|
الثقافة كأمن قومي ومعركة حمو بيكا
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 6074 - 2018 / 12 / 5 - 23:07
المحور:
الادب والفن
انشغل المشهد العام في وسائل التواصل الإعلامي بمصر –من ضمن ما انشغل به- خلال الفترة الماضية؛ بمعركة بين اثنين من المغنيين لم يكن يعرف أحد عنهما شيء قبل ذلك، والصراع بينهما على من هو أكثر جماهيرية وتتبعا من المعجبين، وكان الدافع الأعم والأغلب من المهتمين بالموضوع هو التعرف على المغنيين، وعلى ما يقدماه من غناء، ليصدم الكثيرون عندما اكتشفوا أنهما من رواد ما أصبح يعرف بـ "أغاني المهرجانات"، التي تقدم في الأحياء الشعبية وظهرت منذ فترة قصيرة لا تتجاوز العقد تقريبا. بدأ الأمر بانتشار مقطع فيديو قصير يظهر فيه أحد الأشخاص يقدم نفسه على أنه "مجدي شطه"؛ يحذر جمهوره بألا يذهب لمدينة الإسكندرية حيث تقام حفلة لشخص آخر اسمه "حمو بيكا" ادعى أنه سيشارك معه بالغناء في الحفلة، واعدا جمهوره بأنه سيقيم له حفلا قريبا في منطقة المطرية بالقاهرة. هنا استغرب المتابعين من هو "حمو بيكا" ومن هو "مجدي شطة"؟ وبدأوا في البحث عنهما عبر مواقع التواصل واليوتيوب، ليكتشفوا أنهما ينتميان لنوع جديد من الغناء انتشر في مصر منذ فترة قليلة، وأصبح يعرف بـ"أغاني المهرجانات" التي تقدم في الأحياء الشعبية والمناطق الفقيرة بالقاهرة والعديد من المحافظات المصرية، خاصة في الأفراح والمناسبات والحفلات الخاصة. يعتمد هذا النوع من الغناء على نوع من موسيقى الراب الغربية، و تقنيات موسيقى "التكنو" وتغيير أصوات المغنيين بتأثيرات يقوم بها الفنيين في حفلات "الدي جي" على المسارح مباشرة، أو في الاستديوهات عند تسجيل الأغنيات، وفي الأصل تعود هذه الظاهرة لفرق "الأندر جروند" والموسيقى المستقلة التي ظهرت في مصر منذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، حيث اشتهرت موسيقى الراب في أوساط شباب الطبقات الوسطى والشباب الجامعي مع اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، وازدهرت مع الثورة المصرية 2011 بأغنيات الاحتجاج والتعبير عن الواقع والرغبة في تغييره، إنما بسبب السياق الاجتماعي وتطور الظروف السياسية التقط الأمر شباب الأحياء الأكثر فقرا بعد ذلك، ومعهم طبقة سائقي التكاتك والميكروباصات والتاكسيات، ليطوره فيما أصبح يعرف بـ "أغاني المهرجانات" التي سرعان ما تسربت إلى بعض أفراح الطبقة الوسطى. لكن هذا النوع من الغناء الشعبي الجديد لم يكن مطروحا بين جمهور وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر اقترابا من مفاهيم الطبقة الوسطى وأحلام الثورة المصرية، حتى ظهرت معركة "مجدي شطة" في مواجهة "حمو بيكا"، فسرعان ما ظهر "حمو بيكا" في عدة مقاطع مصورة مع معاونيه من فرقته بعد ذلك، ليرد على "مجدي شطة" في محاولة الظهور بشكل متسامي، كما لم يسكت "مجدي شطة" على المقاطع المصورة التي ظهر فيها "حمو بيكا" ورفاقه، وخرج في عدة مقاطع مصورة يؤكد على موقفه وتحديه لـ "حمو بيكا" وأنه لا يقدم "أغاني المهرجانات" فقط، بل يقدم أغانيه أيضا بطريقة الطرب والعُرب والمهارات الصوتية المتعددة. ثم تدخلت وسائل الإعلام المصرية في الأمر، وتابعت تطوراته وكأنها فوجئت بوجد عالم سري له نجومه لم تكن تعرف عنه شيئا، فأعدت قناة المحور في برنامج "تسعين دقيقة" تقريرا عن حرب التصريحات بين "حمو بيكا" و "مجدي شطة"، كما أجرى فريق موقع "البوابة نيوز" لقاءا مصورا استضاف فيه "مجدي شطة" ليؤكد على موقفه بشدة ويعلن تحديه لـ "حمو بيكا"، كما أدلت جريدة اليوم السابع بدلوها في الموضوع سخرت فيه من الأمر، وتحدثت مع هاني شاكر بصفته نقيب المهن الموسيقية، الذي أعلن أن النقابة ليس لها سلطة على "مجدي شطه" و"حمو بيكا"، ولا تستطيع إيقافهما عن الغناء أو منع حفلاتهما لأنهما ليسا أعضاء بنقابة الموسيقيين، ولا يحصلا على ترخيص مسبق قبل إقامة الحفلات. وفي واقع الأمر؛ المسألة في حاجة لمقاربة أخرى ترتبط بالتحول في الذوق العام والثقافة الشعبية المصرية خلال الفترة الماضية، التي قد يرجعها البعض لثمانينيات القرن الماضي، والأبرز والأكثر وضوحا وإلحاحا الدور الغائب لفرق الفنون الشعبية بأعضائها التابعة لوزارة الثقافة المصرية، لماذا تغيب هذه الفرق عن الشارع المصري؟ ولماذا لا تقدم حفلاتها في الأماكن والساحات المفتوحة للناس، وتساهم في صنع الذوق العام وتغييره على المدى القريب والبعيد؟ يمكن بكل بساطة استعادة أغنيات التراث الشعبي المصري، وتقديمها عبر فرق قصور الثقافة المنتشرة في كافة أنحاء البلاد، لتساهم في تغيير الذوق العام وصنعه بالتدريج، لماذا يكاد يختفي دور مؤسسة الثقافة المصرية في تقديم الفن المعبر عن مستودع هوية مصر، وأصبحت استراتيجية الثقافة في مصر غائبة أو مائعة، وافتقدت لأهم أدوارها في تشكيل الذوق العام والحفاظ عليه وإنتاجه وفق مستودع الهوية المتراكم الخاص بمصر، وكذلك فقدت دورها في استكشاف ورعاية وتنمية المواهب الصغيرة في مختلف المجالات المغذية لتلك الفنون. أعتقد أن السياسة الثقافية في مصر في حاجة لضبط شديد يعيد لها تعريفها الوظيفي الأساسي؛ الثقافة هي ذلك المزيج الذي يمنح للأبنية الجامدة والشخصية والمعالم روحها، دون الثقافة الخاصة لكل بلد ومع تشابه التقنيات الحديثة لسبل الحياة المعاصرة، ستجد كل بلاد العالم نسخا كربونية ممسوخة بلا هوية. الثقافة كقوة ناعمة هى التي تمنح للشخصية القومية معناها دونها لا يصبح لأى قوة صلبة هوية ولا تفردا، وعاجلا أو آجلا لابد ستندمج تلك القوة الصلبة وتتوحد وتنسحب لصالح نماذج أجنبية دخيلة، هنا تكون الثقافة مشروع أمن قومي لمن يعي حقيقة دورها الوظيفي في خلق والتأكيد على الشخصية القومية المصرية والعربية. معركة حمو بيكا/ مجدي شطة؛ هى دعوة لعودة فرق الفنون الشعبية للشارع المصري واستعادة قدرتها على التأثير فيه والتأثر به شيئا فشيئا، استعادة فن "الموال" و"الأرجوز" و"مسرح العرائس"، وإعادة تقديم التابلوهات الغنائية المستوحاة من الحكايات الشعبية المصرية، الفنون يمكن أن تتحرك في منطقة المتفق عليه، لخلق الشخصية القومية والتأكيد عليها بعيدا عن التقاطبات السياسية والاجتماعية، حيث تصبح الثقافة مشروعا للأمن القومي واستعادة القيم الأساسية للشخصية المصرية وفق مستودع هويتها بعيدا عن الاستقطابات، والتأكيد على الانتماء واللحمة الوطنية والحلم بنهضة الذات الجماعية المصرية. أما تهميش الثقافة والقوة الناعمة لمصر وفق تعريفها الوظيفي السابق؛ فهو مشروع للتفكيك حيث عاجلا أو آجلا ما ستلتحق القوة الصلبة وتندمج في نماذج ثقافية دخيلة، وغير معبرة عن مستودع هوية البلاد وتاريخها الذي تحمله على أكتافها، هنا الثقافة مشروعا للأمن القومي لمن يدرك حقيقة دورها ووظيفتها في بناء الأمم ونهضتها، لا تفكيكها وتركيعها لصالح دولة حمو بيكا/ مجدي شطة، أو لصالح نماذج دخيلة وافدة لأب
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق الأرض المرخصة مباني بالعبور الجديدة
-
أمريكا وشبح النموذج العراقي في السعودية
-
بلفور بأي حال جئت يا بلفور
-
عندما يخالف رئيس الوزراء القانون في العبور الجديدة
-
توصيات المواجهة العربية لصفقة القرن
-
مأزق رئيس الوزراء في العبور الجديدة
-
نموذج العدالة الاجتماعية المطلوبة في العبور الجديدة: اللقاء
...
-
الانتخابات و CISMOA والدولة حارسة التناقضات
-
التفاف الوزير على حقوق الناس في العبور الجديدة
-
زيدان وسعد الدين إبراهيم، ما الطبيعي في التطبيع!
-
أرض العبور الجديدة وانحيازات الرئيس والانتخابات
-
ما قرره الرئيس وما نفذه الوزير في القادسية والأمل!
-
التراث اللامادي: مقاربة التدافع الحضاري
-
تصريح وزير الإسكان ومستشاري السوء وخرق القانون
-
الثقافة المصرية ومراكز الأبحاث والترجمة المتكاملة
-
مصر: أزمة الصحافة الثقافية وقواعد العمل العام
-
للسيد الرئيس: عن القادسية وعبور البلاد الجديد
-
عبور الوزير بين القادسية والأمل
-
المعارك المفتعلة والحق الضائع في أرض القادسية
-
سارتر والدور المزدوج فى الثقافة الصهيونية
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|