مباحث في الاستخبارات (143) الاستخبارات في التاريخ

بشير الوندي

الحوار المتمدن-العدد: 6062 - 2018 / 11 / 23 - 02:18
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

مباحث في الاستخبارات (143)

الاستخبارات في التاريخ

بشير الوندي
----------------
مدخل
----------------
لكل علم هنالك تاريخ , كما ان لكل مهنة تاريخ , والاستخبارات كمهنة وكعلم تعد من اقدم المهن في التاريخ , فمع تطور الحياة وتشعبها وتطور الجيوش واشكال الحكم اشتد التنافس الذي لازمه اشتداد الدسائس والصراعات على السلطة ماادى الى الحاجة الى التجسس.وفيما يلي اطلالة سريعة عن الاستخبارات عبر التاريخ .
------------------------------------------
الاستخبارات في العصر القديمة
------------------------------------------
لم ينحصر التجسس بالاطار الاخلاقي كفعل قبيح او حسن , لكنه كان وليد حاجة تتطلبها مواقف الجميع اخيارهم واشرارهم , فما من اغتيال عبر التاريخ الا ومبني على تجسس على القتيل وحركاته وسكناته , ومامن خيانة وتعاون مع عدو الا وكانت تجسيدا لفعل التجسس , وفي ذات الوقت يذكر لنا القرآن الكريم قصة الهدهد والنبي سليمان كشكل من اشكال التجسس , ناهيك عن قصة النبي يوسف ايضاً , وهو امر تكرر ذكره في الكتب المقدسة جميعاً.
فالحضارات باجمعها سواء كانت حضارة مابين النهرين او مصر الفرعونية او الرومانية او الصينية او الفارسية , كلها مارست التجسس لحماية المصالح والذود من الاعداء ودسائس القصور والصراعات الداخلية , وهي كلها حضارات قامت وقويت قبل قرون من الميلاد .
فحفريات وآثار حضارة وادب النيل مليئة برسومات للعيون والاذان وكتابات تدلنا على الافعال التجسسية , وكذلك ما يذكر عن الفرعون تحتمس الثالث المولود ١٤٢٥ ق م وقصصه مع الجاسوسية , ومثل ذلك موجود باشكال عديدة في كل الحضارات القديمة .
ولاشك من ان بعض الامور لايمكن تصور حدوثها دون جهد استخباري كبير كالغزوات والفتوحات عبر القارات والتي لاتتم بدون فهم واستخبار وعيون ومعرفة , فلايمكن تصور هجمات وفتوحات الاخمينين الفرس من اقصى الشرق الى فلسطين و هذا في ٦٠٠ ق . م , والامر ذاته ينطبق على مجيء الاسكندر الكبير في ٣٥٦ ق . م من الغرب الى اقصى الشرق خلال عشرة سنوات من الحروب والتقدم المستمر , والذي لابد ان يكون قد بني على اساس استخباري.
وذات الامر ينطبق قرون مابعد الميلاد كما في هجمات المغول والتاتار في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي في غزو بلدان بعيدة عن مستقراتهم , وهو امر لايحتاج الى وثائق بل الى استنتاجات .
فحتى وان لم تكن هناك وثائق ومخطوطات( وهي موجودة ومبثوثة ) , الا ان طبيعة الاشياء والمسافات البعيدة والشاسعة وقرارات الحرب والحصار والاستعداد وحتى التواصل بين القيادة وجيوشها تحتم وجود الاستخبارات.
لقد تميزت امبراطوريات عن اخرى بمدى اعتمادها على الاستخبار , فينقل المورخ الاغريقي هيرودوت والذي كان معجباً بالفرس وعاش بحوالي ١٠٠ عام بعد الملك كورش الثاني في القرن السادس قبل الميلاد , ينقل عن امبراطورية هي الاكبر في التاريخ تمتد من اليونان الى الهند وتشكلت من ٢٠ ولاية , وتسمى كل ولاية منها بالمرزبانية في زمن داريوس الاول , ليقول ان قوة الفرس كانت تكمن في الاستخبارات وبث الاشاعات ونقل الاخبار السريع , وهو مااستفاد منه الاغريق في زمن الاسكندر الكبير لاحقا على بناء استخبارات جعلتهم يتمكنون من احتلال الامبراطورية الفارسية , وقد تعلم الاغريق الاشارات النارية اثناء الحرب من الفرس.
اما روما الامبراطورية فكانت في عهدها الاول تعتمد على القوة وفاشلة استخباريا وتعرضت لانتكاسات بسبب ذلك على يد القرطاجيين خاصة الملك هانيبال القرطاجي في معارك ٢١٩ ق م , الا ان الامبراطورية الرومانية استعادت قوتها في زمن الامبراطور يوليوس قيصر من خلال تطويرها للاستخبارات , حيث يعتبر يوليوس قيصر الذي حكم في اواسط القرن الاول قبل الميلاد اول من اسس استخبارات للرومان.
-----------------------------------------------
كتب ومراجع للتجسس قبل الميلاد!
-----------------------------------------------
ان كتاب فن الحرب للجنرال الصيني سون تزو المولود ٥٤٤ ق م يذكر تفاصيل دقيقة عن العيون والجواسيس ومعرفه المناطق والجبال والاستخبار حتى عن البيئة والطقس والعدو , ويصنف سون تزو الجواسيس الى خمسة اصناف لكن لم يعطي وصف لمؤسسه تجمعهم .
ولاننسى كتاب ارثا ساسترا الذي ينسب الى المفكر الهندي كاوتيليا المعاصر للملك الهندي غوتبا الذي حكم المملكة من ٣٢٠ ق م الى ٢٩٧ ق م , ويشمل ارثا ساسترا ٨ ابواب للحكم احدها الجاسوسية ويسميهم المراقب , ويصنفهم الى ( الجواسيس الجوالين , الرهبان , ناقلي الرسائل , جباة الضرائب )ويربطهم برئيس جباة الضرائب , كما يؤسس تحت تصرف رئيس جباة الضرائب قوة خاصة للقتل والاغتيال.
اما كتاب العهد القديم عند اليهود , فيذكرون فيه ان الرب كلم موسى وامره ان يبعث رجال الى ارض كنعان التي اراد الله ان يعطيها لليهود ويأمره ان يختبروا ارضها وماءها وثمرها ومدنها وسلاح الناس .
-------------------------------------------
الاستخبارات مع اطلالة التاريخ الميلادي
-------------------------------------------
مع ابتداء التاريخ الميلادي جاء الامبراطور اكتافيوس ليؤسس مكتب بريد استخباري وشرطة سرية , ويتبعه الامبراطور هارديان في القرن الثاني الميلادي حيث اسس الحرس الامبراطوري , وهو مختص بالاستخبارات والاغتيالات , وكان عناصره يتواجدون في كل ثكنات الجيش ولهم حق التحقيق والتجسس والقتل حتى على ضباط الجيش , ولاننسى هنا ضمن السياق التاريخي قصه سرقة دودة القز من الصين من خلال ٢ من الرهبان الفرس عام ٥٥ ميلادي, والتي تعتبر عملية استخبارات متقنة.
واستمر التطور الاستخباري المتلاحق ليصل الى الامبراطور البيزنطي فلافيوس موريسيوس تيبريوس في بدايات القرن السادس الميلادي ليكتب في كتابه الموسوم بسفر التكتيك الذي يحتوي على شوون عسكرية والاستطلاع الميداني والتكتيكي للمناطق الحدودية والتنسيق بين وحداته المقاتله والجواسيس كما كتب عن واجبات سرايا الاستطلاع .
-----------------------------------------------
الاستخبارات في عهد الرسول (ص)
-----------------------------------------------
لقد استطاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبتكر الكثير من فنون الاستخبارات والجاسوسية , فكان يعتمد على اهل الخبرة اياً كانوا , فقد استعان في هجرته من مكة إلى المدينة بعبد الله بن أريقط رغم أنه كان مُشركاً لكنه كان خبيرا في الطرق والأودية , وكان لا يدخل معركة إلا بعد أن يعرف معرفة كاملة حالة العدو ومعسكراته ومواقفه العسكرية وطبيعة الأرض التي ستتم عليها المعركة•
وكان حريصاً على أن لا تتسرب الأخبار إلى العدو إلا ساعة الصفر, كما ابتكر وسائل جديدة لم تكن معروفة في عالم الاستخبارات من قبله كالأوامر المختومة وهي رسائل يحملها المكلف بما فيها ولا يفتحها إلا في مكان معين وزمان معين•
ومن ابتكاراته أيضا في عالم الحرب والاستخبارات ما يعرف الآن بالشفرة أو الشعار أو كلمة السر , فقد كان للجيش الإسلامي نداءات خاصة يصدرها القائد للجند في الحرب , كما استفاد من خبرات البلدان الأخرى في الحرب , فأخذ فكرة سلمان الفارسي في إقامة الخندق , وكانت له شبكة عيون مبثوثة في كل مكان بالجزيرة العربية.
ومع تطورات بناء الدولة بشكل اكثر تطوراً ومع تمركز دكتاتوريات الحكم الشبيه بالحكم الملكي الاستبدادي في العد الاموي والعباسي , جرى الاهتمام بديوان البريد وهو المركز الاستخباري لنقل الاخبار والمعلومات والذي تطور على يد القرامطة الى استخدام القرامطة للحمام الزاجل في القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي ).. وكان المغول يتجسسون لسنوات ويجمعون المعلومات عن بلاد المسلمين من خلال التجار المسلمين المتاجرين مع الصين.
------------------------------------
الغرب الحديث والاستخبار
------------------------------------
ومع الاحتكاك الطبيعي للحضارات , دخل عصر المستشرقين الذين ارسلوا من اوربا المتخلفة لمعرفة ممالك الشرق المتقدمة وحضارتها وشعوبها وافكارها , كماركو بولو الذي ذهب الى الصين برحلة استمرت ربع قرن وليكتب فيها كل شي وعاد عام ١٢٩٥ميلادي .
كما برزت في ذات الوقت البابوية باعتبارها الاقوى استخبارياً في اوروبا , فهي بلا وطن وتحكم الاوطان , استطاعت الكنيسة من صناعة جيش فرسان المعبد . بعنوان تنظيم عسكري مسيحي في ١١١٩ وكان اعلى سلطة ونفوذ من الجيوش الوطنية لكل دولة في اوروبا .
ومن خلال الكنائس والاديرة والرهبان العاملين في القصور ومكاتب الملوك والامراء كان البابا يفرض شبكة من التجسس تتيح له القوة والامكانية في التخطيط .
اما الامبراطورية العثمانية التي كانت مع اواسط القرن الخامس عشر الجيش الأقوى في العالم , الا انها لم تؤسس الى جهاز استخباري احترافي وكان الاستخبار من واجبات العسكر في الجيش بلا وضوح .
وهكذا كان زمام الاستخبارات في القرون القليلة الماضية بيد اوروبا وجيوشها ولاسيما الجيش الامبراطوري البريطاني , كما كان اول من اسس جهاز امن تجسس داخلي هو ريشليو الوزير الاول الفرنسي في عهد الملك لويس الثالث عشر عام 1635 , ليستمر تطور الجاسوسية وبروز اهميتها العسكرية في القرون الاخيرة حتى مطلع القرن العشرين مع تطور الحركات الاستعمارية , وهي العصور التي تميزت برحلات المستشرقين الجدد في الصحارى العربية واعتماد تقاريرهم استخبارياً .
--------------
خلاصة
--------------
لاشك ان من الصعب الالمام بتاريخ الاستخبارات في مقال , فالامر يحتاج الى مؤلفات , الا اننا نقلنا ومضات تاريخية تعطي فكرة عن تلازم الاستخبارات لعاملين هما بناء الدول والحروب , فهما العملان الفاعلان في صنع الحاجة الى الاستخبارات , والحاجة ام الاختراع , والله الموفق .

#بشير_الوندي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات