أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - بقايا عاشق














المزيد.....

بقايا عاشق


ستار جبار سيبان

الحوار المتمدن-العدد: 6079 - 2018 / 12 / 10 - 22:35
المحور: الادب والفن
    


ايها السادة .. هل تخشون الحُب ؟
صرخ بصوت أبح وسط الحشود المحتشدة على باب دائرة التقاعد العامة ، الذين انتظروا منذ الصباح الباكر فتح البوابة الكبيرة ذات اللون الاسود التي يحرسها شرطي خمسيني بملابس زرقاء مرقطة يزينها خيطين ابيضين على جوانب كتفيه ، لاكمال اوراق معاملة نهاية الخدمة . كل المحتشدين هم من الذين كانوا يعملون في صنف الهندسة العسكرية ، الذين وضعوا خططهم وبرعوا في زراعة الالغام على طول جبهات الحروب الكثيرة التي عصفت بالبلاد ، جميعهم من الرجال الذين تجاوزوا سنّ الخامسة والخمسين ومنهم من شارف على الستين ، كانوا صامتين ، الخرس اصابهم في اواخر ايام الحرب الاخيرة ، حيث لم يعد للكلام معنى ، وحين تفقد الكلمات معناها الحسي ، يكون الصمت اكثر بلاغة ، فكل واحد منهم يعرف ماذا يريد الاخر من خلال النظر الى عينيّ رفيقه ، لم يتصل احدهم بالآخر عند استدعائهم بالمذياع لاستلام مكافآت نهاية الخدمة ، لكنهم تواجدوا بشكل فاجأ الشرطي ذو الخيطين الأبيضين حين ادار وجهه من جسر الشهداء باتجاه منطقة الشواكة ، حيث لم يكن هذا العدد الكبير من المراجعين ، قبل اقل من دقيقة ، لم يسمع حتى هسيس كلام او حسيس حركة ، وكأنهم نزلوا من السماء أو لفظتهم الأرض . بأزيائهم المتشابهة وقبعاتهم السوداء ، كانوا مطرقي رؤوسهم الى الأرض قبل ان يصرخ بهم هذا السكير الاشعث ، حتى وقفوا بحركة الاستعداد العسكري ظانين امراً عسكرياً مفاجئاً ، فوقفوا يستمعون لخطابه ويتبادلون النظر فيما بينهم ، وعيونهم الغائرة المتعبة المحاطة بهالة زرقاء اقرب الى السواد لاتكاد تستقر عن حركتها البلهاء .
صرخ ثانية بصوت اكثر بُحاحاً حتى كاد صوته يختفي :
أنت ايها الشرطي ألا تخشى أحداً حتى الحُب الذي يخشاه هؤلاء المسنّون .أأصبحت شجاعاً الآن .. ها ..؟ بعدما كنت خائفاً وهارباً من القتال ايام المعارك على الحدود ، اصبحت شجاعاً .. ها ؟ ، لاتخشى الحُب .. ها ؟ . ايها المسنّون الصامتون الخائفون ، انا اعلم ( قالها بصوت عال ) وهو يرفع بيده اليسرى ربعية العرق الرخيص التي اخرجها من معطفه العطن الرث ، ويهزها بيده في الفضاء مهدداً : ايها الجبناء الذين يموتون من اجل غيرهم .. ولايقاتلون من اجل انفسهم ، الشجاعة ايها الجبناء ، ان تفعل ماتريد انت ، لا كما يريد غيرك . ان تحيا بصدق وشرف ، ان تصرخ بوجه هذا العالم السيء العاهر ، ايها العالم المليء بالعفن انت لاتعنيني ، لاتساوي عندي عفطة عنز ... أتعلمون ..؟ ان خلف هذه العيون الغائرة الميتة التي لاتحمل سوى الألم ، ما تخافون الافصاح عنه .. اصرخوا .. املأوا العالم صراخاً ، كي لاتموتوا كمداً او اعشقوا بصدق . كما فعل هذا الشرطي .انزل ربعية العرق الرخيص ، احتضن غطاءها بيده اليمنى وفتحها وارتشف رشفة طويلة وهويرفع رأسه الى السماء حتى مالت رقبته الى الخلف وقضى على اخر قطرة ، هكذا كانت بقايانا ، قالها وهو ينزل ربعيته من فمه بعصبية ويتفحصها ليتأكد من خلوها تماماً .ثم اردف : كانت لها عيون كبيرة وواسعة تغرق فيها كل اساطيل الحروب .. ، قبل ان يتسلل لها الحزن ومااصاب عيونكم من الضياع والخرس ، كانت تخاف الحب ، الحروب تقتل الحب ، وترسمه حيوان خرافي بشع يقتل كل ماهو جميل .
ايها الشرطي العاشق ألا يوجد هنا حائط اسند ظهري عليه ، حتى أدخن آخر عقب سيگارة كنت احتفظت به قبل سنين .
فتح الشرطي درفة من البوابة السوداء الكبيرة وصاح بصوت عال تفضلوا ايها المسنّون لقد بدأ الدوام الرسمي .



#ستار_جبار_سيبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبوءة مجذوم
- مسوخ من ذاكرة المدينة
- طفولة وقصر
- اعدام قدور وتنانير وطفوله
- حبة هيل ودمعه ..
- تظاهرات شارع الداخل
- ستار جبار ونيسّه وقداحة الرونسون
- من سيربح الملايين في المسامح كريم
- موكفايه
- ميركل تهشم زجاجة المارد
- بين أزمير وياس خضر
- إنما نقاتلهم لوجه الله
- هسه يجي بابا البطل
- اكتب بأسم ربك
- في طريقي اليك ..
- كولا مقدسه
- بدريه
- البوابه
- حبة الحظ .


المزيد.....




- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - بقايا عاشق