أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور الدين بدران - لم يرحل محمد الماغوط














المزيد.....

لم يرحل محمد الماغوط


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1521 - 2006 / 4 / 15 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


من ساعة سماعي برحيل الشاعر الكبير محمد الماغوط أقاوم إلحاحا داخليا في الكتابة.
الشاعر الفذ المختلف حياةً وقصيدة، كشفت قصائده جذور ذعره وأصول رعبه، فهو لم يكن يربطه برحم أمه حبل سرّة، وإنما حبل مشنقة.
أمه هذه لم يجد لها هدية تليق بها في عيد الأم، سوى أن يحملها ويرميها في أقرب فرع للمخابرات حتى يشبعوها ضربا لأنها ولدته في هذه البلاد.
هذه البلاد التي لم يبق سالما ومحصنا فيها شيء سوى المقابر والسجون،لأنها بحراسة جيدة.
هذه البلاد التي ليس فيها سوى الغبار يصعد ويهبط كثديي المصارع ، ولأنها في نظره لا تستحق حتى الوحل،فإنه يناشد الغيوم أن ترحل بعيدا ولا تهطل عليها.
هذه البلاد التي هي أمة تحل الكلمات المتقاطعة وأفضل من يعبر عن حالها فريد الأطرش والمثل القائل :"فالج لا تعالج"، حمل الماغوط همومها وعرائض حالها وتوقيع البؤساء ومحدودبي الظهور، وانطلق إلى السماء،لكنه في منتصف الطريق استدركته مخاوفه من أن يكون الله أمياً، ولأن الثورة ولت بلا عودة فإنه يطلب من الله أن يبيد هذه الأمة.
هذه البلاد التي تظهر بوضوح كيف يتحول الإنسان فيها إلى قرد، ولم يجد الماغوط أستاذا أفضل من صديقه زكريا تامر أجاد وأبدع في شرح ذلك .
هذه البلاد التي جعلت الماغوط يحسد المسمار لأن هناك خشبا يضمه ويحتويه ، ويحسد الجثث الدامية في الصحراء لأن هناك غربانا تنعق من أجلها.
هذه البلاد التي جعلته بلا وزن، فلو سقط عن كرسيه في المقهى لن يصل الأرض بعد آلاف السنين.
هذه البلاد التي رأى فيها نجوم الظهر على يد الفلكي العربي الكبير عبد الحميد السراج.
هذه البلاد التي جعلته يتساءل من هو؟ ثم ماذا هو؟ مختتما هذه السلسلة : هل هو حذاء ؟ إذن أين طريقه؟
هذه البلاد التي جعلته حتى إلى المرحاض يحمل أوراقه الثبوتية، ولدى أية جلبة يلم أوراقه كبغي ساعة المداهمة.
هذه البلاد التي فيها حتى البرعم يتلفت يمنة ويسرة قبل أن يتفتح.
هذه البلاد لم يترك طغاتها في قلبه مكانا لأي حب.
هذه البلاد التي جعلت الأرصفة بيته والبرد رداءه والجوع طعامه وفرقت بينه وبين حبيبته ليلى،فلم يعد يعرف سوى الحزن في ضوء القمر، ولم يعد هناك من حصاة إلا ركلها بأقدامه، وصارت كل الدروب ضد عينين زرقاوين هما عيناه.
هذه البلاد هي التي جعلت أعقاب سجائره تصل فم الإله، فيكتب في الظلام ويقرأ في الظلام ، ولم يعد يميز قلمه من أصابعه.
هذه البلاد التي كلست جدران شرايينه وقدمت له ذبحة الروح قبل القلب.
هذه البلاد التي تملأ فمه بالعلقم مع أنها مليئة بالنحل والأزهار.
هذه البلاد الطاعنة في ثالوث مستبد من المشيمة إلى القبر : قيام قعود سكوت.
هذه البلاد هي وطن محمد الماغوط الذي شرب كأسه و أعلن أنه سيخونه.
(2)
في فمه فم آخر وبين أسنانه أسنان أخرى.
في تلك البلاد بلاد أخرى، وفي ذلك الوطن وطن آخر.
ما من قوة في الأرض تكره الشاعر على حب ما لا يحب أو كراهية ما لا يكره.
فلو كانت الحرية ثلجا لظل الشاعر للأبد بلا مأوى.
وسيبقى ساخطا متشردا صارخا متمردا حتى تعود هراوات الشرطة أغصانا مزهرة.
من ذلك الوطن وتلك البلاد كان الماغوط دائما يرحل وكان دائما قلبه عائداً مع دخان القطار.
من ذلك الوطن الجدير بالخيانة إلى ذلك الوطن اللائق بالحرية.
(3)
لم يرحل محمد الماغوط .
دخل استراحة الخلود، إنه الآن مرتاح من الذين يكرههم وعلى رأسهم الطغاة، ومن الذين يحبهم وأبرزهم أصدقاؤه الثلاثة : الحبر والتبغ والخمر.
أما ما لا يمكن لروحه أن تنفك عنه كسلاف وشام فهو الوطن الحر الكريم بإنسانه الحر الكريم.
هذا المستحيل في شروطنا البشرية (ناهيك بالعربية) هو ضرب من الكمال لكنه حد أدنى لدى شاعر له أنفة أين منها عزة الآلهة.

نور الدين بدران.





#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللحظة البكماء
- إهانة جديدة لسوريا وشعبها جبهة خدام بيانوني
- أيها الجسد المائل.
- بحّار في النوء
- بئر نومكِ
- من ذاكرة الراهن 22
- ممثل فاشل
- من أمام بيتنا
- من ذاكرة الراهن 21
- من ذاكرة الراهن (19)مرة أخرى حول الغوغاء والحرية.
- استعراض /استعراء/تطنيش
- سكرة النسيان
- من ذاكرة الراهن- 18 حماس الواقع وحماس الشعارات
- من ذاكرة الراهن 17
- من ذاكرة الراهن (16)
- من ذاكرة الراهن 14
- لنلحق بهم إلى باب الدار.
- من ذاكرة الراهن 15
- رمل في رمل
- ستربتيز وطني.


المزيد.....




- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور الدين بدران - لم يرحل محمد الماغوط