أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - القانون والنقاب














المزيد.....

القانون والنقاب


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6075 - 2018 / 12 / 6 - 10:09
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



نهاية عام 1956، فى بيتنا بشارع الهرم بالجيزة، كنت طبيبة امتياز بالمستشفى الجامعي، قصر العيني، احتفلت أسرتى وزميلاتى بالعام الجديد، تألقت أمى فى الحفل كعادتها، كانت فى ريعان شبابها، بلغت التاسعة والثلاثين من عمرها، فى قمة الصحة والحيوية، ترقص وتغنى مع أم كلثوم، افرح يا قلبي، لكن، فى اليوم التالي، جاءت الى غرفتى شاحبة، لم أرها أبدا شاحبة، كانت دائما متوردة، باسمة مشرقة، كشعاع الشمس، أشارت بأصبعها الى نهدها الأيسر، قائلة: شوفى فيه إيه يا نوال. وانسحب الدم من رأسى الى قاع القدمين، كان الورم من نوع السرطان الخبيث، لكنى كذبت: مجرد كيس دهنى يزول بعملية بسيطة، عاد الدم الى وجهها وأشرقت ابتسامتها، أرسل أستاذ الجراحة بمستشفى قصر العيني، عينة من الورم إلى المعمل، تأكد أنه من النوع الخبيث، وأجرى عملية استئصال الثدى الأيسر مع الغدد الليمفاوية تحت الإبط، وشاركنى أستاذى الكذب على أمى خوفا على صحتها النفسية، وقد رآها شابة رقيقة الإحساس، تتفجر بالصحة والسعادة.



أفاقت أمى من البنج واكتشفت اختفاء ثديها الأيسر فبدأت الشكوك تراودها، لكنها أخفت شكوكها عن الأسرة وعن نفسها، كانت كلمة السرطان أشد رعبا من الموت، عاشت أمى عامين كاملين بعد العملية الجراحية، وكانت تبدو سعيدة، لكن المرض كان ينتشر فى جسمها، ثم ماتت مغموسة فى الألم يوم 28 سبتمبر 1958، كنت أسمعها تهمس فى الليل، بصوت مكتوم، ليه يا رب؟ لم تكمل السؤال أبدا، كانت تخشى أن تسأله عما يفعل، فالمرض إرادة الرب الأعلي.

لكن منذ سبعة آلاف عام كان الأطباء فى مصر القديمة يعالجون الأمراض بالأدوية والجراحات، وبرعت النساء المصريات أكثر من الرجال فى علم الطب والفلسفة والهندسة والفلك، وغيرها من علوم وفنون الحضارة المصرية القديمة، تعلم اليونانيون من المصريين، الطب والجراحة وعلم الأدوية، هكذا لم يؤمن أبقراط أبو الطب اليونانى القديم، أن المرض مشيئة القدر والرب، مثل العامة من الناس، الذين تصوروا أن مهنة الطب نوع من التمرد على الآلهة، وكانوا يسألون أنفسهم: كيف يمكن للطبيب أن يتحدى الإرادة الإلهية ويشفى المرض؟ وإن مرض أحدهم بمرض عضال يسأل الآلهة، لماذا أنا بالذات؟ يأتيه الرد فى سفر أيوب قائلا: إنها إرادة الرب، كان للأطباء المصريين القدماء كتبهم وأسفارهم، فلم يؤمنوا بالآيات فى كتاب التوراة أو العهد القديم، التى قلبت الأوضاع رأسا على عقب، فتحول العلم والمعرفة من فضيلة عظمى تقودها النساء الى خطيئة كبري، صنعتها المرأة ( حواء )، كانت المرأة المصرية محترمة ولها مكانة عالية فى الدولة والمجتمع، بل كانت إلهة العلم والمعرفة والحكمة (إزيس)، وكانت الإلهة سخمت نقيبة الأطباء، طبيبة ماهرة تعالج المرضى والمريضات ، مثل غيرها من الطبيبات والأطباء المصريين، الذين آمنوا بعلم الطب والعلاج، بل إنهم عرفوا علم التحنيط، واستطاعوا حفظ الجسم بعد الموت من التآكل والفناء.

والسؤال الآن هو :كيف هبطت المرأة المصرية من مكانة العلم والشرف الرفيع، الى أن أصبح وجهها عورة يغطى بالنقاب، فى يومنا هذا من القرن الحادى والعشرين؟

ماهى القوى السياسية الدينية، داخل مصر وخارجها، التى أهانت المرأة المصرية الى هذا الحد؟ لم تكن جدتى الفلاحة (والدة أبي)، فى قرية كفرطحلة، بدلتا النيل، عام 1899 تغطى وجهها بالنقاب، وكانت تتحدي، العمدة والملك والإنجليز مرفوعة الرأس مكشوفة الوجه، وكانت جميع الفلاحات المصريات، سافرات، مكشوفات الوجه، يشتغلن بالفأس فى الحقول الى جوار الرجال، فما الذى جلب لمصر النقاب والبرقع والحجاب؟.

أصبح موضوع النقاب مطروحا اليوم للنقاش فى مصر، بعد اكتشاف مآسيه وأضراره الخطيرة على المجتمع كله وليس النساء فقط، لكن أغلب النقاش يدور على السطح ولا يدخل الى العمق، ليكشف عن جذور المشكلة والأسباب الحقيقية، فى التاريخ البعيد والقريب، التى حولت وجه المرأة المصرية الى عورة ؟ ولماذا يعجز القانون المصري، حتى اليوم، فى نهاية عام 2018، عن تحريم النقاب؟



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأم الكبرى للعلم والفن
- وزراء الصحة وعمليات الختان
- كم من كاتبة مبدعة تحمل لقب الشيطان؟
- وزيرة الصحة وطبيبات معهد ناصر
- العاطلون والعاطلات عن العمل المنتج
- لماذا تفشل الثورات بقيادة النخب؟
- أم إبراهيم والوزيرة غادة والى
- الصراع فى مجلس النواب ومجلس العائلة
- الجينات الأنانية والكتابة
- البحث عن مأوى بالليل أم نسيم البحر؟
- قانون مدنى واحد لجميع المصريين
- قوة الفكر فى المستقبل القريب
- البحث عن فيلم سينمائى جيد
- تحرير النساء وقضية الاشتراكية
- من أجل ما نفعل؟ أو من أجل ما نكون؟
- إبداع المرأة وسجن اللاوعى
- ما يفوق العمر والأنوثة والرجولة
- السنوات المسروقة من العمر
- المكبوت تحت الضلوع يخرج للشارع
- ما لا ُيكتب لا يوجد أبدا


المزيد.....




- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
- روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت ...
- فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح ...
- السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب ...
- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها ...
- الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - القانون والنقاب