أحمد السيد علي
الحوار المتمدن-العدد: 1520 - 2006 / 4 / 14 - 07:26
المحور:
الادب والفن
(1)
اسند رأسه على جانب الشرفة .. اليدان .. تعلقتا بقضيبين يقسمان فضائها لثلاث فراغات، كان يجتهد لاتخاذ وضع مستقر يُمكن عينيه من مراقبة كل شيء في الخارج ... الطريق .. الناس .. السيارات ... أذناه استرخيتا بلذة لكل الأصوات المتداخلة ... آلات التنبيه .. عبارات التحية .. السباب.
بألفة .. يبتسم قليلاً بينما يراقب هذا الشاب الذي لمس ثدي صديقته خلسة ... حانت منه التفاتة صغيرة حواليه ... فقط كي يتذكر لماذا لا يستطيع القفز إلى هؤلاء من هذه الشرفة الضيقة .. أو من هذا الباب المغلق بإحكام من الخارج ؟!
.. مرة أخرى .. عاد إلى المشاهدة :- يا إلهي .. هذا الصخب .. كم هو ممتع جداً.
(2)
- لماذا تنظر إلى هؤلاء بكل هذا الشغف ؟! لا يفعلون شيئاً جديداً أبداً !! .. دائماً كنت تصرخ استياءً من ضجرهم !! الآن ترتجف خوفاً من الانفصال !!
(3)
.. لم يعد هناك صخب في الخارج ... العالم آخذ في الابتعاد ... ترك الشرفة ، بخوف .. وضع رأسه بين فخذيه ... أغمض عيناه ، باضطراب .. استرجع صوراً من هذا الصخب .. أرجاء منزله .. صراخ والدته .. مذياع والده ... انكمش الجسد حول رأسه أكثر ... الآن يتذكر أشياء أخرى بوضوح ... الطرق .. المقاهي .. رفاقه ... شعر بشهوة قاسية للبكاء ... أي شيء يجبره على التشبث بآلام الاحتفاظ بهذه الصور في مخيلته !! .. لولا أن التخلي عنها أكثر إيلاماً ...
(4)
- منذ ساعات .. كنت تمارس بضجر كل هذه الأفعال .. صارت شيقة عندما لم تعد تملك سوى أن تنظر من هذه الشرفة .. أغمضت عينك بلهفة لاستعادتها ! ...
- عندما تغمض عينيك ... تثير فيك كل الصور شعوراً مشوقاً بالألم ... إلا صورتك .. تماماً كما لو تخيلت كائن خرافياً ..
- يجب عليك أن تكون واقعياً ... مئات الأيام ستقضيها هنا ... اجتهد للاقتناع بأنك لم توجد سوى الآن ... وإلا سوف تتحول الساعات إلى أيام، والأيام إلى سنوات، والسنوات ...
- رجاء ... هل يمكنك أن تصمت ؟
(5)
... وضع رأسه بين فخذيه ... انكمش جسده حولها .. أغمض عيناه ... هناك صوراً جديدة تبدو واضحة الآن ...
#أحمد_السيد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟