|
النيل والثورة والناس فى ضجيج الضفادع للسيد نجم
السيد نجم
الحوار المتمدن-العدد: 6056 - 2018 / 11 / 17 - 13:29
المحور:
الادب والفن
ثورة 25يناير لها مآلات كثيرة، منها الكتابة الأولى المتسرعة التى ربما تبدو وكأنها لم تكتمل الرؤى.. بينما الروايات التى كتبت من بعد والتالية تبدو متوازنة ، وهو لا يعني أننا نتناول الرواية (ضجيج الضفادع) من خلال فكرة أحداث 25يناير، لأن الرواية فى الواقع تناولت التاريخ الجغرافي والاجتماعي لمصر، مع تشريح للنسيج المصري، مع ﺇشارات ﺇلى الأخطار التى تهددها أي تهدد مصر. بعد قراءة الرواية لا يمكن تجاهل تعدد مستويات الخطاب الروائي، حتى أن الرواية تبدو ﺇخبارية أحيانا؛ ربما بسبب كم المعلوماتية حول النيل والمتصوفة وغيره، ومع ذلك يبدو أن الرواية موضوعية الرؤية والتناول.. فقد أثارت العلاقة بين الرواية والتاريخ، وعبرت عن رؤية تلخص رغبة الانسان فى التحقق بالحقيقة، وهو ما يتحقق بالرواية وليس بالكتابة التاريخية التى تتولاتها السلطة او الحاكم فى كل البلدان وعلى مدار التاريخ! فى المقابل تنحاز الرواية دوما ﺇلى كل ما هو ﺇنسانى. تعتبر رواية ضجيج الضفادع للسيد نجم هي واحدة من روايات الكتابة عن ثورة 25يناير، ولكن بعد فترة قليلة.. بينما الموجه الأولى من الروايات التي كتبت عن أحداث 25يناير، تلك التى كتبت فور الأحداث وﺇستمرت لسنة أو سنتين.. وقد بدت تعبيرا عن صوت واحد، أي وجهة نظر بلا تعدد ولا ﺇضافة ﺇلى ما هو متوافق مع مشاعر الجموع التى تحركت فى الميدان، ولسيد نجم فيها رواية بعنوان "أشياء عادية فى الميدان" وقد نشرها فى ديسمبر 2012م ما يبرز أنها ضمن الروايات المنفعلة بالحدث. أرى أن الرواية الأكثر نضجا فنيا، تلك التي تتعدد فيها الأصوات.. أعنى تتعدد فيها وجهات النظر وتتشابك وتشكل رؤية غير تقليدية أو غير شائعة، ومن هنا تجيء اﻹضافة الفنية والفكرية العمل الروائي، هنا تجيء رواية "ضجيج الضفادع" معبرة عن تلك الخصوصية وأعتبرها من روايات المرحلة الثالثة لهذا السبب. ويمكن متابعة الملامح العامة الخاصة فى أن تقنية الكتابة فى تلك الرواية يعتمد على الآتي: .. أن الكاتب استغني عن التقيد بالتاريخ كوثيقة لتحريك الأحداث، وفضل التكثيف فى السرد المتتابع، فكان ملمح خلو الرواية من الزوائد الكلامية، مثل الافكار التي لم تتكرر بل بدت على ﺇستتراد دومًا. .. ايضا الكاتب هنا كتب بصفته روائيًا وليس بصفته سياسيا ولا حتى بصفته مشاركًا فى أحداث الميدان حتى كتب رواية كاملة عنها. يبدو الكاتب وكأنه فضل أن يكون شاهد ﺇثبات لكل ما ﺇستقرت عليه الأراء (تقريبا) وأصبح فى وجدان الشعب.. .. عمد الكاتب ﺇلى تحرير بعض العناوين الجانبية التي مهدت تقريب صورة ذهنية عن الشخصيات والأحداث ايضا، بذلك خلصنا من العادات القديمة فى رصد الأوصاف الجسدية والمكانية بالتفصيل. فقد تعمد الدخول من العنوان ﺇلى الحدث مباشرة وتلاحظ أنه لم يكن مباشرة عن أحداثها الساخنة بل عن أصداء أحداثها على أفراد عائلة عبدالوارث بداية من مهندس الرى "عبدالوارث"، و"جميلة" الفتاة التى استلمها عبدالوارث من مأمور قسم بوليس أسوان، حيث تركتها أمها بين أرجل سيدة فى المركب الذى سيبحر حالا من بلاد النوبة القديمة ﺇلى مدينة أسوان، حيث قررت الأم العودة للبقاء مع زوجها فى المدافن فى ﺇنتظار الغرق بمياه السد العالي التى سوف تطغى على المكان كله بعد تشييده.. وهي نفسها ما توصلت كل المهام بجوار الزوجة هانم حتى ماتت الزوجة وتابعت جميلة مهام ﺇدارة البيت الكبير كله. .. لم يبدأ ويتحرك الكاتب مع شخصياته عند موقف معين، بل جاءت الأحداث متتالية ودالة وكل شخصية تشارك بالقدر الذي رسمه لها الكاتب.. وهو ما يبرر العناوين الجانبية التى حرص على رصدها فى البناء الفني للعمل. .. لم يترك الأمور على عنتها، بل عمد أن يعطي للمخطيء الجزاء المناسب،وهو ما عرض به شخصية الجنرال الذي أخلص كرجل شرطة باعتباره هو القانون وليس منفذا للقانون.. ولو أنه تمكن من حماية بعض اقسام الشرطة من ﺇستيلاء الغوغاء عليه، ولتحقيق ذلك ﺇستخدم العنف المفرط وﺇطلاق النيران الحية أو طلقات الرصاص.. مما تسبب فى محاكمته وﺇحالته ﺇلى المعاش. .. ﺇستمعنا لأول مرة عن رجال الشرطة وﺇقتحام أقسام الشرطة، وهو ما كشف تعدد المناحي فى تناول أحداث 25 يناير. ويبدو أنه لم يتعاطف مع رؤية سياسية ما، بل رصد واقع الحال برؤية مثقف روائي وعلى القاريء ﺇصدار الأحكام. .. ما تم عرضه فى النص بشأن التعبير عن شخصية جميلة وهانم، فى ﺇدارة البيت القديم، هذا يرمي ﺇلى أن مصر لها جناحان، منهما أسمر اللون أبنوسى لامع كما هو عند جميلة، والآخر ما يعبر عنه عبدالوارث مهندس الرى وكبير العائلة. .. كما لم يتخل الكاتب عن أحواله المصرية، فكل ما يحدث اليوم أرجعه ﺇلى أصول تاريخية فرعونية الملامح، كما تم من عرض لمشكلة التلوث التى يتعرض لها نهر النيل، مع عرض بعض التقاليد المتعلقة بالنيل مثل عروس النيل البشرية التى كانت تلقى فى النهر حبة وتقديرا لمياه النيل التى فاضت وفاض معها الخير، ويبدو وكأن الكاتب يقول بشكل خفي "حب أرضك وبلدك". أما لغة الكتابة: تبدو سلسة بمهارة تخص الكاتب فى ذكاء، كما استخدم كلمة "تحيا مصر" مرة و"نحيا مصر" مرة أخرى فى سياق للتعبير عن اﻹنتماء والتواصل مع مصر. ويبدو الأصل عنده السرد مما يدل على التمكن، وأثمن تلك المعلومات التى أوردها عن السد العالى. أما عن الراى أنه لفت انتباه البعض أن وردت بعض الأخبار والأحداث فى الرواية لم تكن فى زمن الأحداث مثل وصف عام لمكان سد النهضة؟ وهو محل سؤال لأن تلك المعلومات لم تعرف فى حينها. ربما يبررها ما قال به الكاتب انه كتب الرواية منذ عام 2013 حتى عام 2017م، وخلال تلك الفترة نشرت تلك الأخبار. يجب أن أشير ﺇلى أن الرواية صنعت بمهارة، وتعتبر هجوم على القاريء المسترخى.. حيث يستخدم الكاتب طريقة تنبه القاريء كثيرا، كأن يقول: ماذا لو تحدثت فى هذا .. وهو تأثير برختي حيث يتحول الكاتب ﺇلى شخصية من شخصيات الرواية... مما يخلق سرد متفاعل مع تغيير مستمر فى الضمائر .. كما يؤثر فى مصائر البشر مما قد يدفعهم للموت كما مع هانم. كما تناول الروائي أحداث 25يناير بنظرة جديدة ، وتناول رجل الشرطة بسرد موضوعية ومتعاطفا أحيانا .. لذلك هذه الرواية ﺇختلفت الأخريات التى تناولت الثورة ونظرت ﺇلى الشخوص بسلبياتها وﺇيجابيتها معا وتحويلها ﺇلى ايقونات دالة، وهو فى المجمل هذه الرواية تذكرني بعودة الروح بل أرى بعض التشابة، حيث جميلة يلتف حولها الجميع على تنوع انماط الشخصيات. ايضا أبرزت الرواية تنوع أنماط الأجيال فى الحياة اﻹجتماعية. وهذا ما يمكن رصده من خلال اﻹجابة على السؤال : هل الرواية رواية أصوات؟ الشخصيات مبعثرة وعلى القاريء جمع الشتات، ومراعاة التكثيف فى العمل والتركيز فى فهمه، عموما الأحداث الكبرى تليق بتعدد الرواة، والقراءة السريعة لا تفيد.. ويمكن أن نقول الفصل الأول حول النيل بينما الفصل الثانى والثالث عن 25 يناير، وليست هناك كلمة أخيرة فى القراءة النقدية. ***********
#السيد_نجم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد لى/ مجموعة قصص -كمستير- لجعفر العقيلى.
-
-رئيس التحرير بين الرواية والسيرة.. قراءة للسيد نجم
-
ابداع التجربة الحربية المصرية لمعارك اكتوبر 73
-
قصة من التراث للصغار- الاخوة المغامرون
-
التقنية الرقمية تبدع مسرحها.. المسرح الرقمى
-
ملف -السيد نجم أديب المقاومة-
-
المنتج الثقافى لثورة 25يناير.. تحت المجهر
-
ملامح ثقافية وأدبية مع ثورة25يناير
-
عالم -نجيب محفوظ- فى أضخم ببليوجرافيا!
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|