|
القضايا الفكرية في مسرحيات مصطفى محمود
سماح خميس أبو الخير
الحوار المتمدن-العدد: 6088 - 2018 / 12 / 19 - 09:18
المحور:
الادب والفن
مقدمة: استطاعت الفلسفة الوجودية أن تطرح نفسها إبان الحرب العالمية الثانية حيث ساد شعور الإنسان بالقلق واليأس جراء الفناء الذى حدث نتيجة الحرب، وأصبحت هناك حاجة لفهم معنى الوجود. "وقد راجت كتب الوجوديين بشكل هائل بين عامى 1950 – 1960 فى أوساط المثقفين الشباب فى كل أنحاء العالم، وكانت عقول الأجيال العربية الجديدة من المثقفين تضج بموضوعات، وأسئلة شبيهة بتلك التى طرحها الوجوديون فى الغرب – مع اختلاف الأسباب – عن الحرية وجدوى الحياة، ولغز الموت، ومعنى الخير والشر، وطبيعة التقدم، وحقيقة وجود الله، والبعث بعد الموت. وكان مصطفى محمود أهم وأجرأ المعبرين عن هذا الاتجاه فى الثقافة العربية المعاصرة" ( ) ، ولكنه أصبح لاحقا من أكبر المعارضين للحضارة المادية الغربية الهدامة، تلك الحضارة التى شوهت من وجهة نظره الإنسان والحياة. ويظهر هنا تساؤل كيف استطاع مصطفى محمود أن يكشف زيف الحضارة الغربية ويقنع العقول بترك تلك الحضارة البراقة والتمسك بكل ما هو أصيل وعربى. وكيف استطاع أيضا أن يستخدم الفن لبث الأفكار الإيجابية فى العقول العربية بعد أن خربه الغرب. يقول د. مصطفى محمود "لن يختلف معى أحد على أن الكثير من أشكال الفن الذى يعرض علينا لا يدخل تحت اسم الفن، وإنما هو إهانة للفن، وهو يستفز المشاهد بتفاهته وهزله، والتى تكاد تدخل فى اختصاص بوليس الآداب، وبعض الأغانى هى كباريه درجة ثالثة، وبعض الهزليات المسرحية هى رقص مواخير، وإسفاف وتهريج وبذاءات .. مثل هذا الفن المستورد والمشاهد الحسية مع المعاناة الموجودة ومظاهر الغنى الفاحش والفقر المدقع يمكن أن يستفز شاب متهور وتدفعه إلى الجريمة. إن العيب فى ثقافة التسلية ومسرح الهزل. إن قيمة الإنسان هى ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته".( )
المبحث الأول: التحول الفكرى من المادية إلى الإيمان الخلاق: كان الصراع بين التيارات المادية والاتجاهات الدينية المتجذرة فى بنية المجتمعات العربية من سمات هذه الفترة، وقد أصبحت من اهتمامات مصطفى محمود الفكرية أن يبحث فى قضايا الإنسان والحياة. "ولد مصطفى كمال محمود حسين أو مصطفى محمود فى شبين الكوم المنوفية عام 1921 لأسرة متوسطة، وكان الأب موظف فى مديرية الغربية، متدين، وقدوة فى أخلاقه، محب لأولاده وكذلك الأم. بعد وفاة الأب ودخول مصطفى محمود كلية الطب حبا فى العلم انتقلوا للقاهرة، وفى السنة الثالثة من دراسته رقد مريضا لمدة سنتين وعكف طوال هذه الفترة على القراءة والتفكير وتكونت داخله شخصية المفكر المتأمل والكاتب الأديب، وحين عاد لدراسة الطب بعد شفائه كان قد أصبح إنسانا آخر. أصبح الفنان الذى يفكر ويحلم ويقرأ أو يطالع بانتظام أمهات كتب الأدب والمسرح والرواية. وبسبب هذه الهواية الجديدة التى ما لبثت أن تحولت إلى احتراف، وكتابة منتظمة فى الصحف فى السنوات النهائية بالكلية، فقد بدأ يكتب فى مجلة التحرر وروز اليوسف" ( ) * رحلة مصطفى محمود الفكرية: يقول د. مصطفى محمود عن رحلته من الشك إلى الإيمان أنها "لم تكن إنكار أو عناد أو كفر، وإنما كانت إعادة نظر منهجية، حاولت أن أبدأ منها من جديد بدون مسلمات موروثة، وإن كنت قد بدأت قطار الفكر وقطار الدين من أوله من الصفحة الأولى، وانتهيت من الرحلة إلى إيمان أشد، وعقيدة أرسخ، وانعكست الرحلة فى التسعة والثمانين كتابا التى قمت بتأليفهم، وكانت حياتى رحلات مستمرة فى الغابات الاستوائية وعواصم أوروبا والبلاد العربية، وكانت لى رحلة أخرى داخل نفسى ركبت فيها سفينة العلم والمعرفة والفلسفة والدين، كانت حياتى الأدبية فى خلال ثلاثين عاما هجرة مستمرة نحو إدراك الحياة والبحث عن الحقيقة، وكان كل كتاب محطة على طريق هذا السفر الطويل. كانت المجموعة الأولى من الكتب التى صدرت بين عامى 1954, 1958 تمثل المرحلة المادية العلمانية وفيها قدمت كتبى (الله والإنسان) – (ابليس) – ومجموعة قصص (أكل عيش) و(عنبر 7). وفى هذه القصص حاولت أن أصور المجتمع من منظور واقعى صرف، وكان موقفى من المسلمات الدينية هو مواقف الشك والمناقشة. وكانت المرحلة الثانية هى بداية الشك فقد اتضح عجز الفكر العلمى المادى عن أن يقدم تفسيرا مقنعا للحياة والموت، فوقفت أمام الموت متأملا فلا يمكن أن يكون الإنسان هو تلك العناصر والأحشاء الملفوفة فى قرطاس من الجلد فالحياة الإنسانية وحقيقتها لابد وأن تكون متجاوزة ككل هذا القالب المادى المحدود. فى هذه المرحلة كتبت مؤلفاتى (لغز الحياة) ورواية (المستحيل) وتستمر هذه المرحلة إلى أوائل الستينيات. وفى 1962 تأتى المرحلة الثالثة حيث أهاجر لاستكشاف الحقيقة فى الغابات الاستوائية وتكون مثمرة هذه الرحلات فى ثلاثة كتب هى: (الغابة) و(مغامرة فى الصحراء) و(حكايات مسافر) وذلك عن رحلة إلى أوروبا. تأتى المرحلة الرابعة والتى أهاجر فيها إلى ما وراء العلم لأكتب لونا جديدا من أدب الرواية العلمية، وفى هذه المرحلة قدمت روايات (العنكبوت) و(الخروج من التابوت) و(رجل تحت الصفر) و(اينشتين والنسبية) ثم تواكب هذه المرحلة وتأتى بعدها مرحلة أدبية قدمت فيها معظم أعمالى الأدبية ومنها مسرحية (الزلزال) ومسرحية (الإنسان والظل) ومسرحية (الإسكندر الأكبر) ومجموعات قصص مثل (رائحة الدم) و(شلة الأنس) وروايات اجتماعية مثل (الأفيون). وفى أواخر الستينات أدخل عالم الأدبيات فى سيرة طويلة تبدأ بالفيدات الهندية والبوذية وغيرها ثم اليهودية والمسيحية والإسلام وانتهت بالقرآن الكريم والصوفية الإسلامية لأجد كل الإجابات لكل ما كنت أبحث عنه من مشاكل أزلية." ( ) لقد اتخذ د. مصطفى محمود العلم طريقا للإيمان، وتناول الماديات لإبطال حجج الملحدين، فأنتقل من الشك والحياة المادية إلى الإيمان واليقين بالله" ( ) " فتأتى مرحلة التحول الكامل إلى الإيمان وتتوالى مجموعة من كتب الإسلاميات (القرآن محاولة لفهم عصرى)، (رحلة من الشك إلى الإيمان) .. (الله) .. (محمد) .. (الشيطان يحكم) .. (الروح والجسد) .. (حوار مع صديقى الملحد) وتغطى هذه المرحلة سنوات السبعينيات، وفى هذه المرحلة اتخذ موقفا صريحا مناهضا للفكر الماركسى وقدم كتب: (الماركسية والإسلام)، (لماذا رفضت الماركسية)، (أكذوبة اليسار الإسلامى) ليناقش كل ألوان الغزو الفكرى من وجودية إلى عبثية فوضوية إلى مذاهب الرفض والتمرد واللامعقول. وفى أواخر السبعينات تأتى المرحلة الصوفية ليقدم الثلاثية الصوفية: (السر الأعظم) .. (ورأيت الله) .. (الوجود والعدم) .. (أسرار القرآن) .. (القرآن كائن حى) .. مجموعات قصص مثل (نقطة الغليان) .. (أناشيد الأثم) .. (البراءة) .. ومسرحيات مثل (الشيطان يكن فى بيتنا) .. (الطوفان) ورواية (المسيح الدجال) .. تلك هى رحلة مصطفى محمود بطول ثمانين عاما وتسعة وثمانين كتابا تشهد على عصر من نافذة العلم والإيمان." ( ) لقد أدرك مصطفى محمود أن الصورة المادية لا تفسر الحياة ولا تفسر حقيقة الغيب، فالتفسير المادى للإنسان لا يفسر حقيقة الإنسان، فتبدل خطاب مصطفى محمود المادى وانفتحت أمامه فضاءات فكرية وكانت ثمرة هذه التجارب أن أصبح المفكر الدينى الخلاق. * مصطفى محمود والمسرح الفكرى: لقد أثرى مصطفى محمود المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات، وتميز أسلوبه بالجاذبية والبساطة والعمق، كما تميز بإمكاناته الفنية التى جمع فيها بين الحس الفنى والإدراك الفكرى. "يقول جلال العشرى فى كتابه (مصطفى محمود شاهد على عصره): كان مصطفى محمود يتعاطى الأشياء بعقله، ثم يعيها بوجدانه، ثم يجسدها بقلمه، فإذا هى مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة، فإذا هى قطعة من الواقع وشريحة من الحياة، أو هى بنية حية فيها دسم الواقع ونبض الحياة، فنه القصصى غير قابل للتمذهب، استطاع أن يفلسف حياته ويحيا فلسفته، وأن يتخذ من أزماته النفسية الحادة، وزلازله الباطنية العنيفة، وتجاربه الحية، وخبراته الوجدانية مادة لأدبه فلم يتجه إلى تصوير نماذج كلاسيكية من الشخصيات، وإنما اتجه إلى تصوير أفكار فى مواقف تحس وتتحرك، وتطور نفسها، فالشخصيات عنده وعاء للفكرة والقضية" ( ). "يقول توفيق الحكيم عن المسرح الفكرى، أنه ليس مسرحا مجردا شأن مسرح التجريد عند بيكيت ويونسكو، فالمسرح الفكرى تقليدى فى بناءه وفى رسم شخصياته ولكن العنصر المميز للمسرح الفكرى هو أن ما يشغل الشخصيات ليس موضوعا عاطفيا أو نزاعا ماديا بقدر ما هو قضية فكرية. وبرغم أن مصطفى محمود هو فى الأصل طبيب ولكن عمق تفكيره وثرائه المعرفى، وموهبته الفنية خلقت إنتاجا فلسفيا فريدا، وامتد هذا الإنتاج إلى الفن المسرحى ليشكل أعمالا مسرحية تندرج تحت مسمى المسرح الفكرى" ( ) فالمسرح الفكرى هو مسرح يثير قضايا فكرية خلال سياق درامى جاذب لعقل المتلقى. يقول د. مصطفى محمود "لو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون، هل أن الأديب القصاص أو المسرحى أو الفنان أو الطبيب. لقلت: كل ما أريده أن أكون مجرد خادم لكلمة لا إله إلا الله ، وأن أكون بحياتى وبعلمى دالا على الخير" ( ) المبحث الثانى: الرسالة الإصلاحية فى مسرحيات مصطفى محمود يؤمن مصطفى محمود بأن الفن أداة يمكن أن تستخدم فى الخير ويمكن أن تستخدم فى الشر "فالفيلم السينيمائى يمكن أن يكون داعيا إلى الحق والخير والجمال كما يمكن أن يكون داعيا إلى الانحلال، ولا ذنب لدور السينما ولا لرواد السينما، وإنما الذنب ذنب العقول الماكرة والمذاهب التى تستخدم هذه الأدوات للتهديم. على سبيل المثال فإن السوفيت هم أول من استخدم السينما لهدم الأفكار الدينية ونشر المادية فى العالم كله، وكل زعيم يحاول أن يستدرج أتباعه إلى ولاء أعمى وتبعية مطلقة، حيث تأخذ الشباب من نفسه نقطة الضعف، نقطة الفراغ الدينى والتعطش إلى الهدف والمثال والحق والخير، إنها جميعا تحاول أن تقدم الشباب همزة الوصل، همزة الوصل بين شباب مثالى مندفع وبين أهداف يجملها كل فريق على هواه ويدعى أنها الحق. ولكن الحق هو الله سبحانه وتعالى، الله هو المنبع الوحيد للأخلاق والكمال كما يقول كل دين. والخواء والفراغ والخراب النفسى الذى يعيش فيه شباب العالم الآن هو بسبب افتقاد همزة الوصل تلك. إن همزة الوصل الناقصة هى التى أودت بالشباب إلى هذه الانفجارات الانتحارية وهى وراء كل تطرف إجرامى أو عدوانى وهى وراء إدمان المخدرات وحالة الهروب والاغتراب. إنه دائما شباب يفتقد الهدف والغاية. وقد نجح الزعماء أمثال هتلر وستالين وماركس ومن قبلهم زعماء الفرق المتطرفة أمثال الخوارج وجماعة التكفير والهجرة وجماعة القس جوبز .. كل هؤلاء نجحوا مع أتباعهم لأنهم قدموا همزة وصل مزيفة وقدموا محرابا بعيدا عن المسجد والكنيسة وإيمانا مريضا بديلا عن الإيمان السليم وهدفا يصلح لامتصاص الطاقة الشبابية وشغل الوقت الضائع. ولمواجهة تلك الطاقة السلبية لم تعد تجدى العلاجات الجزئية، وإنما أصبح واجبا أن تواجه بإصلاح جذرى، ولن يتحقق ذلك إلا بأن نقدم للشباب ما ينقصه بالفعل، همزة الوصل الحقيقة التى تعمر خواءه وتنور باطنه .. وذلك بالدين الحقيقى والإيمان السوى. بهذا وحده سوف تهدأ نفسه ويسكن وجدانه وتستعيد فطرته توازنها ويتحول قلبه المريض المنعزل العدوانى إلى قلب محب مشارك مسارع إلى الخير والعطاء. إن استحضار معنى الله الواحد فى الوجدان أصبح القضية الأولى العاجلة، فالعالم انحدر إلى غفلة وانشغال، والله أصبح غائبا عن الوجدان الإنسانى الغارق فى التفاصيل الاستهلاكية واللذات السريعة. والتليفزيون والسينما والمسرح والراديو والكتاب والمجلة أصبحت أدوات خطيرة تزيد من إغراقنا فى الغفلة والغيبوبة والإغماء الحسى بالأغانى الجنسية وأفلام الجريمة وإعلانات الإثارة. والنتيجة أن انحدرت النوعية الإنسانية إلى نوعية حيوانية فأصبحنا نرى الناس يتناطحون أفرادا وجماعات كالأبقار على اللقمة والدرهم والقيراط والمرأة ...". ( ) "إن اليقين الدينى هو الذى يرد الإنسان اعتباره وكرامته وينزل السكينة على قلبه ليصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحى والتكامل الداخلى فيشعر أنه أقوى من الموت وأقوى من الظلم. وبهذا اليقين يجابه أعظم الأخطار ويقهرها فهو بإيمانه فى حصن أقوى من دروع الدبابات، حصن لا سبيل إلى اختراقه بأى قذيفة. والدين لا يرفض الحياة ولا يرفض العقل، والإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة والحرص عليها ورعايتها ويحض على احترام العقل وعلى طلب العلم ويقدم شريعة عصرية توحد بين الروح والجسد فى التئام فريد .. لا الروح تطغى على الجسد ولا الجسد يطغى على الروح، وإنما يتصرف الاثنان على أنهما واحد. فهو لا يطلب منا أن نميت الشهوة وإنما يطلب منا أن ننظمها ونوجهها فى إطار العلاقة المشروعة" ( ) أيقن مصطفى محمود بأن الفن رسالة إصلاحية فاتخذ الإصلاح الفكرى هدفا لفنه المسرحى، هذا الإصلاح الذى لن يتأتى إلا بمواجهة الأفكار الغربية والموجات الحضارية الهدامة، مع بناء النفس السوية القادرة على التحكم فى نوازعها. أنه يخاطب العقل محاولا الوصول إلى النضج الحقيقى اعتمادا على الأسس الدينية الكلية البناءة. وإذا تتبعنا إنتاجه المسرحى والذى يتضمن إحدى عشرة مسرحية نجد أن جميعها يدور فى فلك هدفه الأصيل وهو الإصلاح، هذا الهدف الذى استطاع أن يقدمه فى صورة فنية وصياغة درامية بسيطة – قد اعتمد على محورين هما: – رفض السيطرة المادية الغربية الهدامة - التحكم فى النوازع البشرية. المحور الأول: رفض السيطرة المادية الغربية الهدامة: فى مسرحية (الشيطان يسكن فى بيتنا) والتى كتبها مصطفى محمود عام 1973 استطاع أن يبرز فكرته دون غموض ليصل فى نهاية المسرحية لهدف واضح وهو توعية المتلقى للانتباه للمبادئ الغربية التى تختلف فى مضمونها عن الروح العربية فعلينا الاستفادة من الغرب ولكن دون التشبع المطلق أو التغيير للأسوأ. والمسرحية مكونة من ثلاثة فصول، وتعرض لشخصية (الشيخ طنطاوى) وهو رجل صوفى فى الأربعين الذى يظل فى صراع طوال المسرحية مع (سونيا) وهى ممثلة إغراء مشهورة والتى تضع كل ما تملكه تحت أمر الشيخ رغبة منها فى جعله مرشدا روحيا لها ولفرقتها وما يقدمونه من فن. وتظل سونيا فى إقناع مستمر للشيخ طنطاوى فى حوار يبدو وكأنه صراع بين الخير والشر داخل النفس البشرية. ويتضح من الأحداث أن الشيخ قد وقع فى حب وإغراءات سونيا، وبدأ فى التخلى عن مثاليته شيئا فشيئا، ولكنه يدرك المؤامرة التى تقودها سونيا لنشر الرذيلة باسم الدين فيتصدى لها مع مريديه الذين اتبعوه فى كل فعل إيمانا بقدسيته دون إعمال للعقل. لقد أعلن مصطفى محمود بمنتهى الوضوح ضرورة الحذر من رغبة الغرب فى السيطرة على الشرق لتصبح التابع والعنصر الأضعف الذى ينساق وراء الشعارات المادية البراقة والغرائز تاركا كل ما هو أصيل وأخلاقى، بل على الشرق أن يتمسك بمبادئه وأخلاقه السوية مع الاستنارة بالتطور الغربى فيما يفيد فقط. "طنطاوى: أنا مش حارفض العلم. انا حارفض التوظيف السئ للعلم، العلم سلاح محايد، ممكن يبقى قنبلة ذرية مهلكة، وممكن يبقى طاقة خيرة تنور مدينة، ممكن الراديو يثقف ويعلم ويفيد، وممكن يضيع ويتلف ويخرب، ممكن يذيع الصدق، وممكن يذيع الكذب. - أنا حاخد العلم وأوظفه على مرادى ولفايدتى وللخير. - وقع الحافر فيما حفر. كنتم تحفرون لنا طول الوقت، وكأن معاولكم مزوقة وجميلة .. مرة اسمها العلم، ومرة اسمها التمدن، ومرة اسمها الفن، ومرة اسمها الفلسفات المستوردة والأفكار العصرية، ومرة اسمها المخدرات والموضات وأدوات الزينة. ولكن اليوم يتغير كل شئ، خذوهم وقيدوهم، اليوم تعود إلينا بلادنا وأرضنا وشخصيتنا" ( ) كان مصطفى محمود مؤمنا بأن التطور الغربى المقنع بمبادئه المادية المزينة والمثيرة للرغبات هو العدو الأول للعالم الإسلامى، وأن الخواء النفسى والبعد عن الدين، وتعطيل العقل مع الانسياق وراء رجل الدين أو القائد دون تفكير، وكذا النزعة الغريزية غير المحكومة للمتعة هى الطرق التى استطاع بها الغرب أن يتسلل بها إلى العقول الشرقية. وينبه مصطفى محمود للأهداف الصهيونية فى إشارات خفية على لسان شخصيات مسرحية وذلك فى محاولتها الدؤوبة للسيطرة على العالم. "سونيا: البداية مش بطالة سمعتوه قدامكم بيصرح بالقبلات بشرط أنها تكون فى الهواء، وبالرقص الجنسى بشرط أن يكون غير مباشر، وبالكوميديا اللى ضربنا فيها المأذون بالنبوت، وإمبارح أخذت منه تصريح بشرب البيرة على أنها مشروب خفيف غير مسكر ينشط الكبد ويدر البول. والبقية تأتى، ولما تبتدى التنازلات مابتنتهيش، وإذا نجحت الخطة زى ما رسمناها حيبقى الشيخ بعد أيام مفتى الانحلال .. ويحول البلد إلى شعب محلول مغمى عليه، وباقى العملية حتكون أسهل علينا من قزقزة اللب حنستولى على الأرض والناس". ( ) وفى موضع آخر يقول الشيخ طنطاوى "طنطاوى: عاوز أعرف إيه الى بيجرى فى الخفاء. عاوز أعرف الايدين اللى بتخرب ولحساب مين بتخرب. فيه إغراق متعمد لكل شئ فى الجنس والعرى والمخدرات والهزل. إن كل محاولة للبناء تنقلب لمشروع هدم"..( ) أما مريديه فقد انساقوا معه، وهو الأمر الذى يرفضه مصطفى محمود المؤيد دائما لإعمال العقل، فى إشارة لانسياق العرب وراء رجل الدين أو القائد دون تفكير فعندما طلب الشيخ طنطاوى من أتباعه مشاركته فى العمل عند سونيا لم يترددوا وعندما جاءت لطنطاوى الصحوة آمنوا بها. ولكن وضع مصطفى محمود على لسانهم تساؤلات تثير انتباه المتفرج وتشير إلى التاريخ الصهيونى خاصة وأن هؤلاء التابعين يحملون أسماء الأنبياء. عيسى: غرقونا فى الدعارة وقالوا هى الفن. إسماعيل: علمونا الإلحاد وقالوا هو العلم. أحمد: فرقونا بالصراع الطبقى وقالوا هى العدالة الاجتماعية. عيسى: خدوا أرضنا. يحيى: وخيراتنا. عيسى: وكنوزنا. أحمد: والآخر حيقتلونا. لقد أوضح مصطفى محمود أن النهضة العربية الحقيقية لن تأتى إلا بالتمسك بالمبادئ والأخلاق التى أسس لها الدين الإسلامى، وعدم الانحراف وراء الأفكار المستوردة الهدامة مشيرا إلى دور الفن فى إعمار البنية الإنسانية. ( ) "الشيخ طنطاوى: إن ما يخرج من فم الممثلات والممثلين فى بلاتوهات السينما والمسرح ينجس أمة بأسرها، هذا هو الأمر الذى سأحاول أن أغيره هى معركة لابد منها. لا نستطيع أن نقف مكتوفى الأيدى نرى الفساد يدب فى كل شئ ونكتفى بالتراتيل والتسابيح فى الخلوات. - من أى بيت استوردت الكريوجرافى ده، دى صيحات من اختصاص بوليس الآداب فى كل مكان .. دى مخدرات مهربة فى علب ملبس .. مؤامرة على الجماهير. - وكالعادة المسائل اللذيذة بتروج لنفسها بسرعة، والعملة الرديئة بتطرد العملة الجيدة من السوق. دى قوانين الدنيا المنحطة جبتولنا العلم نشتريه منكم.. انتوا ضيعتونا .. احنا ضعنا .. أنا عاوز خرابتى القديمة مش عايز منكوا حاجة". ( ) وفى مسرحية (الإنسان والظل) التى كتبها مصطفى محمود عام 1964 يسخر مصطفى محمود من كل شئ مادى صنعه العقل والمنطق. وشخصية (رحمى) فى المسرحية هو رمز للقوانين المادية التى نظمها الإنسان بغية تحقيق العدالة فى الدنيا، ولكن نفس القوانين تلك هى التى تؤسس للظلم، إنها قوانين مادية منقوصة من صنع بنى البشر. "رحمى: بذمتك فيه فى الدنيا عدالة؟ القاتل الذكى اللى بيقتل عينى عينك فى حروب النهب والعدوان حد بيقوله تلت التلاتة كام مش بياخد نيشان وترقيه على جريمته، ويقولوا عنه البطل اللى دافع عن الديموقراطية والحرية وحرر الشعب من العبودية ... إلخ. ما هو كل واحد حيلاقى له شعار وكلام يقوله. وما دام معاه أوامر وورقة ممضية حيقدر يعمل أى حاجة .. يقتل .. يسرق .. يعنى السفاح بشندى الى إحنا سجناه بأوراق وأحكام وحيثيات يعنى أنت متأكد إنه مجرم .. ولما أنت متأكد إنه مجرم .. كنت بتدافع عنه ليه وتطلب ليه البراءة."" ( ) و(رحمى) هو القاضى الذى تحول لآلة تنفذ القوانين، وتنتهى المسرحية بإعلان رحمى رغبته فى إحالته على المعاش ليدخل فى حالة من الصراع النفسى حيث يعتريه الشك فى كل أمر. "رحمى: (ساخرا) حقيقة إيه وعدالة إيه، إحنا حنغنى على بعض هو فيه حاجة على الدنيا دى اسمها عدالة ولا حقيقة. أنا تعبت، وعايز أعرف إيه النهاية، إيه نهاية دة كله. الأم: أنت الى قفلت على نفسك .. أنت اللى سجنب نفسك، ربنا بيساع فى رحمته كل الناس .. لكن أنت اللى حرمت نفسك من رحمة الله .. قفلت عقلك مش عايز تصدق، قفلت قلبك مش عايز تحب، خنقت عواطفك مش عايز ترحم .. مش عايز تآمن بأى حاجة .. أنت الى بنيت حواليك الجدران دى كلها." ( ) وبذلك يوضح مصطفى محمود على لسان أم (رحمى) حال الإنسان المعاصر الذى قيد عقله بالماديات. ويصور مصطفى محمود فى مسرحية (زيارة للجنة والنار) مصير الجبارين والفاسدين والملحدين ورواد المادية أمثال (كارل ماركس) و(لينين) حيث تبدأ المسرحية بموت أحد المجرمين وتتعالى الأصوات أن العدالة لم تتحقق فيه بعد، فيقول "السجان: العدالة فوق .. هناك حيث ذهب .. لا توجد عدالة على الأرض. الأصوات: ولكنه أفلت لقد قتل مليون برئ ومثل بآلاف الجثث وأحرق آلاف الأطفال والنساء إنه سفاح، إن أولاده يمرحون فى الملايين التى سرقها، والجرائد تتغنى فى إمتداح سيرته. السجان: إنه يحاكم الآن، ويضرب على قفاه. الأصوات: أين هى تلك المحاكمة .. وأين القضاة .. وأين المقصلة.. إننا لا نرى شيئا إلا رجلا يموت. إذا كنت تقصد عذاب الضمير، فهو بلا ضمير. السجان: بل أقصد هذا الذى تشهدون." ( ) ويختفى السجان وتزاح الستار عن مشهد الجحيم والنيران والزبانية وحوار بين الآثمين والشياطين ليلقوا اللوم على شياطينهم، ومشهد آخر للجنة ونعيمها، وبعد إعلان أهل الجحيم أنهم سوف يقومون بثورة ترفض مصيرهم تنزل الخطاطيف لتمسك برؤوس المتمردين الذين نشروا الخراب فى الدنيا بفكرهم الهدام. ويعرض مصطفى محمود الصراع المستمر بين الحق والباطل، بين الظالم والمظلوم، بين الحرية والاستبداد ففى مسرحية (جوما) والتى أعيد طبعها باسم (الزعيم) والتى كتبها عام 1968 والمسرحية تتناول قصة البطل العربى (جوما) وكفاحه ضد الحكم التركى فى الشمال الأفريقى على مدى عشرين عاما. ورغم أن تلك المسرحية تحث على التشجيع لمواجهة العدو خاصة وأنها كتبت بعد النكسة، إلا أن مصطفى محمود لم يتبنى فكرة مواجهة العدو ببسالة فقط، بل إنه تبنى فكرة محاربة الظلم فى ذاته، لقد أراد (جوما) العدالة فى عالم يعج بالخيانة والغدر والظلم، لقد تشوه العالم وتشوهت الإنسانية جراء أطماع الغرب .. الغرب الذى أراد دوما أن نكون الحلقة الأضعف سواء باستعمار الأرض أو باستعمار العقل. "جوما: نحن لا نحارب لنقتل، ولكن نحارب لإحقاق العدل والمساواة فالحروب لا تكسب بالأذرع وحدها ولكن بالحكمة والخبرة". ( ) تابع مصطفى محمود نقمته على الفكر المادى الغربى فى مسرحية (الطوفان) والمسرحية تأتى ضمن كتاب الطوفان – والذى اشتمل على عدة قصص ومسرحيات ذات الفصل الواحد والتى كتبها من العام 1972 حتى 1976 - والمسرحية هى محاولة كشف بها مصطفى محمود حال العالم وما يعتريه من مشكلات اقتصادية وصحية فى إشارة لإلقاء اللوم على الصناعة الغربية التى دمرت كل شئ. "مسيو أحمد : والله ما جاب أجلنا إلا العلم .. كل علمكم فى خدمة الحروب والهلاك والتدمير. د. شاخت : انت بتشك فى العلم يا مسيو أحمد. أحمد : أنا أؤمن بالعلم وديننا أمرنا بالعلم لكن العلم النافع مش العلم الضار. هو التضخم سببه إيه .. سببه أننى أنا يا مصنع ياللى باستلف الفلوس بالربا والفوائد عشان أرد الدين اللى بيتراكم عليا أضعاف. لازم أرفع أسعارى أضعاف. شوف الفلوس بتتولد إزاى يا مستر باركر, بتتولد ولادة غير شرعية بالربا والفوائد للأموال العاطلة النايمة فى البنوك .. والسلف بالفوائد الباهظة للدول الفقيرة اللى زى حالتنا" ( ) ويدور حوار حول المشاكل الاقتصادية، ويدعو مصطفى محمود للاقتصاد الإسلامى الذى يلغى الربا ويأتى بالعمل والمجازفة بالمشروعات التعميرية. ويعبر مصطفى محمود عن نقمته على حال الإنسان البائس على لسان أحمد: " جميع النظم فاسدة فى الشرق والغرب، لأنها قايمة على الحسابات المادية وحدها، على المصالح المادية والأرقام، فى السويد منتهى الرخاء المادى والحرية المادية والجنس بلا كبت، لكن تلاقى أعلى معدلات الجنون والانتحار. لأن البطن شبعت والغرائز شبعت لكن الروح عطشانة والفطرة مشوهة. فالحياة خلت من فكرة الله والخلود والعدل المطلق، وأصبحت مسطحة، أصبحت مجرد أكل وشرب وجنس. وبعدين التراب." ( ) وتجتمع شخصيات المسرحية لتقر حلا لإنقاذ العالم.. "باركر: فى الواقع انتم مدعوين النهاردة للتفكير فى وضع العالم الدقيق .. العالم يا جماعة على حافة كارثة .. الانفجار السكانى تجاوز حدود الموارد المتاحة، وفيه أزمة أكل وأزمة طاقة، وتلوث البيئة أتلف الثورة الحيوانية والنباتية وبيهدد الإنسان نفسه بالهلاك، والتضخم جعل العملة بدون قيمة، ومجاعات وأمراض وأوبئة من أنواع جديدة بتواجهنا" ( ) وتأتى شخصية (نوح) والذى يلجأ البعض له ليحل الموقف ليقول .. "نوح: مركبك نفسك .. إذا ركبت نفسك نجوت، وإذا ركبتك نفسك هلكت .. أنتم ضيوف على هذا الكوكب .. كل منكم زائر عابر، أنتم مدعوون، دعاكم الله لقضاء يوم فى مملكته .. هل يشغل عابر السبيل نفسه بتكديس الممتلكات على كاهله .. كل واحد عليه أن يمتلك ثوبه ودابته ولقمته، وسوف تكفينا الأرض وزيادة. ( ) يستمر الجميع من حكام العالم الغربى فى السخرية وعادوا لأفكارهم فى تشجيع العلم وعادوا لأطماعهم المادية والتفاخر بقوى دولهم النووية، وعندما يتشاجر سادة العالم الصينى والروسى وغيرهم وكل منهم يهدد الآخر بقوته. يحدث (مفستو) الرجل الشيطانى فى خبث نفسه وكأن مصطفى محمود يدلل به على الطمع الصهيونى. "مفستو: شعلل خلى العالم بركان عض يا واد فى إخواتك عض اتخانقوا .. اتخانقوا .. واقتلوا بعض وأنا فى الآخر .. حاورث وحدى كل الأرض" ( ) وتنتهى المسرحية بانفجار جراء اختراع جديد يودى بحياة نصف سكان الأرض .. وذلك بعد أن وضع مصطفى محمود على لسان بعض شخصياته مثل (أحمد) و(نوح) حلا للهزل المادى الذى تسبب فى الهلاك، ذلك الحل المتمثل فى الرجوع إلى مبادئ الدين وقواعده. يتابع مصطفى محمود هدفه فى ضرورة التمسك بالإيمان الذى هو منبع السلام والحب مع ضرورة البعد عن الفكر المادى ففى مسرحية (سكر ولمون) وهى إحدى مسرحيات كتاب (الطوفان) يرصد مصطفى محمود حركة المجتمع من أيام العربة الكارو إلى عصر الذرة والصاروخ، ولكن تعرض المسرحية لتسجيل أحد المذيعين لمجموعة لحظات تروى قصة الحب والزواج على مدى عشرين سنة، تطور فيها العالم، وانحدر فيها كل ما هو انسانى. ( ) فى المشهد الأول يظهر رجل وامرأة فى حالة حب جالسين فى الكازينو يشربون عصير الليمون. وفى المشهد الثانى يجلسان فى بيت الزوجية بعد ثلاث سنوات لتحمل الأم طفلها ويقرأ الرجل فى الجريدة وعلى المائدة أيضاً الليمون وقد بدأت حالة من الفتور بينهما. ويأتى المشهد الثالث بعد مرور عشرة سنوات لتبدو الزوجة سمينة مدخنة وحولها أربعة أطفال ويبدو الزوج نحيلاً ويطالع كتاباً والليمون أيضاً على المنضدة ويدور بينهما شجار. وتنتهى المسرحية بالمشهد الرابع بعد مرور عشرين عاماً ففى نفس المكان خمسة أولاد يتشاجرون على المال وينتهى المشهد بالسب وتخطف الزوجة دورق الليمون وترميه على الزوج الذى يخطف العصا ويضربها .. ويتحول الحوار تدريجياً من حالة حب إلى حالة من الكره. "هو: اللمون معطب والسكر فيه نمل هى: طبعاً هو: هاتى لنا مية من الحنفية. المية باردة أوى هى: قوم أنت. أنت معندكش إحساس." ( ) لقد تعمق مصطفى محمود إلى التحولات الجذرية التى طرأت على الإنسان الذى افتقد معانى الحب فى عالم لم يعد فيه الحب هدف بل أصبحت الماديات والأمور الحسية هى المسيطرة على البشر. أما مسرحية (أنشودة الدم) وهى إحدى مسرحيات كتاب (الطوفان) يتساءل مصطفى محمود مستنكراً عن جدوى الحروب والتطاحن الذى خلقه العالم المادى، وتدور المسرحية فى صحراء مقابر العلمين والتى يحرسها حارس انجليزى ثم يظهر رجل فى الأربعين فى طلة مهيبة، جاء ليزور القبور، ويحكى الحارس عن الحرب وأهوالها وكيف مات زملاؤه وصديقه المقرب، ليتضح أن الزائر هو قاتل الصديق، ويدور حوار لذم فكرة الحرب والتى بنيت على الأطماع المادية. تلك الأطماع التى صاغها الغرب ووضع لها الأطر والقوانين التى تروج لمشروعيتها. "الزائر: لقد تعلمت .. لقد تعلمت أنه لا فائدة .. الغالب والمغلوب كلاهما رأيتهما مهزومين خاسرين أمامى. لقد أفلس الكل، ولما يكسب أحد"( ) وإجمالاً لقد دعا مصطفى محمود فى السبع مسرحيات تلك إلى رفضه للفكر الصهيونى الهدام، وكذلك رفضه إتباع التطورات العلمية الغربية الهدامة تلك التطورات التى بنيت على الأطماع، تلك الأطماع التى أدت إلى الحروب، والظلم لبنى العرب، كما دعا لهجر الفكر المادى المهلك للبشرية بينما دعا للتمسك بالقواعد والمبادئ الدينية فى شتى مناحى الحياة تلك المبادئ التى أسس لها رب الكون وصاحب العدل لتعود النفس البشرية لفطرتها المحبة لتعيش فى سلام داخلى وخارجى مع العالم المحيط. المحور الثانى: التحكم فى النوازع البشرية: تميز مصطفى محمود بقدرته على الغوص فى أغوار النفس البشرية وتصوير ما يعتريها من صراعات وتساؤلات بغية الوصول بالمتلقى إلى استرشاد طريقه فى الدنيا بترك الشهوات والنوازع السلبية التى تؤدى إلى الهلاك. يقول مصطفى محمود على لسان (الشيخ طنطاوى) فى مسرحية (الشيطان يسكن فى بيتنا). "طنطاوى: الإنسان اللى بيقاوم نوازعه الشريرة هو على الأقل إنسان ترجى نجاته وفيه أمل منه .. أما الإنسان اللى يستجيب لكل وسوسة بفعل فورى .. فهو إنسان انضم إلى زمرة الحيوان وانتهى أمره".( ) لقد صور مصطفى محمود صراع النفس فى حوار (طنطاوى) و(سونيا) قائلا: "سونيا: أنا هدفى من الدنيا الانبساط .. وربنا خلقنا فى الدنيا عشان ننبسط ونتمتع. خلق لنا الأكل عشان ناكل مش عشان نجوع ولا ايه. طنطاوى: ربنا خلق لنا شهوة البطن عشان نقاومها، وخلق لنا شهوة الجنس عشان نحكمها، ربنا خلق لنا الجسد زى السلم عشان نقهره ونطلع عليه .... يعنى الإنسان مايبقاش إنسان إلا لحظة ما يقاوم شئ بيحبه أو يتحمل شئ يكرهه .. أما حالة الاستسلام لكل نزوة فهى دى الآلية الحيوانية .... الإنسان مقاومة وعمره ما يكون استسلام. سونيا: أنا عقلك الباطن بكل رغباته القذرة .. أنا غريزتك المغروسة فيك .. مش حتقدر ترفضنى ولا تنزعنى من دمك ولحمك، مش هتقدر تسلخنى لأنى حتة منك .. لأنى حقيقتك .... أنت حبيبى وأملى وحياتى ونجاتى طنطاوى: بل هلاكى ولعنتى وضعفى سونيا: أبداً أنا نشوتك وأنسك وراحة قلبك. طنطاوى: أبداً .. أنت ضياعى وانحطاطى"( ) لقد كانت اغواءات (سونيا) والتى لمست النزعة الغريزية لطنطاوى هى سبب مشاركة طنطاوى فى الفساد، تلك النزعة الشريرة المغروسة فى البشر هى السبب الحقيقى للانحطاط إذا لم يتم السيطرة عليها. ليست النوازع الحسية فقط هى ما ينبه لها مصطفى محمود، ففى مسرحية (الإسكندر الأكبر) والتى كتبها عام 1963 أشار مصطفى محمود لنزعة الغرور والطمع، وتعرض المسرحية لحياة الإسكندر الحربية وغروره بنفسه "الإسكندر: أسمعتم ما قاله الإله .. لى أبدية رع وملك حور. الأقطار قاطبة مملكتى. الأرض كلها تحت نعلى"( ) ليأتى الكاهن المصرى ليقضى بذكائه على عدوه بسلاح خصمه وهو الغرور، لقد سيطر عليه بإطرائه وإقناعه بأكذوبة أنه ابن آمون الإله لينتهى به الأمر إلى الموت بغروره المفرط حيث أضاع عمره فى رغبته المستمرة فى الاستيلاء على الأرض. موضحاً هنا إلى أن الإنسان رغم أطماعه ومحاولاته فى كسب الكثير فى الحياة ففى النهاية هو للموت ملاقياً. ويؤكد مصطفى محمود على أن الدنيا هى دار ضيافة وجب فيها السمو بالنفس من أجل حياة مستقرة وسعيدة، وذلك فى مسرحيته (جهنم الصغرى) التى أوضح فيها أن "الأكواخ قد تحمل على صغرها سعادة وراحة للإنسان، وقد تكون القصور بجدرانها وأضوائها البراقة جهنم الصغرى، وقد يتعجب البعض، وقد يرفض ولا يصدق البعض الآخر. لكن بعد قراءة المسرحية نعرف أن كل جنة دنست بأفعال الغش والكذب والسرقة لابد وأن تتحول إلى جهنم. فها هو رجل الأعمال (أحمد الشهاوى) وزوجته وأولاده وحياتهم المليئة بالبذخ والملذات والمعاصى لم تمنع عنهم الكبوات والتى حولت دنياهم المزيفة التى صنعوها على أسس النوازع الإنسانية السلبية من النعيم إلى الشقاء"( ) فالطمع الدنيوى لا يسبب التشوه فى حياة الفرد وحده بل يمتد أثره إلى بقية المجتمع. وتبدأ مسرحية (جهنم الصغرى) بليلة عيد ميلاد المليونير رجل المقاولات (أحمد الشهاوى). موائد فخمة من الطعام. العائلة مجتمعة، الموسيقى تملأ المكان. وأبناؤه يقدمون التهانى. ثم يفاجأ (أحمد الشهاوى) الجميع بكلماته التى يصور فيها حال العالم فيقول: "أحمد: فى الهند وباء وفى اليابان زلازل وفى الصين أعاصير وفى اليمن جفاف والزرع بيموت من العطش .. وفى السودان سيول والزرع بيموت من الشرب .. وفى الصومال مجاعة والكل بيموت من الجوع .. وإحنا هنا فى الأودة دى بنشرب عشر أنواع مية غازية ومعدنية وكحولية .. وعشر أنواع جبن ولحم وفراخ وسمك وعشر أنواع جاتوه وتورتة وساندوتش وتوست .. وناكل لقمة ونرمى عشرة .. وفى أمريكا بيرموا القمح فى البحر عشان يرفعوا سعره، وفى العراق وإيران بيفجروا خزانات البترول موارد ثروتهم الوحيد وفى الشرق والغرب بيصرفوا المليارات على السلاح ويشتكوا من الفقر .. ده يبقى اسمه ايه ... ان انعدام الوزن وانعدام العقل وانعدام الأخلاق .. وانعدام الضمير .... فؤاد صاحبى نافسنى فى السوق وهزمته، قام دخل من الشباك ياخد مراتى، إحنا بنتسابق على إيه .. الدنيا كلها كدبة وهم وسراب( ) ويبدو من الأحداث أن أحمد على علاقة بأخرى غير زوجته، وكذلك الزوجة على علاقة بصديق زوجها. ويعترف أحمد بأنه مريض بورم فى المخ وباقى من عمره أيام أو شهور ثم يكتشفون هرب شريكه الذى زور الأوراق التجارية مما يجعل أحمد يفلس، وينفض الجميع من حول الأسرة، وتقرر الأسرة أن يقوم (أحمد) بعمل عملية قد ترجعه للحياة أو لا .. تعى (نعمت) زوجة (أحمد) المصيبة وتتمنى العودة للماضى لتلافى أخطائها. ولكن يكذبها (الدكتور توفيق) ويعرى لها نفسها فيقول: "توفيق: الوعى ده ماجالكيش إلا دلوقتى .. لما عشتى الفقر واتعريتى من كل شئ .. ولو رجعتى نعمت المليونيرة .. حينزل على عينكى حجاب الغنى من جديد .. وحترجعى نعمت الغندورة المغرورة"( ) يرى الدكتور توفيق أنها أصبحت أسيرة نفسها. إنها لا تريد العودة للماضى لإصلاحه بل لشعورها برغبة فى الانتقام ممن حولها، لم ينصلح حالها بل أصبحت أسيرة نفسها وغضبها. وتنتهى المسرحية بعودة نعمت وأحمد لحالهما السابق رغم ما تعرضوا له من محن أطلقت لديهم الوعى الكافى لإصلاح أنفسهم من الشهوة الحسية وشهوة جمع المال، لقد امتلكتهم شهوة المال والسيطرة، هذا هو حال العالم الذى أشار له مصطفى محمود، العالم الذى يعج بالفوضى نتيجة انعدام وعى البشر بالسير فى الطريق القويم. "نعمت: طب ليه الدنيا فوضى، ليه كلها عذاب المحامى: هى فوضى بسببنا إحنا. تصريفنا لدنيانا هو اللى سبب كل الفوضى والعذاب. ربنا بيحب الكل. لكن الإنسان هو اللى عدو نفسه"( ) أما فى مسرحية (الزلزال) فيبرز مصطفى محمود عدة شخصيات متناقضة الطماع والمتعلم ومحبى الحياة وراغبى الموت. تبدأ المسرحية فى بيت الحاجة زنوبة (البخيلة الثرية) وهى سيدة فى التسعين تجلس على سجادة الصلاة تدعو وتبتهل وتنعم بصحة جيدة. يدخل ابنها ليعطيها إيراد الأرض وتشكك فى ذمته وتنادى الخادمة لتبلغ أختها (هانم) أن تأتى لها لأنها هى الوحيدة المخلصة لها، والباقون يريدون موتها ليرثوها .. ويدور حوار بين الأخوين مراد الطماع وأحمد الطيب الخير .. ثم تدخل ابنة مراد وزوجها وأولادها ومعها مخرج ومنتج ثم تأتى الابنة الثالثة لزنوبة وهى عانس، ويبدو أن (زنوبة) تحب ابنة مراد فهى ترى فيها شبابها وتعطيها المال رغم أنها رفضت إعطاءه للطبيب لعمل مستوصف خيرى. يعلن (شفيق) زوج الحفيدة أنه رأى خبراً بأن القيامة ستقوم بدلائل فلكية، وإشارات المنجمين الهنود، فيتهكم كل منهم على طباع الآخر وينتهى الفصل الأول مع صوت رعد ليعم الرعب. ثم يفتتح الفصل الثانى ليفيق الجميع على خراب وهدم، ويتشكك البعض أنهم فى الدنيا. ويقول (شفيق) أن المنجمين الهنود قالوا أن القيامة سوف تحدث خلال 58 ساعة كى تنتهى الحياة تماماً على الأرض. وبذلك تكون تلك هى المهلة الأخيرة لوجودهم فى الدنيا. يقول مراد بأن عليهم توزيع الميراث حيث يكتشف الابن بأن (زنوبة) تكتنز المال تحت البلاط وظل مصطفى محمود يسخر من فناء الإنسان فى أى لحظة وذلك على لسان شخصياته فى محاولة لتنبيه المتلقى لمراجعة أعماله فى الدنيا وإصلاح ذاته. "أحمد: دول مش فلوس .. دول كانوا فلوس لما كان فيه فى الدنيا ناس بتبيع وتشترى. إنما دلوقتى بقوا ما يساووش حاجة. أحمد: عشت طول عمرى افرح وازعل واغضب وأثور واتجنن والآخر باموت وأنا مش فاهم حاجة مش فاهم ليه كنت باتشنج كده وعلى إية. كله حيبقى بسوا الأرض كمان يوم أو اتنين. كان إيه لازمة الزعل ده كله. أما أنا كنت مغفل"( ) ويتابع مصطفى محمود التنبيه لإيقاظ الوعى وإصلاح النفس فكل منا إلى الموت والفناء ذاهب. ففى مسرحية (الوهم والحقيقة) وهى إحدى المسرحيات القصيرة فى كتاب (الطوفان). يعرض مصطفى محمود لقصة حب بين (تى) و(بتاح) فى طيبة الفرعونية، ولكن يتقدم الملك (سنفرو) المسن طمعاً فى الزواج من (تى) الجميلة التى تبكى على حالها .. وبعد ثلاثة عصور يجد الحفارون الأثريون مكحلة (تى) ويقول عالم الآثار: "هنا تنام ثلاثة عصور فوق بعضها عصر فرعونى وعصر رومانى وعصر فاطمى، ترى أى عين اكتحلت وأى نظرة كانت فى تلك العين وهى تكتحل وأى دموع سكبتها وعلى من سكبتها"...( ) وتنتهى المسرحية ليشير المهندس الأثرى إلى آلاف الأطنان من التراب ويقول: "تراب .. تراب .. تراب .. هذه هى العصور الثلاثة" ( ) ولكنها هى الدنيا فى مفهوم مصطفى محمود. وقد خلصت الباحثة إلى بعض النتائج أهمها: • إن آفة المجتمع العربى تكمن فى انسياق العقول العربية للحضارة الغربية فى كافة المجالات وهو مالا يتفق أحياناً مع الروح العربية بمبادئها وأخلاقياتها، فكل ما ينتجه الغرب يبدو دائماً براقاً ومقنعاً ومشجعاً للخواء النفسى والعقلى الذى يعيشه الإنسان المعاصر، ولذلك حذر مصطفى محمود من إتباع تلك الحضارة دون إعمال للعقل، كما نبه إلى ضرورة التحكم فى النوازع البشرية السلبية التى هى مكمن الهلاك للإنسان والمجتمع. • إن وظيفة العمل الفنى عند مصطفى محمود تقوم على خلق أجواء المتعة الفنية والصدق لتحقيق رسالة عبر الفرجة المسرحية ولذلك وجب تحطيم البنى القديمة التى صدرها لنا الغرب. لينشأ عالماً جديداً إيجابياً وعفياً .. وإيماناً بدور الفن فى ترقى النفس والمجتمع، اعتمد مصطفى محمود الإصلاح الفكرى مبدأ فى أعماله الفنية ناقماً على كل ما يقدم من فن حسى يهلك النفس وأفكار هدامة تغيب العقل. وتوصى الباحثة بضرورة اهتمام المراكز الفنية بأعمال مصطفى محمود المسرحية، لما فيها من ثراء فكرى يؤسس لمسرح عربى أصيل وراقى. الهوامش 1. محمد ضاهر: "مصطفى محمود ومحنة البحث عن اليقين". مجلة العربى العدد 569، 4/2006. 2. من مقال أكذوبة العلمانية. صفحة الدكتور مصطفى محمود Dr. Mostafa Mahmoud 3. ملف كامل عن د. مصطفى محمود dvd4arab.maktoob.com 4. بوابة الفجر الإلكترونية 16/9/2014 new.e/fagr.org. 5. خالد الزهرانى، نادى أقرأ، مقال (مصطفى محمود المنتصر على نفسه)، 31 أكتوبر 2009. http://www.rclub.com 6. موقع الدكتور أحمد صقر (المسرح الفكرى فى مصر) http://www.drahmedsaker.com 7. مصطفى محمود (رحالة زاده الإيمان) 4/10/2012 main.islammessage.com 8. مصطفى محمود: أهل الله وأهل الشيطان dmostafamahmoud.blogspot.com 9. مصطفى محمود: "رحلتى من الشك إلى الإيمان". دار المعارف بمصر، 1976. 10. مصطفى محمود: "الشيطان يكن فى بيتنا". أخبار اليوم، قطاع الثقافة 2003. 11. مصطفى محمود: "الإنسان والظل". دار أخبار اليوم، قطاع الثقافة والكتب والمكتبات د.ت. 12. مصطفى محمود: "زيارة للجنة والنار". كتاب اليوم، عدد نوفمبر، د.ت. 13. مصطفى محمود: "الزعيم". دار المعارف، الطبعة الرابعة. 14. مصطفى محمود: "الطوفان". دار المعارف، الطبعة الثانية: 1984. 15. مصطفى محمود: "الإسكندر الأكبر". دار المعارف، الطبعة الخامسة، 1997. 16. www.mybook4u.com 17. مصطفى محمود: "جهنم الصغرى". دار المعارف، د. ت. 18. مصطفى محمود: "الزلزال". دار المعارف بمصر، د.ت.
#سماح_خميس_أبو_الخير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعم المسرحي للمشروع الصهيوني في فلسطين حتى قيام دولة اسرائ
...
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|