ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 6069 - 2018 / 11 / 30 - 16:30
المحور:
الادب والفن
الملاك هو فيلم إخباري تجسسي إسرائيلي أمريكي قامت قناة ( نتفليكس ) الأمريكيه بإنتاجه عام 2018 يتحدث عن السيره الذاتيه لأشرف مروان صهر جمال عبد الناصر زوج إبنته منى عبد الناصر إثناء تطوعه للعمل كجاسوس لمصلحة اسرائيل
قام بدور أشرف مروان الممثل التونسي الأصل الهولندي الجنسيه ( مروان كنزاري ) مواليد 1983 , ( توبي كيبيل ) بدور داني بن أرويا , ( جباي ساسون ) بدور أنور السادات , ( وليد زعيتر ) بدور جمال عبد الناصر , ( ميساء عبد الهادي ) بدور منى عبد الناصر
https://www.youtube.com/watch?v=z0q2WbXQWbw
يعتمد سيناريو الفيلم على كتاب بعنوان ( الملاك _ الجاسوس المصري الذي أنقذ اسرائيل ) ألّفه بالعبريه ( أوري بار _ جوزيف ) وترجمه ( ديفيد هازوني ) والفيلم من إخراج المخرج الإسرائيلي آرييل فورمين
لكي نفهم الفيلم بدقه علينا تتبع نقاط الصراع الأمريكي البريطاني في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانيه . بسبب مديونية بريطانيا العاليه الى الأمريكان خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانيه إضطرت الى الإنسحاب من مستعمرتها الهند ( درة التاج ) لتتحول شبه القارة الهنديه الى 4 جمهوريات امريكيه تحت مسمى الإستقلال . بعد عدة أشهر إضطرت بريطانيا على الموافقه على تقسيم فلسطين لنفس السبب
أثناء مباحثات الهدنه بعد الحرب العربيه الإسرائيليه الأولى 1948 تعرّف ضابط المخابرات الأمريكي كيرمت روزفلت على مجموعه من الضباط المصريين المشاركين في المحادثات فطوّر علاقته معهم الى أن تحولت الى إنقلاب عسكري 1952 أطاح بالحكم الملكي , لكن مصر لم تتحول من ساعتها الى جمهورية أمريكيه بل تطلب دخولها الى حرب السويس 1956 من أجل طرد الفرنسيين من قناة السويس وإجلاء القوات البريطانيه عن أرض مصر موضوع ظاهره للمصريين لكن مصلحته الحقيقيه هي للأمريكان
عندما تحولت مصر الى جمهوريه امريكيه تم إستعمالها بالنيابه لطرد بريطانيا عن حامية عدن فتم إفتعال حرب اليمن 1962 _ 1970 لهذا الغرض . نقطه مفصليه حاسمه في هذا الصراع هي إعلان بريطانيا في 1964 عن نيتها الإنسحاب من حامية عدن بحدود نهاية العام 1967 . على الفور بدأ الإعداد لترتيب المنطقه أمريكياً تحت مسميات شتى
عام 1965 تم فضح الجاسوس الإسرائيلي المتسلل الى القياده السوريه ( إيلي كوهين ) مما ادى إعدامه وتصعيد الموقف بحده بين مصر وسوريا من جهه وإسرائيل من جهة اخرى مما أوقع الحرب العربيه الإسرائيليه الثانيه 1967 رغم أن مصر كانت لم تزل مشتبكه في حربها في اليمن . أدت الحرب الى هزيمة 1967 التي كان مخططاً لها لكي تستحوذ اسرائيل على كل الأراضي التي كانت تريدها أثناء مباحثات التقسيم ولم تحصل عليها بسبب عناد بريطانيا التي كانت تنتدب فلسطين وقتها
عندما أفلست بريطانيا من الهند وقناة السويس وباب المندب , أعلنت عزمها على مغادرة مشيخات الساحل المهادن اللواتي ترتبط معهن بمعاهدة حمايه منذ 1820 فقامت الولايات المتحده بجمع هذه المشيخات وأعلنت منهن 3 دول منفصله حسب مخزونهن النفطي عام 1972 هن : مشيخة قطر , مشيخة البحرين , وجمعت باقي المشيخات فيما يعرف بالإمارات العربيه المتحده
قاعدة هويلس الجويه الأمريكيه الموجوده في ليبيا تمكنت من طرد محمد إدريس السنوسي من ليبيا ومعه كل المعاهدات السريه والمعلنه بينه وبين كل من بريطانيا وفرنسا وجيء بمعمر القذافي , في العراق تم قلب نظام الحكم وجيء بالبعثيين ليقوموا بمهمتين الأولى هي تأميم النفط الذي بأمواله سيحولون النضال العربي القومي الى نضال طائفي إسلامي عند إدخالهم مع ايران في حرب إحتواء مزدوج . النضال القومي العربي لم يعد مطلوباً في هذه المرحله لأنه يؤدي لا محاله الى الصراع مع اسرائيل
بنهاية حرب اليمن عام 1970 كان ينبغي تبديل الوجوه للدخول الى المرحلة المقبله في طبيعة السيطره على المنطقه . مات جمال عبد الناصر وخلع الملك سعود بن عبد العزيز عن عرش المملكه وجيء بأخطر رجلين يستأنفان المرحله المقبله هما الملك فيصل بن عبد العزيز وأنور السادات اللذين سيقودان عملية التطبيع مع اسرائيل في خطة مخادعه تؤدي الى التطبيع مع حماية اسرائيل وعدم تعريضها لأي أذى لذلك لا عجب إن تم قتلهما بعد أن أنهى كل واحد منهما دوره
أنور السادات كان يريد إستعادة سيناء لأنه لا يمكن أن يقوم بالتطبيع مهزوماً لأن سيناء المصريه تحت الإحتلال الإسرائيلي . وقعت حرب 6 أكتوبر 1973 وتمت إستعادة سيناء لإيقاع مصر في مطب التطبيع من موقع المنتصر . يوم 15 أكتوبر 1973 أعلن الملك فيصل المقاطعه العربيه والنفط سلاح في المعركه , هذا القرار أدى الى إرتفاع أسعار المحروقات في العالم وتصاعدت معها أسعار كل شيء من الإبرة الى المدفع , وغالبية العرب لا صناعه ولا زراعه لديهم ويعتمدون في معيشتهم على الإستيراد
مع الأسعار الجديده العاليه وإنعدام الصادرات , سرعان ما أنفق العرب مدخراتهم وبدأوا يستنجدون طالبين العودة الى تصدير النفط فجمعتهم الولايات المتحده في مباحثات سريه مع اسرائيل , أنهم اذا ارادوا التراجع عن المقاطعه فعليهم التوقيع مقابل ذلك على معاهدة سريه بعدم الإعتداء على إسرائيل , حين وقعّوا على ذلك أصبح الطريق سالكاً ليمضي أنور السادات في التطبيع مع اسرائيل دون أن تتمكن دولة عربية واحده من فعل شيء غير الصراخ في الإذاعات
يبدأ دور أشرف مروان للعمل كجاسوس منذ العام 1969 أي بعد هزيمة حزيران بعامين , كان وقتها يعمل منسقاً للشؤون الخارجيه للرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يود فتح مباحثات مع اسرائيل برعاية امريكيه لكنه يعرف أنه لا يستطيع ذلك بعد مهزوماً بعد نكسة حزيران
يسافر أشرف مروان الى لندن من أجل فحوص طبيه في المعده يجريها عند طبيب كان يستعمل عيادته لتنسيق مقابلات بين الملك حسين ومدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي . عند نهاية الفحص يسلم مروان للطبيب ملف فيه العديد من الوثائق السريه المصريه طالباً تسليمها الى سفير اسرائيل في لندن , بعد أيام يتعقب الموساد الإسرائيلي أشرف مروان عند تجوله في محلات هاروتس وتبدأ العلاقة معه . كان يتقاضى 50 ألف دولار عن اللقاء الواحد , وكلفت اسرائيل عملية التعامل معه مدة 4 سنوات 20 مليون دولار . اطلقت على مروان اسماء حركيه كثيره منها : الملاك , بابل , النسيب ويقصد به نسيب عبد الناصر
الفيلم يحكي عن بداية العلاقه بشكل مختلف , حيث يستعمل أشرف مروان تلفون عام للإتصال بالسفاره الإسرائيليه عارضاً خدماته فيتم الإتصال به والتنسيق معه . خلال العام 1970 كان أشرف مروان يدرس في لندن وبصحبته زوجته منى عبد الناصر وإبنهما . تصل صور الى عبد الناصر تبين أن أشرف مروان يشرب ويقامر وعلى علاقه مع الممثله دايانا إليس , فيأمر عبد الناصر نسيبه بالعوده الى مصر , لكن النسيب عوضاً عن ذلك يتصل بالسفير الإسرائيلي في لندن ( مايكل كوماي ) فيتم التنسيق بينه وبين داني مدير الموساد حيث يتفقان على خطه لتحذير اسرائيل فيما اذا كانت هناك حرب وشيكة الوقوع بالإتصال من أي مكان في العالم وذكر كلمة ( بوتاسيوم ) كإشاره تحذير و تم إستئجار شقه في أحد أحياء لندن وتم زرعها باللاقطات لتسجيل كل كلمه تقال وجعلها مكاناً للإتصال وعقد المقابلات
توفي جمال عبد الناصر عام 1970 وتسلم نائبه أنور السادات حكم مصر الذي كانت علاقته مع أشرف مروان وطيدة جداً . من أجل الوصول الى أموال النفط العربي لتمويل حربه الموعوده مع اسرائيل أوفد أشرف مروان الى معمر القذافي لطلب الدعم , فوافق القذافي دون قيد أو شرط , طبعاً مروان أخبر الموساد بذلك , بعد أيام قامت مقاتلتان اسرائيليتان بإسقاط طائرة مدنيه ليبيه متجهه الى القاهره على متنها 108 مسافر قتلوا جميعاً . إستشاط القذافي وطلب مساعدة مصر لكن انور السادات لم يكن راغباً في إثارة اسرائيل ضده , لهذا ومن أجل أن يواصل مروان الخديعه عاد الى القذافي وأخبره أن مصر ستساعده وعليه أن يبعث أشخاص من ليبيا الى مطار روما وهناك يزودهم مروان بقاذفة صواريخ ليقصفوا بها طائره اسرائيليه مدنيه متجهه الى تل أبيب , وبالفعل يصل مروان الى روما ويسلم القاذفه الى الليبيين هرّبها في حقيبته الدبلوماسيه التي لا يتم تفتيشها , لكن القاصفه كانت معطوبه ولم تطلق ولا إطلاقه واحده صوب الطائره , وذلك كله بعلم الموساد من أجل كسب المزيد من ثقتهم
أعطى مروان تحذيرين كاذبين بوقوع الحرب الى الموساد مما أدى الى إستعدادات كبيره وإستدعاء الإحتياط , في المرة الثالثه عندما أعطاهم التحذير لم يؤخذ على محمل الجد مما أدى الى تمكن القوات المصريه من عبور القناة واختراق خط بارليف , وبهذه الطريقه تنجح اسرائيل في الحفاظ على ماء وجهها وهي تخسر الحرب أمام العرب بإعتبارها لم تكن مستعدة لها , بينما ينجح أنور السادات في المضي في طريق التطبيع من موقع المنتصر
بوصولنا الى هنا في متابعة الفيلم ندرك أن أشرف مروان لم يكن جاسوساً بل كان منسقاً بين الطرفين , مصر كانت تريد الأرض من أجل أن تمضي في التطبيع , وإسرائيل كانت تريد التطبيع حالياً أما الأرض فيمكن أن تستردها في أي وقت لاحق . بعد سنوات تم توقيع معاهدة كامب ديفيد وتصافح جيمي كارتر والسادات ومناحيم بيغن
ينتهي الفيلم بكتابه تفيد بأن أشرف مروان توفي بشكل غامض في عام 2007 في شقته في لندن , وأنه معترف به كبطل قومي في إسرائيل . وأن كلا من بيغن والسادات حصلا على جائزة نوبل للسلام بسبب توقيعهما على كامب ديفيد
في مصر كان في توديع جنازة أشرف مروان كل من جمال مبارك , وعمر سليمان رئيس المخابرات المصريه , وأمَّ مفتي مصر محمد سيد طنطاوي الصلاة عليه ملفوفاً بالعلم المصري , وفي تصريح لاحق قال حسني مبارك : إن اشرف مروان بطل قومي قام بعمل وطني ليس وقته الآن للحديث عن تفاصيله
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟