مصطفى خضر
الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:17
المحور:
الادب والفن
وفي الشفتينِ ينبوعٌ تكسَّرَ،
إِذْ تكلّمْ!
والقمحُ في الثديينِ ينبضُ…
والقصيدةُ، كلَّها، خضراءُ…
والأعضاءُ
والأسماءُ
ما ولدتْ لتهرمْ!
وحضورُهَا الأرضيُّ يجلوها،
فتقطرُ خضْرةً، وتهِلُّ خضرهْ…
وتشيعُ في الأشياءِ عِذرتَها،
وتجذبُها، وتنبذُها، مقيّدةً وحرَّهْ…
أهي الولادةُ دائمهْ!
الأرضُ أم أنثى… ومن رحمٍ وبذرهْ
ننمو معاً ضدّينِ أم حجرينِ أم طفلينِ…
ننمو كائنينِ مدرَّبينِ، مغامرينِ وحالمينْ…
فِعْلٌ يوجّهُ لحظِةً مّا…
ثمّ يرشدُنا، فنكتبهُ، ونقرؤهُ،
يجاهدُنَا، نجاهدُه، يشكّلُنَا، نشكلّهُ…
ونهبطُ فاعلينِ، متوَّجينِ، مغايرينْ…
*
… والآنَ تعصفُ جمرةٌ في الرّوحِ،
أو بين اليدينْ!
وتشعُّ من جسدينِ في جسدٍ؛
ربيعُهمَا تجاسدَ
فاستحالا جذوةً في جذوتينِ
أو استحالا خالقينِ، موحَّدينِ، مطهَّرينْ…
*
أهيَ القصيدةُ أم مخيّلةٌ…
أراها هائمهْ
سكنتْ إلى فَخِذِ البغيِّ أو الخصيِّ،
ومن عروضٍ مأدبهْ!
والنّثرُ يخرجُ،
ثمّ يدخلُ عارياً في التجربهْ!
يحيا على لغةٍ، يقوّضُهَا، فتتركهُ
فراغاتٍ… فواصلَ أو نقاطاً…
والكتابةُ، كالنّوايا، طيّبهْ!
أهيَ التفاعيلُ التي ابتُذِلَتْ،
وكانتْ في السّطورِ معرِّسَهْ!
والجمهراتُ خطيرةٌ وشجاعةٌ ومغرِّبهْ…
بسلاحِها أدوارُهَا احتشدتْ،
وتشحنُ بالفراغِ مؤسّسَهْ!
***
لم يبقَ وقتٌ للسؤالِ،
وما السؤالُ سوى حجارةِ مدرسهْ
فيها تصالحتِ الطبيعةُ والطبائِعُ،
بينما اتحدتْ عناصرُهَا، إِذ اختلفتْ…
وتمتدحُ اختلافاً في البراعمِ والثمارِ…
وينتهي أفقُ البراعمِ والثمارِ
إلى نَوى، وإلى جذورْ!
*
لم يبقَ وقتٌ للسؤالِ!
فكيف يبتدئُ اختياري؟
كيف يمتلئُ الحضورْ
بين الطبيعةِ والحقيقهْ!
ومتى يطوّرُني التعدّدُ؟
هل يهدّدُني التجدّدُ؟
كيف أنمو بالحوارِ؟
وهل سيبصرُ عالمٌ أعمى طريقَهْ؟
وعلامَ أسقطُ؟
كيف أُهْزَمْ؟
ومتى أحسُّ؟ وهل أثورْ؟
أهوَ التلوّثُ في ضمائرَ،
والطهارةُ في أماكنْ!
وهو الدِّهانُ أم الرّهانُ؟
وكلُّ مخلوقٍ يداهنُ، أو يراهنْ!
***
لم يبقَ وقتٌ كي أدافعَ عن جنوني،
والجنونُ هو الحُلُمْ!
لم يبقَ وقتٌ كي أغيِّرَ برهةً مّا…
أو أغيِّرَ هذه الدنيا…
ولم أخترْ خطاباً مّا… نظاماً مّا…
ولم أكنِ الشّهيدَ أو البطلْ!
وسوايَ تلهمهُ، وتلهبهُ نُظُمْ!
نظمٌ تسويّهِ، تربِّيهِ،
وتطعمهُ، وتسقيهِ، وتكسوهُ،
وتكفيهِ… ويكفي أن تدومَ!
وربّما لمّا تَدُمْ!
***
لم يبقَ وقتٌ
كي أحاولَ أيّ مُلْكٍ –يا بنيَّ!-
فما سأفعلُ، أو سيفعلُ أيُّ كائنْ؟
لم يبقَ وقتٌ
للدفاعِ عن الطبيعةِ والحقيقهْ!
وأنا تؤرّخني مدافنُ،
أو تدوّنني صحائفُهَا العتيقهْ!
فهل التغيُّر لم يزل يعني:
اختياري أن أكونَ أنا…
اختياري:
أن تكونَ حياتُنَا في الأرضِ عادلةً!
ولكنْ! هذه الدنيا هي الدنيا…
وفيها ربَّما نُصِبَتْ فخاخٌ أو كمائنُ…
ربَّما خضعتْ سلالاتٌ وأنْسالٌ،
تدبِّرهَا بلاطاتٌ،
وتودعَها مصارفَ أو متاحفَ…
ربّما لا ينتهي هَوَسٌ بألقابٍ وأنصابٍ…
تضاعفُها سلاحفُ، أو تكاثرها احتفالاتٌ…
وكم يسعى أباطرةُ المكانِ
إلى خلودٍ في الزمانِ!
وربّما انقرضتْ عواصمُ أو مدائنُ…
ربّما ضحكتْ من الدنيا رهائنُ…
ربَّما ضاقتْ بيَ الدنيا أخيراً –يا بنيَّ-
وإِنْ ضحكتُ، فربّما ضحكتْ عليَّ!
وما ظَلَمْتُ… فكيف أُظْلَمْ؟
وأنا الذي ما اخترتُ إلاّ أن أرى!
واليأسُ بيتٌ لا يُنظَّمْ!
***
هي جنّةٌ ضاقتْ… وسَقْطَهْ!
هي حالةُ الدنيا…
قطارٌ كلّنا فيهِ ضيوفٌ أم زبائنْ؟
وَلْنفترضْ ما لا يُرَى!
وَلْنفترضْ أنّ القطارَ هوى بنا يوماً…
تحطّمَ… أو تعطَّلَ في محطّهْ!
ولَنْفترضْ أنّ المحطةَ هاويهْ!
وَلْنفترضْ أن التوقّفَ غلطةٌ أو شبهُ غَلْطَهْ!
فمتى نحاولُ أن نرى؟
ماذا نبيعُ؟ وما يُبَاعُ؟ ومَنْ يُبَاعُ؟
وكيف تُحْمَدُ ثروةٌ مَلكَتْ بما حكَمَتْ؟
وتخلدُ سلطةٌ حكمتْ بما ملكَتْ،
وكانتْ شِبْهَ سلطهْ!
***
لم يبقَ وقتٌ كي أحاولَ ما أحاولهُ!
ولكنْ! سوف أحلمُ…
وليكنْ أعضاءَ جمهوريّتي:
ماءٌ… هواءٌ… تربةٌ…
وَلْيتَّحدْ فيها المذكَّرُ بالمؤنَّثِ، والمؤنَّثُ بالمذكَّرِ…
والمُقدَّسُ بالمدنَّسِ، والمدنَّسُ بالمقدَّسِ…
وَلْيكنْ فيها فضاءٌ للحليبِ وللرغيفِ…
لعاشقينَ وعاشقاتٍ، صانعينَ وصانعاتٍ
طيّبينَ وطيّباتٍ، عادلينَ وعادلاتٍ…
وَلْتَكنْ أرضٌ لكلِّ الكائناتِ…
تضمُّ فيها ما تضمُّ: قديمَها وحديثَها…
*
… وإذاً سأبني بالحياةِ غداً،
وتحملُ بي غداً…
وغداً أكونُ رفيقَها ووريثَها!
أجري رشيقاً كالطبيعةِ، أو قويّاً كالحقيقةِ…
وادعاً، صلْباً، خفيفاً، راضياً…
وعليَّ ثوبُ العافيهْ!
*
آهٍ عليَّ! وآهِ من حلمٍ
تسيّجهُ حدودٌ أو سلاسلُ باليهْ!
وأقيمُ فيه ضائعاً أو سائحاً…
*
سأكونُ أيضاً واضحاً…
سيكونُ شِعْري واضحاً…
لم يبقَ وقتٌ كي أدافعَ عن جنوني –يا بنيَّ-
فهل سأفعلُ ثانيهْ؟
*
هي لحظةٌ لتأمّلٍ أم لحظةٌ لشفافِيَهْ؟
فيها تحرّرُني القصيدةُ من غموضي،
كي أحرّرها، فتعلو…
ثم تبقى عالِيَهْ!
***
مقدَّمـــــةُ نشـــــيدٍ
لجنونٍ آخَــر!
لم يبقَ وقتٌ
كي أحاولَ أيَّ مُلْكٍ – يا بنيَّ!-
فكيف أُعْذَرْ؟
وسلالتي انقرضتْ،
ولم تلحقْ، ولم ألحقْ، بقيصرْ!
وَلْتنقرضْ… وَلأنقرضْ…
وَلْتنتظرْ أرضٌ من الأنقاضِ برهتَها،
وإنْ كانتْ قيامتُهَا،
يؤجّلُها بنوها العاطلونْ!
وَلْيكتشفْها وارثونَ مغايرونْ…
وَلْينتبهْ قمحٌ بسيطٌ في الأكفِّ أو العيونِ،
وكلُّ موسمهِ ديونْ!
وَلْيختلفْ كلُّ الكلامِ
فما البلاغةُ في الخطَابةِ والبيانِ
سوى مدائحَ ظالمهْ!
والشيءُ ينتجُ شِبْهَهُ أو ضِدَّهُ…
وأنا أدافعُ عن جنوني وَحْدَهُ
أهوَ الجنونُ أمِ الأملْ؟
*
ماذا سأفعلُ، يا بنيَّ؟
وما أقلَّ الزَّادَ!
ما أقسى الطريقَ على المغنِّي،
إنْ أقامَ أوِ ارتحلْ!
*
هي حالةُ الدنيا
فسادٌ مّا يروِّجُ كائناتٍ عائمهْ
قبلتْ، بما قبلتْ، لِتَسْلَمْ!
فاسخرْ… ولا تسخرْ…
أيهزأُ واقعٌ بتكيّفٍ ومقاومَهْ؟
والسّوقٌ فاعلةٌ، تبايعُ، أو تبيعُ…
فكيف تزحمهُ، وترحمُ؟
*
لم يبقَ وقتٌ
كي أدافعَ عن مخيّلةٍ وفكرهْ!
… وإذاً، فكيف ترتّب الأنثى حديقتَها
وأدخلُها وحيداً أو كثيراً…
ثمّ أندمْ!
أهو الخروفُ يبيتُ في الكفّينِ…
يأوي في جديلتها اليمامُ…
وتملأُ العينينِ طائفتانِ من نحلٍ…
#مصطفى_خضر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟