|
المتخيّل والواقعي في تجنيد الإرهابيين
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6067 - 2018 / 11 / 28 - 18:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين عرفت أن كمبرلي مينرز عارضة الأزياء البريطانية انضمت إلى «داعش»، أصبتُ بالدهشة بل والحيرة؛ وذلك لسببين، الأول - ما الذي يجمع الفنانة البريطانية الجميلة بالإرهاب و«داعش» نموذجاً لها، والأمر ليس حادثة واحدة عابرة، بل كان لجيش «داعش» الإرهابي، علاقات مع آلاف النساء، إضافة إلى الرجال الذين ينتمون إلى ثقافات متناقضة مع «داعش»؟ والثاني - كيف يمكن تجنيد «داعش» للإرهابيين؟ أي ما هي الوسائل التي يستخدمها للوصول إليهم وإقناعهم، بل لغسل أدمغتهم، بحيث يصبحون أداة طيّعة بيده، حيث يأمرهم بتفجير أنفسهم وقتل العشرات والمئات من البشر بدم بارد وكأنهم يمارسون هواية يحبّونها ودون أدنى شعور بالذنب أو الارتكاب أحياناً؟ وأول ما خطر ببالي دور وسائل التواصل الاجتماعي، فهي بقدر ما تلعب من دور إيجابي، فلها أدوار سلبية بلا أدنى شك ولم تستطع المنظومة القانونية الحد منها؛ وذلك أحد وجوه العولمة المتوحشة، حيث تحوّلت من وسائل تعارف بين الناس لتسهيل حياتهم وطريقة عيشهم إلى وسائل دعاية لنشر الكراهية والانتقام والحقد، بل لتكون المسبّب في تدمير العديد من العائلات وهدم المجتمعات بعيداً عن أي قيم إنسانية أو أخلاقية، بحيث تتمكن جماعات إرهابية جاهلة من السيطرة على عقول نخب متعلمة وتعيش في مجتمعات متحضّرة، وتجرّها لارتكاب «الكبائر» باسم الدين. فماذا يجمع الأوروبي ذو الثقافة الغربية الديمقراطية والليبرالية، المسيحية الأصول بتنظيم إرهابي؟ نبادر إلى القول إن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت أبواب التعصب والتطرّف والعنف والإرهاب على مصراعيها للتأثير على عقول الشابات والشباب وتحويلهم إلى أداة إجرامية، حيث يتم تجنيد الأشخاص عبر وسائل جاسوسية إما ترغيباً أو ترهيباً للوصول إلى أكبر قدر من المعلومات الخاصة عن أشخاص ومؤسسات وأجهزة حكومية عدوة أو صديقة، سواء لقاء مبالغ أو عبر استدراج من خلال بعض نقاط الضعف. وقد تطور مثل هذا الأمر خلال الانفجار الهائل في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات وثورة الاتصالات والمواصلات والطفرة الرقمية - الديجيتال، عبر لقاءات مباشرة أو اتصالات هاتفية أو رسائل بالبريد الإلكتروني أو من خلال شيفرات خاصة وبلغات مختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا استدرجت بعض أوساط الشباب إلى سلوك طريق العنف والقتل واستباحة الكرامات، من خلال أفكار وشعارات تم استزراعها في العقول، لتنقلهم من عالم التخلف والبؤس أحياناً، أو عدم الرضا عن مجتمعاتهم، إلى عالم الحقيقة الافتراضية والدين الافتراضي؛ وذلك من خلال متناقضات: منها مواجهة ما هو قائم بالقتل والتدمير والتفجير والأحزمة الناسفة، ليتم مقابله تصوّر الحياة الرغيدة بالجنس والوعد بالجنة والعدل المطلق، وهكذا يبقى المتخيّل والافتراضي في الحياة والآخرة. لقد استغل «داعش» الشباب الذي يقضي ساعات طويلة يومياً على الأنترنت ليتحدث عن أوضاعهم ويسحبهم إلى طريق لم يرغبوا أن يكونوا جزءاً منه يوماً ما، وهكذا وفي لحظة ما يصبحون جزءاً من عالم الجريمة وسفك الدماء، وهذا ما يقوم به أيديولوجيو الجيش الإلكتروني الذي جنّد أرقاماً خيالية، حيث بلغ عدد المجندين في صفوفه حسب إحصائية ألمانية إلى 200 ألف مجنّد، سواء عبر الفيسبوك و تويتر واليوتيوب وغيرهما، وحسب بعض الأرقام هناك نحو 50 ألف فتاة بين 16-24 عاماً، ضمن حركة «داعش» العنكبوتية، حيث يستدرجن بوسائل ناعمة وخبيثة من خلال توجيه أسئلة وعبر نصائح تقدم لهن من مواقع خاصة وتسهيلات بعد اختبارات للانخراط في صفوف التنظيم وعبر اللغات التي يتحدثن بها. ويضم الجيش الإلكتروني خبراء متخصصين للاتصال بمجموعات مباشرة، سواء في المقاهي أم المدارس والجامعات أم المحلات العامة أم المساجد والجوامع والأماكن الدينية. ويتم التجنيد في مرحلته الأولى بتأكيد الالتزام الديني وتأدية الفرائض الدينية، ثم يبدأ العمل بشكل تدرّجي وهادئ لضخ المفاهيم الخاصة بالتنظيم الإرهابي، وبعدها تزيّن لهم صورة ما سمّي ب«الجهاد»، ليرسلوا إلى سوريا أو العراق أو غيرهما. وحين يلتحق الشباب والشابات في المواقع الأمامية للمواجهة، هناك يخضعون للمراتبية، يقف على رأسها الأمراء والمشايخ الذين لهم القرار، وعلى الآخرين الانصياع والتنفيذ. وحسب اعترافات قيادي كبير في تنظيم «القاعدة» كان قد تم إلقاء القبض عليه في سوريا، قال: إن عملية التجنيد تحتاج إلى «تزكية» من أشخاص ثقة ومعروفين، وربما يحتاج البعض أكثر من تزكية لضمان المعلومات الصحيحة، ثم تبدأ التهيئة النفسية والتعليمات الأمنية من الملابس والشكل العام الذي ينبغي أن لا يجلب الانتباه، وعدم إعطاء أي دليل على التوجه الديني وصولاً إلى المواقع المتقدمة ليبدأ بعدها التدريب وضمن المواعظ المعروفة: الكتمان والسرّية واختيار الطرق الأكثر أماناً، وبالطبع تقتضي شروط العمل السري عدم الثرثرة والتزام الصمت أحياناً وعدم إخبار أحد والصبر وقبل كل ذلك إعطاء الضمير والقلب إجازة مفتوحة، أو ربما حفظه في ثلاّجة إلى الأبد.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بثينة شريف سلاماً للروح الحيّة
-
البرازيل بين ضفتي العرب و«إسرائيل»
-
مبدأ ترامب وأركانه الخمسة
-
هل روسيا دولة عظمى؟
-
في ندوة عن سسيولوجيا الدين والتديّن
-
روسيا -اليهودية-
-
السينما بصيغة التعدد
-
العراق يتألق فكراً وموسيقى بالناظور
-
روسيا «العربية»
-
مهدي الحافظ: يا له من زمن؟ لم يبقَ ما يحتجّ به سوى الموت
-
إدارة الصراعات وفض المنازعات
-
اللّا عنف.. القوة الخارقة
-
في استشكال «حوار الحضارات»
-
تونس والعرفان - كتاب جديد عن الدكتور عبد الحسين شعبان
-
روسيا «المسلمة»!!
-
سيناريو ما بعد البصرة!
-
كلام في معنى الحفاظ على الهوية
-
مالمو (السويدية) تحتفي بالمفكّر العراقي عبد الحسين شعبان
-
عن الاختفاء القسري مرّة أخرى
-
هل بات عزل ترامب وشيكاً؟
المزيد.....
-
الكرملين يوضح لـCNN حقيقة وجود استعدادات للقاء بين بوتين وتر
...
-
أمريكا.. رئيسة لجنة الانتخابات: ترامب أقالني من منصبي
-
نائب أمريكي لـCNN: يجب وضع بلدنا ضمن الأماكن التي سيتم إعادة
...
-
نتنياهو: على قطر أن تختار في أي صف ستكون من أجل شرق أوسط جدي
...
-
إسرائيل ترسل -وفد عمل- إلى الدوحة.. ومخاوف من تعطل اتفاق غزة
...
-
-احتمال ضئيل- لدمار في الأرض.. ماذا سيحدث عام 2182؟
-
غالانت يهاجم نتنياهو: كان بإمكاننا جلب رهائن أكثر بثمن أقل
-
ترامب يوقع مرسوما بفرض عقوبات على الجنائية الدولية
-
بيسكوف: لم تناقش روسيا والولايات المتحدة تنظيم لقاء بين بوتي
...
-
وزير الدفاع السوري: منفتحون على استمرار الوجود العسكري الروس
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|