|
كتاب-شعرية اللغة والرؤيا في الشعر المغربي المعاصر- للباحث المحجوب عرفاوي اتحاد كتاب المغرب/ فرع الفقيه بن صالح بني ملال منشورات ديهيا/ الطبعة الأولى 2015.
زهير عزيز
باحث
(زهيٌ عٍيٍ)
الحوار المتمدن-العدد: 6055 - 2018 / 11 / 16 - 21:24
المحور:
الادب والفن
يتناول هذا المُؤَلَّفُ النقديّ بالمدارسة والتحليل تجارب شعرية مختلفة لشعراء مغاربة معاصرين يَلُمُّهم شغف الانتماء إلى جسد شعري واحد، يمتد من جيل الرواد والمؤسّسين إلى نخبة شعراء الحساسية الجديدة بالمغرب، وذلك من خلال الكشف عن تيمات باطنية ثاوية وقضايا عميقة محفورة في أركيولوجيا هذه الدواوين الشعرية : - "الفروسية" لأحمد المجاطي. - "الهجرة إلى المدن السفلى " و "سلاما ليشربوا البحار" و "أياد كانت تسرق القمر" لعبد الله راجع. - "عاريا أحضنك أيها الطين" لمحمد بوجبيري. - "شرفة يتيمة" لصلاح بوسريف. - "قاب كأسين من ريحه" لفتح الله بوعزة. - "شاهدة الأحبّة" لادريس علّوش. - "آت شظايا من رسائلهم" لعبد الغني فوزي. - "قصائد في ألياف الماء" لنجاة الزباير. ويرى الكاتب أنه من الضرورة إضفاء الشرعية على هذه الاختيارات وتسويغها استجابة لمتطلبات التلقي، التي قد تتساءل عن جدوى الالتفات إلى هذه النصوص الشعرية دون أخرى، وهذا التساؤل في حدّ ذاته حق مشروع، لذلك أقرّ بحُبّه لها وشغفه بقضاياها التي تنهل من الواقع المغربي والعربي، وتبوح بفظاعته واختلاله من جميع مناحيه، وتكسر شوكة القلق الشعوري الذي يغمر الذات ويعذبها عبر الجرأة في الإبداع والبوح بمنزع تخييلي شعري راقٍ قاهرٍ ل "السلط"، له ما يكفيه من الزّاد ليتقوّى ويفرض ذاته في الساحة الأدبية والمشهد الثقافي العربي . وحتى لا تتخندق هذه القراءات النقدية في واد واحد وتدفع بقارئها ليقلب لها ظهر المجن؛ ارتأى الكاتب ألا يكون سجين منهج يتيم، من مُنطلق أنّ أيّ مقاربة منهجية بقدر ما تضيء جانبا في النّص الإبداعي، فإن جوانب أخرى تظل معتمة، لهذا آثر الانصياع لخيوط البنيوية التكوينبية (لوسيان غولدمان) ومؤشرات المضمر (كاترين كربرات أوريكيوني) والمنهج التأويلي وتقابلات التشاكل (محمد مفتاح) وآليات التفكيكية (جاك دريردا) ونظرية التلقي (مدرسة كانستانس) وأبعاد التّداول وفلسفة اللغة (مدرسة اكسفورد) ومفهوم التناص (جوليا كريستيفا) وأنساق النقد الثقافي، وتوهجات الاستطيقا والرؤيا من زاوية نظر ذوقية جمالية صوفية خلاّقة هادئة. وإذا تجولنا بين صفوف هذه الدّراسة وأمعنّا النظر في موادها نجدها تستهل قراءاتها المستبطنة بديوان "الفروسية" للشاعر المغربي الرصين -ذائع الصيت في العالم العربي- أحمد المجاطي لدوره الرّيادي في الكتابة الشعرية المغربية التي وصفها – نجيب العوفي- بالمؤشر الهام والمبكر في خريطة الشعر المغربي المعاصر في وقت كانت فيه هذه الخريطة أشبه ما تكون بالأرض البور. فهو شاعر محظوظ بحقّ لأنه استطاع أن يظفر بهذا الديوان اليتيم وينتشل ذاته من عذابات الكتابة وألم الاسترسال فيها؛ ربما احتجاجا على الواقع السّائد ؟ أم هو اختيارٌ لا موقفٌ نابعٌ من قناعة أنّ القلّة أهم من الكثرة؟ وأنّ البلاغة في الخطاب تقتضي الإيجاز غير المُخِلِّ بهدف الإقناع مخافة إصابتها في مقتل؟. ولعلّ ما يسعى الكاتب –عرفاوي المحجوب- استجلاءَهُ في هذه الورقة النقدية ليس هو ما باح به الشاعر أحمد المجاطي، وإنّما ما أضمره وسكت عنه فاتحاً الباب على مصراعيه للخاصة من الباحثين الجديرين بتقفّي أثرها واستنطاق بياضها عبر كفاءات ثقافية ولغوية/لسانية واجتماعية تستحضر المعارف المشتركة وظروف المقام وعناصر السياق وحدود التأويل التي تضبطها الإشاريات التّداولية والمبهمات التقليدية ضمن قصائد الدّيوان، مع الاستجداء بأنساق النقد الثقافي فهما وتأويلا وتفسيرا. لذلك استعان بكلام الله علا وجلا شأوه ومقامه، ليقف عند المضمر الديني لكون المجاطي مقتنعا بمرجعيته العربية الإسلامية في تأسيس خطابه الشعري على الأقل في قصيدة "كبوة الريح" التي تتخذ من بيت العنكبوت ملاذا للإنسان العربي المتقاعس والمستسلم المهزوم، تناصّا مع قوله عز وجل " وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " سورة العنكبوت الآية (41). وإلى جانب هذا يرصد الباحث المحجوب عرفاوي المضمر التاريخي الذي يؤسس لشعرية الديوان في دلالاته ومعانيه التي تبنيها الألفاظ في قول المجاطي منها : - وها إنك الآن تجلس منتشيا بالقرار ومنشيا بانكسار النهار ومنتشيا ... حسنا غير أني تخيرت صف الخوارج. في إشارة واضحة منه إلى أحداث بني أمية التاريخية التي ظهرت فيها الخوارج في عهد علي بن أبي طالب، حيث اختار الشاعر أن يصطفّ إلى جانب الرفض دون أن يخشى في ذلك لومة لائم. أما المضمر اللغوي فقد ترصّع بدرر الشعر العربي القديم من قبيل المتنبي وشاعر الخمرة أبي نواس والفيلسوف الشاعر أبي العلاء المعري، ليحتفل - المجاطي - بذاته وهي تحترق في حالة انتشاء عجيبة تقود الذات نحو التصالح مع نفسها غير آبهة بالطابوهات والكوابح، أجّجت صدر الكاتب في نهاية القر اءة وساقته ليجترح عصارةً من الخلاصات والنتائج؛ تعترف بمدى نباهة شاعر المغرب وارتفاع منسوب القراءة لديه؛ عجّل بحدوث فيضان من المشاعر الجياشة بالمضمرات في ديوانه اليتيم " الفروسية" . وقد نظر الكاتب كذلك إلى تجربة الشاعر عبد الله راجع، من حيث مرجعياتها التاريخية والصوفية والأسطورية والشعبية والشعرية التي يتماهى فيها المتنبي وعروة بن الورد ولوركا وإيليوت. وتجربة الشاعر صلاح بوسريف عبر قراءة نصية تأويلية لديوانه " شرفة يتيمة" تناول فيها العتبات واستقرأ البنية الداخلية للقصائد بمنهج تأويلي منفتح على كل الاعتبارات. ودرس تشكيل المكان في ديوان "عاريا أحضنك أيها الطين" لمحمد بوجبيري لانفتاحه على الأجناس السردية وديناميته المتشعبة بين الظهور والاختفاء، وعكف على دراسة تراجيديا الموت في "ديوان شاهدة الأحبة" للشاعر إدريس علوش الذي تأثر أيّما تأثر بغياب أحبّته القسري والفظيع ممّا دفعه إلى رثاء جهدهم وكدحهم وصراعهم مع الحياة من أجل البقاء. أما ديوان "قاب قوسين من ريحه" للشاعر فتح الله بوعزة فقد خصّه الكاتب بالبحث في حالة الدّهشة والاسغراب من الذات الشاعرة وهي ترسم صورا ولوحات لامعة تتخذ بعدا صوفيا يصل حالة الحضرة، وثارة حالة الانفعال والتوتر، وطورا حالة الانتشاء. مثلما يصل إليه البوح الذاتي في ديوان " قصائد في ألياف الماء" للشاعرة نجاة الزباير، التي تعتصر جرجا وحبا ورفضا وتحدّيا للقبح والحصار والذل، متطلعة إلى وضع أحسن تجد فيه الذات الأنثى كينونتها. وهي المواقف نفسها التي جسّد لها ديوان الشاعر عبد الغني فوزي " آت شظايا من رسائلهم" مدخلا تحترق به الذات الشاعرة قبل أي ذات أخرى لأنها صنيعة بيئتها وصانعتها في آن واحد، يُرجى منها أن تنصهر في عذابات المجتمع وتكتوي بتشظياتها ونارها في قضايا الهجرة وسقوط الأمكنة واليتم والتيه والحرب والموت . وفي خاتمة الكتاب يبقى المؤَلِّف وفيّا لنهجه في الترتيب والتنظيم، ملتزما بحسّ منهجي كبير، يُشرك فيه من حيث لا يدري قارئه في بناء الفهم لمّا يفترض أسئلة جوهرية يُجيب عنها ويُبرّر جدواها. فقد آمن باختياراته منذ البداية واقتنع بمردود نماذجه التي وضعها قيد الفحص، لِمَا حقّقته من تراكم محمود كمّا وكيفا منذ خمسة عقود بغاية تحليل أنساقها وبُناها ومدلولاتها وعناصرها الفنية والجمالية، التي قادته إلى زبدة من النتائج ديدنها الانتصار للإبداع وربط الأزمة بضحالة القراءة التي تتحمّل فيها الأسر والمؤسسات الثقافية واللاثقافية والإعلام دورا حاسماً.
#زهير_عزيز (هاشتاغ)
زهيٌ_عٍيٍ#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في
...
-
الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
-
أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
-
-صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
-
فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو
...
-
منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا
...
-
لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي
...
-
فنان مصري: نتنياهو ينوي غزو مصر
-
بالصور| بيت المدى يقيم جلسة باسم المخرج الراحل -قيس الزبيدي-
...
-
نصوص في الذاكرة.. الرواية المقامة -حديث عيسى بن هشام-
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|