أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة














المزيد.....

[6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6096 - 2018 / 12 / 27 - 18:23
المحور: الادب والفن
    


6. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار
إهداء: إلى الأستاذ "عبدالمسيح قرياقس"/ صاموئيل قرياقس أبو ديما

استقبلته الجّدران الأربعة .. تمزّقَت أجنحة روحه ورضوض زرقاء ارتسمَت على سهولِ قلبِهِ .. لا يصدِّقُ نفسَهُ أنّهُ يعيشُ في واقع، تحوَّلَ الواقعُ إلى كابوسٍ مفزعٍ .. ودّعَ نسيمَ الحرّيّة إلى أجلٍ مفتوح.. ودَّعَ ربيعَ الشَّبابِ والحبِّ والأبوّةِ.. وأفكارُهُ هل ودَّعَها؟..زمّ شفتيه، متمتماً..أفكار، رؤى، وجهة نظر ..تساءلَ: ما هو مصير والدته ووالده، هل ستتحمّلُ زوجتُهُ هذه الصَّدمة أم أنَّها ستعتادُ على حياتِها الجديدة مع الزَّمنِ .. وابنته الصّغيرة! هل سيتحمّلُ أن يبقى هنا بعيداً عنها، لا يداعبُ شعرَها ولا يقصُّ لها أقاصيص شيّقة قبلَ أنْ تنامَ .. اِجتاحَتْ غربةٌ حارقة كيانَهُ الأخضر، وحرقَت الظُّلمةُ الظَّالمة ما تبقَّى من قلبِـهِ المدمى .. أنينٌ متواصل اِمتزجَ بشهيقهِ وزفيرهِ، واِرتشفَتْ مقلتيهِ كآبة سرمديّة.
بدأت التَّساؤلاتُ تنهمرُ عليهِ من كلّ جانب.. قشعريرةٌ مشوَّكة التصقَتْ في أعماقِ القلبِ .. الجدرانُ الأربعة تصفعُهُ بدونِ رحمة في صباحاتِ نيسان النَّديّة .. أحدُهم يفتحُ (الطَّاقة) الصَّغيرة في مواعيد محدَّدة ويقدِّمُ له طعاماً خاوياً ومقزَّزاً .. ينظرُ إلى الطَّعامِ بقرفٍ .. يشعرُ في هذه اللَّحظات أنَّ مراراتِ الحياةِ تغزو وجودَهُ الحيّ .. ما كانَ يقدِّمُ هكذا طعام لقطّتِهِ .. ينظرُ من خلالِ الكوّةِ الصَّغيرة إلى السَّماءِ .. يتمنّى لو كانَ طائراً يحلِّقُ عالياً يغرِّدُ لخريرِ السَّواقي .. يجفلُ!
ألم تأكلْ طعامَكَ بعد؟
ينظرُ إلى الطَّعامِ بتقزُّزٍ، يهزُّ رأسَهُ .. لا لم آكلْ طعامي بعد. ولماذا لم تأكلْهُ، هل تظنُّ نفسَكَ في بيتِ أبيكَ؟
لا لسْتُ في بيتِ أبي ولكنّي لا أشتهي هذا الطَّعام.
لا تشتهي هذا الطَّعام. (لفظَ عبارته بشيءٍ من السُّخرية والاِزدراء).
أنا ...
قاطعَهُ بغضبٍ، ثمَّ أخذَ الطَّعامَ، تاركاً خلفه كلمات مهينة وبذيئة ترنُّ صداها بينَ الجدرانِ الأربعة.
عادةً عقاربُ السَّاعةِ تسيرُ نحوَ الأمامِ، أمّا عندهُ فعقاربُ الـسَّاعةِ تسيرُ نـحوَ الخلفِ .. نحوَ الـهلاكِ .. نحوَ الهاويةِ السَّحيقة .. يشهقُ شهيقاً مشنفراً بالأحزانِ، إلى أينَ ينتهي بنا هذا يا قلبي؟! كم من التَّمتماتِ وكم من الاِنكساراتِ! .. عقاربُ السَّاعةِ تقتربُ من الثَّامنة، يشدُّ قبضتَهُ بقوَّة ثمَّ يلكمُ الهواءَ بغضبٍ .. تحوَّلَتْ عقاربُ السَّاعة إلى عـقاربٍ مـسمومةٍ في هذا الزَّمنِ القميءِ. آهٍ .. في مثلِ هذا الوقتِ كانَ يقبِّلُ اِبنتهُ الوحيدة قبلَ أنْ تخلدَ للنومِ .. تساءلَ نفسَهُ:
هل يا تُرى اِبنتي نائمة الآن أمْ أنَّها تسألُ والدتها عن أسبابِ غيابي عنها؟ ماذا ستقولُ أمُّها لها؟
هل ستقولُ لها الحقيقة؟ .. أيّة حقيقة أتكلَّمُ عنها؟.. وهل ثمَّة حقائق في هذه الظُّلمةِ الظَّالمة؟!
آهٍ.. أيَّتها الأزمنة القميئة! ما هذه الأكاذيب والسُّيوف المسمومة المسلَّطة على رقابنا؟! .. مَنْ بلَّغَ هؤلاء الأوباش؟.. ماذا قلتُ؟.. أوباش! أخشى أنْ يكونَ أحدهم خلفَ البابِ ويسمعُ صوتي!.. فليسمعوا صوتي، هل سيحصلُ لي أكثر ممّا حصل؟!
تلمَّسَ صدرَهُ .. كانَ الألم معشَّشاً في قدميهِ وظهرِهِ وخدّيهِ الحزينين، وجبهتهِ وأذنيهِ وعينيهِ المحدَّقتينِ في هذا الجحيمِ! .. كانَ يشعرُ أنَّ عظامَ ظهرهِ مفتَّتة وفروة رأسه مهشَّمة .. هزَّ رأسَهُ مناجياً نفسَهُ بانكسارٍ عميق، ما ذنبي لو كنتُ مختلفاً معهم في قضـايا الحياة؟ .. أيّةُ جريمة اقترفَتْ يداي كي يكبِّلونها بتلكَ السَّلاسل الغليظة ثمَّ يحرقوا شـفتاي وجـفناي بأعقابِ سجائرِهم وينفخونَ بوجهي زفيرهم الملعون؟.. مرّةً أخرى آهٍ.. أيَّتها الأزمنة القميئة!.. صمْتٌ مخيف وظلمةٌ طويلة تجثمُ على صدرِهِ .. وتبتلعُهُ الهواجس وتصارعُهُ الأفكار .. يغلي دمَهُ غلياناً .. ينهضُ وآلامُ العالمِ مبرعمة على مساحاتِ جلدِهِ ثمَّ يتابعُ مناجاته، هل خلقَتِ الآلهة شفتاي وعيناي كي يأتوا هؤلاء السَّفلة ويطفئوا أعقاب سجائرهم بها؟!.. هل يتصوَّرون شفتاي وعيناي منفضةً لسجائرِهم؟ .. هل هم مثلَ سائرِ البشرِ من لحمٍ ودمّ، أمْ أنَّهم تعفَّروا بدماءِ الوحوشِ الضَّارية فتحوَّلوا إلى مصَّاصي دماءِ البشرِ متجاوزين بوحشيّتهم آكلي لحوم البشر!
رأسُهُ كانَ يدورُ وأسئلةٌ لا حصرَ لها كانتْ تدورُ في ذهنِهِ ولا تتوقَّفُ عن الدَّوران!

ستوكهولم: شتاء 2000



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
- [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة
- المجموعة القصصية الأولى، احتراق حافات الروح، استهلال، [1] اح ...
- خمس مجموعات قصصية المجلّد الأول، مدخل للقصص
- تصفّح العدد السّادس من مجلة السَّلام الدولية الصادرة في ستوك ...
- حملة تضامن مع الشاعرة المبدعة فاطمة ناعوت
- صباح الخير يا مالفا أيّها المرفرف فوق تاج الإرتقاء في سماء ا ...
- إصدار جديد للأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف بعنوان: ديري ...


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة