|
لقاءاتي بالقائد الأب مصطفى البارزاني 3/3
خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 10:44
المحور:
مقابلات و حوارات
لقاءاتي بالقائد الأب مصطفى البارزاني 3/3 بمناسبة الذكرى 27 لرحيل البارزاني الخالد القسم الثالث: إرادة البارزاني الصامدة وآلام المؤامرة اللقاء الثالث كان لقائنا الثالث في خيمة متواضعة بمدينة نغدة الكردستانية إلإيرانية بعد مؤامرة إتفاقية الجزائر عام 1975. زرتُه برفقة الأخ شكيب عقراوي عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني. تحدث البارزاني الأب بعقل متفتح ودهاء يعبران عن قدرته الكبيرة في فهم الرجال والأحداث. سأل عن وضع الأستاذ المرحوم صالح اليوسفي الذي رجع إلى العراق بموافقة البارزاني لأنه رفض أن يبقى في إيران، بعد خيانة الشاه الإيراني لوعوده التي وعدها للكرد. تحدث الرئيس الراحل البارزاني عن إتفاقية 11 آذار 1970 التي لم يلتزم بها نظام صدام حسين، قائلا: "بعد الإتفاقية التي أقرَت بالحكم الذاتي للشعب الكردي بنضاله الدؤوب، قلتُ لأعضاء اللجنة المركزية: إعلموا أن الوضع الآن أخطر من قبل، فقد كنا سابقا نجد الطائرات والمدافع تقصفنا، أما اليوم فستقع علينا القنابل دون أن نراها ، لذلك يجب أن نكون حذرين جدا، وأن لا نقع في شِباك النظام. فلا تستهينوا ولا تقولوا أن حقوقنا قد تحققت وانتهى كل شئ. يجب أن نكون متيقظين أكثر من أي وقت مضى لمعرفة نوايا النظام". وقال: "أثبتنا للعالم أننا كنا نقف مع حق الأخوة العرب في محنتهم عدة مرات. ففي حرب الأيام الستة في حزيران 1967 بعثنا ببرقية إلى الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف معلنين فيها عن مساندة الكرد للعرب في حقوقهم، وطالبْنا بانسحاب القطعات العراقية من كردستان للدفاع عن الأراضي العراقية والحقوق الفلسطينية العربية، وعاهدناهم بان لا تطلق القوات الكردية النارعليهم طيلة بقائهم في المواجهة مع أعدائهم. وأيدنا العرب أيضاً أثناء دخولهم الحرب مع إسرائيل عام 1973. وأرسلنا ببرقية إلى احمد حسن البكر معلنين فيها عن وقف إطلاق النار في كردستان، ووقفْ كافة العمليات الحربية ضد قوات النظام العراقي لكي تتمكن تلك القوات من التفرغ لحماية فلسطين، كما أرسلنا ببرقية مماثلة نفس اليوم للرئيس جمال عبد الناصر. لكن صدام حسين خان الإتفاقية التي إتفقنا عليها عام 1970، وتآمرعلى قتلي عدة مرات. لقد كان بإمكان الكرد أن يعاقبوه أثناء زيارته لكردستان بإسقاط طائرته لكنهم لم يفعلوا. لأن الأخلاق الكردية لا تقبل الخيانة". كان يتحدث والحزن مرسوم على وجهه الذي كان يحمل آلام الشعب الكردي كله. وللتاريخ أقول، ولتكن هذه الشهادة للتاريخ، فالكلمة مسؤولية، ولا أقول هذه الكلمة اعتباطا بل عن مسؤولية كاملة ومتكاملة وعن قناعة، أن البارزاني الأب لم يخن شعبه الكردي أبدا، وأنه لم يتخاذل ولم ينهزم، ولم يوقف الثورة بارادته، ولم يستسلم. فأنا أتذكر كل همسة قالها الراحل العظيم في ذلك اللقاء، حين قال، وأنا في ديوانه المتواضع تحت تلك الخيمة المتواضعة، والألم يحز قلوبنا جميعا فيما حدث من نكسة أيام المؤامرة: "سنظل نناضل، وكلما ناضلنا أكثر فإن حقوقنا ستزداد أكثر حتى نحقق النصر لأن نضالنا مشروع، ولأن حركتنا إنسانية تحررية أخلاقية لمصلحة العراق كله. وإن نظام صدام حسين سيُقهر وسينهزم لأنه لا يعرف العهد ولا يعرف الأخلاق". وقال: "إننا مع الديمقراطية والسلام، ولكننا لانستسلم. لقد نجحَتْ المؤامرة، وانسحبنا من المعركة لأسباب استراتيجية، لكننا لم ننسحب من الثورة. سنرجع إلى الوطن ونناضل بعزيمة أقوى إنشاء الله". كان الراحل البارزاني أعظم إنسان على الإطلاق التقيت به طوال حياتي، ترك في نفسي انطباعا لازال فريدا يحتل مركز قلبي وبؤرة نفسي، وأنا عاجز أن أنساه. إنه سيبقى محبة على الشفاه وفي القلوب أكثر من أن يكون صورة على الجدران، لأنه المعلم الأب. من يجهل تاريخه الذي عرَّف العالم المعاصر بقضيتنا المقترنة بإسمه؟ فعندما توجهنا إلى أوربا قبل مايقارب الثلاثين عاما، والأوربيون يسألوننا من أين أتيتم؟ فنقول من كردستان. فيجاوبوننا: بارزاني بارزاني. جميع الذين تهجموا على البارزاني الخالد لم يكونوا منصفين في مواقفهم. وأثبت التاريخ عدم صحة تهجمهم، فتراجعوا عن أخطائهم. وقد تعرض الرئيس الرمز، كما يتعرض كل رئيس رمز دون استثناء إلى النقد. وهذا النقد مَردّه ذلك المركز المرموق لقائد احتل موقعا فريدا في تاريخ شعبه. فالتهجم مرفوض، لكن النقد العقلاني، غير التهجم، كان لمصلحة البارزاني نفسه، لأن ذلك النقد يبين مواطن الحقيقة من الأسطورة، وصحة ما يتردد على ألسن الناس عن إنسان عظيم كان يعتبر آخر العمالقة الكرد في القرن العشرين. المأثرة العظيمة للإنسان الذي لُقب بأب الكرد هي حفاظه على وحدة القضية الكردية ووحدة الزعامة. وإذا تطرقنا إلى مسالة مبادئ وقواعد الوطنية في العراق نجد أن الوطنية ليست ملكا مشاعا تخص نظاما معينا أو رئيسا عراقيا معينا، بل هي الإخلاص والوفاء تجاه الوطن والمحافظة عليه، وخدمة الشعب، وتوفير الحرية، ومحافظة ثروات الوطن من الأجنبي، والاعتراف بحق المواطنة للجميع، لأن مسألة القومية هي مسالة وطنية وديمقراطية وإنسانية ولا يمكن أن تحل إلا عن طريق الديمقراطية والمساواة والعدالة وليست عن طريق استخدام الأسلحة الكيمياوية وحملات الأنفال. إنه البارزاني الذي ما دخل بيتا إلاّ وكان للكرد مصلحة فيه، وما خطا خطوة إلاّ وكان فيها للكرد نصيب من الحرية. ترك لنا تراثا ما أن نقتديه إلاّ ولنا فيه مجد وكرامة. إنه النور الذي نحمله في نفوسنا لنسير على الدرب الطويل، درب أمنا الكبرى كردستان. إنه البارزاني الذي ولد في 14 مارس 1903 بقرية بارزان وعرف قيمة الحرية في الثالثة من عمره منذ أن دخل سجن الموصل مع والدته عام 1906. إنه بحق أب الثورات الكردية المعاصرة، اشترك في كافة المعارك الكبيرة ضد الأنظمة التي تضطهد الشعب الكردي، وساهم في جميع الانتفاضات التي فجرت في كردستان. إنه مرشد فكر الكوردايه تي في القرن العشرين، ومخطط الحركة التحررية الديمقراطية الكردية في القرن الذي نعيشه. وإن ما نعيشه اليوم من حرية في كردستان هي جزء من نتاج تلك العقلية الفذة والخطط القيمة التي ساهم فيها البارزاني الخالد في مسيرة الحركة التحررية الكردية. إنه البارزاني الذي وافاه المنية في 1/3/1979 ونّقل جثمانه الطاهر إلى إيران ليوارى الثرى في قرية شنو الكردستانية، وبحضور آلاف الناس من مختلف مناطق العالم لتوديع القائد الذي ناضل من اجل حرية واستقلال شعبه. إنه البارزاني الذي أبت القلوب إلاّ أن يكون الراحل بينهم، فنُقلَ مرقده الطاهر إلى كردستان العراق عام 1991 حيث دُفنَ في مسقط رأسه بارزان في وسط حشد جماهيري كبير لم يسبق له مثيل، تاركا وراءه نبراسا منيرا وتراثا مضيئا ونهجا وطنيا ديمقراطيا، ومدرسة لها تلاميذها ومناضليها الأوفياء لقيادته وللكوردايه تي. إنه سيبقى حيا في الأفكار، وذكرى في الأفئدة، ورمزا للأحرار، ومحبة تُضفي بالعطر لكل أطفال وأبناء كردستان من عشاق الحرية في كل مكان. إليك أيها القائد الإنسان محبتي وحبي بلا إنتهاء.
1 مارس/آذار 2006 • باحث وكاتب صحفي مستقل [email protected]
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقاءاتي بالقائد الأب مصطفى البارزاني 2/3
-
لقاءاتي بالقائد الأب مصطفى البارزاني 1/3 بمناسبة الذكرى 27 ل
...
-
البحث عن الهوية الكردية
-
نقد العقل الكردي 2/2 ماذا نعمل من أجل حرية كمال سيد قادر؟
-
نقد العقل الكردي 1/2
-
قمة الاحسان- مناشدة إلى الرئيس مسعود البرزاني
-
الديمقراطية وحق المواطنة والحقوق القومية الكردية في الدستور
...
-
الثقافة والتربية وحقوق المرأة والطفل في عراق اليوم
-
الديمقراطية وحق المواطنة والحقوق القومية الكردية
-
الكرد، ما لهم وما عليهم في مشروع الشرق الأوسط الكبير
-
الكرد والديمقراطية العراقية ومشروع الشرق الأوسط الكبير 1/2
-
الدولة المدنية الديمقراطية الدستورية
-
هل يصلح النموذج الإيراني للعراق؟
-
تدخل السلطة الإيرانية في العراق خطر على الديمقراطية والوحدة
...
-
كردستان لن تكون مستعمرة داخلية والعلاقات الاستعمارية لن تحكم
...
-
متى وكيف ولماذا يصبح خيار استقلال أقليم كردستان حتميا؟ القسم
...
-
متى وكيف ولماذا يصبح خيار استقلال أقليم كردستان حتميا؟
-
وحدة العراق تكمن في الاعتراف بحقوق الكرد عمليا
-
الثوابت الكردستانية
-
هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟ القسم الرابع: رؤية نقتنع بها
...
المزيد.....
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|