|
الثقافة العربية
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 06:55
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الثقافة هي كل مايتعلق من أدب وفن وتراث للأمة. فهي الملامح والأنماط السلوكية للفرد، وكل أمة تتميز بروح ثقافية متباينة عن الأمم الأخرى. إلا أن النظرة الشاملة تجد أن الأمم في مراحل محددة من التاريخ تتجانس إما في الرؤية إلى الأدب والفن أو حتى إلى طريقة التعامل مع العقيدة الدينية. ونرى أن الثقافة العربية في وضعها الراهن مهزومة أمام الثقافة الغربية، وهذه الهزيمة تحولت إلى يأس وخمول، وخاصة بعد حرب الخليج التي صاغت الأمور بقالب أمريكي محض ولم تعد المسألة تهديد سياسي أو عسكري بل أصبحت تتعلق بالهوية وعملية التذويب والتشكيك التي يمارسها الغرب من الخارج والسلطات التابعة من الداخل. والسؤال الآن كيف باستطاعتنا المشاركة وإغناء الثقافات الأخرى إذا مازلنا قاصرين عن فهم ثقافتنا العربية. - الثقافة العربية والتحديث: يقول محمود أمين العالم : " أن التحديث الحقيقي هو تجدد الحياة والإنسان واتساع الرؤية الإنسانية وتعمقها ومضاعفة القدرة المعرفية". فالتحديث هو التغير الاجتماعي من مرحلة لأخرى متباينة ومختلفة عنها. ومظاهر التحديث في مجتمع ما تتجلى في انتشار الصناعة ونمو المدن وسيادة الأسرة كخلية اجتماعية ووحدة إنتاجية واستخدام عريض للتكنولوجيا. بدأ التحديث العربي في دخول الاستعمار الغربي إلى البلاد العربية، ثم تبعته ظهور الدولة القطرية، ثم نمت طبقة جديدة لم تكن ظاهرة من قبل وهي الطبقة البرجوازية التجارية التي في معظم الظروف ربطت مصالحها مع الغرب الرأسمالي بسبب الحاجة المشتركة في الأرباح. وفي النظر إلى الأسواق العربية، نراها مكتظة بالمواد المستوردة وخاصة المواد الأوروبية والأمريكية. وهناك إقبال عليها بغية الاستهلاك لأن صناعتنا لم تنضج بعد. وهذا ما يجعلنا مجتمع استهلاكي يعيش على صناعة الآخرين. والى حد معين، نصبح متطفلين لأننا لانملك القدرة الصناعية لإنتاج ما نحتاج. وحتى في الفن المعماري يطبق النموذج الغربي بدون إضافات أو النظر إلى البيئة أو مراعاتها. - الثقافة العربية والتراث : التراث هو كل مايتضمن من معارف وقيم ومعايير اجتماعية. وتظل تحتفظ الأمة بوجهها القومي إلى أن تتخلى عن تراثها وبذلك ينعدم وجودها كأمة. إلا أننا نحن العرب مازلنا نجهل التعامل الصحيح مع تراثنا الذي يميزنا عن بقية البشر في المعمورة. وتختلف التيارات في النظرة إلى التراث، فالتيار السلفي يدعوا إلى اقتباس الماضي بتفاصيله وجزئياته دون النظر الى الظروف المستجدة في عصرنا. فهو يتنكر للواقع في سبيل إحضار الماضي. وهناك التيار الليبرالي الذي يصبوا إلى اتخاذ الغرب كنموذج خالص للحضارة ، فقد كتب طه حسين في مستقبل الثقافة المصرية: "أن مصر تنتمي إلى الحضارة الغربية وليس الحضارة الشرقية فقد كانت دائما جزءا من أوروبا " وبهذه الكلمات تتضح نظرة طه حسين للثقافة الغربية وتقديسها إلى حد ربط مصر كليا بالغرب وثقافته. وأتى التيار الاشتراكي القومي مع ثورة عبد الناصر ليكون بديلا عن التيار السلفي والتيار الليبرالي، إلا أن مؤثراته كانت على مستوى ضئيل في الجوانب الثقافية وبُعدها . أما التيار الماركسي والذي كان فيه اجتهادات فردية في إدخال التراث العربي الإسلامي في صبغة ونكهة ماركسية ، كمثل التركيز على اشتراكية أبو زر الغفاري وحركة القرامطة. إلا أن ذلك لم يكن برنامجا انتهجه المثقفين الماركسيين العرب، لأن البرنامج الرسمي كان ثورة شاملة على كل ما هو يقود إلى الماضي المرتبط بالإقطاع والبرجوازية. وفي طريقة التعامل مع التراث يجيب الباحث السوري هشام صالح على إيجاد حركة مشابهة لحركة القس مارتن لوثر كينغ في الإصلاح الديني في أوروبا عام 1517 عندما ثار ضد صكوك الغفران والذي هدد بالموت من قبل الكنيسة. يقول في هذا السياق :" يحق للمسلم أن يقرأ القرآن ويشرحه دون الخضوع لتفسير الطبري أو أبن كثير، فهذه التفاسير ليست مقدسة وإنما تاريخية ويتابع " الإسلام شهد تاريخا تشكل فيه اللاهوت والذي تحول إلى مادة ضاغطة للمسلم مثلما ضغطت الكنيسة من قبل على المسيحي الأوروبي. وبرغم اختلاف العقيدة الدينية مابين أوربا والشرق إلا أن الكاتب يرى أن تشكل طبقة الفقهاء وعلماء الدين والذين أصبحت كلمتهم فيما بعد بمثابة القداسة والعصمة. قد مارسوا نفس وظيفة رجال الدين المسيحيين في أوروبا. وقد اعتبروا أي مخالف لهم في العصر العباسي كافر وزنديق. وهو يطرح على الدارسين أن يقرؤوا كتب الفقه ويطلب منهم غربلتها بغية التوصل إلى التفسيرات المنطقية التي تخدم عصرنا. وفي سياق تفسيراته للحركات الأصولية في الوطن العربي يقول: "من المعروف أن المجتمع عندما ينكبت طويلا ينفجر، أما في التعبير السلمي ، فغالبا ما يلجأ الفرد إلى لغة آبائه وأجداده للتعبير عن نفاذ صبره وضيق عيشه. وهذا ليس تزمتا. وإنما احتجاجه السياسي والاجتماعي المشروع في ظل الاستبداد وغياب الحد الأدنى من الديمقراطية." - الأزمة الثقافية: الأزمة الثقافية هي المعوقات التي تقف مثل جدار أمام المجتمع في مسيرته الحضارية. وتأتي المعوقات الثقافية مغلفة. فمن جهة نرى أن هناك ازدياد كمي ضخم للكتب في الأسواق لكن بالمقابل نجد أن الإقبال الحقيقي يتوقف في معظم الأحيان على التنجيم وقراءة الكف والقصص البوليسية أو الجنسية والتي في شكلها هذا تشوه المفهوم الثقافي وتعرقل الطرق التي من الممكن أن تسوق المجتمع إلى حالة أرقى في السلم الحضاري. وليس باستطاعة مجتمع أن يصبو إلى رقي حضاري إن لم يستطع أن يتخذ مفهوميه شاملة للإنسان ووظيفته الحضارية. فمن هذا المنظور يتضح أن هناك نظرة متهرئة للإنسان في مجتمعنا ونظره غامضة للتاريخ وخاصة عندما يتعلق هذا بالتراث. فإن لم نستطع إن ننسق مابين الماضي والحاضر والبعد الثالث (المستقبل) فإننا سنرزح تحت وطأة الهامشية التي تقودنا إلى النهاية. ورغم أن بعض الكتاب العرب والباحثين جديين في فهم الذات العربية كونها حصيلة الماضي الممتزج برقيّ ونكوص الإنسان العربي عبر تاريخه الطويل. إلا أن الدراسات في هذا المجال هزيلة . فقد عرض الدكتور علي زيعور في مؤلفات متعددة تلك الأنماط السلوكية للذات العربية في التحليل النفسي للعادات والأساطير والحكايات الشعبية. وهذه الدراسة تساهم بغض النظر عن النقد التي واجهته مفتاحا لفهم الإنسان العربي. فهذه النفس قد حملت كثيرا من الرجس في مشوارها الذي كانت مطبّاته في مراحل الغزو الأجنبي سواء كان مغولي أ وتركي أو أوروبي. ولابد من ذكر عامل هام في ازدهار الثقافة إلا وهو الحرية الفكرية. ويكاد يكون المثقف العربي محروم من هذه النعمة التي بدونها لايتم أي ازدهار حضاري. فهذا جزء من الأزمة التي تعاني منها الثقافة العربية. فلم يستطع المفكر الأوروبي أن يرتقي بدون هذا العامل الهام في حريته بالبحث والتفكير. وربما هناك الكثير من أمثال القس مارتن لوثر الذي حارب سيطرة الكنيسة، فقد مر قبله عالم الفلك غاليلو الذي قال جملته المشهورة عن دوران الأرض وهو خارج من المحكمة: رغم كل شيء فهي تدور. نحن بحاجة إلى الرأي الجريء لأن التاريخ يراقب ويشهد على ذلك. - ثقافة السلطة : تظهر هذه الثقافة في أرجاء الوطن العربي، فهي المسيطرة على نشاطات الساحة الفكرية، فهي شاملة في احتوائها.وترى أن معظم الصحف تخدم النظام الحاكم والسلطة وصيانتها والدفاع عنها. وحتى النشاط الأدبي يأتي لخدمة السلطة، وتغدو الصحف والمجلات أبواق رخيصة لتمكين رئيس أو أمير أو ملك من رقاب الشعب. حتى لا يرى المواطن مخرجا آخر إلا هذا الزعيم أو ذاك. فالثقافة المنتشرة في الصحف تشوه المفهوم الثقافي. فكم من شاعر وظف إبداعه وشعره لتمجيد حاكم وكم من كاتب وظف تفكيره لتبرير ممارسة السلطة ضد المواطن وضد أي إبداع يقوم في البلد. وكثير من الأدباء والفنانين من يقع في شرك النظام وتأخذه المغريّات فيصبح المدافع والناطق باسم السلطة الحاكمة. وهذا مايجعل الثقافة التي وأن وجدت في أزمة سياسية خاضعة للنظام أو للطبقة الحاكمة. وهذا جزء من أزمة الثقافة التي أن وجدت مخرجا تتحرر به من التبعية الخارجية تجد بندقية الأنظمة مشرعة في وجهها. وثقافة السلطة أدرج معها مؤخرا مايسمى بثقافة النفط التي أصبحت رائجة بعد حرب الخليج وتتسم هذه الثقافة بالتبعية المطلقة والملاءات الخارجية والتخاذل الذي ينحت أخاديده في الجسد. لقد أصبحت ثقافة النفط تملك ذراعا ماكنا تحوم فوق رأس المثقف العربي لشله وتوظيفه لحرب ضد المواطن والتاريخ. وهنا يلعب الوعي الدور الهام. فإذا أدرك المثقف وظيفته التاريخية والقومية فانه سيكون مخرزا في عين السلطة التي تلجأ إلى تشويه الفكر العربي وتشويشه. فالمثقف لا يكون واع بدون هذه النظرة الشاملة لوظيفته. خاتمة : منذ عصر التنوير وكتابات الطهطاوي وغيره والمثقف العربي يتخبط في أمواج الضياع الثقافي . فالعقل الذي من الواجب أن يأخذنا إلى شاطئ الأمان مازال هاربا منا. ونحن لا نعرف أين نضع أقدامنا. في الشرق أم في الغرب أو موزعين الإطراف. ويبدو أن المثقف قد وصل إلى مرحلة اليأس والخنوع الذي حد به أن يكون هامشيا يطبع عواطفه قبل عقله. فالخطوة إلى الأمام بحاجة منا إلى التغلغل في تراثنا وغربلته. وعلينا أن نسعى إلى إشاعة جو الديمقراطية وحرية الكلمة. فان التحديات التي تواجهها الثقافة العربية من تسلط واحتكار يجعلها عاجزة عن متابعة المسيرة. ولكي تكون هذه الثقافة في موقف علمي أخوي مع الأخر عليها أن تتخطى العزلة. ولكي تتخطى هذه العزلة عليها أن تفهم نفسها كما قال أفلاطون مرة : أعرف نفسك. وهي من المفروض أن تعرف نفسها عبر القرون والزمن من شره وخيره.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة العربية والتحديات
-
عبدالرحمن منيف روائي ملحمي
-
لماذا سقطت بغداد
-
العرقية وحقوق الانسان
-
الأم والزوجة
-
السرقة المشروعة
-
الإرهابي
-
الجالية العربية في الولايات المتحدة
-
جذور هلوين
-
مراجعة في كتاب الفصام الديني والوطني د.نضال عبد القادر الصال
...
-
العربان وضرب النسوان
-
تكفير علم التاريخ
-
فتوحات كولومبوس
-
طابور الفوضى
-
الإنتحار على الطريقة اليابانية
-
أسلمة العلوم
-
لقطات من الماضي والحاضر ومابينهما
-
مجموعة نخلة بدر القصصية
-
هذا الجنوب
-
زيارة أمنية
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|