفزيون وبرامج التواصل الاجتماعي والصحف الورقية والالكترونية, وفي الوقت ذاته يتم عبرها فقدان المعلومات الهامة, وإن السبب الحقيقي لظهور مجموعة جديدة من الدعاية مع التلفاز يعود الى الأعمال التجارية التلفزيونية هناك مفهوم لا رجعة فيه مثل "المشاركة" وذلك لتبرير كسب المال في السوق الاعلامية عبر المتاجرة بعقول الناس وقناعاتهم وسلامهم, اضافة الى عوامل التحكم في الجمهور فضلاً عن وجود فرص كبيرة للتأثيرات الخفية المتأصلة فيه فالتلفاز فهو يكاد إن يكون كغرفة الطعام العامة، كما ويمكننا اتباع امر مشابه له عبر توظيف الصحافة ففي الصحيفة أن نشرنا ثمانية مقالات محض هراء من أصل عشرة واثنان منها فقط رائعتين لكنها ستقرأ والناس راضية بالفعل ومعتقدة أن العدد الصحفي كان جيدا.
وهكذا ومن أجل إنتاج واقع جديد لم يدرك الجميع أن هناك مثل تلك المهنة التي لا توجد تهم حولها بتحويلها لموضوع الصحافة إلى دعاية لأن إنتاج الواقع ليس دعاية بأي شكل من الأشكال ولأنه عندما ينشأ كهذا الواقع فإنه نتيجة لجهود من قدمه ليتطابق تمامًا مع الأوصاف التي ارادوها له فلذا يثار السؤال الاصعب هنا, أينها الدعاية اذن؟ غير انه ومن حيث المبدأ فأن تلك الكلمات نفسها ترددها السينما الفنية وبشكل غريب وبأكثر من الكفاية، فيعتقد الناس أنهم يستمتعون في السينما ويكتسبون الخبرة, لكن الفرق الحقيقي بين التيارين الدعائيين يتمحور في الاسلوب والطريقة بطرق واساليب تحميل تلك التجارب الدعائية لعقولهم وتلويث قناعاتهم، ولذا تراجعت الكلمات والحجج وتغير مكانها لتستقر في الركن الخلفي من العالم الذي اضحى صورة مقيتة لا ينتج ولا يعطي معاناً كما يفترض إن يكون.به
وبفضل هذا الحقل الافتراضي الكاذب والشائع يتبنى السياسيين بسهولة تجربة عرض أعمالهم الفارغة المحتوى فهم يحتاجون في النهاية إلى إبقاء شد انتباه الجمهور وسهولة التواصل معه واختيار الروابط والإيماءات التي توثق تقييده وتعبئته خلفهم، ونتيجة لذلك نحن نتحدث اليوم عن الكليشيهات الجاهزة والمكررة والمقيتة بشكل استثنائي, وببساطة فهذا أيضًا هو جزء من التحول في عالمنا الذي بدت الحروب تبدو فيه آمنة عبر نشرها ودمجها بعقول الناس بواسطة ألعاب الفيديو والأفلام ولدرجة إن الأجيال الجديدة توقف الادراك والفهم لديها من أن الموت لا يمكن تغييره بالضغط على زر "الريباك", زر تكرار العاب الكمبيوترات, فمتى تكف الحروب عن هدر الكلمات والعقول والارواح !!!
#ميثاق_بيات_الضيفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟