أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عمامي - النصّاب














المزيد.....

النصّاب


محمد عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6079 - 2018 / 12 / 10 - 14:50
المحور: كتابات ساخرة
    


من بين المعاني المباشرة لكلمة "نصّاب" في اللغة العربية: كذّاب ومتحيل ومخاتل، ولكن اللسان الدارج التونسي ابتدع لها معنى خاصا وطريفا. فهي تعبّر عن فئة اجتماعية من الباعة المتجولين أو المنتصبين في فضاءات غير معدّة للتجارة كركن من الشارع أو في قاريطة بنيت بتغافل من السلطات البلدية في ساحة عامة أو في منطقة خضراء أو في فناء مستشفى... والأصل في الموضوع أن يكون قد أغار النّصّاب بدعم من شريكه/حاميه على موقع النصب وثبّت "نصبته" بطرق ملتوية تتمازج فيها الرشوة والمحسوبية والبلطجة. والنصبة "شخصيا" هي الشرك الذي ينصبه النصاب لضحاياه كي يوقع بهم، مستعملا تقنيات وآليات معقّدة ومدروسة يغلب عليها الكذب والغشّ والتنويم والمخاتلة. لذلك ليس من السهل أن تكون نصّابا أو أن تدير نصبة ولكنه من السهل أن تكون منصوبا أو منصوبا عليه.
لوهلة بدت لي المدينة منقسمة إلى معسكرين لامتكافئين: نصّابون ومنصوب عليهم. حرب ضروس تدور رحاها على مرّ السّاعات، طوال اليوم وفي كل يوم. كمّ هائل من النصّابين يهاجمك فيفزعك ويشوّش تركيزك ويورطك كي تشتري منه شيئا ما أو خدمة ما. ولأنك تهرب من التهاب الأسعار المعلنة على البضائع المعروضة في المغازات والدكاكين، لتبحث عن ملاذ في النصبة، تحسّ ببعض الراحة عندما تلقي نظرة على لوحات الأسعار وتقف في الطابور تنتظر دورك فإذا أنت وحدك في طابورك الوهمي. كثل بشرية تتجاوزك من اليمين واليسار وتتزاحم أمامك وحولك متدافعة متصايحة تستعجل النصّاب أن ينصب عليها، وكلّ يدّعي الأسبقية ويرى نفسه مهضوم الجانب. تنسحب بصمت من كرنفال النصبة الأولى والثانية والثالثة، كاظما غيظك على الجميع، مستنكفا من المساهمة في عراك القوارض البشرية المتناهشة المتكاذبة المتحيّل بعضها على بعض. أخيرا تجلب انتباه أحد النصابين فيفسح لك المجال ويسألك ما تريد.
تنقّل بصرك على امتداد النصبة فيعجبك سعر التفاح: دينار ونصف للكيلو الواحد.
- كيلو تفاح من فضلك
يرشقك النصاب بنظرة اشمئزاز وبحركة عصبية يملأ الإناء ويلفها بسرعة عجيبة. تكاد لم تر شيئا مما وضعه النصّاب في الكيس البلاستيكي بسبب حاجز التفاح الفاصل بينك وبين مسرح عملياته. يرمي لك النّصّاب بالكيس في حركة عدوانية ويطالبك بخمسة دنانير. تبدي استغرابك وتسأله لماذا خمسة دنانير؟
- أووووه مصلّي ع النبي هالصباح، يا ولدي امش.. زوز كيلو بخمسة دينارات.. اش تحب.. ما نبيعوش بالكيلو. ولكن الثمن دينار ونصف للكيلو، هذا ما هو مسجل على اللوحة.
- يا سلاك الاوحال هالنهار المشوم.. هذيكا لوحة قديمة.. التفاح هذاكا صغير وما عادش منّو، صافااااا؟
- سامحني، مالا فهمت غالط، خلّ تفاحك عندك وفلوسي عندي. ربي يعينك.
في حركة متناغمة، تلتفت لك القوارض البشرية وتنصبّ عليك نظرات الإحتقار والإستصغار. الكل متضامن مع النصّاب ويعتبرك قليل تربية وكمّوشة. تترك الجميع وصوت النصّاب المهدّد الشاتم المتظلّم يلاحقك متمازجا مع زمجرة ضحاياه الأوفياء.



#محمد_عمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعب لا يريد...
- النزيف.... نحو الحرب الأهلية
- مازوشية الزواحف الوطنية
- في الكوابح الذاتية للثورة
- أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
- البركوس
- الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
- البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي ...
- الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
- تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
- السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
- الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا ...
- نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
- الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.
- القوى الثورية وحرب استنزاف حكم الالتفاف
- مسيرة اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل، وماذا بعد؟
- رسالة مفتوحة إلى مناضلات ومناضلي النقابيين الأتحاد العام الت ...
- قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني ...
- قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني ...
- مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل: دار لقمان على حالهاً(2)


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عمامي - النصّاب