|
فى أسباب حصول نجيب محفوط على جائزة نوبل فى الأدب
مجدى يوسف
(Magdi Youssef)
الحوار المتمدن-العدد: 6095 - 2018 / 12 / 26 - 23:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى الحديث الذى أجرته مؤخرا "المصرى اليوم" مع د.نسمة يوسف إدريس، والذى يحمل عنوان: أبى شعر بالخيانة بعد فوز نجيب محفوظ ب"نوبل"، ورد خطأ أن نجيب حصل على تلك الجائزة فى عام 1987، بينما صحة ذلك هو 1988. وذلك ليس مجرد هفوة عابرة، وإنما له دلالة هامة، لأنه يترتبط بحيثيات الترشيح فى كل عام. وما أدلت به ابنة كاتبنا الراحل يوسف إدريس من أن صحفيين سويديين قد حاوروا والدها فى عام 1987 نظرا لعلمهم بقربه من الحصول على الجائزة لا علاقة له بحصول نجيب على تلك الجائزة فى العام الذى يليه. إذ نص كتاب "إسبمارك شيل"، عضو لجنة تلك الجائزة فى الطبعة الانجليزية الموسعة منه عام 1990، أن اللجنة كانت متحمسة فى أول الأمر فى عام 1988 للشعر العربى المعاصر، ولعل شعر أدونيس كان المقصود بذلك، لاسيما وأنه كان على القائمة القصيرة للجائزة، لكن اللجنة ما لبثت أن تحولت أثناء مداولاتها للسرد الروائى كى يقع اختيارها على نجيب محفوظ. ولم يذكر "إسبمارك شيل" أسباب ذلك التحول المفاجئ. إلا أن هنالك مؤشرات قد تدل عليه. فقد كانت ثمة دراسة صدرت بالانجليزية عام 1985 فى الفصل الأول من أعمال المؤتمر العاشر للجمعية الدولية للأدب المقارن فى نيويورك، حيث كان فيها الكاتب ناقدا لرواية الأجيال عند توماس مان ، وهى المعنونة: آل بودنبروك، وثلاثية نجيب محفوظ. وتصادف أن كانت هذه الدراسة لكاتب هذه السطور، وكان مناط نقدى لكلتا الروايتين أن إحداهما سيكلوجية محافظة عند توماس مان، وأن الأخرى تقاربه فى صوفيتها السيكلوجية المتمثلة فى "الثورة الأبدية" الذاتية لدى الجيل الأخير من الثلاثية، حيث تستوى فى النهاية ثورة الشيوعى مع الإخوانى. أما فى رواية "بودنبروك" فقد أوحى "توماس مان" للقارئ بأن انهيار تلك العائلة التجارية، لم يرجع للعامل الموضوعى ، وهو صعود الرأسمالية الصناعية فى ألمانيا، وإنما لضعف ذاتى أصاب أعضاء الأسرة حتى أن "هانو"، آخر عنقودها، قد انصرف عن تراث أسرته التجارية لعزف الموسيقى. وهو ما قد يذكرنا فى مصر الحديثة بصديقنا الذى رحل منذ بضعة سنوات فى باريس، سليم صدناوى، الذى انصرف عن تجارة أسرته المنتسبة فى الأصل لموارنه لبنان، بعد أن استقرت فى مصر، وصارت لها محلاتها المعروفة التى أممت بعد 1952، ليصير بدوره عازفا للبيانو الذى علمه العزف عليه أثناء الخمسينات مع صديقه "إدوارد سعيد"، الكاتب الفلسطينى الذى اشتهر فيما بعد، موسيقى بولندى مقيم بالقاهرة يدعى "تيجرمان". على أية حال، فقد كان مناط نقدى فى دراستى المذكورة ، والتى نشرت فى ترجمة عربية لها فى الطبعة الثانية من كتابى "معارك نقدية" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى عام 2007، بالإضافة لصورة من خطاب موجه إلى من الأستاذ نجيب محفوظ على عنوانى آنذاك فى جامعة بوخوم التى كنت أستاذا محاضرا بها عام 1975، يذكر فيه أنه اطلع ، من بين ما اطلع على رواية "بودنبروك" لتوماس مان، ولكنه ترك لنفسه "ما يستقر فيها .... الخ" ( راجع صورة الخطاب فى ص ب"معارك نقدية"). أما عن هيمنة التوجه النفسى على الاجتماعى الموضوعى فى العالم المتخيل عند نجيب، وفى الثلاثية على وجه التحديد، فلم أكن أنا الذى اكتشفت ذلك ، وإنما الأستاذ ابراهيم فتحى فى كتابه الصادر فى الستينات تحت عنوان: العالم الروائى عند نجيب محفوظ ( عن هيئة الكتاب،بدون تاريخ). وقد أشرت لذلك فى دراستى المذكورة. وأما الإشارة لعلاقة ثلاثية نجيب برواية "بودنبروك" لتوماس مان، فقد كان الراحل ناجى نجيب قد تعرض لها فى كتيب له صدر عن هيئة الكتاب بالقاهرة، وذلك بعد أن نشر دراسته تلك فى مقال فى مجلة" فكر وفن" بألمانيا. ففيم إذن كان إسهامى فى دراستى التى أشرت إليها، والتى نشرت فى صدر أعمال مؤتمر الجمعية الدولية للأدب المقارن عام 1985 ؟ كانت دراسة ناجى نجيب تقريرية تسجلية، بينما كانت دراستى ناقدة للموقف الانسحابى عند توماس مان فى روايته، والمحلك سر عند نجيب محفوظ فى ثلاثيته. فنجيب يكشف ازدواج شخصية "سى السيد" فى الثلاثية، لكنه لا يلبث أن يمضى موازيا للأمر الواقع، ولا يتجاوزه فى نهاية الثلاثية، وذلك يرجع فى رأيى لاستعارته لتقنية الرواية السيكلوجية، رواية الأجيال عند توماس مان، دون أن يكون ناقدا ومتجاوزا لها فى عالمه الروائى لآفاق لم تتحقق فى العالم الاجتماعى الفعلى، وإن كانت هنالك إرهاصات بها آنذاك عندما كتب ثلاثيته. فليس عيبا أن يستعير أحدنا تقنية من سواه، وإنما الحساب يكون على النحو الذى يستخدمه المرء فى توظيف تلك التقنية. فهل تجاوزها لمشروعه المستقل، أم أعاد إنتاجها على نحو أو آخر ؟ وقد كان مناط نقدى لنجيب هو أنه لم يتجاوز فى رؤيته للعالم المتخيل فى الثلاثية ما فعله توماس مان فى " آل بودنبروك" ، بينما لم يكن فى ذهنى إطلاقا أن "توماس مان" كان قد حصل على جائزة نوبل فى الأدب على تلك الرواية بالذات فى عام 1929. فهل من المستبعد أن يكون نقدى هذا قد أكد للجنة الجائزة أن معايير الجائزة تنطبق تماما على العالم الروائى عند نجيب، خاصة وأنها أكدت فى إعلانها عن أسباب اختيارها لنجيب فى عام 1988 على توجهه السيكلوجى والصوفى فى عالمه الروائى، وهو ما كانت دراستى المذكورة تأخذه عليه وعلى رواية "بودنبروك" لتوماس مان ، بينما كانت فى ذلك الوقت وحيدة فى نقدها ذلك لتلك العلاقة بين كلا الروائيين فى لغة ذائعة الانتشار كالانجليزية ؟ وهل ننسى أن جائزة نوبل فى الأدب التى يسيل لعاب أكثر كتابنا العرب لها، إنما هى مركزية غربية بامتياز، ومن ثم فهى لا تعطى إلا لمن تنطبق عليه معاييرها، وهو ما كشفت عنه فى دراسة لى نشرت بالانجليزية فى عام 2015، وترجمت للصينية وصدرت عن دار نشر جامعة بكين فى 2016، كما أن ترجمة عربية لها تحت الطبع حاليا عنوانها: "نحو تحرير الأدب العالمى من النزوع للمركزية الغربية". أى أن تلك الجائزة إنما تعطى للأعمال التى تساعد على تكريس الهيمنة الثقافية للغرب على عالم اليوم، مما يحافظ على مصالح الغرب فى استيلائه على معظم ثروات هذا العالم ليس فقط بتقنياته المادية.. أما ما أشارت إليه د. نسمة يوسف إدريس من تصور والدها بأن موقفه من الصراع العربى الإسرائيلى لعب دورا مهما فى حجب حصوله على جائزة نوبل، فبحاجة لبعض التدقيق. إذ أن الموقف الغربى المحافظ بوجه عام بإزاء ذلك الصراع إنما استمرار للسياسة الاستعمارية الغربية، وهى التى تنطلق من أننا "همج"، بينما إسرائيل امتداد للغرب "المتحضر" فى منطقتنا. وإنما الخلاف فقط حول مدى ما تذهب إليه من عمليات قمع واعتداء على الحقوق العربية، وما يترتب على ذلك من ردود أفعال مقاومة. يضاف إلى ذلك بالطبع عقدة الذنب التى خلفها النازى بإزاء اليهود، وإن يكن ليس ضد اليهود وحدهم، وإنما بالمثل ضد الكاثوليك الألمان، نظرا لعالمية توجههم فى ظل القومية الشوفينية النازية. فقد ذهب الكهنة الكاثوليك بالمثل لمعتقلات النازى ومحارقه. بل أن هتلر نفسه كان ينادى اليهود الألمان فى خطبه العامة بأن يرحلوا لفلسطين، تلك الصحراء البعيدة عن ألمانيا التى يدعونها "أرض الميعاد"..
#مجدى_يوسف (هاشتاغ)
Magdi_Youssef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكلة -حاكونا مطاطا- (مفيش مشكلة) !
-
ما الحداثة ؟ وهل يمكن لعرب اليوم أن يكون لهم حداثتهم المستقل
...
-
نحو تحرير الأدب العالمى من النزوع للمركزية الغربية
-
فنوننا البصرية إلى أين ؟
-
التواجد العربى فى معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام
-
هزلية المطلق والنسبى فى فكرنا العربى !
-
إعمال العقل: فيم وكيف ؟
-
فى الوطنية وعلاقتها بعالمية الدعوة الإسلامية
-
عندما تلتقى رؤى الشعر وهموم الشعوب : مجدى يوسف مترجما عن الأ
...
-
أزمة الاستشراق العربى واقتراح المخرج
-
فى ضرورة الفلسفة لمجتمعاتنا العربية
-
قاطرة البحث العلمى: إلى أين تتجه ؟
-
خرافة مجتمع المعرفة
-
أحمد الخميسي يكتب عن الوحدة الوطنية
المزيد.....
-
بهدف جذب السياح.. الصين تمدد فترة الإقامة للعبور من دون تأشي
...
-
رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م
...
-
مصاد عسكرية تكشف: حماس جندت آلاف المقاتلين الجدد في غزة
-
عملية إنقاذ محفوفة بالمخاطر في إيطاليا.. 75 ساعة من الجهد لإ
...
-
-لبنان لنا- .. إسرائيليون يدخلون لأول مرة جنوب لبنان وينصبون
...
-
من ماهر الأسد إلى ماهر الشرع.. تعيين شقيق الجولاني وزيرا للص
...
-
بالصور.. دمشق بعد سقوط الأسد
-
من اتفاق السائقين إلى البطاقة الذكية.. ماذا تغير في العشر ال
...
-
زعيم حزب -الناس الجدد- في الدوما الروسي رئيسا للمجلس الإشراف
...
-
الخارجية الروسية: الولايات المتحدة تحاول تغيير السلطة في كوب
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|