|
تشابه أسماء
إياد الغفري
الحوار المتمدن-العدد: 6083 - 2018 / 12 / 14 - 15:02
المحور:
كتابات ساخرة
عندما بدأ حسن يوسف بالكتابة الصحفية كان قرينه يلعلع على شاشات السينما برفقة محمد عوض... وكان لقبه الفني الولد الشقي... مما اضطر الصحفي لإضافة حرف الميم بين اسمي العلم للتفريق بينه وبين الممثل اللعوب.
مصيبة أسماء العلم كبيرة، وعندما يكون اسم العائلة اسم علم مفرد أيضاً تكبر المصيبة. اسم العائلة في بلادنا قد يكون اسم علم مفرد... في مصر على سبيل المثال هو اسم الأب، وبعض قرى سوريا كانت تعتمد اسم الأب الذي تحول ليصبح اسم عائلة..... فكانت عائلات يوسف، صالح، سليمان، محمد وغيرها الكثير....
الأردن اعتمد الاسم الثلاثي بإضافة اسم الجد وأضاف أحياناً اللقب الذي يكني عن انتماء عشائري فكانت الطراونة، الحوامدة، المشاقبة، الخوالدة، المضارطة، السميرات والعويسات. يروى أن العصفور الأصفر تويتي المشهور في أفلام الرسوم المتحركة قد طار في سماء الأردن، فسماه إخوتنا الأرادنة تويتي تويتان التوايتة. بالتوجه جنوباً تزداد درجات الحرارة ويتعمق الانتماء القبلي، فتصبح الألقاب الشمري، الدوسري، الغامدي، المساعدي، وآل الفلاني.
بلاد الشام احتوت أسماء عائلات لها علاقة بالمدن والأمصار... فكان الحلبي، المصري، الشامي، العترماني، الدوماني، الطنطاوي، الشيخوني والحلبي، بينما اعتمدت عائلات اسم مهنة كالحداد، النجار، الخوري، الخطيب، النقيب، القاضي، والوزير. مصيبة محدودية الأسماء مقابل التزايد الفاحش للكائنات البشرية أدت لتكرار الأسماء عبر الأجيال، وأحياناً في الجيل نفسه... بالإضافة لقضية الدين التي سيطرت على الاسم الأول... فعائلة الخوري اعتمدت اسم جورج بشكل مكثف... فكان في دمشق عشرات المواطنين ممن حملوا اسم جورج خوري... أنا أعرف أربعة "جورج خوري"، واحد منهم كان يسكن في القصاع قرب ساحة جورج خوري، بينما تعرفت إلى بضعة من "علي الخطيب" خلال مسيرتي المهنية. **** حمدت الله طيلة عمري على أن الوالد اعتمد اسم إياد لأسباب طائفية عند مولدي؛ حيث أن الاسم يتم استخدامه بغض النظر عن الدين... وكنت أشعر بالراحة لأن الغفري كنية محدودة الانتشار وهي منحوتة من مهنة الغفير والتي يقال والله أعلم أنها لقب جدنا الأكبر الذي أسلم بعد قصة حب فاشلة لكنه لم ينس حبيبته الأولى التي بقيت على دينها، وعندما تقدم به العمر... نصب لنفسه كوخاً عند مدخل الكنيسة في حمص القديمة عله يحظى بنظرة منها... كان أهل حمص يتندرون من الشيخ الذي أدهشه الحب عن إدراك الواقع، فقعد في خريف عمره غفيراً على باب كنيسة معشوقته، فيقولون: إجى الغُفَري وراح الغُفَري.
- طلعتوا هيك لكان؟؟؟ - أي والله يا باطن، سر من أسرار العائلة... قلال اللي بيعرفوه. - لك العمى بعيونك، جدكم الكبير مجنون... وبلعناها، أصلكم نصارى ومن أهل الكتاب الضالين وسكتنا لكم عليها... بس تطلعوا حماصنة...؟ هي كبيرة. - سترنا الله يستر حريمك. طلب السترة دفع العائلة لهجرة حمص في مطلع القرن السادس عشر متجهة إلى دمشق، ورافق ذاك فترة الاجتياح العثماني المجيد لبلاد الشام الذي رافقته بسبب بركته جحافل الجراد، الأوبئة والمجاعات.... العائلة حملت شيخها الكسيح المقعد، الذي كان سبب "طفشتها" من حمص العدية والذي ازداد ذهوله لفراق كنيسة محبوبته وفقده الأمل برؤيتها تتهادى على أحجار حمص السوداء متوجهة لكنيسة أم الزنار، ساء حاله بالحمى التي أصابته، فازداد تخريفاً، وصار ينطق عن الهوى... وكان ذاك في النبك. جدنا الأكبر أحمد الغفري مجذوب من مجاذيب الله والحب، قضى في النبك وأسلم روحه تاركاً لورثته اسماً يرتبط بغفارته لباب الكنيسة، العائلة المنكوبة قررت التخلص من الجثة وعارها بالسرعة القصوى ومتابعة المسير إلى دمشق... تم نبش قبر في تربة النبك الجافة في أحد السهول، بمساعدة بعض أهل النبك الكرام الذين قرروا المساعدة في دفن الشيخ المجنون لسبب فقهي يقول بأن إكرام الميت دفنه، ولسبب وقائي هو التخلص من الجثة قبل أن تتحلل وينتشر ما بها من أمراض في المنطقة..... بعد حفر القبر كانت المفاجئة، تفجر نبع ماء عذب من القبر.... أهل النبك البسطاء الذين حُكم عليهم بالعطش، ذهلوا من برودة وصفاء، وطيب ماء النبع الذي تفجر بكرامات المجذوب... حبيب الله... ولي الله.... الشيخ أحمد الغفري. هكذا تمكن أولاد الشيخ من بناء جامع مهيب على قبر الشيخ الغفري الذي بقي أهل النبك لقرون يتقولون ببركاته وبطيب ماء جامعه وما زالوا يجلونه إلى يومنا هذا.
للمرة الأولى انقسمت العائلة، فكان هناك من تابع المسير إلى دمشق، بينما انشق من نذروا أنفسهم لخدمة قبر الشيخ الجليل "خيرة شباب العائلة" ممن يعرفون قدر المشايخ الكرام، وطرق إدارة الأمور وجمع النذور... طبعاً تبقى جزء من العائلة في حمص لكنهم قلة، وبضم الغين على عادة أهل حُمص... صاروا آل الغُفري. من قدموا إلى دمشق استوطنوا حياً خارج سورها يسمى بحي القنوات، حي كان حديث البناء استوطنه فيما بعد وافدون من الأستانة... وصار الحي يلقب بحي القنوات، حي البكوات.... طبعاً تعرضت العائلة لعدة انشقاقات... فبعض متزمتيها غادر إلى جديدة الشيباني، والبعض تابع المسير باتجاه مكة... لكنهم انتهى المطاف بهم في غزة... فكان حي آل الغفري في غزة.
المهم... قسم العائلة المتزمت أنجب أول وزير في العائلة الكريمة، القاضي محمد الغفري الذي تولى منصب وزارة العدل مطلع القرن... وحسب المغفور له عمي أحمد فالوزير من القسم المتزمت من العائلة وابن عمنا.... الانقسام الأخطر في الغفارنة قام به نصوح... فصار آل الغفري في سوريا إما شَوَعَةْ "شيوعيون" أو أوادم... بالطبع لم يكن حظي يسمح إلا بأن أكون من الشطر المغضوب عليه من العائلة... **** التقيت مرة بالوزير الغفري في حفل استقبال إحدى السفارات بمناسبة عيدها الوطني، كان برفقة السيد الوزير رجلين متكرشين... تبدوا عليهما ملامح الأهمية والمسؤولية.... السفير قدمني للوزير بحكم صلة القرابة، فسألني السيد الوزير إن كنت ابن أحمد... فقلت له أن أحمد عمي، وكان السيد الوالد قد انتقل مؤخراً للرفيق الأعلى بعد أن سطر الخطاب المفتوح الأول للرئيس بشار..... اصفر الوزير وتساءل ابن من أكون... فقلت له ابن مصباح... طبعاً كانت صوفة المرحوم حمراء... أحد المسؤولين رفع حزام بنطاله ليغطي كرشاً اندلق بتأثير أطايب الطعام وسأل ابن العم الوزير بلهجة ساحلية محببة: - بيقربوك هويي يا دكتووور؟ - لأ... لأ ... هدول من غير عيلة... ثم أدار ظهره لي واختفى.
تنكر ابن العم لنا وقال بأننا عائلة أخرى.... قلت يومها يا حيف.... وبقيت أرددها حتى قام المدعو سميح بتلحينها، فتوقفت.
رغم كل هذا التشتت في العائلة بقيت الأمور تحت السيطرة إلى أن اكتشفت أن فرع غزة من آل الغفري قد سمى فيه أحدهم ابنه باسم إياد... التسمية ليست مشكلة، لكن المصيبة أن إياد اللعين كان يعمل مقاولاً... والظاهر أنه نصب ي السودان على شريك له، ثم قام بقتل مواطن سوداني وحكم عليه بالإعدام..... لكن ذاكرة الإنترنت اللعينة لا تسامح، فإلى اليوم يسألني البعض إن كنت فلسطينياً... فأحلف له باللات والعزى والغرانيق العلى بأن المجرم الفتحاوي الذي تم إعدامه في السودان هو إياد هاني الغفري وليس الفقير لسجادة جده الرفاعي...
وللبيان حرر.
إياد مصباح شريف أحمد صالح علي الغفري القنواتي الدمشقي النمساوي– ألمانيا 14 كانون الأول 2018
#إياد_الغفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السبعة وذمتها
-
كلمات عن رجال تحت الشمس
-
الماريشال
-
قولوا والله
-
دمشق - باريس - دمشق
-
مطولة تشرينية
-
صف حكي
-
من الفرات إلى النيل خواطر عن دولة إسرائيل الكبرى
-
الحوار المتمدن
-
الظريف والشهم والطماع
-
الثورة العاقلة
-
الإدمان
-
رسائل إلى سميرة (1823)
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|