علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 6068 - 2018 / 11 / 29 - 00:14
المحور:
الادب والفن
أحب أحمد أحياناً أن يسطو بصحبة صديق طفولته نزار على المكتبات، ومن بينها كانت ثمة مكتبة قديمة مؤلفة من غرفتين على شكل زاوية قائمة، في الغرفة الداخلية اعتاد أن يجلس صاحبها، الرجل العجوز الذي أدمن على أداء الصلوات الخمس، ما أن يحين موعد صلاة الظهر حتى يدخلانها ويشرعان بالتنقيب عن قصص قديمة مستعملة للأطفال وعن ألغازٍ بوليسية مشوِّقة، وإذا ما وجدا شيئاً ذا قيمة سرعان ما يدسه أحدهما في حزام بنطلونه من الأمام أو الخلف أو يضعه نزار بطريقة الساحر تحت إبطه أو في جرابه، بينما العجوز منشغل عنهما بالسجود، ولا ينسيا – بغية التمويه عن فعلتهما – أن يسألانه بعد إتمام صلاته فيما إذا كان لديه مثلاً لغز عبيط القرية، بعد أن يكونا قد تأكدا أن اللغز لا وجود له على الإطلاق، وإذا لم يجدا شيئاً يستحق السرقة والمغامرة فتراهما يعبثان بالأشياء المرصوفة لعلهما يعثران على ما قد يحتاجا إليه في المدرسة: قلم أو بكرة لاصق أو مبراة أو علبة ألوان أو ما شابه ذلك.
حدث أن أتت هذه اللحظة فراحا يلملمان ما يقع في طريقهما ويحشرانه بين طيات ملابسهما، في ذاك اليوم كان العجوز كان قد شرع يشك في أمريهما، فترك صلاته جانباً وراح يراقبهما إلى أن أنهيا عملية سطوهما، خطا إليهما وكان أحمد الأقرب إليه، أمسكه من كتفه وسأله: ما الذي تبحث عنه يا ولد؟
أجابه أحمد والخوف يدب في مفاصله: بحثت عن ألغاز نادرة ولم أجدها في مكتبتك.
انزلقت يد العجوز إلى ظهر نزار وجسّ أشياءً مخبأة وسأله: ما الذي وضعته في ثيابك يا ولد؟
أجابه أحمد بالنيابة عن نزار وببراءة مطلقة: لا شيء يا عم، هذه مجرد دواليب صغيرة نلعب فيها حين نضجر.
طلب العجوز من نزار أن يريها له في الوقت الذي كانت فيه فرائض أحمد ترتعد من الخوف واحتمالات تفتيشه واستدعاء الشرطة والعقوبة المنتظرة.
مدّ نزار يده إلى سترته وأخرج دواليبه، ما أن رآها العجوز حتى قال: هذه ليست بدواليب بل بكرات لاصق شفاف وشرائط حريرية، إنها ملك المكتبة وليست ملككما، ثم أضاف ما الذي سرقتماه بعد!؟ أخرجا من ثيابكما كل ما أخفيتموه عني، لقد راقبتكما ورأيت ما تفعلانه! سأخبر الشرطة عنكما في الحال.
أخرج نزار وأحمد من ملابسهما كل ما حشراه فيها وشرعا يتوسلان للعجوز كي لا يحضر الشرطة.
استعاذ العجوز بالله وصرخ بهما: هيا أغربا عن وجهي، لا أريد رؤيتكما هنا مرة أخرى.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟