|
العلاقات الآشورية - الميتانية (2)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6061 - 2018 / 11 / 22 - 14:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (66) – الآشوريون
العلاقات الآشورية - الميتانية (2)
بعد أن أصبحت آشور تحت الحُكم الميتاني، حاول الملِك الآشوري (آشورـ بيل ـ نيشيشو) (1449 – 1411 ق.م.) إخراج آشور من تحت الحُكم الميتاني، إلا أن محاولته باءت بالفشل. قام هذا الملِك الآشوري بِإبرام معاهدة مع الدولة الكاشية لتثبيت الحدود بين الدولتين[12] إذ جاء في نص المعاهدة أنّ {(كارة انداش) ملِك (كاردونياش)، و(آشور بيل نيشيشو) ملِك (آشور) ثبّتا بينهما معاهدة وأقسما يميناً أحدهما للآخر فيما يخص الحدود)[13].
بعد وفاة الملِك الميتاني (شوترنا الثاني II Suttarna) في حوالي سنة 1400 قبل الميلاد، حدثت صراعات داخلية في مملكة ميتاني، فتمّ قتل الوريث الشرعي للبلاد، وأن الأمير الميتاني (أرتاتاما الثاني Artatama) كان يطمع بالعرش ووقف ضد أخيه الملِك الشرعي (توشراتا Tusratta). بدأ الملك الآشوري (إريبا أداد الأول) يتدخل في المعارك التي كانت مندلعة بين الأخوَين الميتانيَين (توشراتا) و (أرتاتاما الثاني) وبعد ذلك بين (أرتاتاما الثاني) وإبن (توشراتا) الذي كان إسمه (شوتارنا الثاني Shuttarna II) الذي سمّى نفسه "ملك مملكة خوري" والذي تقدّم في نفس الوقت بطلب المساعدة من الآشوريين لتثبيت حكمه[c]. حينئذٍ ظهرت مجموعة من أفراد العائلة المالكة الميتانية المؤيدة للتحالف الخوري – الآشوري، بينما تحالف الأمير الميتاني (أرتاتاما الثاني) مع الملِك الهيتي (شوبيلوليوما) ضد الملِك (توشراتا) ونتيجة هذا التحالف إضطر (توشراتا) الى القيام بِشنّ حرب ضد الهيتيين التي أسفرت عن خسارة مملكة ميتاني الحرب وإضعافها[14] .
تسبّب هذا الصراع العائلي في إنقسام مملكة ميتاني إلى قسمين، أحدهما دولة مستقلة عند منطقة بحيرة (وان)، ودولة أخرى كانت واقعة في أعالي ميزوپوتاميا التي ورد إسمها في النصوص السومرية بإسم (مملكة خانيگلبات)، إلا أنّ الملِك الميتاني (توشراتا) تمكن من إنهاء الصراعات الداخلية في المملكة وإستلام الحُكم في مملكة ميتاني في سنة 1390 قبل الميلاد. في هذه الفترة كان الملِك (آشور ـ نادن ـ آخي الثاني) (1417 – 1379 ق.م.)، يحكم آشور.
في ظل الصراعات الداخلية في مملكة ميتاني، وجد الملِك الآشوري (إريبا أداد الأول Eriba-Adad I) (1390 – 1366 قبل الميلاد)، فرصة مؤاتية للتخلص من الحُكم الميتاني. كما أنَ تولّي الملك (شوپلوليوما الأول I Suppiluliuma) (1380 – 1346 ق.م.) الحُكم في المملكة الهيتية (الحثّية)، كان في صالِح الآشوريين، حيث أنّ هذا الملِك الهيتي الجديد كان منشغلاً بِتقوية سلطته في الداخل ويعتزم القيام مستقبلاً بالسيطرة على مناطق نفوذ مملكة ميتاني، لاسيما في بلاد الشام ولذلك لم يكن مهتماً في ذلك الوقت بِمملكة ميتاني وبما سيجري فيها ولم يكن مستعداً للتدخل فيما لو إندلعت الحرب بين الآشوريين والميتانيين. هذه الظروف ساعدت الملِك الآشوري على إكتساب بعض النفوذ في آشور.
في منتصف القرن الرابع عشر، بعد أن ثبّت الملِك الهيتي (شوپلوليوما الأول) أركان حُكمه وإستعادت الإمبراطورية الهيتية قوتها تحت حُكمه، قام بغزو الممالك التابعة لِمملكة ميتاني في غرب كوردستان الحالية وعيّن حُكّاماً موالين للهيتيين محل الحُكّام الميتانيين الذين كانوا يحكمون تلك الممالك، حيث أنّه قام أيضاً بِغزو العاصمة الميتانية (واشوكاني Wasukanni) وإستولى عليها وقام بِنهبها[d]. لقد قام البعثيون السوريون بِتعريب إسم هذه المدينة التأريخية وإطلاق إسم (رأس العين) عليها.
من أهم العوامل التي ساعدت الملِك الهيتي ( شوبيلوليوما) في إحتلال مملكة ميتاني، هي الصراع على السلطة الذي كان قائماً بين أفراد العائلة الميتانية المالِكة. من العوامل الأخرى التي سهّلت إحتلال مملكة ميتاني من قِبل الهيتيين، كانت إنشغال الفرعون المصري (اخناتون) ( 1379 -1362 ق.م.) الذي كان حليفاً للملِك الميتاني (توشراتا)، بثورته الدينية الذي أدى الى عدم الإهتمام ببلاد الشام. كما أنّ تولّي (آشور ـ أوبالط) (1365 – 1330 ق.م.) السلطة في بلاد آشور وإنشغال هذا الملِك الجديد بتثبيت حُكمه، كان عامِلاً آخراً في نجاح الهيتيين في إحتلال مملكة ميتاني. إنتهز الملك الآشوري ( آشور ـ أوبالط ) (1363 - 1328 ق.م.) الغزو الهيتي لمملكة ميتاني، فحاول التخلص من النفوذ الميتاني، حيث سعى عند الملِك الميتاني للحصول منه على الاعتراف بإستقلال بلاد آشور ونجح في مسعاه وبذلك إستطاع إخراج آشور من السيطرة الميتانية، فقام بِتعزيز إستقلال بلاده وتقويتها وجعلها قوة إقليمية مؤثّرة في المنطقة[15، 16].
هكذا نتيجة ضعف الدولة الميتانية، خرج الآشوريون من حكم مملكة ميتاني على يد الملِك الآشوري (آشور أوبالط) بعد حوالي 150 سنة من التبعية السياسية وأصبحت مملكة ميتاني تحت وصاية الهيتيين الذين نصّبوا الملِك الميتاني (شاتيوازا Shattiwaza) إبن الملك (توشراتا Tushratta) ملِكاً لمملكة ميتاني في سنة 1360 قبل الميلاد، حيث كان تابعاً للهيتيين وكان الهيتيون هم الحُكّام الفعليين لهذه المملكة. عندئذ إنكمشت مملكة ميتاني و أصبحت تضم وادي الخابور فقط[17].
أطلق الآشوريون إسم (مملكة خانيگلبات) على مملكة ميتاني بعد أن إنحسرت حدودها في أعالي بلاد ميزوپوتاميا. يذكر المؤرخ المختص بتأريخ الهيتيين (Trevor Bryce) أنّ مملكة ميتاني تم إحتلالها بشكل دائمي خلال حكم الملك الهيتي (مورسيلي الثالث Mursili III) الذي تمت هزيمته من قِبل الآشوريين وكانت هذه الهزيمة ضربة قوية لِهَيبة المملكة الهيتية في العالم القديم وقوّضت سلطة الملك الهيتي الشاب في مملكته[e].
المصادر
12. طالب منعم الشمري. الوضع السياسي في الشرق الأدنى القديم بين القرنين السادس عشر والحادي عشر قبل الميلاد. أطروحة دكتوراه، بغداد سنة 1996 صفحة 260.
13. وليد محمد صالح فرحان. العلاقات السياسية للدولة الآشورية. رسالة ماجستير، بغداد سنة 1976، .صفحة 44.
14. صلاح رشيد الصالحي. المملكة الحثية - دراسة في التأريخ السياسي لبلاد الأناضول. بغداد، سنة 2007، صفحة 242.
15. محمد امين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الثاني، 1945، صفحة 14.
16. جرنوت فلهلم. الحوريون تأريخهم وحضارتهم. ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 44.
17. طه باقر. تاريخ العراق القديم. الجزء الأول، بغداد، 1983، ص218.
c. Roux, Georges. Ancient Iraq. p. 229. Penguin Books, 1966.
d. Gelb, Ignace J. (1944). Hurrians and Subarians. Studies in Ancient Oriental Civilization No. 22. Chicago, University of Chicago Press. P.78.
e. Bryce, Trevor (2005). The kingdom of the Hittites. Oxford University Press. ISBN 0-19-927908-X.
#مهدي_كاكه_يي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقات الآشورية - الميتانية (1)
-
الدين اليارساني والكفاح من أجل البقاء
-
الجذور التاريخية لِكلمة (دِين DÎN)
-
أسباب وحشية ملوك آشور وقسوتهم
-
مجازر ملوك آشور (2)
-
مجازر ملوك آشور (1)
-
هل السيثيون من أسلاف الكورد؟
-
الإمبراطورية الآشورية (5)
-
الإمبراطورية الآشورية (4)
-
الإمبراطورية الآشورية (3)
-
الإمبراطورية الآشورية (2)
-
الإمبراطورية الآشورية (1)
-
ماذا إقتبس الإسلام من الدين الزردشتي؟
-
مقاومة السوباريين للغزو الأجنبي
-
تأسيس مملكة آشور
-
المسيحية تعود الى جذورها الميثرائية (اليزدانية)
-
هل كان النبي إبراهيم من أسلاف الكورد؟
-
الحُكم السومري والسوباري في بلاد سوبارتو (4900 – 1820 قبل ال
...
-
أسباب إفتقار شعب كوردستان لِكيانٍ سياسيٍّ
-
اللغة والثقافة الآشورية
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|