|
السعودية، بشار الجعفري، وهيئة علماء المسلمين....عندما تتحدث العاهرات عن الشرف
حكمت حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 6057 - 2018 / 11 / 18 - 00:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تحياتي للجميع... أود أن أنوه في البداية، إلى أن العنوان الذي يحتوي (العاهرة تتحدث عن الشرف)، هو عنوان مجازي ومثل دارج، وأنا لست ممن يؤمن أن الشرف في الفروج، أو أن من يعملن بالدعارة هنّ عديمات الشرف، ولكني استخدمت المثل في عنواني هذا لأنه دارج بشدة، ومعبر، والغاية منه هو التعبير عن الواقع بكلمات معروفة لدى الجميع، ولا يعبر عن قناعتي الشخصية. كما ذكرت سابقا في إحدى المواضيع التي نشرتها هنا، فإن الاستبداد في العالم العربي يقوم على ركيزتين أساسيتين، الأولى هي تقديس الحاكم ونظام الحكم سواء كان رئاسيا أم ملكيا، وذلك تحت عناوين كثيرة أهمها أن هذا الحاكم أو هذا النظام الحاكم، هو منبع الشرف والأخلاق والوطنية، والتي لا هم لها سوى الحفاظ على أمن المواطن، وأكل حقوقه وقوته...!!عفوا أقصد إعطاءه حقوقه وقوته وقوت أطفاله وجميع ما يحدده له القانون الذي لا يشبه القانون، والدستور الذي لم يشتم رائحة الدساتير سوى فيما يكتب على الغلاف الخارجي. أما الركيزة الثانية التي يقوم عليها الاستبداد فيه الدين وبشكل محدد الاسلام، فالأنظمة العربية تتبنى روايتين لا ثالث لهما، الأولى هي ادعاءها أنها تمثل الاسلام الصحيح النقي الخالي من الشوائب، والثانية هي ادعاء الدولة أنها علمانية، وبنفس الوقت تأخذ المراكز والهيئات الاسلامية دورا كبيرا فيها، وتتحكم في الكثير من مفاصل الحياة، ومع اختلاف مدى تأثير وعمق هذه الهيئات الاسلامية في الدولة والمجتمع، إلا أننا نرى أثرها في كافة الدول العربية، وهي تراوح بين التأثير الضئيل، والواضح. المضحك المبكي في حال أمتنا العربية، هي تشدق البعض وامتطاءه المنابر حيث تكون الميكروفونات في استقباله، للحديث عن حقوق الانسان وعن الحرية وعن حرية الصحافة وحماية الأطفال، وكأن المتحدث ليس عربيا، ولا شرق أوسطي، بل كائن فضائي قادم من كوكب علمانيوس، حزن وتأثر كثيرا بحال الكرة الأرضية، لما شاهده فيها من قمع واستبداد و انتهاك لحقوق الانسان، فآثر أن يركب الضوء ويسافر عبر الثقوب الدودية إلى كوكبنا لتطبيق تجربة حقوق الكائن الفضائي، على الإنسان. والنكتة الأولى، أن تمتطي السعودية المنبر الأممي، لطرح مشروع قرار حول حقوق الانسان (وليست المرة الأولى) في سوريا، المثير للسخرية وللدموع في آنٍ معا هو أن مشروع القرار المقدم، تضمن فقرات عن حرية الصحافة والتعبير، كما احتوى على فقرة تنص على تحذير من استخدام المجاعة كسلاح حرب. كان حريا بالسعودية أن تطرح هذا القرار ضد دولة أخرى، هذه الدولة تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم، هذه الدولة التي قامت بحد السيف، واستمرت بحد السيف، ولولا حد السيف لما بقي لها ركن واقف حتى الآن، وتمتلك هذه الدولة براءة اختراع في اعتماد المنشار كوسيلة اعدام داخل المباني الدبلوماسية، ولها تاريخ أسود في مجال حرية الصحافة وحقوق الانسان، كما أن هذه الدولة محكومة من أسرة اسمها آل سعود، فهل عرفتم اسم هذه الدولة؟! لا أدري كيف تقوم السعودية بالحديث عن هذه الانتهاكات بكل دم بارد، وكأن وثيقة حقوق الانسان هي التي أصدرتها، ولا أدري من السباق في هذه الانتهاكات، وقمع الحريات، السعودية التي لا زالت تدك اليمن بالمدافع والطيران، السعودية التي لم تدع لنيرانها المجال كي تفرق بين المدنيين والمسلحين، ولم تستثنِ الأطفال من حزمة الحريات التي تسقطها على اليمن بالطيران، السعودية التي تحاصر اليمن، وتسببت بمجاعة أدت لوفاة الكثيرين، ونقص في الأدوية الذي أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض، تطالب بعدم استخدام المجاعة كسلاح حرب!!. ولا ندري هنا، هل نوجه اللوم للحاكم الذي يدعي الوطنية وحب الوطن والعدل...الخ من هذه الشعارات الفارغة، أم نوجه اللوم الى الاسلام الصحيح الذين يدعون أنهم يتبنونه في طيات مؤسساتهم وأجهزتهم؟ أم نلقي اللوم على المفتي ودوائر الافتاء ورجال الدين، الساكتين عما يحدث، أو المشرعنين لما يفعله الدب الداشر وأبوه، أم نحزن على المشايخ الذين ساهموا في تفريخ الإرهاب تارة، ثم قالوا كلمة ضد ابن سلمان فأطيح بهم؟ النكتة الثانية في موضوعنا اليوم، هي رد بشار الجعفري عليه، وبعض العبارات السابقة التي وجهها الجعفري للسعودية في جلسات سابقة، فهو ينتقد إصدار الجانب السعودي لمشروع القرار، لنفس الأسباب التي أوردتها أعلاه، على مبدأ من بيته من زجاج لا يجب أن يقذف الناس بالحجارة، يرد على المندوب السعودي بكافة الأشكال والألوان، و بكن م ن مبدأ رمتني بدائها وانسلت، نجد أن الجعفري أيضا لا يستحي أن يتحدث عن هذه الأمور، سواء في هذه الجلسة أو في جلسات سابقة، وكأن سوريا مرتع للحريات وحقوق الإنسان، ولا أدري أيضا من قام باعتقال أصحاب الرأي والمعا رضين قبل الثورة وفي بدايتها (وأنا منهم كي لا يزايد علي أحد)، ولا زالت الحملات مستمرة حتى الآن، وإن كان من المؤكد أن الأجهزة الأمنية تتشارك مع المجموعات الإرهابية نفس الإجرام، في الاعتقال والخطف والتجويع والحصار، ورغم تراكم كل هذه الإشكالات في سوريا لتشكل تلالا وجبالا، إلا أن الجعفري والأجهزة الأمنية ومن والاهم، بدل أن يفكروا في حل حقيقي لما يحدث في سوريا، نراهم يبادلون السعوديين الاتهامات، على مبدأ عادل إمام في فيلم سلام يا صاحبي عندما يقول (هتضرب، هنضرب). وتعاني سوريا أيضا منم نفس المرض الذي تعاني السعودية منه، التصاق النظام الحاكم فيها على الكرسي، بحجة أنه نظام ديمقراطي ومتحرر، وضامن للحريات، حامي الأقليات، الذي يجب أن يبقى لأن رحيله يعني الخراب، ويصور نفسه على أنه الحامي الوحيد لسوريا، وهذا تحول بشكل كبير إلى حقيقية، لأن رحيله حاليا يعني طرح البديل الاسلامي المتشدد عوضا عنه، ولكن ماذا عمن يهاجم الآخرين بسلاح لا يتوفر لديه؟. النكتة الثالثة معنا لهذا اليوم، هي الأقوى، وهي التي تصدرت شباك التذاكر لأفلام الخيال العلمي التي بتنا نراها اليوم على الشاشات العربية، مع فارق بسيط أنها تجري على أرض الواقع، وهي هيئة علماء المسلمين، التي طالبت منذ فترة بإطلاق سراح "معتقلي الرأي" في السعودية (ضع ألف خط أحمر تحت عبارة معتقلي الرأي) وأماكن أخرى، وأظن أن الأماكن الأخرى التي تتحدث عنها هيئة علماء المسلمين هي غير مهمة أبدا بالنسبة لهم، لأنهم فقط يتحدثون عن رجال الدين الذين اعتقلتهم السعودية، ولا أدري تحت أي رأي هم مصنفون أنهم معتقلوه، فقط لأنهم لم يفتوا بجواز ما يفعله الدب الداشر، وربما هذا بالنسبة لهم شجاعة وبسالة لا يشق لها غبار. العجيب أن هيئة علماء المسلمين هي الوحيدة التي لا يحق لها أبدا التحدث عن معتقلي الرأي، لأنها دوما وأبدا لا تنطلق إلا لنصرة المسلمين السنة حصرا، ولا تهتم أبدا لقضايا طوائف المسلمين الأخرى، بل تبارك وتمجد الخلافات الطائفية التافهة التي تثيرها العديد من التيارات الاسلامية السنية المتشددة، ولم نرَ منها حملة واحدة لوقف إشعال الفتن الطائفية، أو بيانات تطالب فيها بحرية معتقلي رأي من غير المسلمين السنة، وهي في الآونة الأخيرة تحولت إلى مجرد هيئة لبحث تفاصيل ممارسة الجنس بين الرجل وزوجته، من باب ما هو حلال فيها وما هو حرام، وبيان من هو متزندق ومن خرج عن الملة ومن هو فاسق، إضافة إلى فتاوى يحتاج مُصْدِرُها إلى الاعدام بالرجم، كفتوى القرضاوي في بداية الاحتجاجات في سورية، حين قال لا مشكلة أن يموت مئة ألف شخص في حلب من أجل الثورة، التي كان يراها اسلامية بعد أن سرقها المسلمون من أحضان الشعب وصبغوها باللون الاسلامي، لكنه نفسه لم يتحرك ولم يهتز له جفن حين قام كلاب المتشددين بمجازر فظيعة بحق ابناء الطائفة العلوية في قرى ريف اللاذقية. من يتحدث عن معتقلي الرأي، يؤمن بقتل المرتد، وقتل المفسدين أو تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو نفيهم من الأرض. من يتحدث عن معتقلي الرأي يفتخر بالفترة التي جار فيها المسلمون على اليهود والمسيحيين جورا شديدا، ويفتخر بفاعله. من يتحدث اليوم عن معتقلي الرأي يفتخر بحد الزنا، وإقصاء المخالفين، أو إسكاتهم بشتى أبشع الوسائل، ثم يأتي ليطالب بحرية معتقلي الرأي. للأسف نحن اليوم نعاني من انفصام الشخصية، وأكبر دليل على هذا، ما تسمعه وتراه وتقرأه كل يوم، من مهازل وطرائف يتم بثها وتداولها في أماكن من المفترض بها أن تكون أكثر بقاع الأرض جدية وحزما، ومن وراء هذه الشخصيات الاعتبارية، نجد الجماهير المنقادة مغلقة العينين، تركض و تصيح وتشجب وتندد بهذا وذاك تبعا للتيار الذي يتبعونه، بغض النظر عن العقل لديهم، فهم قد أعطوا العقل إجازة مفتوحة لا أحد يعلم متى ستنتهي، وكأن أدمغتنا لا فائدة منها سوى تنظيم الأكل والمعاشرة والنوم، وكأن الحق ليس له طرق سوى ما يرسمه لنا السياسيون والمتدينون ذوي المصالح الكبرى، ونحن ليس لنا إلا الانقياد ودفع عربة السادة، ودفع فواتير ما يقومون بفعله، وعلى المدى القريب لا أفق لحلٍّ واضح، لأننا لا زلنا في مكاننا نراوح، شعب عقله في إجازة، يقوده عواهر، تتحدث دوما عن الشرف . وأنتم يا شعبنا العزيز، ماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون عدالة السماء؟ أم أن يتدخل الله شخصيا لكي ينتشلكم؟ أم تنتظرون المجتمع الدولي الذي هو أكثر عهرا من العاهرات الثلاث المذكورات أعلاه؟ كل أولئك لن ينفعوكم بشيء، فحين أتى الاستبداد، لم يأتوا به هم، ولا باركوه، بل أنتم سمحتم له بالوصول، فإما أن تهبوا وتنتفضوا وتنتصروا لأنفسكم وكرامتكم، وإما أن تصبروا وتتحملوا ما قدمت أيديكم... ودمتم بخير
#حكمت_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نجعل من النقد الديني أكثر فعالية وفائدة
-
الرايات
-
السياسة والدين...من منهما يستغل الآخر
-
نحارب الخرافة للقضاء على الاستبداد لا الدين
-
في سوريا
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...هود و صالح
-
إليكِ يا آلهة الهيام
-
الخريف الخامس
-
جمال خاشقجي الذي يساوي ملايين البشر!!
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...نوح
-
واقع التفاسير القرآنية...هريس من اللغة والتاريخ والأهواء الش
...
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...آدم
-
من لغة العوام...إلى الشرف والأخلاق والحرية..كيف أثر الموروث
...
-
عشوائيات حكمت - منافسة غير نزيهة
-
عشوائيات حكمت - في التطرف والتطرف الاسلامي
-
محرمات فكرية-هل وجود الله ضروري؟
-
سجل أنا سوري
-
محرمات فكرية-اين الالحاد في الأديان
-
سوريا..أسلمة ثورة وثورنة تشبيح..ديكتاتور في ذات كل مواطن
-
تؤمنون ببعض العلم وتكفرون ببعض
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|